أحداث دامية.. ماذا يحدث في نيجيريا وما علاقة إيران؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أحداث دامية شهدتها نيجيريا، أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان، خلال الأيام الماضية على خلفية احتجاجات للأقلية الشيعية في البلاد للمطالبة بالإفراج عن زعيمها الروحي إبراهيم زكزكي، وكانت البصمة الإيرانية واضحة بشدة خلال تطورات الموقف.

ما حدث، وقد تتواصل توابعه، فتح الباب واسعا أمام الحديث عن محاولات طهران تصدير ثورتها في القارة السمراء، وحقيقة المد الشيعي بإفريقيا، وكيف تمكنت إيران من التوغل في أعماقها، وتوسيع نفوذها.

أحداث دامية

في أعقاب سلسلة من الاحتجاجات الدامية للأقلية الشيعية في نيجيريا، أعلنت الرئاسة هناك، الأحد الماضي، حظر "الحركة الإسلامية" الشيعية، وقالت في بيان إنه "كان على الحكومة التحرك قبل خروج الوضع عن السيطرة بعدما حذرت مرات عدة من أنه يجب عدم استخدام الدين بهدف عدم احترام القوانين".

وبينما تحدثت وسائل إعلام عن مقتل 6 متظاهرين وصحفي وشرطي الاثنين الماضي، قالت الحركة، إن عدد القتلى يتجاوز الـ20، في أعمال عنف اندلعت خلال مسيرة نظمتها الحركة للمطالبة بالإفراج عن زعيمها المعتقل إبراهيم زكزكي.

واعتقل "زكزكي" بعد أعمال عنف خلال مراسم دينية في ديسمبر/كانون الأول 2015، وتقول منظمات حقوقية إن نحو 350 شخصا معظمهم من المشاركين في المراسم قتلوا بنيران الجيش النيجيري.

ويدعو زكزكي، 66 عاما، إلى ثورة إسلامية شبيهة بالثورة الإيرانية سنة 1979، في بلد يشكل السنة غالبية المسلمين فيه، وكثيرا ما تنتهي تظاهرات أتباعه بمواجهات مع الشرطة كما حدث قبل نحو 3 أسابيع، حيث ألقي القبض على 38 منهم وقدموا للمحاكمة.

الرئاسة النيجيرية أكدت أن "حظر الحركة الإسلامية في نيجيريا لا يعني منع العديد من الشيعة السلميين والذين يحترمون القانون في البلاد من ممارسة ديانتهم"، موضحة أن قرارها "يهدف إلى ردع العنف المجاني والقتل والتدمير المتعمد للمباني العامة والخاصة".

"يحيى داهيرو" القيادي في الحركة الشيعية المتشددة، قال في مؤتمر صحفي بالعاصمة أبوجا "لا يمكنكم أبدا أن توقفوا عقيدة، لا يمكنكم أن توقفوا فكرة، ولا يمكنكم أبدا أن توقفوا ديننا".

بصمة إيران

البصمة الإيرانية في أحداث نيجيريا المتسارعة كانت واضحة بشدة وبشكل رسمي معلن، حيث طالب المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري مسؤولي القضاء في نيجيريا بنقل زكزكي إلى طهران لعلاجه.

وأفادت وكالة "تسنيم" للأنباء بأن منتظري أعرب في رسالة إلى نيجيريا عن أسفه وتأثره من الأنباء التي تفيد بتدهور الحالة الصحية لزعيم "الحركة الإسلامية في نيجيريا".

ودان منتظري "النهج العسكري والأمني في التعامل مع زكزكي"، مطالبا المسؤولين النيجيريين بالعمل على استقلال القضاء وحماية حقوق مواطنهم السجين وتوفير الأرضية لإطلاق سراحه".

لكن ثمة بصمة إيرانية أخرى أكثر وضوحا، في خصم أحداث "زاريا" الدامية عام 2015، سيأتي تفصيلها لاحقا، والتي راح ضحيتها المئات من أنصار الحركة الشيعية واعتقل في أعقابها زكزكي.

حينها احتجت إيران رسميا لدى نيجيريا، وأجرى الرئيس حسن روحاني اتصالا بنظيره النيجيري محمد بخاري، وطالبه بمعلومات عن مصير زعيم الحركة وتشكيل لجنة تحقيق حول الأحداث.

أكثر من ذلك، استدعت طهران القائم بالأعمال النيجيري إلى مقر وزارة الخارجية، بينما اتصل وزير خارجيتها جواد ظريف بنظيره النيجيري جيفري أونياما.

قبل تلك الأحداث بعدة أشهر، كرّمت الحكومة الإيرانية زكزكي، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ36 للثورة الإيرانية.

شيعة نيجيريا

يبلغ عدد سكان نيجيريا 177 مليون نسمة، موزعين بشكل متساو على المسيحية البروتستانتية والإسلام السني، فيما يشكل الشيعة أقلية صغيرة تنشط بقوة، وتتركز الأقلية الشيعية في ولايات كانو وسكوتو وكادونا، وتعد مدينة زاريا في كادونا معقلها الرئيسي، وفيها ولد زعيم الحركة إبراهيم زكزكي.

تضم نيجيريا بضعة آلاف من المسلمين الشيعة يستلهمون فكر الثورة الإسلامية التي شهدتها إيران سنة 1979، ولا يخفي أتباع الحركة تأثرهم الواضح بفكر الثورة الإيرانية، وإيمانهم بنظرية ولاية الفقيه.

تأثر "زكزكي" بأفكار قائد الثورة الإيرانية روح الله الخميني، وأسس منذ كان طالبا في الجامعة حركة نيجيريا الإسلامية، وفي حوار مع وكالة "فارس نيوز" الإيرانية، قالت ابنته بديعة إن أباها التقى الخميني مرتين، وحضر عام 1980 في طهران احتفال الذكرى الأولى للثورة الإيرانية.

اعتقل أكثر من مرة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وانشق عنه فريق سنة 1995 وشكل تنظيما جديدا تحت اسم "جماعة التجديد الإسلامي"، لكن حركته استمرت في التوسع، حتى صارت تسمى في وسائل الإعلام بـ"حزب الله النيجيري"، وهي تحظى بدعم إيراني.

وكان عام 2015 محوريا في تاريخ الحركة الشيعية، فقد شهدت أحداثا دامية راح ضحيتها المئات من أتباع زكزكي في مدينة زاريا قدّرتهم وسائل الإعلام بـ600 شخص، ودمر الجيش أيضا منزل زكزكي الذي أصيب بعيارات نارية قبل اعتقاله، فيما قتل نائبه محمد محمود توري.

واعتقلت أيضا زوجة زكزكي وما تزال قابعة في السجن، كما دمرت حسينية مدينة زاريا بالكامل، وحينها، لم تعلن السلطات النيجيرية حصيلة رسمية للقتلى الذين سقطوا في يومين متتاليين من الاشتباكات في زاريا، لكن وكالة "الصحافة الفرنسية" قالت، إن دلائل تشير إلى مقتل حوالي 600 شخص.

وقال الجيش حينها، إن الحركة الإسلامية في نيجيريا حاولت اغتيال رئيس أركانه بوراتاي، عندما اعترض أعضاء منها طريق موكبه، وهو ما نفته الحركة.

وتعد الحركة الإسلامية في نيجيريا أحد أعمدة نشر المذهب الشيعي في غرب إفريقيا، وشرع زعيمها في الترويج للمذهب بدءا من عام 1979، متأثرا بالثورة الإيرانية التي أسقطت حكم الشاه في العام نفسه.

ذراع إيران

المزيد من علاقات لا يخفيها زكزكي مع إيران، كشفت عنها ابنته "بديعة" في حوار أجرته مع وكالة "فارس" الإيرانية للأنباء أوائل يوليو/تموز المنقضي، مؤكدة أنه في الذكرى الأولى للثورة الإيرانية اختير والدها وشخصان آخرين من نيجيريا للحضور إلى إيران للاحتفال، وعندما وصلوا التقوا بالخميني.

وأضافت أن والدها عندما عاد من طهران أبلغها أنه رأى أشياء غريبة في إيران، وأن عليه الآن أن يبدأ العمل ويعلن في نيجيريا مساعيه لإقامة نظام يشبه النظام الذي أقامه الخميني.

واعتبرت بديعة، أن والدها يعتبر الخميني نموذجا وقدوة له يسير على خطاه، وأنه "كان يريد إعادة التذكير بالإسلام المنسي في نيجيريا، والقيام بانتفاضة ضد الكفر والطغيان".

وكشفت ابنة زكزكي، أن والدها كان من الطائفة السنية، ثم تحول إلى المذهب الشيعي بعدما التقى الخميني، لكنه كان يخفي ذلك، وأنه "كان يخطط لسنوات طويلة مع مقربين منه للقيام بنظام إسلامي على غرار ما حدث في إيران".

هذا النظام كان محل مشروع طرحه زكزكي، بحسب ابنته، على بعض العلماء في ذلك الوقت لكنهم اعترضوا عليه، وقالوا "أنت لا تزال شابا ولا تفهم شيئا، وإذا أردت القيام بذلك فسوف تتعرض لمواجهة من الحكومة، ونوصيك بأن تترك ذلك وتتنحى عن هذا المشروع".

ويعلن زعيم الشيعة في نيجيريا دوما ولاءه للنظام الإيراني، كما أقدم على إنشاء عدد من المؤسسات والمراكز الدينية لنشر المذهب الشيعي في نيجيريا، وعمل في سبيل ذلك مع مؤسسات إيرانية مثل: "منظمة آل البيت" و"منظمة حيدر".

لكن حقبة التسعينيات من القرن الماضي، شكلت نقطة تحول في مسار الحركة بعد ردود الفعل الغاضبة على إساءة مؤسسها للصحابة، حيث كثفت إيران في المقابل دعم زكزكي، وتطور الدعم لاحقا ليشمل تدريب عناصر من الحركة على حروب العصابات واستخدام الأسلحة الخفيفة وتصنيع القنابل اليدوية، بحسب تقارير إعلامية.

عام 2011 شهد إنشاء زكزكي قوات عسكرية خاصة، تحت مسمى "جيش المهدي"، تولى عدد من الشيعة اللبنانيين تدريب عناصره، في محاولة لاستنساخ تجربة "حزب الله" في شمال نيجيريا؛ ما أثار مخاوف كبيرة لدى السلطات.

إفريقيا بمرمى التشيع

تطورات الأحداث في نيجيريا فتحت الباب واسعا أمام الحديث بشأن التغول الإيراني في إفريقيا وانتشار المد الشيعي هناك، ويبدو لافتا أن حالة الفقر المدقع التي شهدتها القارة وتشهدها وستشهدها خلال السنوات المقبلة، تمكن الزحف الشيعي من التمدد والانتشار عبر الضغط المادي والمعونات.

"الشخصية الإفريقية شخصية سهلة القياد، تقبل كل شيء وأي فكرة إذا ما وُجد الداعي لها، وبسبب فهم العقلية الشيعية لهذه التركيبة، سعى الشيعة منذ سنين عدة إلى الزحف نحو القارة السمراء، والدعوة إلى مذهب الرفض تحت دعاوى محبة أهل البيت وموالاة علي رضي الله عنه"، كانت تلك فقرة من دراسة أعدها مركز التأصيل للدراسات والبحوث، بعنوان "دراسة حول عدد الرافضة في العالم من المصادر الشيعية".

ولكن لماذا السعي الإيراني الحثيث للمد الشيعي في إفريقيا؟ السبب بحسب الدراسة يعود بشكل كبير إلى الجانب الاقتصادي والرغبة في الاستثمار والهيمنة وإيجاد موطئ قدم لها على إفريقيا التي تحوي مخزونات هائلة قابلة للاستخراج من النفط الخام والغاز والفحم واليورانيوم.

إلى جانب ذلك، فإن إيران تسعى كإسرائيل والصين وغيرهما من الدول ذات السجل الحقوقي والأمني السيئ، إلى استقطاب عدد كبير من الأصوات في الأمم المتحدة التي توفرها دول إفريقيا.

وللتصوف دور في هذا الزحف، فإيران الشيعية تعرف قوة الاتجاه الصوفي ومدى انتشاره في بلدان القارة الإفريقية، ومن ثم تسعى لنشر أفكارها من خلال هذا الغطاء في عدد من البلدان.

بلغة الأرقام، كشفت الدراسة أن عدد المسلمين السنة الذين تشيّعوا في غرب إفريقيا وصل إلى أكثر من 7 ملايين شخص.

زعيم شيعة "كوت ديفوار"، التي ينتمي 60 بالمئة من مسلميها للمذهب السني، قال لجريدة "كل الأخبار" العراقية إن التشيع في بلاده يجري بخطط منتظمة ووفق دراسة زمنية تجري متابعتها من قبل "الجمهورية الإسلامية في إيران"، وأن الخطط الموضوعة تقتضي بأن يكون المذهب الشيعي هو المذهب الرسمي في بلاده بعد 10 سنوات.

وفي السنغال، قال زعيم الشيعة "محمد علي حيدري" إن أتباع المذهب الشيعي في ازدياد بإفريقيا، وبخاصة السنغال، وإن مؤسسة المزدهر التي تأسست عام 2000 تتحرك في مجالات التربية والتعليم وبناء المدارس وإقامة المناسبات وطبع الكتب وإنتاج وبث البرامج في الإذاعة والتليفزيون.

وقبل التوجه الرسمي في السودان، لمحاربة النفوذ الشيعي المضطرد، قالت مصادر إن عدد السودانيين المتبعين لمذهب الإمامية الاثني عشرية "مذهب إيران"، وصل إلى 700 ألف.

المد الشيعي نجح في الزحف على دول إفريقية أخرى، مثل بيساو وزامبيا وليسوتو وسيشال وسوازيلاند والرأس الأخضر، وغينيا التي شهدت تأسيس "مجمع شباب أهل البيت".

وفي مالي، بدأت ظاهرة التشيع في الاتساع منذ انطلاق شرارتها الأولى عام 1992 وذلك بدعم وإسناد من بعض الشيعة الكويتيين الذين بادروا بشراء أرض في العاصمة باماكو لتأسيس مركز "جمعية أهل البيت".

وفي أريتريا، أضحى ربع المسلمين تقريبا من أتباع المذهب الشيعي متخذين لهم تجمعات سكانية كبيرة في أسمرا ومصوع وعصب وبعض المدن الأخرى، وفق الدراسة.

ويبلغ عدد الشيعة في نيجيريا أكثر من 4 ملايين، أما في إثيوبيا فإن حركة تشييع السنة في أوجّها وخاصة في إقليم "نغلي بورنا" والعاصمة أديس أبابا، وفي تنزانيا بدأ الحضور الشيعي في الازدياد وخاصة بإقليم زنجبار والعاصمة دار السلام.

هل أصبح ظاهرة؟

فهل أصبح التشيع في إفريقيا ظاهرة تستوجب التوقف والبحث والدراسة؟ الإجابة قدمها تقرير "التشيع في إفريقيا" الصادر عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في 2011، والذي خلص إلى تصنيف الدول الإفريقية إلى أربعة أقسام:

  1. دول وصل فيها التشيع إلى مستوى الظاهرة وهي ثلاث دول؛ نيجيريا حيث التشيع منتشر وله وجود منظم، وهي أكثر بلاد إفريقيا من حيث انتشار التشيع ووجود توتر بين الشيعة والسنة، والدولتان الأخريان هما غانا وتونس.
  2. دول يصل فيها النشاط الشيعي إلى مستوى الظاهرة من حيث الجهود المبذولة والمؤسسات من مدارس ومساجد وحسينيات وبعثات دراسية، مع تحول محدود إلى المذهب الشيعي. والدول هي: سيراليون وكينيا وغينيا كوناكري وساحل العاج والسنغال وتنزانيا وجزر القمر والمغرب والجزائر.
  3. دول يوجد فيها نشاط ملموس ومتزايد للتشيع، ولكنه لم يتحول إلى كونه ظاهرة، لا في المؤسسات ولا في اعتناق أهل البلاد للمذهب، والبلاد هي: النيجر وبِنِين ومالي والكاميرون والكونغو والسودان وأوغندا.
  4. أما الدول التي لا يعد النشاط الشيعي فيها ملموسا أو ظاهرا ولا يمثل ظاهرة لا في مؤسساته ولا في معتنقيه فهي توغو وليبيريا وموريتانيا وتشاد وجيبوتي والصومال وموزمبيق وإثيوبيا وجامبيا والجابون وغينيا بيساو وبوركينا فاسو.

ولعب المهاجرون الشيعة بشكل عام دورا مهما في نشر التشيع في كل إفريقيا، غير أنه أكثر وضوحا وديمومة في جنوبها على عكس شمالها، خاصة الجالية اللبنانية التي تقوم بدور كبير في عملية التبليغ الشيعي في البلاد الإفريقية، وذلك لوجودهم بأعداد كبيرة.

وتشير بعض الإحصائيات إلى أن 350 ألف لبناني على الأقل منتشرون عبر القارة، وتمثل ساحل العاج، والسنغال، ونيجيريا أهم مراكز الجاليات اللبنانية المقيمة في إفريقيا، بجانب آلاف اللبنانيين الآخرين يقيمون تقريبا في كل الدول الإفريقية.