تواطؤ رسمي مع بشار الأسد.. لماذا جدد لبنان الدعوة لإعادة اللاجئين السوريين؟

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

ما إن بدأت موجة تطبيع جديدة للعلاقات بين نظام بشار الأسد والدول العربية، وفي مقدمتها السعودية، حتى عاد لبنان للعزف مجددا على نغمة ترحيل اللاجئين السوريين إلى بلدهم الأم المجاور.

وتعد ورقة اللاجئين السوريين سلاح ابتزاز بيد الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان في مواجهة المجتمع الدولي، وتستغلها بين الفينة والأخرى لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية، وفق مراقبين.

تحذير لبناني

وجديد ذلك، تحذير وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، هيكتور حجار، من تحول "المواطنين اللبنانيين إلى لاجئين في بلدهم إن لم يحل ملف اللاجئين السوريين بسرعة".

وخلال لقاء مع مجموعة من المغتربين حول ملف اللاجئين السوريين في بيروت بتاريخ 19 إبريل/نيسان 2023، رأى حجار أن "ملف اللجوء السوري ليس موضوعا ثانويا بل أصبح قضية حياة وموت، وخلال أقل من 10 سنوات، سنشهد تغييرات ديموغرافية خطيرة".

وأشار حجار إلى أنه "كانت هناك عدة موجات من النزوح إلى لبنان، قسم أتى هربا من الحرب ولكن قسما كبيرا أتى لأسباب اقتصادية ولتحقيق حلم العمل في لبنان وقسم آخر نزح بهدف استخدامه كممر للتوجه إلى أوروبا"، بحسب قناة "الجديدة" المحلية.

وأضاف الوزير لبناني الذي يستخدمه "تيار عون" المسيحي للتلاعب باللاجئين والمانحين قائلا: "يجب أن نركز الآن على العودة السريعة وبأعداد كبيرة إلى محافظات معينة في سوريا"، معربا عن استعداده لزيارة سوريا والقيام بكل ما يخدم هذه القضية.

ويعد حجار عضوا في اللجنة الحكومية المكلفة بمتابعة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم بتحريك مباشر من النظام السوري لتحقيق مكاسب سياسية، وهو أحد الأسماء التي اختارها ما يسمى بـ "التيار العوني" لشغل هذا المنصب.

ويقصد بـ"التيار العوني" من يدورون في فلك الرئيس اللبناني السابق ميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، والمتحالف مع نظام الأسد، وحزب الله ذراع إيران العسكري في لبنان.

اللافت أن كلام حجار، تزامن مع ترحيل السلطات في لبنان حوالى 50 سوريا في غضون أسبوعين تقريبا وإعادتهم إلى بلادهم، وفق ما أفاد به مسؤول أمني بتاريخ 21 إبريل 2023، لوكالة فرانس برس.

وأوضح المسؤول الأمني تعليقا على هذه الخطوة أن "مراكز التوقيف امتلأت"، ورفضت الأجهزة الأمنية الأخرى استلام الموقوفين السوريين.

ترهيب اللاجئين

وبحسب بيانات رسمية، يوجد حوالى مليوني لاجئ سوري على الأراضي اللبنانية، نحو 830 ألفا منهم مسجلون لدى الأمم المتحدة.

وقال مصدر إنساني لبناني لوكالة "فرانس برس" إنه لاحظ زيادة في عدد المداهمات التي تشنها أجهزة الاستخبارات التابعة للجيش والتي تستهدف مواطنين سوريين في بيروت ومنطقة جبل لبنان منذ بداية أبريل.

وقال المصدر مشترطا عدم الكشف عن هويته، "في عام 2023، شنت خمس مداهمات على الأقل". وأوضح أنه تم توقيف حوالى 450 سوريا، وتأكد ترحيل 66 سوريا على الأقل.

ولفتت الوكالة الفرنسية إلى أن هذه الأحداث تأتي وسط "تصاعد المشاعر المعادية للسوريين والتي تفاقمت بسبب الأزمة الاقتصادية، والتي تعد الأسوأ في تاريخ لبنان الحديث"، وفقا للبنك الدولي.

من جانبها، نقلت الوكالة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنها تراقب الوضع، مضيفة أنها "تواصل الدعوة إلى احترام مبادئ القانون الدولي وضمان حماية اللاجئين في لبنان من الإعادة القسرية".

ومنذ بدء الانهيار الاقتصادي في لبنان خريف 2019، ازداد الوضع سوءا حيث باتت السلطات عاجزة عن توفير الخدمات الأساسية وتوقفت إلى حد كبير عن دعم سلع رئيسة بينها الوقود والأدوية، عقب خسارة الليرة نحو 95 في المئة من قيمتها.

إذ سجلت الليرة اللبنانية تدهورا قياسيا جديدا، حيث تراجع سعر صرفها في السوق السوداء من 60 ألفا مقابل الدولار إلى أكثر من 80 ألفا في 16 فبراير 2023.

وإلى جانب الأزمة الاقتصادية، يعاني لبنان من فراغ بمنصب رئيس الجمهورية منذ أن غادر قصر بعبدا الرئيس ميشال عون في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2022، كما أن حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة نجيب ميقاتي محدودة الصلاحيات.

وإضافة إلى تلك الأزمات المركبة يحتل لبنان المرتبة 150 بين 180 بلدا في الترتيب الأخير لمؤشّر الفساد لدى منظمة الشفافية الدولية.

خيارات معدومة

وأمام ذلك، بات اللاجئون السوريون اليوم الذين عبروا الحدود هربا من بطش أجهزة الأسد منذ عام 2011، ضحية ابتزاز سياسي من قبل السلطة الحاكمة في لبنان ومن ورائهم النظام السوري الباحث عن أوراق قوة جديدة في ظل التقارب الجديد معه من بعض الدول العربية.

لا سيما أن خيارات هؤلاء اللاجئين معدومة، وليس أمامهم سوى انتظار الحل السياسي بسوريا، لكي يتمكنوا من العودة دون أي مضايقات أمنية.

وكان تقرير نشره "مجلس حقوق الإنسان" التابع للأمم المتحدة، في 12 مايو/ أيار 2022، أكد أن معاملة اللاجئين السوريين في لبنان "تتجلى بالتمييز والمضايقة والعنف وخطاب الكراهية".

ولفت التقرير إلى أن هؤلاء اللاجئين ينظر إليهم عن طريق الخطأ، بأنهم مصدر للمنافسة على الوظائف والدعم والخدمات العامة في لبنان.

ووصف الواقع الذي يواجهه السوريون في لبنان بأنه "قاتم"، مبينا أن المساعدات الإنسانية هي الشريان الوحيد للكثيرين منهم.

ويكاد خطاب المنظومة السياسية الحالية في لبنان يكون موحدا، ويتركز على مناصبة العداء للاجئين السوريين والتذمر من وجودهم وتحميلهم الانهيار الاقتصادي، ولعب دور وظيفي للتسويق لرؤية الأسد حول عودة اللاجئين بدعم من روسيا.

لكن رغم تقديم المجتمع الدولي الدعم إلى لبنان الذي يؤكد خبراء اقتصاديون تلقيه نحو مليار دولار لتحمل أعباء اللاجئين، فإن ذلك لا ينعكس بشكل إيجابي على حياتهم.

ويعيش 88 بالمئة من اللاجئين السوريين في لبنان تحت سلة الحد الأدنى للإنفاق للبقاء على قيد الحياة، وتعاني ما يقرب من نصف الأسر السورية من انعدام الأمن الغذائي.

لكن تبقى العودة الآمنة والمستقرة والطوعية، هي الأساس في ذلك وفقا للقرارات الأممية، ولا سيما أن مسألة تعرض العائدين للاعتقال من قبل مخابرات الأسد والتعذيب والموت في المعتقلات هي النتيجة النهائية للعودة.

وكثيرا ما أطلقت مؤسسات حقوقية ودولية تحذيرات منها منظمة "العفو الدولية" التي نشرت تقريرا في 7 سبتمبر/أيلول 2021 بعنوان "أنت ذاهب إلى موتك"، أفادت فيه بتعرض ‏العشرات من اللاجئين الذين عادوا أدراجهم إلى سوريا لعدة أشكال من الانتهاكات على أيدي ‏قوات النظام، بينها الاعتقال التعسفي والتعذيب وحتى الاغتصاب.‏

"مساندة الأسد"

وفي رؤيته للمشهد، قال المحلل السياسي اللبناني أمين بشير، إنه في السابق كانت هناك سلطة لبنانية منحازة للثورة السورية وجرى استقبال اللاجئين وأعطتهم صفة اللجوء رغم المناكفات السياسية.

لكن بعد عام 2016 أي بعد انتصار محور الممانعة المتمثل بحزب الله على الحدود، انقض على الداخل وتحولت هذه السلطة إلى سلطة مضايقات على اللاجئين وحقوقهم في لبنان لدفعهم إلى العودة، يستدرك بشير  في تصريحات صحفية تلفزيونية بتاريخ 22 إبريل.

وأضاف أن "دخول لبنان في أزمة اقتصادية صب الماء في طاحونة أزمة اللاجئين وبدأوا يحملون هؤلاء اللاجئين، لا سيما حزب الله وتيار عون وزر الأزمة الاقتصادية كي يحيلوا أنظار اللبنانيين عن الأسباب الحقيقة وراء الانهيار من فساد وسلطة محتلة من قبل مليشيا وحدود سائبة، ويقولون هؤلاء هم أسباب الأزمة الاقتصادية".

ومضى يقول: "إن المساعدات الدولية قد شحت عقب الحرب الأوكرانية عن لبنان وبالتالي أخذتها السلطة اللبنانية عذرا للإمعان في التضييق على اللاجئين والمطالبة بترحيلهم، علما أن الداخل اللبناني استفاد ماديا من وراء المساعدات التي تأتي للاجئين والقبض بالدولار من المنظمات العاملة بشؤون اللاجئين".

وألمح الكاتب اللبناني إلى أن "هناك فريقا من اللبنانيين يريد إخراج ملف اللاجئين من بعدها الإنساني إلى المسار السياسي، بهدف الترويج بأن الأزمة الحاصلة في لبنان ليست أزمة سياسية وفساد واحتلال مليشياوي بل هي أزمة نزوح سوري والسوريين يأخذون أكل وكهرباء لبنان وهذا غير صحيح".

وزاد بالقول: "هناك تسطيح لمسألة خروج اللاجئين من لبنان بأن الوضع سيصبح أفضل، هذه كذبة يروجها طرف سياسي معين يريد تسجيل نقاط في الداخل اللبناني؛ لأن الاقتصاديين يؤكدون بأن ما أدخل إلى لبنان من أموال بالدولار بقصد مساعدة اللاجئين قد زاد مدخول اللبنانيين وحركت سوق العمل وجرى تشغيل العاطلين".

واستدرك بشير قائلا: "لكن في ظل دولة منهارة وشح الأموال الدولية عادت السلطة الحاكمة للمطالبة مجددا بترحيل اللاجئين عبر عملية ابتزاز وقد قالها رئيس الجمهورية السابق، بمعنى أنها عملية مقايضة للمجتمع الدولي، لإبقاء هؤلاء اللاجئين مقابل تقديم الأموال وإلا فإننا سنردهم إلى بلدهم".

وذهب للقول: "إن عملية الابتزاز السياسي الحاصلة للمجتمع الدولي هذه لن تنجح لأن هذه السلطة الحاكمة غير قادرة على التأثير في السياسة العالمية الدولية".

وبالتالي هي محاولة منهم للضغط على المجتمع الدولي لإعادة الحديث مع بشار الأسد وهذا الأهم في هذا التوقيت من قبل السلطة الحاكمة في لبنان الحالية، الداعمة لنظام الأسد كي ينصاع المجتمع الدولي لطلبات الأسد في ظل هذا التفاوض ومحاولات فرض حل سياسي، يختم بشير.

علما أن 80 بالمئة من اللاجئين السوريين في لبنان قادمون من مناطق مدمرة ولا توجد فيها أي من مقومات الحياة وليس فيها منظمات أممية ترعى هؤلاء لتأمين الحد الأدنى من الحاجات الإنسانية.

ويخشى حقوقيون من أن يجري تجنيد الشباب المرحلين من لبنان ضمن صفوف المليشيات التابعة للنظام السوري المتهمة بارتكاب جرائم حرب باعتراف الأمم المتحدة.

ويرى مراقبون أن النظام السوري لا يريد عودة اللاجئين بل يريد ابتزاز المجتمع الدولي لتحقيق مكاسب سياسية في إطار المفاوضات وتحقيق مكاسب اقتصادية في مسار إعادة الإعمار.

والسلطة الحاكمة في لبنان الحالية، تريد أن تحصل على حصة إضافية بحجة دعم اللاجئين، إذ سبق وأن جرى زيادة الدعم لبيروت في هذا السياق.