فولوديمير شوماكوف لـ"الاستقلال": بوتين زرع الرعب في نخب روسيا عبر اغتيال بريغوجين

الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

قال الخبير السياسي، الدبلوماسي الأوكراني فولوديمير شوماكوف، إن انتقام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من زعيم مرتزقة فاغنر "يفغيني بريغوجين" بهذه الطريقة يزرع الرعب في أوساط النخبة العسكرية والسياسية الروسية.

وأضاف في حوار اختص به "الاستقلال"، إن بوتين هو من يمسك بزمام قرار استمرار الحرب مع أوكرانيا أو إنهائها، وليس في صالحه الآن انتهاؤها لأنه يخطط للاستيلاء على كل أوكرانيا، لا الجنوب والشرق فقط.

وعن مستقبل هذه المواجهة، أوضح شوماكوف، أن هذه الحرب ستكون طويلة الأمد، وهدف أوكرانيا الأساسي هو طرد الروس من أراضيها والانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "ناتو"، لحماية نفسها من تكرار الهجوم عليها مستقبلا.

كما تناول في حواره عديدا من القضايا الهامة المتعلقة بالحرب ومستجدات جبهات المواجهة بين كييف وموسكو.

وعمل شوماكوف في السلك الدبلوماسي الأوكراني بعدة مواقع، بينها مستشار بسفارة كييف في ليبيا بين عامي 2004 و2007، ويشغل حاليا منصب مندوب أوكرانيا بالجامعة العربية.

اغتيال بريغوجين

كيف ترى الطريقة التي  تم التخلص بها من زعيم مرتزقة فاغنر الروسية يفغيني بريغوجين؟

نظام بوتين يقف وراء اغتيال بريغوجين، والسبب المؤكد لذلك هو التمرد الذي قام به في الأسبوع الأخير من يونيو/ حزيران 2023 ضد القيادة العسكرية الروسية، واستيلائه على مدينة روستوف، ما شكّل صفعة قوية على وجه بوتين.

كما أن قوات فاغنر شكّلت مصدر تهديد مباشر للنظام الاستبدادي الذي يقوده بوتين، ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو كان يعدّ بريغوجين عدوه الأول والطريقة التي قتل بها تؤكد انتقام بوتين منه بسبب العصيان والتمرد والخيانة.

كما أنه تسبب في إذلال وإهانة علنية لبوتين، فهذا التمرد خلق حالة هلع بين النخبة العسكرية الروسية، لكن انتقام بوتين بهذه الطريقة يزرع الرعب في أوساط النخبة العسكرية الروسية بأنه من يخون سيكون عاقبته هكذا.

ما تفسيرك لاغتيال بوتين بريغوجين في هذا التوقيت على وجه الخصوص؟

كما هو معلوم توجد تصريحات لبوتين في مقابلة قبل عشرين عاماً قال فيها إنه لا يتسامح أبدا مع الخيانة؛ وتمرد بريغوجين كان قد مثّل صفعة مؤلمة ومُذلة له.

كما أنه من المؤكد أنه كان لبريغوجين كثير من الأعداء وهو سجين سابق ومجرم سابق وقبل موته كان مجرم حرب.

لكن على كل حال هو كان العدو رقم 1 لبوتين، واغتياله رسالة من بوتين للنخبة العسكرية والسياسية الروسية بأن أي تمرد في المستقبل وأي عصيان سوف يتبعه عقوبة صارمة.

لماذا سارع زيلينسكي بنفي تورط أوكرانيا في مقتل بريغوجين؟

أوكرانيا لم تغتل بريغوجين ورغم ذلك فليس هناك شك أن أوكرانيا هي المستفيد الأول من هذا الاغتيال لما يمثله مقاتلو فاغنر من خطورة في الميدان حيث تمكنت وحدها من السيطرة على مدينة باخموت بعد فشل الجيش الروسي في ذلك.

فضلا عن أن بريغوجين كان شخصا مهووسا بتأمين نفسه، ويحتاط في كل تحركاته دائما، لكن اللافت أن رئيس جهاز الأمن لدى شركة فاغنر كان أيضا على متن هذه الطائرة.

كما أن هناك شائعات بين عسكريين روس بأن هذه الطائرة أسقطت بصاروخ من طراز إس300، وهناك مسافة كبيرة جداً بين الأراضي الأوكرانية وهذه المدينة الروسية التي سقطت فيها الطائرة. 

علاوة على أن هناك 3 بطاريات راجمات صواريخ روسية وبطارية إس 300 مضادة للطائرات ما يصعب استهداف الطائرة من أوكرانيا.

كما يجب الإشارة إلى أن لدى بريغوجين أعداء ومنتقدين كثر في أوساط النخبة العسكرية الروسية، فضلا عن أن عدوه الأول كان بوتين وكذلك وزير دفاعه ورئيس أركانه.

وهناك اتهامات لبريغوجين أنه أسقط 5 مروحيات روسية وأنه قتل 13 جنديا روسيا، وأسقط طائرة روسية من طراز ايرلي 22.

ونرى أنه داخل روسيا لا توجد سيادة قانون، والنيابة العامة لم ترفع قضية ضد بريغوجين على جرائمه؛ لأن القانون الوحيد في هذا النظام الشمولي الروسي هو كلمة بوتين.

والسؤال هنا حول من هو بريغوجين وماذا كان من قبل. والجواب أنه كان سجيناً سابقاً ومجرماً في قضايا جنائية.

إلا أن بوتين هو من قربه وأخذ ينفخ فيه حتى أصبح بهذا الحجم وصعده على مستوى كبير وأقحمه وسط النخبة العسكرية والسياسية الروسية، لكنه في نهاية الأمر خانه.

جبهات المواجهة 

كيف ترى تطور الأوضاع على جبهات المواجهة بين موسكو وكييف؟ 

نحن نشاهد أن القوات المسلحة الأوكرانية اخترقت خطوط الدفاع الأولى الروسية في مقاطعة "زاباروجيا" وتمكنت من دخولها رغم سيطرة الروس عليها، وتمكنت مؤخرا من تحرير منطقة "روبوتون" الإستراتيجية.

ورغم أن القوات الأوكرانية اخترقت الخط الأول إلا أنه من الصعب جدا التغلب على هذا العدد الهائل من الألغام التي زرعتها روسيا في الأراضي الأوكرانية المحتلة بمعدل 5 ألغام في المتر المربع.

وهو ما جعل هذه المناطق أشبه بالقلاع المحصنة؛ فضلا عن الخنادق التي حشد فيها المحتل الروسي عددا كبيرا من قواته.

كما أن أوكرانيا تفوقت على الروس على صعيد المسيرات وفي سلاح المدفعية أيضا، حيث تحصلت على الكثير من الأسلحة الغربية المتطورة جدا، وهو ما جعلنا نطلق عليها حرب المدافع.

وهذا لا ينسينا نجاحات الهجوم الأوكراني المضاد في منطقة باخموت وغيرها، وإحباط محاولات روسيا في تنفيذ هجوم مضاد في منطقة كوبيانسك في خاركييف، والتي يرغب بوتين في الاستيلاء عليها والانتقام من خلالها.

لكن أوكرانيا صدت جميع الهجمات الروسية في تلك المنطقة ولم تستطع روسيا الاستيلاء عليها.

هل ترى أن السحر الروسي انقلب على بوتين مع تواصل الهجوم الأوكراني على مناطق حساسة في موسكو؟

بكل تأكيد انقلب السحر الروسي على الساحر بوتين وتكررت الارتدادات المؤلمة للدب الروسي من خلال ضربات المسيرات الأوكرانية للعمق الروسي في العاصمة موسكو حتى أنها استهدفت ذات مرة مقر الكرملين حيث يقبع بوتين.

وهكذا سهام الحرب ارتدت إلى صدر روسيا وأوكرانيا كل يوم تنفذ هجوما مكثفا بطائراتها المسيرة على عدد من المطارات الروسية في موسكو وغيرها.

كما  تهاجم الأسطول الروسي في البحر الأسود وهو ما مكن أوكرانيا من فرض حصاراً جوياً وبحرياً على العدو الروسي.

ورغم أن 30 بالمئة من الطائرات المسيرة الأوكرانية تستهدف البنية التحتية العسكرية داخل روسيا، إلا أن المدنيين والمناطق السكنية الروسية ليست في قائمة أهداف أوكرانيا.

مع العلم أنه من المتوقع أن تسقط بعض شظايا القذائف على مناطق سكنية بالخطأ.

ما دلالة استعراض أسلحة ومعدات الروس المدمرة في قلب كييف في عيد استقلال أوكرانيا أمام الآلاف؟  

لا شك أن روسيا ارتكبت جرائم حرب وإبادة جماعية في أوكرانيا، وقتلت الآلاف من المدنيين وهي تقصف حتى الآن كل يوم مختلف المدن الأوكرانية وحتى العاصمة كييف.

ولكن بفضل بطاريات الباتريوت الأميركية المضادة للصواريخ  تستطيع أوكرانيا حاليا إسقاط الصواريخ الروسية التي تستهدف كييف وغيرها.

كما أن هناك دلائل كثيرة على ارتكاب الاحتلال الروسي لجرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا، والأمم المتحدة ومندوبون من المحكمة الجنائية الدولية يوثقون هذه الجرائم أولاً بأول.

وسوف يتم محاكمة روسيا يوما ما ولن تفلت بجرائمها، ومن المهم أن الجنائية الدولية أصدرت أمراً في فبراير/ شباط 2023 باعتقال بوتين كمجرم حرب دولي.

العلاقات الدولية

كيف ترى الوساطة العربية من خلال مؤتمر جدة الذي طرح رؤية للتدخل لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية؟

أنا بشكل عام متشائم صراحة من أي وساطة؛ لأن بوتين هو من يمسك بزمام القرار حول استمرار الحرب مع أوكرانيا أو إنهائها.

وليس في صالح بوتين الآن انتهاء هذه الحرب؛ لأنه يخطط للاستيلاء على كل أوكرانيا وليس جنوب أوكرانيا فقط.

كما أن بوتين ينتقم من أوكرانيا لأنها خرجت من تحت عباءة ونفوذ روسيا ولابد أن يجعل مصيرها التدمير والخراب.

فهو يريد من خلال ذلك إرسال رسالة للدول الأخرى التي قد تفكر في الخروج من تحت عباءة النفوذ الروسي بأنها ستلقى نفس مصير أوكرانيا.

وحتى لو كان هناك 100 وسيط فلن تنتهي الحرب أو تتوقف دون رغبة بوتين حيث تم تحويل الاقتصاد الروسي إلى اقتصاد حرب استنزاف طويلة الأمد.

والصين هي الوسيط الوحيد القادر على إجبار بوتين على إنهاء هذه الحرب لكنها تميل لجانب روسيا للأسف، وتم رفض خطتها من قبل أوكرانيا حيث تدعو بكين إلى تجميد الصراع كحل للخروج من الحرب.

بينما روسيا سوف تستخدم المناطق المحتلة في أوكرانيا اليوم كمنصة لإعادة الهجوم علينا في المستقبل، لأنه ورغم الاخفاقات الضخمة لبوتين في هذه الحرب إلا أنه يصمم على احتلال على كل أوكرانيا.

كيف ترى العلاقات الروسية التركية في ظل تصاعد التوتر بشأن شبه جزيرة القرم؟

نحن نقول من يسيطر على شبه جزيرة القرم يسيطر على البحر الأسود، وروسيا تقول إن القرم تعود إليها، وسبق أن احتلت روسيا شبه جزيرة القرم سنة 1779 ودمرت المملكة التترية آنذاك.

وحتى الآن مازال يعيش في تلك المنطقة عدد كبير جدا من التتار المسلمين، وهم قريبون جدا للشعب التركي.

وروسيا تمارس القمع ضد الشعب التتري منذ احتلالها القرم في 2014، والرئيس أردوغان حذر بوتين من استمرار هذا القمع ضد شعب الجزيرة.

والآن نشاهد أن الجيش الأوكراني يقصف البنية العسكرية التحتية الروسية في شبه جزيرة القرم، ونجح في إنزال قوات أوكرانية في المنطقة القرم استمرت فترة وجيزة ثم غادرت من الجزيرة.

وكان هذا الانزال بمثابة صفعة للجيش الروسي بأنه عاجز عن حماية الأراضي التي احتلها.

وهذه رسالة للشعب الأوكراني في شبه جزيرة القرم بأن الجيش الأوكراني سيعود مجددا لتحريرهم من الاحتلال الروسي.

ما مستقبل تصدير الحبوب الأوكرانية في ظل مساعي تركيا والأمم المتحدة؟

بصفة عامة أوكرانيا لا تحتاج إلى روسيا في اتفاقية الحبوب، وأعتقد أنه من رابع المستحيلات التفاوض مع دولة إرهابية وراعية للإرهاب، لكن أوكرانيا بحاجة إلى حماية السفن التي تخرج من موانئ أوديسا.

ونشاهد الآن أن روسيا لا تهاجم السفن التجارية الأوكرانية لكن روسيا غيرت إستراتيجيتها وبدأت تدمير البنية التحتية للموانئ الأوكرانية، وآخرها تدمير حوالي 250 ألف طن من الحبوب في موانئ أوديسا.

وهذا عمل إرهابي حيث يتسبب ذلك في معاناة أكثر من 500 مليون شخص في الكوكب يعتمدون على الحبوب الأوكرانية.

كما أن وقف صادرات الحبوب الأوكرانية سيتسبب في رفع أسعار الحبوب عالميا بنسبة 15 بالمئة.

وفي المستقبل ستزيد الأسعار عالميا وسوف تكون غير مقبولة للدول الفقيرة في إفريقيا، ما سيخلق أجواء من عدم الاستقرار في مختلف أنحاء العالم.

وأوكرانيا الآن تبحث عن طرق جديدة لتصدير الحبوب عبر بلجيكا أو غيرها من مدن أوروبية.

 مستقبل الحرب

إلى أين سينتهي مستقبل الحرب في ظل الدعم الغربي المفتوح لأوكرانيا؟

هذه الحرب ستكون طويلة الأمد، وهدف أوكرانيا الأساسي هو طرد الروس من أراضيها والانضمام إلى الناتو لحماية نفسها من تكرار القصف الروسي لمدنها مرة أخرى بعد سنة أو حتى 5 سنوات.

كما أن هناك مأزقا بأن روسيا احتلت أراضي أوكرانية وضمتها إليها ثم غيرت دستورها ليعتبر تلك المقاطعات أراض روسية.

والآن بوتين يهاجم مدينة خيرسون ويزعم أنها أراضي روسية بعد تغيير دستور روسيا، وهذه جرائم ضد الانسانية وتعد انتهاكات للقوانين الدولية.

على كل حال يسعى الجيش الأوكراني جاهداً لطرد الروس من الأراضي الأوكرانية والانضمام إلى الناتو؛ لأنها الضمانة الوحيدة لعدم تعرض أوكرانيا لهجوم روسي في المستقبل.

وهي الصيغة الذهبية التي تحفظ على أوكرانيا عدم انتهاك حرمة أراضيها مرة أخرى من قبل الروس.

ويجب أن يعرف العالم أن روسيا لم تهاجم الأراضي الأوكرانية بسبب قضية الناتو التي لم تكن  أوكرانيا مرشحة وأمين عام الناتو قال أمامنا عشر سنوات للالتحاق بالناتو؛ ولكن روسيا أرادت تأديب أوكرانيا بسبب خروجها عن النفوذ الروسي بتدمير بنيتها التحتية عامة.

كما يرسل بوتين انذاراً عبر أوكرانيا للدول الأخرى التي تفكر في الخروج عن النفوذ الروسي بأنه سيكون التدمير والخراب مصيرها.

وسيكون هناك انهار دم ودموع للأطفال والنساء والأطنان من الركام في كل المدن حيث دمرت روسيا بشكل كامل 12 بلدة في منطقة دونباس وحدها.