أبو تريكة.. كيف تحول من موهبة كروية إلى أيقونة ثورية؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"في كل التاريخ المصري الكروي لم يخلق لاعب مثل أبو تريكة، لم يوجد لاعب مثل أبو تريكة، أهداف لها تاريخ، لها سجل وأرشيف"، كلمات انفجر بها المعلق الرياضي التونسي عصام الشوالي عقب إحراز "الماجيكو" هدف الفوز بأمم إفريقيا في نهائي 2008 أمام الكاميرون، ليحصد "الفراعنة" اللقب.

لم يكن حضور لاعب المنتخب المصري السابق محمد أبو تريكة (40 سنة) فقط في الملاعب، بل تحول حتى بعد اعتزال الكرة إلى أيقونة حقيقية للجماهير المصرية والعربية، بسبب مواقف إنسانية وأخلاقية لا تنسى، ولم يتسن للاعب كرة قدم عربي مثله في التاريخ أن يحوز عليها، وأن يجد شخصه هذا التوافق والإجماع الكامل من شعوب ودول قد تكون بينها متناقضات.

مع حصول الجزائر على بطولة الأمم الإفريقية 2019 التي أقيمت في مصر، كان أبو تريكة أيضا أيقونة هذه البطولة بلا منازع، وكان الحاضر الغائب في جميع مباريات المنتخبات العربية، بداية من مصر صاحبة الأرض والجمهور، مرورا بالمغرب والجزائر وتونس، في تحد واضح لنظام عبد الفتاح السيسي الانقلابي في مصر، الذي سعى جاهدا إلى وصم لاعب خلوق مثل أبو تريكة بـ"الإرهاب".

الرئيس مرسي

في 17 يونيو/ حزيران 2019، وقبل أيام من انطلاق بطولة الأمم الإفريقية في نسختها الثانية والثلاثين بمصر، رحل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي أثناء محاكمته في قضية "التخابر مع حماس"، أبو تريكة بدوره قدّم واجب العزاء في الرئيس الراحل، عبر صفحته على موقع "تويتر" قائلا: "رحم الله الدكتور محمد مرسي رئيس مصر السابق وأسكنه فسيح جناته وغفر الله له وثبته عند السؤال، واجعل قبره روضة من رياض الجنة وتجاوز عن سيئاته".

لم تكن هذه المرة الأولى التي يعبّر فيها أبو تريكة عن تعاطفه وتأييده للرئيس مرسي، فقبل جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة يونيو/حزيران 2012 بين الفريق أحمد شفيق مرشح الدولة العميقة والدكتور مرسي مرشح الثورة سجل أبو تريكة مقطع فيديو مصور من منزله يعلن فيه تأييده الكامل لمرسي في الانتخابات، وهو ذات المقطع الذي يستند فيه نظام السيسي إلى وصف تريكة بدعم "الإرهاب!".

بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، بدأت الأذرع الإعلامية لنظام السيسي وعلى رأسهم أحمد موسى، حربهم المسمومة وهجومهم الشرس على أبو تريكة متهمين إياه بدعم "الإرهاب"، وقال موسى بشكل صريح عن اللاعب المحبوب "أبو تريكة ده (هذا) إرهابي!".

الرد جاء من الجماهير المصرية العاشقة للاعب، وردت الصاع صاعين لإعلام السيسي ونظامه، وتخطى الرد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث حرصت حشود من الجماهير في استاد القاهرة الدولي على الهتاف لـ "أبو تريكة " خلال افتتاح بطولة كأس الأمم الإفريقية "كان 2019" وأثناء مباراة منتخبي مصر وزيمبابوي يوم 21 يونيو/ حزيران الماضي.

في الدقيقة 22 (رقم قميص أبو تريكة)، من زمن اللقاء وفي حضور رئيس النظام عبد الفتاح السيسي هتفت الجماهير باسم أمير القلوب عابرين حواجز الخوف وغير عابئين بأي عواقب قد يجلبها عليهم هذا الهتاف لنجمهم المفضل عبر التاريخ.

تتابع هتاف الجماهير المصرية لأبو تريكة في سائر مباريات المنتخب حتى خروجه في دور الـ 16 أمام جنوب إفريقيا بهدف دون رد.

العرب يهتفون

واصلت جماهير المنتخبات العربية المشاركة في البطولة الهتاف لأسطورة الكرة المصرية، عند الدقيقة 22 من كل مباراة. فعلتها جماهير الجزائر، وتونس، والمغرب في المدرجات وعلت أصواتهم في نفس واحد "أبو تريكة.. أبو تريكة". 

في سابقة تاريخية لم تتكرر للاعب عربي أو إفريقي أو حتى عالمي على مر التاريخ، ورغم الإجراءات الأمنية المشددة سواء في محيط ستاد "القاهرة الدولي" أو داخل مدرجات، لمنع الهتافات السياسة عموما وإيقاف ظاهرة الهتاف لمحمد أبو تريكة بالأخص، إلا أن الجماهير الجزائرية، حافظت على عادتها منذ بداية البطولة الإفريقية، وحتى نهايتها بترديد اسم النجم المصري.

وفي 19 يوليو/ تموز الجاري حيث المباراة النهائية بين منتخبي الجزائر والسنغال، لم تنس الجماهير الجزائرية في غمار فرحتها بإحراز البطولة الهتاف باسم "تريكة"، في صيغة احتفظوا بها مرددين عبارة (الله أكبر.. ياتريكة).

في الجزائر يحظى أبو تريكة بشعبية خاصة بعد رفضه التصعيد الإعلامي بين البلدين عقب الأزمة التي شهدتها مباراة الفريقين عام 2009 في أم درمان بالعاصمة السودانية الخرطوم وخسرها منتخب مصر، وصعدت الجزائر على إثرها لكأس العالم في جنوب إفريقيا 2010.

تعاطفا مع غزة

عبارة "تعاطفاً مع غزة" التي رفعها "أبو تريكة" خلال بطولة أمم إفريقيا في غانا  2008، ما تزال عالقة في أذهان الجماهير العربية رغم مرور السنين، وتلاحق الأحداث، وبروز المستجدات، وسقوط الرموز.

هذه العبارة كشف عنها أسطورة كرة القدم المصرية، حين أحرز هدفا لمنتخب بلاده في شباك نظيره السوداني، وحاول من خلالها لفت الانتباه إلى الأوضاع المأساوية لأهالي قطاع غزة، الذي كان يُعاني حصارا إسرائيلياً مُميتاً، طال مناحي الحياة كافة، وأثر سلباً في حياة الغزيين.

وفي 24 ديسمبر/ كانون الأول 2016، قال أبو تريكة في تصريحات لبرنامج "العربي الرياضي" الذي كان يقدمه نادر السيد: "كنا في غانا نقيم أنا ووائل جمعة في غرفة واحدة، وكنا نشاهد إحدى القنوات الإخبارية، شاهدت موقفا جعلني أفكر بتلك الفكرة، وبالفعل نفذتها في مباراة السودان".

وأتبع: "لا أريد أجرا على هذا الموقف في الدنيا، لكن أجري في الآخرة من الله، وأرى أن ما فعلته هو الصواب".

وأوضح أن "اللاعب عليه واجب داخل الملعب وخارجه، وأعتقد أن ما فعلته كان تذكيرا بالقضية الفلسطينية التي تعد هي الأهم بالنسبة لكل شاب عربي".

وفي 24 يناير/ كانون الثاني 2016، قال النجم المصري خلال كلمته التي ألقاها في الجزائر خلال وجوده كضيف شرف في حفل الكرة الذهبية لأفضل لاعب عربي: إن "القضية الأساسية والتي توحد الأمة العربية هي القضية الفلسطينية، والعدو ظاهر للشباب العربي والمسلم ويريدنا أن ندخل في تفاصيل أخرى جانبية".

وأضاف: "الرسول عليه الصلاة والسلام علمنا أن هناك وصايا نكتبها قبل الموت، ومن ضمن الوصايا التي كتبتها أن يوضع "التي شيرت (القميص)" (تعاطفا مع غزة) معي في الكفن".

وتوجّه أبو تريكة بالشكر للشعب الجزائري عقب استلامه جائزته من اللاعب الجزائري رابح ماجر قائلا: "الكرم والترحاب ليس شيئا غريبا على أهل الجزائر، أشكركم جدا وأوصل لكم التحية من 90 مليون مصرى".

أهالي الشهداء

في ذكرى مذبحة بورسعيد التي راح ضحيتها 72 من جماهير النادي الأهلي، معظمهم من رابطة "ألتراس" داخل استاد بورسعيد بعد نهاية مباراة الأهلي والمصري في 1 فبراير/ شباط 2012، أكد عدد كبير من أهالي الشهداء بأن  أبو تريكة فقط هو الذي يتواصل دائما مع أقارب هؤلاء الشباب الذين فقدوا حياتهم.

وقالت السيدة والدة مشجع النادي الأهلي "عمرو ستيف" بخصوص موقف أبو تريكة مع العائلة "أبو تريكة ربنا يكرمه، وقف بجانبنا كثيرًا، إنسان طيب وحنون، أدعو له منذ وفاة ابني، أبو تريكة سافر لكنه يتواصل معنا من خلال الإنترنت، ويراسلنا في المناسبات، الدنيا بعيدة عليه بس (لكن) لم ينسانا، محدش (لا أحد) وقف معنا غيره ولم يتخل عنا لحظة".

وتابعت: "أتذكر جيدًا آخر لقاء جمعنا مع أبو تريكة في عيد الأم، تواصل مع جميع أُسر شهداء الأهلي وأرسل لنا أتوبيس (باص) خاص نقلنا إلى منزله، بالبلدي.. شالنا (حملنا) على كفوف الراحة". 

وفي 4 فبراير/ شباط 2012، عقب المذبحة بأيام، طالب محمد أبو تريكة في حوار أجراه مع جريدة اليوم السابع (خاصة) بضرورة القصاص من المتورطين فى مذبحة بورسعيد فى أسرع وقت، ورفض استمرار لجان تقصى الحقائق لفترة طويلة، لأن الشواهد تؤكد أن ما حدث فى مباراة الأهلى والمصرى كان "مؤامرة".

وعند سؤاله هل تعمدت عدم مصافحة المشير طنطاوي (القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس المجلس العسكري)، أجاب تريكة: "نعم، لأننى لست راضيا عن الأحوال في البلاد حاليا". 

وأكد أبو تريكة حينها: "عندما نتحدث عن جثث وقتلى ومشرحة ومجزرة.. فلا يمكن أن نتطرق للكرة.. نحن أمام كارثة إنسانية وبشرية سيُذكرها التاريخ، ويتحدث عنها العالم كله.. وأرى أن دم الشهداء أكبر وأهم بكثير من مصير لاعب أو حتى فريق بأكمله".

مواقف مثالية

ترتبط معظم المواقف المثالية لمحمد أبو تريكة خلال فترة وجوده في الأهلي، حيث النجومية والشهرة، لكن اللاعب كان على هذه الحالة منذ مهده عندما كان لاعبا مغمورا في نادي الترسانة.

في حادثة يذكرها رئيس نادي الترسانة حسن فريد خلال برنامج "السادسة مساءً" على قناة "مودرن سبورت" في 26 سبتمبر/ أيلول 2012، قال: "أثناء تجديد عقد أبو تريكة، كان سيحصل على 30 ألف جنيه زيادة عن زميله بالفريق أحمد زغلول".

وأضاف رئيس الترسانة: "تريكة رفض هذه الزيادة، وأراد تخفيض قيمة عقده ليتساوى مع زميله، من أجل ذلك رزقه الله بملايين الأهلي". 

 

والدة لاعب النادي الأهلي الراحل محمد عبد الوهاب قالت: "كان أبو تريكة يسأل علينا دائما وكان يأتي إلى بلدتنا، ويذهب إلى المقابر لزيارة ابني محمد عدة مرات بدون أن يخبرني، وكان حينما يأتي يوزع نقودًا كثيرة على أهل البلدة الفقراء على روح ابني محمد".

أما لاعب الأهلي السابق أحمد شديد قناوي فقال: "كان أبو تريكة يجلس في غرفة الاجتماعات وكان معه دائمًا أجندة (كشكول) بها أسماء كثيرة، حينما سألته عنها قال دي (هذه) بيوت ناس مفتوحة كتير (كثيرة)".

وهو ما أكده زميله اللاعب الشهير بـ "عفروتو" قائلا: "لا أحد يعلم ماذا كان يصنع معنا الكابتن أبو تريكة نحن كناشئين؟ والله كان يعطيني نقودا أوصلها لأناس في منطقتي". 

"الإرهابي" الخلوق

في 19 يناير/ كانون الثاني 2017، أعلنت محكمة جنايات القاهرة عن قائمة طويلة "للكيانات الإرهابية"، شملت نحو 1536 اسما، منهم محمد أبو تريكة، وقيادات إخوانية، وآخرين معارضين للانقلاب العسكري.

وتعليقا على الأمر قال الكاتب والمحرر الرياضي أحمد مجدي رجب: "تريكة هو أهم وأقوى رجل في مصر، لأنه حالة الإجماع الوحيدة التي نعرفها الآن.. إجماع سبّبته المحبة لا القوة. فإن أردت معاداته، يجب أن تعلم أنك في مواجهة مع عموم الناس وليس فئة بعينها".

وتساءل الإعلامي عمرو أديب عن حجم حالة الاستثناء التي تستند عليها وتحتاجها السُلطة في مواجهتها الإرهاب الداخلي بقوله: "الناس دي (هذه) كانت عايشة (تعيش) وسطنا، وصحينا الصبح بقوا (أصبحوا) جماعة إرهابية!".

أديب أكد عدم معرفته الشخصية بأبو تريكة وآخرين احتوت قائمة الإرهاب على أسمائهم، لكنه أردف متسائلا ما هي الكيفية التي يتحول بها مواطن مصري صالح إلى إرهابي في نظر السُلطة؟

وتابع: "أنا عاوز (أريد) المحكمة تقول لنا دول (هؤلاء) إرهابيين إزاي (كيف)؟ أنا وأبو تريكة مش (لسنا) أصحاب.. بس (لكن) إزاي (كيف) ده (هذا) إرهاب؟.. إحنا (نحن) محتاجين نفهم.. لازم (لابد) نعرف أبو تريكة عمل إيه (ماذا)، لأن كدا (هكذا) ممكن أي واحد فينا يدخل القائمة اللي (التي) ملهاش (ليس لها) ملامح، ونلاقي أسماءنا فيها في يوم من الأيام، والحاجات دي (هذه) بتعطل النمو".