أبناء غزة بالضفة الغربية.. لماذا يعاملون كمواطني "درجة ثانية"؟

عدنان أبو عامر | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يقيم الفلسطينيون من أصول قطاع غزة منذ سنوات في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، ورغم مضي سنوات طويلة على بقائهم هناك، لكن معاناتهم في حالة ازدياد مستمرة. 

اللافت أن هموم فلسطينيي غزة في الضفة تأخذ أبعادا متعددة، وتأتي مصادرها من عدة جهات، بدءاً بالاحتلال الإسرائيلي، مرورا بالسلطة الفلسطينية، وانتهاء ببعض الإجراءات الأردنية، وكأن جميع هذه الجهات تعاملهم مواطنين من الدرجة الثانية، وتظهرهم غير مرحب بهم في الضفة الغربية.

تفرض السلطات الإسرائيلية قيودًا صارمة على حركة فلسطينيي قطاع غزة داخل الضفة الغربية، وتمنعهم من التنقل بين منطقة وأخرى دون تصاريح إسرائيلية، في إطار السياسة الهادفة لتكريس الفصل بين الضفة والقطاع، بما في ذلك الفصل الديمغرافي الذي نتجت عنه مشكلة حاملي هوية غزة الموجودين بالضفة، حيث تتعامل معهم إسرائيل "كمتسللين" و"مقيمين بشكل غير قانوني" في وطنهم.

حاملو الهوية

بلغة الأرقام، يبلغ عدد حاملي هوية قطاع غزة في الضفة الغربية، الذين تصنفهم إسرائيل بالموجودين بصورة غير قانونية حوالي 20 ألفا.

فيما أعلن الجيش الإسرائيلي عام 2012 أن عدد حاملي هوية القطاع في الضفة، بلغ عددهم 34.345 شخصًا موزعين حسب التصنيف الإسرائيلي على النحو الآتي: 18646 غير قانوني، و11809 قانوني، 3890 شخص غُيّرت عناوينهم بين مدن الضفة الغربية.

يتوزع الفلسطينيون القادمون من قطاع غزة إلى الضفة الغربية في معظم المدن الفلسطينية: نابلس وجنين شمالا، وأريحا والخليل وبيت لحم جنوبا، ورام الله والبيرة في الوسط، حيث يتركز غالبيتهم هناك، ويعملون في شتى القطاعات الوظيفية: المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية.

من أوجه المعاناة المتجددة لسكان غزة في الضفة الغربية، طبيعة تعامل الجهات الحكومية الفلسطينية معهم، فسرعان ما يدخل أحدهم إلى وزارة ما أو مؤسسة حكومية، لإنفاذ معاملة رسمية، ويعرّف نفسه أنه من سكان غزة، حتى تتغير النظرة إليه، وهو شعور سلبي يرافقه في معظم المكاتب الحكومية.

وفي حين أن معاملات تجديد جوازات السفر لسكان الضفة، أو استخراج وثائق رسمية، لا تستغرق أكثر من ساعات قليلة، فإن سكان غزة يواجهون المزيد من الطلبات البيروقراطية والتعقيدات الروتينية والاشتراطات التي تبدأ ولا تنتهي، فقط لأنهم من غزة.

ابتزاز سياسي 

إبراهيم الطلاع، باحث مهتم بالقضية قال لـ"الاستقلال": "السلوك الإسرائيلي تجاه فلسطينيي غزة المقيمين بالضفة قائم على سياسة ممنهجة، وتسعى لمنع التواصل بينهما، عبر إصدار أوامر عسكرية، وتعتمد السلطات الإسرائيلية هذه السياسة التمييزية باعتبارها ورقة مقايضة أمام السلطة الفلسطينية، من باب الابتزاز السياسي، ومن ذلك منع الزيارات العائلية من الدرجة الأولى للغزيين المقيمين في الضفة، بزعم أن إقامتهم هناك مسألة إشكالية وغير قانونية".

ممثلون عن أهالي غزّة المقيمين في الضفة، عقدوا اجتماعا أواخر يونيو/حزيران الماضي بمدينة رام الله، لبحث أوضاعهم، وسُبل ضمان حفظ حقهم في التنقل بحرية، واختيار مكان الإقامة فيها.

كما وجّه التجمع الفلسطيني للحق في حرية الحركة، رسالة لرئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، طالب فيها بتسهيل حرية التنقل لسكان غزة القاطنين بالضفة، وتسهيل إجراءات حياتهم ومعيشتهم، خاصة فيما يتعلق بحرية تنقلهم على معبر الكرامة للوصول إلى الأردن، لأنهم أكثر المتضررين من إجراءات السفر عبره.

مرور سكان غزة في الضفة الغربية يتطلب الحصول على "عدم ممانعة" أردنية، أو تنسيق خاص مع السلطات الأردنية للعبور، مما يعتبر تمييزا أردنياً بين الفلسطينيين، ونتيجة لهذا الإجراء الأردني أصبح سفرهم خارج الضفة شبه مستحيل.

عدم الممانعة

وفاء عبد الرحمن، ممثلة سكان غزة المقيمين في الضفة قالت لـ"الاستقلال": "السلوك الذي تتبعه السلطة الفلسطينية تجاه معاناة فلسطينيي غزة في الضفة لا يعطي انطباعا أنها جادة بحل مشاكلهم، وكأن الموضوع لا يعنيها. لا نريد أن يقتصر النظر لتحركاتنا على أنها ذات طابع سياسي أو حزبي، خارج عن القانون، نرفض تصنيفنا، وإخضاعنا الدائم للمتابعة الأمنية".

ورغم أن اتفاق أوسلو الموقّع بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993 ينص على أن الضفة والقطاع وحدة إقليمية واحدة، لكن إسرائيل اشترطت عام 1996 موافقتها المسبقة على حالات تغيير العنوان من القطاع إلى الضفة.

وفي عام 2002 أعلنت إسرائيل أن حاملي هوية غزة المقيمين في الضفة، موجودون بشكل غير قانوني، وفي 2007 استحدثت تصاريح إقامة مؤقتة لحاملي هوية القطاع بالضفة.

وفي عام 2009 أكدت أنهم لا يملكون حق السكن بالضفة، كما تلغي إسرائيل تصريح المكوث لحاملي هوية غزة في الضفة في حالات: الرفض الأمني، العودة للقطاع، السفر خارج الضفة.

على صعيد إجراءات التنقل والسفر، يواجه فلسطينيو غزة المقيمين في الضفة العديد من العقبات الإدارية والأمنية، سواء من إسرائيل أو السلطة الفلسطينية أو الأردنية.

إسرائيل تمنع تنقل هؤلاء الفلسطينيين بين مدنهم الفلسطينية، لأنهم يكونون عرضة للاعتقال والترحيل إن ثبت تنقلهم بين نابلس شمال الضفة والخليل في جنوبها دون أسباب مقنعة من وجهة النظر الإسرائيلية.

كما أن مغادرة فلسطيني غزة من الضفة الى الأردن ليس بالأمر الهين، ففي حين أن سكان الضفة يغادرون المعبر البري بوضع ختم واحد على جواز السفر، فإن سكان غزة يتطلب منهم السفر الحصول قبل كل شيء على ورقة عدم ممانعة من السلطات الأردنية، التي ترفض منحها لأي غزي، إلا وفق شروط تعجيزية.

جهاد حسن، أحد سكان غزة المقيمين في الضفة قال لـ"الاستقلال": "عدم تغيير مكان إقامة أهالي غزّة إلى الضفة، يُعتبر حاجزاً كبيراً في وجوههم، لاسيما وأن بعضهم مر على إقامته في الضفة الغربية ما يزيد عن 15 عاماً، في ظل انعدام وجود حلول لمشاكلهم، ومنها التنقل بين المدن، ومنع السفر عبر جسر الكرامة مع الأردن".

اغتراب وتشتت

تنتج السياسة المتبعة من مختلف السلطات: الإسرائيلية والفلسطينية والأردنية، تجاه فلسطينيي غزة المقيمين في الضفة، حالة من الاغتراب والتشتت لآلاف العائلات بين الضفة والقطاع، وجعل الانتقال إلى الضفة رحلة باتجاه واحد، وسيطرة هاجس الاعتقال والترحيل على حاملي هوية غزة في الضفة. 

عبد الله، وهو اسم مستعار، لمواطن غزة مقيم في الضفة الغربية، قال لـ"الاستقلال": "أحد أوجه معاناة سكان غزة في الضفة هي الملاحقة الأمنية والسياسية لهم، في ظل اتهامهم بمعارضة السلطة الفلسطينية، والعمل ضدها، سواء بأن يكونوا من أنصار حماس أو تيارات أخرى داخل حركة فتح التي يرأسها الرئيس محمود عباس، وبذلك فنحن نقع بين مطرقة إجراءات السلطة الفلسطينية وسندان السلطات الإسرائيلية".

الإشكالية التي يواجهها فلسطينيو غزة المقيمون في الضفة أن غالبيتهم أسسوا حياة مستقرة فيها عبر العمل أو الزواج، ومع ذلك فهم يواجهون عقبات في التحرك خارج مراكز المدن، ويساورهم خوف دائم من الحواجز والاقتحامات الإسرائيلية، وعدم إمكانية السفر خارج الضفة إلا لمرة واحدة بالخروج دون إمكانية العودة إليها، وكل ذلك يضع أمامهم المزيد من العراقيل والصعوبات حول استمرار إقامتهم هناك، وانعدام البدائل أمامهم.

حسب متابعين، فإن من حق المواطن الفلسطيني في خانيونس جنوب قطاع غزة السفر إلى رام الله ونابلس وسط وشمال الضفة، ومن حق المواطن من بيت لحم الاستمتاع ببحر قطاع غزة، ومن حق العامل الغزاوي البحث عن العمل في الخليل.

هناك الآلاف من سكان غزة محرومون من زيارة أهلهم في القطاع، إلا في الحالات الطارئة مثل الوفاة، فمن الأفضل، حسب مراقبين، أن يرى الفلسطيني الغزي والده ووالدته وهم أحياء بدل الانتظار أن يفارقوا الحياة للحصول على تصريح.