"الدعم السريع" السودانية.. قصة مليشيا تحولت إلى قوة إقليمية نافذة

داود علي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

قوات "الدعم السريع" السودانية، تطور لمليشيا "الجنجويد"، حيث تعد اليوم قوة موازية للجيش النظامي، تعدادها يصل إلى 100 ألف مقاتل مجهزين بأسلحة حديثة.

وبعد القتال المستعر الذي اندلع بين الجيش و"الدعم السريع" في 15 أبريل/ نيسان 2023، عاد للأذهان ما قاله الجنرال بالقوات المسلحة السودانية، ياسر العطا، بأنه "لا يوجد دولة ديمقراطية حديثة محترمة بها جيشان".

لكن "الدعم السريع" لا تلعب دورها في السودان فقط، بل باتت قوة عابرة للحدود لها تقاطعات إقليمية وتحالفات خاصة، وتدخلات خارجية نافذة في العديد من البلدان، أبرزها اليمن وليبيا وتشاد وهددت أمن قطر إبان الحصار الخليجي عام 2017.

إحراق اليمن

وفي 25 مارس/ آذار 2015، أعلنت السعودية حربها على اليمن في العمليات التي أطلقت عليها اسم "عاصفة الحزم"، واستنفرت الحلفاء من الدول العربية للمشاركة فيها. 

شارك السودان حينها بنحو 6 آلاف جندي من قوات "الدعم السريع"، تواجدت في عمق اليمن في 3 جبهات، هي صعدة وحجة والساحل الغربي.

وفي 3 يونيو/ حزيران 2018، ذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن الجنود السودانيين هم وقود معركة التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، وأن مهامهم تمثلت في القيام بعمليات عسكرية برية في الساحل الغربي، ونشروا 4 ألوية على الحدود اليمنية السعودية لتأمين المملكة.

وكذلك تتولى عناصر "الدعم السريع" حراسة القواعد الإماراتية في جنوب اليمن. 

وهو ما أكده بنفسه قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في سبتمبر/ أيلول 2018، عندما اعترف بمقتل 412 جنديا من قواته في اليمن، بينهم 14 ضابطا.

لكن الصادم في تفاصيل تدخل قوات حميدتي في اليمن، ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، بأن تلك القوات جندت أطفالا تتراوح أعمارهم بين 14 و17 عاما للقتال.

وذكرت أنه "منذ 4 سنوات يقاتل في اليمن نحو 14 ألفا من أفراد قوات الدعم السريع بشكل فعلي". 

وأفادت الصحيفة الأميركية بأنهم قسموا إلى وحدات تتراوح بين 500 و750 مقاتلا، كما يحصلون على رواتب تعادل 480 دولارا شهريا للمبتدئ البالغ من العمر 14 عاما، و530 دولارا لضابط الجنجويد (الدعم السريع) المتمرس". 

واستدركت: "لكن الرتب الأعلى من الضابط، ومن هم في مصاف القيادة، قد تتلقى بعد 6 أشهر من العمل والقتال، نحو 10 آلاف دولار".

وفي 26 مارس 2021، اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب في اليمن، رفقة التحالف السعودي الإماراتي. 

ودعت التحالف بما فيه قوات حميدتي بسرعة الانسحاب من الحرب التي أسقطت الكثير من المدنيين اليمنيين. 

وأكدت أن "مشاركة الدعم السريع عمق من آثار الانتهاكات التي يعانيها اليمنيون، وأنهم لم يراعوا مبادئ حقوق الإنسان في الحرب، وانتهكوا سيادة اليمن ووحدة أراضيه". 

ليبيا وتشاد

دور الدعم السريع أيضا كان حاضرا في الحرب الليبية بقوة، فعندما أطلق الجنرال المنقلب خليفة حفتر، المدعوم من مصر والإمارات، عملية "معركة طرابلس" في 25 مارس 2019، كانت قوات حميدتي حاضرة إلى جانبه، وشاركت في المعارك ضد حكومة الوفاق الوطني "الشرعية". 

وكشف تقرير الأمم المتحدة الصادر في 25 يوليو/ تموز 2019، عن وجود 1000 مقاتل من "الدعم السريع"، داخل ليبيا لمساندة حفتر في معاركه، بأمر مباشر من حميدتي.

حتى طبيعة مشاركة تلك القوات في الحرب الليبية كانت من باب "الارتزاق" وهو ما أكده التقرير الأممي، إذ ذكر أن حميدتي قام بتوقيع عقد في الخرطوم نيابة عن المجلس الانتقالي السوداني، والشركة الكندية "ديكنز أند ماديسون".

وبموجب العقد، تعهدت الشركة الكندية بالحصول من المجلس العسكري الليبي في شرق البلاد (جيش حفتر)، على أموال لقوات الدعم السريع مقابل مساعدات عسكرية وإرسال جنود، لإسناد قوات خليفة حفتر.

وفي 4 فبراير/ شباط 2021، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، تقريرا بعنوان "الصراع في ليبيا يزداد صعوبة"، وقالت خلاله إن "للمقاتلين السودانيين تاريخا طويلا في ليبيا، وقد تم استخدام الدعم السريع (مليشيا الجنجويد) كبيادق في الصراع الليبي منذ 2011".

بالإضافة إلى ذلك، تورطت قوات الدعم السريع في صراعات ومناوشات مع دولة تشاد، كادت أن تصل إلى توريط السودان ككل في حرب مع الجارة الغربية.

ويبلغ طول الحدود السودانية التشادية 1403 كم وتمتد من النقطة الثلاثية مع ليبيا في الشمال إلى نظيرتها مع جمهورية إفريقيا الوسطى في الجنوب. 

ومن المستوطنات القريبة منها مدينة "الجنينة" السودانية حاضرة ولاية دارفور، ومقر حميدتي، ومرتكز قوات الدعم السريع. 

وفي 5 أغسطس/آب 2022، اتهمت الحكومة التشادية، قوات حميدتي بتهديد أمنها عبر دعمها المباشر للمعارضة التشادية المسلحة المناوئة للحكومة، ولرئيس المجلس العسكري الحاكم في تشاد.

تلك الاتهامات جاءت بالتزامن مع زيارة قائد قوات الدعم السريع، حميدتي، إلى العاصمة  إنجامينا، حيث التقى رئيس المجلس العسكري التشادي، محمد إدريس ديبي.

وجاءت تلك الزيارة عقب زيارة أجراها وفد عسكري تشادي برئاسة وزير الدفاع داؤود يحيى إبراهيم يرافقه رئيس أركان القوات المسلحة، وقائد القوات المشتركة التشادية، إلى العاصمة الخرطوم، في 3 أغسطس 2022.

تعديات حميدتي

ونقلت وسائل إعلام سودانية، مثل صحيفة "حرة نيوز" و"التغيير" أن الجانب التشادي متململ من التحركات الحدودية لقوات الدعم السريع، وعبورها إلى الأراضي التشادية ومساندة بعض الحركات المتمردة بالسلاح والجنود وسيارات الدفع الرباعي، ضد حركات متمردة أخرى.  

وكانت صحيفة "تشاد وان" المحلية الناطقة بالفرنسية، ذكرت في 4 يوليو 2022، أن قتالا عنيفا اندلع بين مليشيا "تورو بورو" التشادية المتمردة وقوات حميدتي، ما أدى إلى مقتل مدنيين تشاديين داخل المدن الحدودية مثل "بالي وسوجوني" 

وأكدت أن "أصل الصراع الدامي يعود إلى توغل 300 عربة مدججة بالسلاح مليئة بمليشيات الدعم السريع والحركات السودانية المسلحة إلى المناطق التشادية". 

حينها اقتتلوا مع جماعات "تورو بورو" التي تضم فرقا أيضا في السودان بحكم الولاءات والانتماءات العشائرية، لكن معظمها بالفعل قد غادر الخرطوم قبل سنوات.

ومع ذلك التغول وتجاوز الحدود، اندلع القتال الذي أزعج الحكومة التشادية لتنقل احتجاجها إلى رئيس المجلس السيادي السوداني، عبد الفتاح البرهان.

حينها تساءلت الإعلامية والناشطة السودانية، رشان أوشي، في تدوينة نشرتها في 20 أبريل 2023، عن سر تصعيد حميدتي، وتوغله في تشاد المضطربة.

ورجحت أن قائد قوات الدعم السريع يريد جر البلاد والجيش إلى صراع عسكري واسع مع تشاد والحركات المتمردة بداخلها.

وبالعودة إلى ديناميكية تلك القوات وطبيعة تدخلاتها، فإنها موجودة في العديد من الأزمات الإقليمية الأخرى، فحين قررت السعودية والإمارات والبحرين ومصر، شن العدوان على قطر يوم 5 يونيو/ حزيران 2017، لم تغب قوات الدعم السريع ولا حميدتي عن الأزمة. 

وهو ما تم كشفه لاحقا حين بدأت التحقيقات والتسريبات تخرج عن المخطط الذي استهدف الدولة الخليجية، راميا إلى اقتحامها وإسقاط نظام الحكم بها.

وفي 11 يونيو 2018، أورد تحقيق نشرته مجلة "نيويوركر" الأميركية، أن مخطط التدخل العسكري في قطر، عن طريق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد الإمارات آنذاك، محمد بن زايد، كان الهدف منه تبديل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. 

وأشارت إلى "أنهما كانا سيغزوان قطر"، أما عن تفاصيل الخطة فإن قوات الدعم السريع كانت حاضرة بقوة في عملية الغزو. 

وكان سيتزامن مع إطباق الحصار البحري والجوي، الإتيان بعناصر من "الدعم السريع" لإتمام الدخول العسكري البري إلى قطر. 

وهو ما أكدته تفصيلا صحيفة "مونتي كاروو" السودانية، في 18 يونيو 2020، من خلال تقرير بعنوان "أصابع سودانية في حصار قطر".

وقالت: "خطط لأن يتم نقل قوة الدعم السريع من مطاري الجنينة ونيالا، مباشرة إلى قاعدة سويحان الجوية في العاصمة الإماراتية أبوظبي". 

وأوردت أن "قوات حميدتي تلقت قبلها بشهور تدريبات على حرب المدن في ثلاث معسكرات (الحمراء غياثي، الرويس، الغويفات)". 

ورأت "مونتي كاروو" أن "تفضيل الإمارات للدعم السريع عن الجيش السوداني، له حسابات متعددة، أهمها أن الجيش يغلب عليه طابع الإسلاميين الذين سيرفضون عملية الغزو واحتلال قطر". 

وكذلك أن "التعاون بين الدعم السريع والإمارات في حرب اليمن، سهل من عملية الاستعانة بهم في حصار قطر، خاصة وأن المحرك الأساسي لهم الأموال". 

ورغم أن عملية حصار قطر "فشلت برمتها بعد ذلك، لكنها تركت انطباعا عن دور الدعم السريع والمهام التي يمكن أن يقوم بها، أيا كانت طبيعتها". 

نزاعات خارجية

ومن هذه الأحداث، تظهر كيفية أن "الدعم السريع" أصبحت قوة خطيرة على السودان كدولة، بعد حشدها الحشود وإرسال القوات لإشعال الخرطوم والانقلاب الكامل على الجيش والسلطة الحالية، وإقرار ما أطلق عليه مستشار حميدتي، أحمد عابدين، خلال تصريح إعلامي في 19 أبريل 2023، "نحن أمام دولة جديدة وسودان جديد".

سيكون هذا حسب توصيفه "سودان الجنجويد"، أولئك الذين ولدوا عام 2003 من رحم النزاع الدموي في إقليم دارفور أو ما أطلق عليه "حرب الغوريلا" بين القوات الحكومية والحركات المتمردة، وأودى بحياة نحو 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.

حينها احتاجت القوات المسلحة إلى قوات مساندة لمكافحة التمرد، فأنشأت قوات شعبية من بعض القبائل الموالية للدولة لمكافحة التمرد، واشتهرت هذه القوات باسم "الجنجويد".

تلك السياقات لقوات الدعم السريع تطورت ووصلت إلى التورط في نزاعات خارج الحدود، جعلت منها قوة يتجاوز خطرها الداخل السوداني بل الشرق الأوسط ككل. 

وقال السياسي السوداني، إبراهيم عبد العاطي، إن "هناك مثلا عربيا دارجا قديم يقول (سمن كلبك يأكلك) وهذا ما ينطبق على السودان اليوم، فإن النظام السابق أوجد مليشيات الجنجويد وأسبغ عليهم الصبغة الشرعية وحولهم إلى قوات نظامية ليأكلوه ويأكلوا السودان، ويهددوا دول الجوار والأقطار العربية". 

وشدد عبد العاطي في حديثه لـ"الاستقلال" على أن "أخطر ما في الدعم السريع أنها قوات لا تلتزم بأية معايير عسكرية، ولا يوجد لديها تراتيب إدارية، ولم يسلكوا مسالك التعليم والجندية، وإنما يقومون بتجنيد كل من يستطيع حمل السلاح، ويلزمونه في صفوفهم".

ورأى أن "هذا ما يفسر تصاعد قوة وانتشار هذه القوات، فعند الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير عام 2019، لم يزد عدد هذه القوات عن 30 ألفا، اليوم في 2023 تجاوزوا 100 ألف مقاتل، مجهزين بأحدث الأسلحة والمعدات".

وتابع عبد العاطي: "نحن أمام جيش كامل تضاعف عدده في سنوات قليلة، وهو ما يؤشر لمستقبل مظلم في حال ترك له الحبل على غاربه، وهو ما كان يجب أن تتفطن له الدولة والجيش، ويعلمون أن لا خطر يوازي خطر الدعم السريع على السودان".