تلاسن بين قايد صالح وفرنسا.. ثورة تحرير جديدة أم طموح في السلطة؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

دعا الفريق أحمد قايد صالح قائد أركان الجيش الجزائري، إلى تطهير البلاد ممن أسماهم "عبدة الاستعمار وأصنامه" وفاء لشهداء ثورة التحرير، التي اندلعت في 1 نوفمبر/تشرين الأول 1952.

وفي كلمته خلال حفل تقليد رتب لضباط سامين في الجيش بمناسبة الذكرى الـ57 لاستقلال الجزائر يوم 5 يوليو/ تموز 2019، قال صالح "كل من يؤمن بميثاق الشهداء الأبرار وبعهدهم الأزلي، سيسهم بصدق في مكافحة الفساد، ويشارك بوفاء وإخلاص في تطهير الجزائر من كل عبدة الاستعمار وأصنامه".

لم يقدم صالح توضيحات أكثر حول من أطلق عليهم هذا الوصف، لكن بدا واضحا أنه يشير إلى لوبيات داخلية مازالت تمثل امتدادا للنفوذ الفرنسي في الجزائر، وتسمى إعلاميا "حزب فرنسا".

ولمّح قائد الجيش أن حملة ضد الفساد تشهدها البلاد منذ أسابيع ضد رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، تلقى معارضة من "جهات نافذة" لم يفصح عنها.

وأضاف: "فالعدل الحازم، والإنصاف العازم، هما السبيل الأمثل والأنجع نحو تطهير البلاد من الفساد والمفسدين رغم المعارضة الشديدة المتعددة الأشكال، لقد نسي كل مفسد وكل عميل وكل من يتسبب في إلحاق الضرر بأرض الشهداء، بأنه طال الزمن أو قصر سينكشف أمره وسيخيب سعيه".

القضاء الجزائري يحقق منذ أسابيع مع عدة مسؤولين ورجال أعمال مقربين من نظام بوتفليقة بتهم فساد، أودع بعضهم السجن فيما وضع آخرون تحت الرقابة القضائية.

وأفضت التحقيقات إلى سجن رئيسي الوزراء السابقين أحمد أويحيى وعبد الملك سلال، ووزير التجارة الأسبق عمارة بن يونس، وتم وضع عدد من الوزراء تحت الرقابة القضائية، وينتظر استمرار التحقيق مع وزراء ومسؤولين آخرين مستقبلا حسب بيانات للمحكمة العليا.

أما الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، فقال في خطاب موجّه للشعب بمناسبة عيد الاستقلال: إن البلاد تشهد "عملية تطهير واسعة لأجهزة الدولة وتجديد تأطيرها"، وتابع: إن هذا "يتزامن مع مكافحة صارمة لآفة الفساد وتبديد الأموال العامة، تضطلعُ بها بجدية عدالةٌ تمارس اليوم كامل مهامها وصلاحياتها".

هجوم إعلامي

غادرت فرنسا رسميا الأراضي الجزائرية يوم 5 يوليو/تموز 1962، إلاّ أن ذكرها لم يخلّد فقط في النشيد الوطني الجزائري مذكّرا بحقبة الاستعمار وثورة الشعب الجزائري لنيل حريته واستقلاله.

فلا تغيب فرنسا عن كلّ صراع سياسي في البلاد، بين وصف النظام بـ "حزب فرنسا"، والمكوّن من الضباط الجزائريين الذين فروا من الجيش الفرنسي والتحقوا بالثورة الجزائرية، والآلاف من المدنيين الذين كانوا في الإدارة الفرنسية الاستعمارية في البلاد.

فرنسا وجّهت سهامها نحو قائد أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح  بشكل لافت خلال الأسابيع الأخيرة، بعد ما كانت تنتقده ضمن سياق الأحداث الحاصلة في البلاد.

ورغم أن التهجم ليس وليد الأزمة الحالية، غير أن تصاعد اهتمام وسائل الإعلام الفرنسية بانتقاد قايد صالح منذ اتهام جهات أجنبية بمحاولة زعزعة استقرار الجزائر بتحريك الشارع وتوجيه الحراك الشعبي نحو الفوضى.

وركزت وسائل إعلام فرنسية على لافتات وشعارات تستهدف صالح، رفعها المتظاهرون منذ الجمعة العاشرة للحراك، كـ "قايد صالح ارحل"، مثل ما جاء في تقرير لصحيفة "لاتريبون" الفرنسية، بينما اتجهت أخرى لنشر أخبار تشكك في صلابة المؤسسة العسكرية وتماسكها، وتروّج لانشقاقات تهدد قائد الأركان.

وكانت صحيفة "موند أفريك" الفرنسية المقربة من الاستخبارات تحدثت في وقت سابق، عن أن الجيش الجزائري بات منقسماً إلى 3 جماعات تتنافس داخل المؤسسة العسكرية، الجماعة الأولى، وهي الأكثر نفوذاً، تخضع لسلطة قائد الأركان قايد صالح، أما المجموعة الثانية فهي موالية للجنرال بشير طرطاق وسعيد بوتفليقة، بينما المجموعة الثالثة وهي أقل نفوذاً، فتضم الموالين للجنرال محمد مدين.

وأضافت أن قايد صالح، يستحوذ على المشهد الإعلامي من خلال ظهوره المتكرر في اجتماعات، مرتدياً الزي العسكري ومتحدثاً بلهجة حازمة، وكأن الأمر مفتعل لإثبات قوته.

وأشارت إلى أن صالح، لا يخفي أمام المقربين منه رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية، في حال فشلت الطبقة السياسية في التوصل إلى شروط انتقال سلمي للسلطة، وشددت على أن قائد الأركان يراهن على كونه من بين ضباط الجيش الجزائري القليلين النافذين، الذين بدأوا مسيرتهم في زمن التحرير. 

الشارع منقسم

ورغم عدم استجابة السلطة (الجديدة - القديمة) في الجزائر لمطالب الشارع المرفوعة منذ انطلاق الحراك يوم 22 فبراير/شباط الماضي، وفي مقدّمتها إبعاد رموز نظام بوتفليقة عن قيادة البلاد في المرحلة الانتقالية، إلاّ أن هناك أصواتا من داخل الحراك تؤيّد جلّ الخطوات التي اتخذتها قيادة الجيش.

المحامي والقيادي في حركة "عزم" توفيق هيشور قال في حوار مع موقع "الجزائر الآن" في تعليق على قرار منع رفع الراية الأمازيغيىة بالمظاهرات: "في نظرنا ما قاله قايد صالح كلام منطقي بل بديهي، كون الجزائر لها علم وطني واحد جاهد من أجله أجدادنا وحملوه في معارك الانعتاق من فرنسا العجوز، ورفع رايات ضرار أمر غير منطقي بل مستفز يدفع نحو التفرقة بين الجزائريين، ومدخل لدعاة الانفصال كحركة الماك (الإرهابية)".

وأضاف هيشور: "موقف الجيش من الفساد وتشديده على ضرورة معاقبة الفاسدين إيجابي وضروري لكنه يعد نصف حل فقط إذا لم نسترجع أموال الفاسدين المنهوبة من البنوك كونها أموال الشعب، وخزينة الدولة أحق بها لهذا يجب العمل على استرجاعها".

في المقابل، هناك من الجزائريين من يرى أن حملة الاعتقالات هذه لا تحركها العدالة الحقيقية، بقدر ما هي تصفية حسابات، وأن اصطياد رؤوس الفساد حتى وإن كانت في ظاهرها تلبية لمطالب الحراك، إلا أنها لا تخلو من تصفية الحسابات، حيث أن الحملة مسّت رؤوسا معينة واستثنت آخرين، ممن يراهم الرأي العام الوطني مفسدين كبارا أيضا.

ولا يستثني عدد من الجزائريين قايد صالح نفسه من قربه من دوائر التأثير الفرنسي في الجزائر، إذ يعود اهتمام فرنسا بقائد الأركان، إلى تقرير برلماني فرنسي صدر في 2017، أشار إلى أن قايد صالح، يعتبر المرشح القوي لخلافة بوتفليقة.

وأوضح أن التغييرات التي أجراها بوتفليقة على مستوى الجيش والاستخبارات، منذ العام 2013، كانت بهدف تمهيد الطريق لقائد الأركان قايد صالح، للترشح لانتخابات الرئاسة، في حال إجرائها بضغط من الشارع والمعارضة، بسبب مرض بوتفليقة، وقال إن قايد صالح، لم ينفِ، كما لم يؤكد، المعلومات التي جرى تداولها على نطاق واسع.

الكلمات المفتاحية