رئاسيات تونس.. كيف استغل الشاهد منصبه لتصفية خصومه؟

زياد المزغني | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

قبل أيام قليلة من انطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية في تونس، أعلن رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد عن تفويض مهامه رسمياً لوزير الوظيفة العمومية والقيادي في حزبه كمال مرجان.

جاء هذا التفويض بعد مطالبة عدد من الأحزاب والشخصيات السياسية في تونس، الشاهد و7 وزراء بالاستقالة بسبب ترشحهم للانتخابات الرئاسية والتشريعية، وذلك من باب "الالتزام بالأخلاق السياسية وعدم توظيف مؤسسات الدولة في الحملات الانتخابية".

واعتمد الشاهد على الفصل 92 من الدستور التونسي في فقرته الأخيرة من أجل تبرير اتخاذ هذا القرار، حيث ينصُّ على أنَّه "يمكن لرئيس الحكومة أن يفوض بعض صلاحياته للوزراء، إذا تعذَّر عليه ممارسة مهامه بصفة وقتية".

وتنطلق الانتخابات الرئاسية في الخارج أيام 13 و14 و15 سبتمبر/ أيلول المقبل، وفي الداخل تُجرى يوم 15 من نفس الشهر. أما الانتخابات التشريعية فتنطلق في 6 أكتوبر/تشرين الأول في الداخل، وأيام 4 و5 و6 أكتوبر، بالنسبة للتونسيين المقيمين في الخارج.

ودخلت تونس موسماً مزدحماً بالانتخابات بعد وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، في 25 يوليو/ تموز الماضي، عن عمر ناهز 93 عاماً. وتكتسب الانتخابات التشريعية أهمية خاصة، باعتبار أنَّ نظام البلاد السياسي هو نظام برلماني، لكن الجدل الأكبر المثار هو حول التنافس على الرئاسيات عبر الاستغلال والتشويه والتصفية السياسية.

وأعلن رئيس الهيئة العليا للانتخابات في تونس نبيل بفون، في 31 أغسطس/آب الماضي، أنَّ العدد النهائي للمترشحين الذين سيتنافسون في انتخابات الرئاسة المقررة، 26 مرشحاً.

وهؤلاء المرشحون هم: منجي الرحوي، محمد عبّو، عبير موسى، نبيل القروي، محمد لطفي المرايحي، المهدي جمعة، حمادي الجبالي، حمة الهمامي، محمد المنصف المرزوقي، عبد الكريم زبيدي، محسن مرزوق، محمد الصغير نوري، محمد الهاشمي الحامدي، عبد الفتاح مورو، عمر منصور، يوسف الشاهد، قيس سعيّد، إلياس الفخفاخ، سليم الرياحي، سلمى اللومي، سعيد العايدي، أحمد الصافي سعيد، الناجي جلول، حاتم بولبيار، عبيد بريكي، سيف الدين مخلوف.

استغلال المنصب

ورغم إجراء التفويض الذي اتخذه الشاهد، إلا أنَّه يواجه اتهامات باستغلال منصبه، كان آخرها اتهامه بالضغط على المؤسسة القضائية يوم 24 أغسطس/ آب الماضي، من أجل إيقاف المرشح نبيل القروي على ذمة "قضايا فساد وتهرب ضريبي".

وعزَّز من هذا الأمر، اتهام الشاهد أيضاً لوزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي باستغلال منصبه في حملته الانتخابية، في وقت ما يزال وضعه غامضاً بين الاستقالة من عدمها.

وبعد يوم واحد من تفويض يوسف الشاهد مهامه لوزير الوظيفة العمومية، أي في 23 أغسطس/آب الحالي، أصدرت دائرة الاتهام بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي، بطاقة إيداع بالسجن بحق كل من المترشح للانتخابات الرئاسية ورئيس حزب "قلب تونس" نبيل القروي وشقيقه غازي، في القضية المتعلقة بغسل الأموال والتهرب الضريبي.

واتهم عياض اللومي المسؤول في المكتب السياسي لحزب القروي، في مؤتمر صحفي، يوسف الشاهد بالسعي إلى إقصاء القروي وإزاحته، معتبراً أنَّ هناك "عصابة داخل الدولة تريد ترويع التونسيين، والانقضاض على الحكم".

وندَّد اللومي بما اعتبره عملية "قمع للحريات"، وتابع متهكماً "نشكر يوسف الشاهد وعصابته على هذه الدعاية فهو ساهم في ربحنا للكثير من الوقت وجعل من القروي أسطورة وسجيناً سياسياً".

من جهتها عبَّرت حركة "تحيا تونس"، عن استغرابها مما سمته الزج بها وبمرشحها للانتخابات الرئاسية يوسف الشاهد، في قضية توقيف القروي، نافية أي علاقة لها بالواقعة.

وأدانت "تحيا تونس" في بيان لها ما سمتها "حملات التّشكيك في نزاهة واستقلاليّة القضاء ومحاولات ابتزازه والتأثير على قراراته"، واستنكرت ما اعتبرته "توظيفاً لهذه القضية باستغلال بعض المنابر الإعلامية للقيام بحملات تشويه وافتراء على الحركة ورئيسها"، وأكدت احترامها لحرية الإعلام ودوره في إنجاح الاستحقاق الانتخابي.

تصفية وتشويه

لم تقتصر الاتهامات الموجهة للشاهد على هذه القضيّة فقط، حيث قال المدير التنفيذي لحزب حركة نداء تونس، حافظ السبسي، في تدوينة نشرها في 5 سبتمبر 2019 بمناسبة إحياء أربعينية والده الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي:  "أخاطبكم اليوم وآلة حكومة الشاهد تشُنُّ في حقي حملة قذرة للتشويه وتوظيف أجهزة الدولة لتصفيتي وتصفية حزب نداء تونس أو الاستيلاء عليه، الحزب الذي أسّسه الرئيس الراحل".

وتابع: "يوظفون كل طاقة الشر الكامنة في نفوسهم للتشويه والابتزار والفبركة والتمويه واصطناع الأكاذيب وتركيب الملفات في حق كل من يخالفهم، ويتمادون في استغلال وسائل الدولة في محاولة تركيع منافسيهم ويستنجدون بالعناوين الكاذبة التي تصحُّ عليهم قبل أن تصحَّ على غيرهم، هم المافيا وهكذا يتصرفون".

وحذّر زعيم نداء تونس مما أسماه المنزلق الاستبدادي الخطير والانحراف السياسي الكبير في إشارة لسياسة الشاهد. 

كما اتهم الأمين العام السابق لنداء تونس والمرشح الرئاسي الحالي سليم الرياحي في مقابلة على قناة الحوار التونسي يوم 4 سبتمبر/أيلول 2019، يوسف الشاهد بالتدخل في سير القضاء والضغط عليه لإصدار أحكام على المقاس، وفق تعبيره.

وأشار الرياحي إلى أنَّ رئيس الحكومة والمحيطين به مسؤولون عن الوضع السياسي "المتعفّن''، متّهماً إياهم بالتخلي عن مسؤولياتهم والتفرّغ لكيل المكائد من أجل تأبيد أنفسهم في السلطة والاستحواذ على مقدرات البلاد.

وصدرت بحق الرياحي أحكاماً قضائية بالسجن يوم 17 أبريل/ نيسان الماضي بعد اتهامه بجرائم غسيل أموال تفوق 652 مليون دينار تونسي (227 مليون دولار أمريكي).

مطالب بالتنحية

وكانت هناك مطالب قديمة باستقالة الشاهد من رئاسة الحكومة، إذ دعا مجلس الشورى التابع لحركة النهضة (إسلامية) في اجتماعه بشهر أغسطس/آب 2018 يوسف الشاهد إلى التفرغ للإصلاحات، وقال عبد الكريم الهاروني رئيس مجلس الشورى في تصريح لإذاعة موزاييك آنذاك: "إذا قبِل بهذا الخيار فنحن ندعمه، وإن كان له برنامج للترشح للانتخابات الرئاسية القادمة فندعوه للاستقالة".

كما دعا حافظ قائد السبسي، رئيس حركة نداء تونس، الشاهد والوزراء الذين ترشحوا للانتخابات الرئاسية والتشريعية إلى ضرورة "الاستقالة الفورية من مناصبهم".

وأضاف في تدوينة نشرها على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، 13 أغسطس/آب: "أدعو رئيس الحكومة ووزرائه السبعة إلى العودة لطريق الجدية والاستقالة الفورية من مناصبهم التنفيذية حتى يتفرغوا لطموحاتهم وبإمكانيتهم ومواردهم الذاتية فحسب، وحتى يكونوا مع بقية المواطنين على قدم المساواة، وتكون الحظوظ متساوية بين جميع المتقدمين للعملية الانتخابية وتكون النتائج مقبولة بعيداً عن مناخات التشكيك والتوظيف السافر لأجهزة الدولة''، حسب قوله.

اتهامات مضادة

اتهامات الأطراف المتعددة تسربت إلى داخل الفريق الحكومي، وتحولت إلى مادّة للاستهداف في إطار الحملة الانتخابية، حيث قال عبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع الحالي والمترشّح للانتخابات الرئاسية إنَّ يوسف الشاهد، بدأ منذ 6 أشهر حملته الانتخابية مستغلاً كل إمكانيات الدولة لذلك من طائرات عسكرية وسيارات إدارية.

وأضاف الزبيدي في تصريح لراديو شمس أنَّ "الشاهد برمج زيارات لا علاقة لها بدوره كرئيس حكومة"، مبيناً أنَّه استعمل طائرة عسكرية من طراز C 130 إلى جانب سيارة مصفحة في زيارات لا علاقة لها برئاسة الحكومة مثل افتتاح مؤتمر طبي تنقل إليه بطائرة تكلفت 40 ألف دينار على المجموعة الوطنية وتدشين محطة فولطوضوئية بمدينة توزر استعمل فيها طائرة عسكرية تكلفت 50 ألف دينار على المجموعة الوطنية".

في الوقت نفسه ما زال الزبيدي يباشر مهامه على رأس الوزارة رغم حديثه قبل الحملة الانتخابية عن تقديم استقالته لرئيس الجمهورية. ولم يرُدَّ الشاهد على اتهامات وزير دفاعه على الرغم من حضوره في أكثر من وسيلة إعلامية خلال هذه الفترة.

إلا أنَّ اتهامات مشابهة وُجِّهت للزبيدي، حيث اتهمه الإعلامي بوبكر بن عكاشة والذي يقدّم أحد أهم البرامج التلفزيونية المتخصصة في التعريف بالمترشحين على قناة التاسعة باستغلال موظفي الدولة في حملته.

ونشر بن عكاشة على حسابه في فيسبوك تدوينة قال فيها: "يوم الجمعة 23 أغسطس/آب، التقيت السيد عبد الكريم الزبيدي في مكتب مغلق في موزاييك وليس في أروقة، وطلب مني ضمانات الحياد ووعدته بذلك وقال أوافق، واتفقنا أن يكون اللقاء يوم الخميس 29 أغسطس/آب.

وحضر حوار "موزاييك" الملحق الإعلامي لوزارة الدفاع. وأضاف الإعلامي التونسي "وهنا أتساءل هل هذا أمر قانوني أم لا؟".