ثنائية الجيش و"الدعم السريع".. كيف يواجه السودان مخاطر التفكيك؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم توقيع اتفاق نهائي بين المجلس العسكري السوداني وقوى التغيير بشأن الوثيقة الدستورية مطلع أغسطس/ آب 2019، فإن المسار العام  للعلاقات بين القوى السودانية المتدافعة يكتنفه الكثير من الغموض، في مشهد مركب تصعب قراءته وتتبع تشابكات الفاعلين به سواء كانوا عسكريين أم مدنيين.

لا توحي الحالة القائمة بأنه يمكن حسم الأزمة السودانية في المستقبل القريب، وذلك في ظل تشبث الفاعلين بمواقفهم من جهة والتدخلات الخارجية، وتحديدا من الإمارات والسعودية، في البلد الغارق في أزمة اقتصادية خانقة. 

لكن أكثر الأخطار التي تواجه الحالة السودانية، هي فكرة "فشل" الدولة، وانهيارها كمفهوم مؤسساتي، على غرار ما حدث في دول ليست بعيدة، مثل ليبيا واليمن وسوريا.

المكونات السودانية تحمل في أعماقها نذر الدمار إذا ما تداعى الموقف، في ظل وجود أجهزة أمنية متربصة، على رأسها الجيش وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي".

أضف لما سبق الدولة العميقة المتغلغلة في مفاصل الأجهزة الأمنية والحكومية، والتي يصعب اجتثاثها بطريقة حاسمة ومفاجئة، وكذلك التيار الإسلامي المتنفذ عددا وعدة في المجتمع، والذي يواجه احتمالات الإقصاء والتهديد الوجودي، وهو ما يفتح توقعات سوداوية إذا ما تم الإخفاق في التعامل مع أي من هذه الملفات بالغة التعقيد.

سيناريو كارثي

في 30 يوليو/ تموز 2019، نشر "مركز الجزيرة للدراسات" دراسة تقدير موقف، تضمنت العلاقة بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، وتحدثت الدراسة عن سيناريو الرعب إذا بدأ اشتباك بينهما.

الدراسة قالت: "تبقى العلاقة بين الجيش السوداني بمكوناته التقليدية وبين قوات الدعم السريع معطى مهما سيحدد تطوره مستقبل العملية السياسية السودانية كلها". 

العلاقة بين هذين الطرفين بلغت حدا من الاحتدام يمكن أن يفضي الى مواجهة ينفرط بها عقد الأمن، وتدخل بها البلاد في أتون فوضى شاملة، خاصة وأن الشأن يتجاوز المستوى الوطني، ومؤذن بتدخلات خارجية نقلت عنها مصادر استخبارية رغبتها في إضعاف الجيش لمصلحة الدعم السريع، بحيث تنتهي العملية إلى إبدال حقيقي لجهاز عسكري بآخر، حسب الدراسة.

الدراسة أرجعت سبب ذلك إلى "الاعتقاد بأن الحركة الاسلامية كانت قد استحوذت على مفاصل القوة في الجيش السوداني. والحقيقة أن هذه الرغبة تصادف أخرى داخلية يعلن عنها متبنُّوها باستمرار، وهي ضرورة تصفية الجيش من القوى الإسلامية.

ووفق الدراسة، "يمكن من الناحية الفنية دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني دون تعقيدات كبيرة، كما يمكن أن يحدث ذلك لقوات الجبهة الثورية التي ظلت تقاتل الحكومة لسنوات".

لكن الدراسة صعبت من الوصول إلى دمج هذه القوة مع الجيش لسبب رئيسي "هو مصير قائدها، الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، المرتبط بهذه القوة، وبفقدانها يفتقد أوراق القوى الرئيسية بل الوحيدة لاستمراره في واجهة المشهد السياسي".

لذلك فإن العنصر الأكثر تعقيدًا ليس علاقة الجيش بقوات الدعم السريع وإنما علاقة قائد هذه القوات ومجمل المكون السياسي السوداني. "فإن أُريد لها أن تندمج في الجيش الوطني فلابد من الإجابة على سؤال مصير قائدها الذي يتمتع بإمبراطورية مالية ضخمة، موردها الأساسي استحواذه على القوة العسكرية من خلال قوات الدعم السريع"، حسب الدراسة.

هيكلة الجيش

في 15 أبريل/ نيسان 2019، بعد أيام قليلة من عزل الرئيس السوداني السابق عمر البشير، قرر المجلس العسكري الانتقالي، إعادة هيكلة الجيش وجهازي المخابرات والشرطة، مع قبول استقالة مدير جهاز المخابرات والأمن.

كما قرر المجلس كذلك إطلاق سراح جميع الضباط من الشرطة والقوات المسلحة المتهمين بالمشاركة في الاحتجاجات.

ولعبت المؤسسة الأمنية السودانية دورا رئيسيا ومفصليا، على مدار التاريخ السوداني، ومنذ صعود البشير إلى سدة الحكم عقب انقلاب ثورة التصحيح في 1989، ثم انطلقت أصوات معارضة للبشير بضرورة إعادة هيكلة القوات المسلحة، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في المشهد السياسي، وتعالت الأصوات المعارضة المطالبة بتفكيك المؤسسة العسكرية. 

وفي 28 مايو/ آيار 2019، نشر موقع الجزيرة نت تقريرا تحدث عن "تداول أنباء عن خطة لإعادة هيكلة الجيش السوداني يفسرها بعض المراقبين بأنها "محاولة لتفكيك القوات المسلحة السودانية لصالح قوات الدعم السريع التي استوعبت في الآونة الأخيرة مجندين كثيرين من أقاليم مختلفة، في مقدمتها إقليم شرق السودان".

التقرير أكد "تواتر أنباء عن تمويل خليجي لتدريب طيارين بغرض تشكيل قوة جوية تتبع لتلك القوات". ونقل عن مصدر أمن خاص، قوله: "فكرة تفكيك القوات المسلحة هي مغامرة خليجية، هدفها تكوين قوة عسكرية مستدامة الولاء لمحور السعودية والإمارات تحت قيادة حميدتي، وأضاف أن الدولة المصرية ترفض ذلك، بحكم خبرتها ومعرفتها بشؤون السودان".

بدأ تكوين القوات المسلحة السودانية عام 1925 وشاركت وحدات منها في الحرب العالمية الثانية، ولها عقيدة قتالية كسائر جيوش المنطقة، تقوم على أساس الدفاع عن الوطن والحفاظ على سيادته، وحماية النظام الحاكم، فضلاً عن انضباط عسكري صارم.

يبلغ سن التجنيد بالخدمة العسكرية 18 عاما، ويضم الجيش السوداني 189 ألف جندي بينهم 105 آلاف جندي في قوات الاحتياط، ويمتلك 191 طائرة حربية و410 دبابات و403 مركبات قتالية مدرعة و20 منصة صواريخ تجعله في المرتبة 69 بين أقوى جيوش العالم والمرتبة الثامنة على مستوى إفريقيا.

سبق أن خاض الجيش السوداني معارك لمدة تزيد على 50 عاما في الحرب الأهلية بجنوب السودان من أغسطس/ آب عام 1955 حتى عام 2005 التي انتهت بتوقيع اتفاقية نيفاشا للسلام.

محاولات انقلابية

في 24 يوليو/ تموز 2019، كشفت القيادة العامة للجيش السوداني عن "إحباطها محاولة انقلاب تزعمها الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب أحمد رئيس الأركان المشتركة وعدد من ضباط الجيش والمخابرات، وقيادات من الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني".

وأوضح الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين رئيس الأركان المشتركة المكلف في بيان له أن "الأجهزة الأمنية تمكنت من الكشف عن تفاصيل مخطط الانقلاب والمشاركين فيه، وعلى رأسهم رئيس الأركان، وضباط من رتب رفيعة في القوات المسلحة وجهاز الأمن والمخابرات الوطنية".

وأورد بيان المجلس أن "هدف المحاولة الانقلابية الفاشلة هو إجهاض ثورة الشعب المجيدة وعودة نظام المؤتمر الوطني البائد للحكم، وقطع الطريق أمام الحل السياسي المرتقب الذي يرمي إلى تأسيس الدولة المدنية التي يحلم بها الشعب السوداني".

وذكرت تقارير أن المحاولة الانقلابية كانت تريد الاستفادة من أجواء السخط الشعبي على قوات الدعم السريع بعد فض اعتصام للثوار بالقوة في 3 يونيو/ حزيران 2019، أمام القيادة العامة للجيش في الخرطوم، بيد أن حميدتي هو من يحصل على فوائد سياسية من ظاهرة الكراهية التي أحاطت بالإسلاميين الذين دعموا نظام البشير، وهو الآن يخطط لتصفيتهم من المؤسسات المهمة في الدولة، ما يربك حسابات الإسلاميين، وفق مراقبين.

ورغم الحديث عن المكاسب الكبيرة التي وسمت "الإعلان الدستوري" الموقع في الخرطوم بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي يوم 3 أغسطس/ آب 2019، تمهيدا لتأسيس دولة مدنية، فإن الهواجس إزاء النصوص الغامضة بشأن وضعية القوات النظامية خلال المرحلة الانتقالية تؤرق الكثيرين.

في فصله الحادي عشر يؤكد الاتفاق أن "كلا من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة، مؤسسة عسكرية وطنية حامية لوحدة الوطن وسيادته تتبع للقائد العام للقوات المسلحة وخاضعة للسلطة السيادية".

ويعتقد على نطاق واسع أن الحالة الأمنية الهشة مع تزايد الحديث عن إحباط محاولات انقلابية عديدة دفعت قوى التغيير للقبول بهذا الوضع المؤقت بالنظر إلى الحاجة لتأمين الثورة، خاصة أن المجلس العسكري ينصب نفسه شريكا في التغيير الذي أطاح بالبشير.

ووضع الاتفاق قوات الدعم السريع المثيرة للجدل وقوات الأمن تحت سلطة القائد العام للقوات المسلحة، لكن المفارقة أن هذا المنصب أُلغي منذ سنوات ولم يكن مفهوما أن يُدرج منصب غير موجود في وثيقة دستورية.

إقصاء الإسلاميين

تاريخ الحركة الإسلامية في السودان مختلف عن نظائرها في الشرق الأوسط، والسبب في ذلك يعود لمجموعة من العوامل، أبرزها تحالف المفكر الإسلامي الراحل الدكتور حسن الترابي، مع العميد عمر حسن البشير، لينقلبا على نظام الحكم القائم، ويؤسسا لنظام جديد عرفوه بالنظام الإسلامي. 

لكن الواقع يؤكد أنه على مدار سنوات حكم البشير كانت تتراجع الحركة الإسلامية، تارة، وتنهض تارة أخرى، عبر التحالفات، والانشقاقات أو التغييرات الفكرية، بينما كانت تهيمن العسكرية والبراغماتية البحتة، وهو ما ظهر في تخلص البشير من القيادات الإسلامية، ومنح ثقته في شخص مثل محمد حمدان دقلو الذي ليس له علاقة بالحركة الإسلامية. 

وفي 27 أبريل/ نيسان 2019، أعلن رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بأن "حزب المؤتمر الوطني لن يكون جزءا من المرحلة الانتقالية، في إشارة إلى أن المجلس العسكري عازم على القضاء تماما على إرث البشير، رغم أن الحزب يمتلك كتلة كبيرة في مفاصل الدولة، وداخل الأطر السياسية والاجتماعية"، لكن الإشارة كانت أوسع إلى التربص بالحركة الإسلامية بشكل عام.

وفي 29 أبريل/ نيسان 2019، دعا تيار "نصرة الشريعة ودولة القانون" الذي يضم أحزابا وجماعات إسلامية مختلفة إلى مظاهرات حاشدة في العاصمة السودانية الخرطوم قرب القصر الرئاسي، وهي الدعوة التي واجهت رفضا من تيارات أخرى على رأسها "تجمع المهنيين السودانيين" الذي قاد مظاهرات عزل البشير.

وبعدما ظهرت بوادر أزمة في الأفق، تم تأجيل المظاهرة قبل انطلاقها بيوم، إثر اجتماع تم بين نائب رئيس المجلس العسكري السوداني الفريق أول "حميدتي"، وعضو تيار "نصرة الشريعة"، محمد عبدالكريم.

ويمثل الإسلاميون طيفا واسعا أيضا داخل المؤسسات العسكرية والأمنية، وتحديدا جهاز المخابرات السودانية، بالإضافة إلى امتلاكهم أدوات تمكنهم من خوض صراع لأجل البقاء، فإذا ما قرر المجلس العسكري الإنتقالي، التخلص منهم على أساس أيدولوجي، فإنه سيدخل البلاد في آتون صراع جديد، على غرار الصراع الدائر في اليمن وليبيا.

تدخل إماراتي سعودي 

في 28 أبريل/ نيسان 2019، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقالا أشار إلى أن قوتين أجنبيتين حليفتين للولايات المتحدة تلعبان دورا كبيرا في معركة تحديد مستقبل السودان وهما السعودية والإمارات اللتان قدمتا مليارات الدولارات للقيادة الانتقالية.

وهو ما أشار إليه مركز الجزيرة للدراسات في البحث المنشور بتاريخ 30 يوليو/ تموز 2019، الذي أكد أنه "رغم حاجة البلاد إلى العون السعودي/الإماراتي الذي خفَّف كثيرًا من غلواء الضغط الاقتصادي، إلا أن الشعور طغى بأنه عون مغموس في التآمر بما يجهض الثورة ويقطع طريق بلوغ أهدافها".

مضيفا: "هناك تناقض إستراتيجي بين هذه الدول وأهداف الثورة الساعية إلى إقامة نظام ديمقراطي تعددي، تتخذ فيه القوى السياسية المختلفة صناديق الاقتراع سبيلًا أوحد للوصول إلى السُّلطة".

البحث أوضح أن "أخطر تجليات التدخل الخارجي، في رأي كثيرين، تغذية حالة التوتر والتململ بين الجيش وقوات الدعم السريع، فلم يعد محل جدال أن حالة المواجهة التي عبَّرت عنها محاولات الانقلاب المتعددة أو التلاسن الخشن والمشادات التي لم تعد خافية على عامة الناس، والتي تجري في كواليس العلاقة بين قادة الجيش وقادة الدعم السريع، تؤجج أوارها استخبارات محسوبة على دولة ناشطة في مواجهة ثورات الربيع العربي".