تخالف قرار الحكومة.. لماذا ترفض طرابلس اللبنانية ترحيل اللاجئين السوريين؟

"لن نسمح بترحيل إخواننا إلى حضن نظام الإجرام وفينا عرق ينبض"، "عذرا إليكم أخوتنا السوريين لا تؤاخذونا بما فعل السفاء منا، أنتم منا ونحن منكم".
بهذه العبارات أعلاه عبر أهالي مدينة طرابلس الملقبة بعاصمة السنة في لبنان، عن رفضهم لتوجه الحكومة بترحيل اللاجئين السوريين إلى بلدهم.
إذ شهد شهر أبريل/نيسان 2023، موجة جديدة تدعو إلى طرد اللاجئين السوريين الفارين من بطش نظام بشار الأسد منذ عام 2011.
ورقة اللاجئين
وتطالب بعض الأحزاب اللبنانية والشخصيات المعروفة بموالاتها الشديدة لنظام الأسد، بإرجاع هؤلاء إلى بلدهم سوريا، رغم المخاوف الأمنية من تعرضهم للتعذيب والموت وفق المنظمات الحقوقية.
التحركات الجديدة التي تتزامن مع تقارب عربي من بعض الدول العربية مع نظام الأسد دون إنجاز حل سياسي طبقا للقرارات الأممية ذات الصلة، أصبحت تؤرق اللاجئين السوريين الذين باتوا يعيشون في لبنان حالات من الرعب والخوف الشديدين هناك.
ولا سيما أن السلطات اللبنانية، سلمت لاجئين سوريين يقدر عددهم بـ 50 شخصا في غضون أسبوعين تقريبا إلى نظام الأسد، وفق ما أفاد به مسؤول أمني في 21 أبريل 2023، لوكالة الأنباء الفرنسية.
وأوضح المسؤول الأمني تعليقا على هذه الخطوة أن "مراكز التوقيف امتلأت"، ورفضت الأجهزة الأمنية الأخرى تسلم الموقوفين السوريين.
وعقب ذلك أفادت وكالة رويترز، بأن أقارب سوريين مرحلين من لبنان كشفوا أن اللاجئين الذين احتجزهم الأمن اللبناني ورحلهم، تعرضوا للاعتقال لدى الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر شقيق رئيس النظام، وهي ذات سمعة سيئة وطائفية، وكذلك تعرض بعضهم إلى التجنيد الإجباري لدى عودتهم.
ونقلت الوكالة البريطانية في الأول من مايو/أيار 2023، عن أحد اللاجئين السوريين أنه وأشقاءه الثلاثة اعتقلوا في مداهمة لمخيم في لبنان، أواخر أبريل 2023، ورُحلوا جميعهم لأن أشقاءه لم تكن لديهم إقامة قانونية.
وبحسب بيانات رسمية، يوجد حوالي مليوني لاجئ سوري على الأراضي اللبنانية، نحو 830 ألفا منهم مسجلون لدى الأمم المتحدة.
وقال مصدر إنساني لبناني لوكالة الأنباء الفرنسية إنه لاحظ زيادة في عدد المداهمات التي تشنها أجهزة الاستخبارات التابعة للجيش والتي تستهدف مواطنين سوريين في بيروت ومنطقة جبل لبنان منذ بداية أبريل.
وقال المصدر مشترطا عدم الكشف عن هويته، "في عام 2023، شنت خمس مداهمات على الأقل". وأوضح أنه جرى توقيف حوالى 450 سوريا، وتأكد ترحيل 66 منهم على الأقل.
وأمام هذه الحالة التي تنذر بحدوث "لعبة جديدة" تطال اللاجئين السوريين في لبنان، برزت مدينة طرابلس كنموذج حي على احتضان السوريين والذود عنهم في وجه موجة العنصرية المتنامية ضدهم.
طرابلس نموذجا
إذ خرج أهالي مدينة طرابلس، في 28 أبريل 2023، منددين بعمليات الترحيل القسري بحق اللاجئين نحو مناطق نفوذ النظام السوري.
وانتشرت في شوارع طرابلس لافتات حملت عبارات داعمة للسوريين، وأخرى تقدم اعتذارا عما يتعرض له اللاجئون، بحسب صور نشرها ناشطون ومواقع إخبارية عديدة.
وحملت اللافتات عبارات كتب عليها: "ترحيل اللاجئين خطوة في سبيل تعويم النظام المجرم والتطبيع معه"، وثانية: "عند الله لا يوجد لبناني وسوري وفلسطيني.. عند الله المسلم أخو المسلم"، وأخرى "أكثر من نصف أهل لبنان مهاجرون في العالم هل تقبلون بطردهم".
احتجاجات اهالي #طرابلس #لبنان رفضاً لترحيل اللاجئين السوريين وتسليمهم لعصابات الاسد في سوريا
— عمر مدنيه (@Omar_Madaniah) April 28, 2023
اهالي طرابلس النور وسط عتمة العنصرية pic.twitter.com/cvYSukcnl4
وفي حديث صحفي خاطب أحد مشايخ المدينة المسؤولين اللبنانيين قائلا: "كونوا منصفين ولا تقفوا في وجه النازحين المستضعفين وتسلموهم إلى الطاغية المجرم ليقتلهم ويذبحهم. نحن ضد هذا الإجرام فأنتم مشاركون للطاغية في إجرامه إذا لم تتراجعوا عن هذه القرارات التي نرفضها ونقف ضد أي قرار عنصري".
وقال الشيخ من وسط طرابلس أمام حشد من المتظاهرين: "إذا لم يتراجعوا عن قرارات ترحيل السوريين.. فسيكون هناك أعمال قادمة تشمل كل لبنان".
• عندما تبنى المواقف على أساس عقيدة الإسلام..
— عين الأمة (@3enummah) April 29, 2023
• من وقفة أمس التي نظمها حزب التحرير في مدينة طرابلس في لبنان، نصرةً للنازحين السوريين، ورفضاً للسياسات العنصرية البغيضة بحقهم التي تهدف إلى تهجيرهم وإعادتهم إلى بطش طاغية الشام وقهره...... pic.twitter.com/qjSYwf8QF3
وانتشرت تسجيلات مصورة لأهالي مدينة طرابلس وضعوا فيها أنفسهم خصما أمام كل من يعتدي على اللاجئين السوريين في لبنان، وذلك بشكل علني.
وقال الناشط السياسي إبراهيم الغريب في حديث تلفزيوني: "السوري الهارب من القمع والتطهير العرقي وهتك الأعراض ومن كم الأفواه واجب علينا أن نحميهم برمش أعيننا".
وربط الناشط الاجتماعي سمير الجمل من طرابلس، في حديث تلفزيوني ما يحصل للسوريين في لبنان بأنه "اضطهاد للمسلمين السنة بالذات، وهناك فئة معينة في لبنان فيها عنصرية وطائفية تروج لما يجري".
وفي السياق، أكدت هيئة علماء المسلمين في لبنان خلال بيانٍ لها بتاريخ 27 أبريل، رفض خطاب العنصرية والكَراهية والفتنة بين المواطنين والنازحين، ورفض التحريض والتحريش بينهم وبين الدولة.
وشدد البيان على أن "الطاغية الذي قتل ونكل وشرد ودمر ينبغي أن لا يفلت من العقاب، وبالتأكيد ينبغي أن لا يكافأ بتطبيع العلاقات معه".
وأضاف أن "ترحيل أو تسليم النازح المعارض للنظام المجرم، كبيرة من كبائر الذنوب وجريمة أخلاقية وقانونية ترقى إلى درجة القتل العمد والجرائم ضد الإنسانية".
غياب العنصرية
وقال الصحفي السوري المقيم في لبنان محمود كلاس لـ "الاستقلال": "إن 90 بالمئة من المكون في طرابلس إسلامي سني، ومن هنا تأتي المدينة كنموذج جيد لاحتضان السوريين على الرغم من أنها فقيرة وتغيب فيها فرص العمل".
وأضاف كلاس أن "السوريين في طرابلس لا يعاملون كلاجئين بل كأنهم أبناء المنطقة، وتكاد تنعدم الحالات العنصرية لدرجة الصفر هناك، فهناك تعاطف إنساني ديني نابع من القيم الإسلامية".
ونوه كلاس إلى أن "هناك العشرات من العوائل السورية المقيمة في طرابلس بلداتهم مسيطر عليها من قبل حزب الله وخاصة من ريف دمشق الغربي، ولذلك أهاليها مدركون لخطر عودة هؤلاء قبل انسحاب الحزب وضمان العودة الآمنة لهم دوليا".
وأمام وقوف أهالي طرابلس نصرة للسوريين، هب عدد من علماء السنة، في مناطق لبنانية أخرى، نصرة لهم، وأعربوا عن وقوفهم معهم ومناهضة العنصرية ضدهم المتصاعدة.
وتساءل الشيخ علي الحسين إمام وخطيب مسجد "السلام" في بلدة الجية خلال خطبة لصلاة الجمعة في 28 أبريل 2023، قائلا: "لماذا اليوم كل هذا الغضب على السوريين في لبنان؟ أقولها بصراحة: لأنهم مسلمون.. السوري 12 عاما وأنتم تمصون دمه عبر مساعدات الأمم المتحدة".
كما آزر خطباء مساجد في بيروت اللاجئين السوريين، حيث قال الشيخ مصطفى حمادة مخاطبا إياهم "فلا يضرك أيها السوري صوت من هنا أو صوت من هناك.. نحن معكم ونقول لكم: طعامكم طعامنا وبيوتكم بيوتنا وأموالكم أموالنا وسعادتكم سعادتنا والرغيف نقتسمه بالنصف".
ومنذ استعادة النظام السوري بدعم روسي وإيراني، السيطرة على الجزء الأكبر من مساحة البلاد عام 2020، تمارس بعض الدول ضغوطا لترحيل اللاجئين من أراضيها بحجة تراجع حدّة المعارك.
لكن ذلك لا يعني، وفق منظمات حقوقية ودولية، أن عودة اللاجئين باتت آمنة في ظل بنى تحتية متداعية وظروف اقتصادية صعبة وملاحقات أمنية تشمل اعتقالات تعسفية وتعذيبا.
وفي لبنان، تنوعت الضغوط على السوريين من حظر تجول في أوقات معينة وتوقيفات وترحيل قسري إلى مداهمات وفرض قيود على معاملات الإقامة، بينما تنظر السلطات إلى ملف اللاجئين بوصفه عبئا وترى أن وجودهم أسهم في تسريع ومفاقمة الانهيار الاقتصادي المتواصل منذ 2019.
وقد ترأس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في 26 أبريل اجتماعين لبحث ملف اللاجئين السوريين، جرى التأكيد خلالهما على مواصلة تدابير الجيش والقوى الأمنية "بحق المخالفين خصوصا لجهة الداخلين بصورة غير شرعية وغير الحائزين على الوثائق الرسمية والقانونية".
كما اعتبر وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار، الذي يستخدمه "تيار عون" المسيحي للتلاعب باللاجئين والمانحين، أن موضوع السوريين بات "قضية حياة وموت".
وحذر من "تغييرات ديموغرافية خطيرة وسنصبح لاجئين في بلدنا"، وذلك خلال لقاء مع مجموعة من المغتربين حول ملف اللاجئين السوريين في بيروت بتاريخ 19 أبريل 2023.
خيوط الأسد
وتزامن ذلك، مع ارتفاع خطاب الكراهية تجاه السوريين مجددا خلال الأسابيع الماضية، وطالب لبنانيون كثر عبر وسائل التواصل الاجتماعي بإخراجهم من لبنان.
كما ذكرت مصادر إعلامية لبنانية، أن بعض أصحاب المشاريع الزراعية في لبنان عمدوا إلى طرد عمال سوريين من وظائفهم في الحقول، في الوقت الذي هدد البعض العمال بالجيش أو بالسلاح لإجبارهم على العمل بالسخرة وبأجور زهيدة.
ويتماهى ذلك، مع قيام قوى سياسية محددة وتحديدا "التيار الوطني الحر" القريب من نظام الأسد وحليف حزب الله الرئيس في لبنان، إضافة إلى قوى مسيحية يمينية، بتفعيل الخطاب المعادي للاجئين في الإعلام.
وأيضا تجييش الشارع المسيحي واللبناني عبر اختلاق أرقام وهمية عن أعداد المخيمات والعمالة السورية وتأثيراتها على الاقتصاد والديموغرافيا اللبنانية.
وفي السياق، قال الباحث اللبناني، ربيع دندشلي لـ موقع "تلفزيون سوريا"، المعارض، إن "الأحزاب المسيحية وبعد الانتخابات النيابية وفشلها في انتخاب رئيس للبلاد باتت تبحث عن استعادة شعبيتها بالتحريض على اللاجئين".
وخصوصا أن هذا الخطاب يلقى آذانا مصغية على المستوى الشعبي، في ظل استمرار المواقف السياسية التي تحمل اللجوء مسؤولية كل الأزمات، مع خطاب مترافق يتحدث منذ مدة عن كثافة مسلمة وسنية في ظل الهجرة المسيحية بعد الانهيار المالي، وفق قوله.
لافتات جديدة من أهل طرابلس في لبنان رداً على التحريض والعنصرية ضد اللاجئين السوريين �� pic.twitter.com/knSDU3CIzf
— Modar | مُضَر (@ivarmm) April 27, 2023
وربط دندشلي، الحملة ضد السوريين "بشعور لدى الأطراف الداخلية التي تتخذ من الملف السوري شماعة، وهي تراقب عن كثب الانفتاح العربي الحاصل على الأسد والشروط الخليجية بإعادة اللاجئين وتريد حجز مقعد لها على طاولة التسوية الإقليمية من بوابة اللجوء".
في حين يشير المحلل اللبناني إلى أن لبنان هو جزء من أزمة اللاجئين وخاصة أن حزب الله أحد الأطراف المسؤولة عن التهجير واللجوء عبر انخراطه بالحرب الى جانب النظام.
ويعتقد كثير من المراقبين، أن حزب الله هو من يقف وراء إشعال الحملة ضد اللاجئين السوريين في لبنان.
وذلك بعد فشل حزب الله، بانتزاع موافقات محلية من القوى السياسية المناهضة له، وعربيا، من تسميته لرئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، كمرشح "مطمئن للمقاومة" كي يملأ حالة الشغور الرئاسي المتواصل منذ 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بعد انتهاء ولاية ميشال عون.
واتضح ذلك أكثر من تفسير خطاب فرنجية، بعدما تحدث عن أنه الأقدر على حل أزمة اللجوء لكونه صديق رئيس النظام السوري بشار الأسد، وأن إعادة اللاجئين بحاجة إلى تنسيق مع الحضور العسكري لحزب الله الموجود في الأرض السورية، وفق ما نقل موقع "درج" في 27 أبريل 2023.