"تتحسس الخطى".. إستراتيجية تركيا للحفاظ على مصالحها في السودان

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في السنوات الأخيرة، ركزت السياسة الخارجية التركية على التوجه نحو إفريقيا، وتحديدا منذ صعود حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى مقر الحكم ومركز صناعة القرار في أنقرة.

أعلنت تركيا أن 2005 هو "عام إفريقيا"، قام أردوغان بـ 30 رحلة إلى 23 دولة إفريقية عندما كان رئيسا للوزراء، وبالفعل نجحت تركيا فى إعادة العلاقات مع إفريقيا، في ظل حالة من الاستقطاب الإقليمي والدولي ورغبة بعض الدول في فرض النفوذ والهيمنة على حساب القارة السمراء.

السودان جاءت على رأس الدول التي أولتها أنقرة الاهتمام، وحرصت على إقامة علاقات سياسية واقتصادية معها، ووضعتها بأجندتها المستقبلية، كنقطة انطلاق إستراتيجية، لدور أكثر فاعلية ونفوذا في إفريقيا، ومنطقة البحر الأحمر. 

ومع نجاح الثورة السودانية في خلع الرئيس عمر البشير في 11 أبريل/نيسان، حرصت تركيا على التعامل مع الأزمة بروية حتى لا تفقد الخرطوم كحليف محوري ومؤثر، فبعثت برسائل الاطمئنان إلى الأطراف الفاعلة في العملية السياسية القائمة، وأرسلت وزير خارجيتها للتأكيد على أطر التعاون والشراكة. 

رسالة أردوغان 

في 17 أغسطس/ آب الجاري، وفي إطار مشاركته في مراسم التوقيع النهائي على "وثيقة الإعلان الدستوري" بين  المجلس العسكري الانتقالي، وقوى الحرية والتغيير في السودان، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو: إن "بلاده ستواصل دعمها للسودان حكومة وشعبا"

وأضاف: "نتمنى أن تحمل هذه التطورات السلام والأمن للشعب السوداني الشقيق. ستواصل تركيا تقديم ما بوسعها من دعم في هذه المرحلة"، مشيرا إلى أن بلاده تعتبر تطبيق الاتفاق "خطوة هامة الهدف منها تحقيق السلام والانتقال إلى حكومة مدنية".

كما عقد وزير الخارجية التركي، اجتماعا مغلقا مع رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان في العاصمة السودانية الخرطوم. نقل خلاله رسالة من الرئيس أردوغان إلى الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ووكيل وزارة الخارجية السوداني عمر فضل محمد، خلال اللقاء.

وتابع: "أكدنا لأشقائنا باستمرار على ضرورة التوصل إلى توافق بين الأطراف في السودان خلال أقرب وقت ممكن، دون اعتبار دعوتنا على أنها تدخل في شؤونهم الداخلية".

وشدد تشاووش أوغلو على أن أنقرة تعتبر الاستقرار في السودان مهما جدا بالنسبة للاستقرار في إفريقيا والشرق الأوسط؛ حيث تحدث تطورات سلبية في هاتين المنطقتين.

ولفت إلى أنه ناقش العلاقات الثنائية مع الأطراف السودانية في إطار زيارته، كما تم تقييم قضايا ذات اهتمام مشترك، مثل المساعدات التي تقدمها مؤسسات تركية في مختلف القطاعات، وكذلك قضايا تتعلق بالتعليم والتعاون في مكافحة الإرهاب والقضايا الإقليمية مثل ليبيا.

وفي لفتة إنسانية أجرى وزير الخارجية التركي جولة في شوارع الخرطوم تبادل أثناءها أطراف الحديث مع مجموعة من المواطنين، مقدما لبائعات الشاي هدايا عبارة عن حافظات للمياه وشاي وقهوة تركية. 

 

عهود واتفاقيات

في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2017، وفي أول زيارة لرئيس تركي منذ عام 1956، زار أردوغان السودان لمدة 3 أيام، برفقة وفد ضم حوالي 200 رجل أعمال، وتم خلال الزيارة توقيع 22 اتفاقا بين البلدين في مجالات مختلفة.

وكانت الاتفاقية الأكثر أهمية هي الإعلان المشترك عن برنامج التعاون الإستراتيجي، والذي تم بموجبه تأسيس "المجلس الأعلى للتعاون الإستراتيجي" بهدف تطوير التعاون الثنائي والإقليمي والدولي بين الدولتين.

وتشمل مجالات التعاون الإستراتيجي "السياسة، الدفاع، الجيش، الأمن، الشؤون الداخلية، الاقتصاد، التجارة، الجمارك، الطاقة والتعدين، النقل، الزراعة، السياحة، الصحة، التعليم، الثقافة، العلوم، المعونات الإنسانية والتنموية، والتعاون الإقليمي في الإطار الإفريقي".

وتم الاتفاق على إطار مؤسسي لتأسيس هياكل ولجان مختصة لمتابعة تنفيذ الاتفاقيات على 3 مستويات، وهي المجلس الأعلى برئاسة الرئيسين ويجتمع سنويا، ثم المجموعة المشتركة للتخطيط الإستراتيجي برئاسة وزيري الخارجية لـ "وضع الخطط والبرامج ومتابعة تنفيذ الاتفاقيات ورفع التقارير والإنجازات ومقترحات الحلول وتفعيل أفق الشراكة الإستراتيجية".

إضافة إلى تشكيل 5 لجان، هي: اللجنة الحكومية المشتركة، اللجنة الزراعية، لجنة الشراكة الاقتصادية والتجارية، لجنة التشاور السياسي، اللجان المشتركة في المجالات كافة التي يتضمنها اتفاق برنامج التعاون الإستراتيجي.

ومن بين المجالات التي تم التركيز عليها في الوثيقة الإستراتيجية: التعاون في المجال الأمني من أجل "الحرب ضد الإرهاب، والجريمة المنظمة، والتهريب".

بدأ التعاون العسكري بين البلدين بمصادقة الرئيس التركي السابق عبد الله غول، في 15 مارس/آذار 2013، على قانون "اتفاق إطاري مع السودان بشأن التدريب العسكري والتعاون التقني والعلمي للقوات العسكرية".

وبعدها بنحو عام، استقبلت قوات البحرية السودانية منتصف 2014، بميناء بورتسودان 4 سفن حربية تنتمي لمجموعة البارجة "بارباروس" التابعة لقوات البحرية التركية، وشمل برنامجها إجراء تدريبات مشتركة.

كما وقَّع وزيرا الدفاع عددا من اتفاقيات التعاون في مجالات التدريب العسكري والصناعات الدفاعية، في مايو/أيار 2017، على هامش المعرض الدولي للصناعات الدفاعية (آيدف) بإسطنبول. 

وكجزء من الاتفاقيات التي تم توقيعها خلال زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى البلاد، استأجرت تركيا جزيرة سواكن السودانية على البحر الأحمر لمدة 99 عاما بهدف تطوير مينائها الذي كان في الحقبة العثمانية مركزا سياحيا.

 

أهمية سواكن

"سواكن" جزيرة سودانية مطلة على البحر الأحمر، تبلغ مساحتها 20 كيلومترا مربعا، وحظيت على مر العصور باهتمام الحضارات الكبرى في المنطقة، وعادت إلى الواجهة بعد تعهد الرئيس أردوغان للسودان، بإعادة بناء الجزيرة التاريخية. 

وتبعد الجزيرة عن الخرطوم حوالي 560 كيلومترا، وعن مدينة بورتسودان (ميناء السودان الرئيس) زهاء 70 كيلومترا، وهي جزيرة مرجانية، انهارت منازلها وعمرانها، وتحولت إلى أطلال، أما سواكن المدينة فمنطقة واسعة يدخلها لسان بحري، يجعل منها ميناء طبيعيا.

وترتبط المنطقة بالتاريخ العثماني القديم، حيث، اختارها السلطان العثماني سليم الأول عام 1517، مقرا لحاكم مديرية الحبشة العثمانية التي تشمل مدن "حرقيقو ومصوع" في إريتريا الحالية.

وزار الرئيس أردوغان وقرينته المنطقة بضيافة الرئيس المعزول عمر البشير، واعتبرت بالنسبة لمراقبين زيارة ملهمة ومثيرة، يتوقع أن تجعل جغرافيا جزيرة سواكن وتاريخها أكثر إثارة، بعد أن أصبحت آثارها موعودة بالترميم من جانب أنقرة.

لسواكن أهمية إستراتيجية تكمن في كونها أقرب الموانئ السودانية إلى ميناء جدة الإستراتيجي السعودي على البحر الأحمر، حيث تستغرق رحلة السفن بين الميناءين ساعات قليلة.

وخلال الأعوام القليلة الماضية، بات السباق كبيرا على البحر الأحمر الذي يعتبر ممرا لنحو 3.3 ملايين برميل من النفط يوميا، كما أنه يشكّل المعبر الرئيسي للتجارة بين دول شرق آسيا، ولا سيما الصين والهند واليابان مع أوروبا.

 

منافع متبادلة 

الباحث المتخصص في الشؤون السودانية خالد التيجاني نور، قال: "هناك العديد من العوامل التي تجعل حاجة السودان لتركيا أكبر، بصفة خاصة في المجال الاقتصادي.

مضيفا في دراسة نشرتها الجزيرة: "صحيح تركيا لا تملك فوائض مالية لتساعد بها الخرطوم، لكن الأخيرة تحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك في ظل فشل سياسة الاعتماد لفترة طويلة على نظرية تدفق الأموال الخليجية للاستثمار في السودان، وهي مسألة تقف وراءها جزئيا أيضا أسباب ذاتية داخلية".

حتى وجود المؤسسات العربية مثل الهيئة العربية للإنماء الزراعي، والمنظمة العربية للتنمية الزراعية في الخرطوم لم تحدث بعد عقود أية اختراقات في المجال الزراعي الذي كان يروّج لفكرة أن السودان سلة غذاء العرب، وفق روية الباحث.

وأكد التيجاني، أنه "في ظل النمو الاقتصادي الذي تشهده تركيا، وخبرتها المتنامية في مجالات اقتصادية عديدة ومن ضمنها التحديث في القطاع الزراعي، فإن السودان يأمل في أن تفتح له العلاقة مع تركيا بابا مختلفا بالاستفادة من خبرتها وتجربتها المتقدمة في هذا الخصوص للنهوض الزراعي مع الموارد الطبيعية الكامنة الضخمة التي تتمتع بها البلاد". 

وأردف الباحث السوداني: "رغم أن السودان الذي تصنِّفه تركيا في إطار الدول الإفريقية جنوب الصحراء، إلا أنه لم يحظ بالأولوية في انفتاحها على القارة السمراء الذي شهد تطورات كبيرة في السنوات الماضية".

وفي هذا الإطار، حسب التيجاني، "يستطيع السودان أن يقدِّم لتركيا فرصة كبيرة لتعزيز وجودها الإفريقي، بحكم ثراء موارده الطبيعية، فضلا عن أن السودان يمكن أن يعمل كمعبر للتجارة التركية مع تكتل (كوميسا)، وأن يكون معبرا للدول المفتقرة للموانئ في غربه وصولا إلى مجموعة دول الإيكواس".

الباحث أكد أن "حاجة السودان لمشروعات كثيرة في البنية التحتية في مجالات عديدة كالسكك الحديدية، والمطارات، والطرق وغيرها تشكِّل فرصًا لكبريات شركات المقاولات التركية".

مضيفا: "المجال واسع أمام البلدين لتحقيق مصالح مشتركة ومنافع متبادلة في الفضاء الاقتصادي وتمثِّل القاعدة لعلاقة إستراتيجية تتجاوز محدودية العلاقات السياسية العابرة، والأيديولوجية الضيقة".