دويتشه فيله: تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران جاء لوضع حد لخسائر صراعهما

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

على مدار السنوات الأخيرة، عملت القوتان المتنافستان في الشرق الأوسط، السعودية وإيران، ضد بعضهما بعضا، لكن بعد التطبيع المفاجئ بينهما بوساطة صينية في 10 مارس/ آذار 2023، تغير الوضع.

وقالت إذاعة صوت ألمانيا "دويتشه فيله" إن البلدين يتجهان في الوقت الراهن إلى اتخاذ الخطوة التالية بعد توقيع اتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية، إذ دعا العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة الرياض قريبا.

فصل جديد

وتلقى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في 19 مارس 2023، دعوة رسمية من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لإجراء زيارة إلى الرياض.

وصرح مساعد الشؤون السياسية في مكتب الرئيس الإيراني محمد جمشيدي بأن "رئيسي تلقى دعوة من الملك السعودي لزيارة الرياض".

وأضاف جمشيدي أن "ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز رحب في رسالة موجهة إلى رئيسي باتفاق البلدين الشقيقين".

من جهته، رحب رئيسي بهذه الدعوة، كما أكد استعداد بلاده لتعزيز التعاون الثنائي، حسب جمشيدي.

وفي اليوم نفسه، أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أنه سيلتقي وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان "قريبا".

وتشير "دويتشه فيله" إلى أن التقارب بين البلدين سيتسبب في تأثيرات إقليمية ودولية أكبر.

فمن ناحية، يدعم كلا البلدين الفصائل المتحاربة المتضادة في سوريا منذ سنوات، ويستمران في دعمهما في اليمن حتى يومنا هذا.

ومن ناحية أخرى، في العراق ولبنان والبحرين، يتورط البلدان في صراعات ويتنافسان على النفوذ، وهو ما تحاول إيران ممارسته من خلال الأقليات الشيعية ومنظماتهم وأحزابهم.

إضافة إلى أن الصراع قد أخذ أشكالا مباشرة في بعض الأوقات، فقد أصبحت منشآت إنتاج النفط السعودية هدفا مباشرا للصواريخ الإيرانية القادمة عبر الحوثيين من اليمن.

ومع الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية، ترى "دويتشه فيله" أن الخصمين الرئيسيين في الخليج يريدان فتح فصل جديد في علاقتهما المتوترة.

وتسند السبب وراء ذلك إلى أن "الاشتباكات بينهما تلحق بهم أضرارا أكثر من نفعها، على الصعيدين السياسي والاقتصادي"، مؤكدة أنه "لا يمكن لأي من الجانبين فرض نفسه بشكل أساسي ضد الآخر".

وأشارت إلى أن "إدراك هذه الحقيقة ليس جديدا على أي منهما".

فبحسب سيباستيان سونز، الخبير في الشؤون السياسية السعودية في مركز أبحاث كاربو في بون، إن ممثلي طهران والرياض يتفاوضون وراء الكواليس منذ عامين. 

لكنه لفت في الوقت ذاته إلى أن منسوب انعدام الثقة في الأوساط السعودية تجاه إيران مرتفع للغاية.

وقال سونز: "لكن هذا هو بالضبط -أي انعدام الثقة- ما يدفع الحكومة للتوصل إلى اتفاق مع طهران، حيث يمثل الاتفاق أولوية قصوى بالنسبة للمملكة"، مشيرا إلى أن الوضع لا يختلف كثيرا في طهران.

ومن زاوية أخرى، أوضح ماركوس شنايدر، رئيس المشروع الإقليمي للسلام والأمن في الشرق الأوسط التابع لمؤسسة فريدريش إيبرت في بيروت، أن الاتفاقية تعد بالتأكيد نجاحا للدبلوماسية الإيرانية.

وتابع: "بالنسبة للنظام الإيراني، تعد هذه خطوة للخروج من العزلة الدولية في وقت تتدهور فيه العلاقات الإيرانية مع الغرب". 

صراع نفوذ

ومن جانب آخر، لفتت "دويتشه فيله" إلى ما حققته الصين بسبب كونها الوسيط الذي بدا أن الاتفاق بين الجانبين تحقق بسببه.

فقد أتى هذا الاتفاق في الوقت الذي تتعرض فيه العلاقات الصينية الغربية إلى ضغوط كبيرة. وقد عزت هذه الضغوط إلى التقارب بين الصين وروسيا والتهديدات ضد تايوان.

وبحسب شنايدر، فإن الاتفاقية جعلت من الصين قوة وسيطة رئيسية في الشرق الأوسط. وأكد أنه "من مصلحة طهران إخراج الأميركيين من المنطقة أو على الأقل تقليص نفوذهم".

وأشارت "دويتشه فيله" إلى أن العلاقات الإيرانية الصينية ممتدة منذ وقت طويل. حيث وقع الجانبان اتفاقية تجارية بقيمة تعادل 372 مليار يورو في ربيع عام 2021.

أما من الجانب السعودي، أوضحت أن الرياض بدورها "تحاول إعادة موضعة نفسها دوليا". 

وقالت: "بعد تعرض منشآت صناعة النفط السعودية للعديد من الصواريخ الإيرانية المشتبه بها في عام 2019، أبدت الولايات المتحدة، وهي حليف الرياض في المنطقة، ترددا".

وأسندت "دويتشه فيله" هذا التردد إلى كون الرياض على رأس التحالف المحارب في اليمن، مما يجعلها في وضع سيئ مع النخبة السياسية في واشنطن. 

ولذلك دفع إحجام الولايات المتحدة، فضلا عن الانتقاد المتكرر لانتهاكات حقوق الإنسان السعودية، الرياض إلى إعادة النظر جزئيا في علاقتها مع شريكها السابق.

وفي هذا السياق، يقول سباستيان سونز: "ومع ذلك، هذا لا يعني تغييرا كاملا من شأنه أن يؤدي إلى الانفصال عن الولايات المتحدة أو الغرب. ولكن في الوقت نفسه يتعين على المرء أن يدرك أن التقارب مع إيران يمثل أولوية قصوى للرياض".

وتذكر "دويتشه فيله" أن التقارب بين الخصمين سيكون له عواقب سلبية على المنطقة، وآثار إيجابية كذلك. حيث يتوقع ماركوس شنايدر أن "تقلص إيران محاولاتها لزعزعة استقرار الدول المجاورة".

ففي العراق، على سبيل المثال، الذي تمارس فيه إيران نفوذا كبيرا من خلال الميليشيات والأحزاب المرتبطة بها. 

وفي لبنان أيضا، قد يظهر حزب الله، المتحالف مع إيران، استعدادا أكبر للتعاون، حسب شنايدر.

ووفقا للخبير: "يمكن أن يكون هناك اتفاق أخيرا في اليمن، فقد أدركت الرياض أنه لا يمكن كسب الحرب هناك عسكريا".

ولكن في رقعة أخرى من منطقة الشرق الأوسط، وهي إسرائيل، تؤكد أن الوضع مختلف بالنسبة لها. حيث إن "وجود طهران سيستمر في كونه تهديدا لأمنها".

ولهذا السبب، وقعت الحكومة الإسرائيلية اتفاقات أبراهام، عام 2020، مع دولتين خليجيتين تتفقان مع إسرائيل في كون النفوذ الإيراني تهديدا للمنطقة، وهما الإمارات والبحرين.

وتشير  "دويتشه فيله" إلى أن المملكة السعودية لم توقع مثل هذا الاتفاق بعد. لكنها أكدت في الوقت ذاته أنها "تتبع مسارا هادئا إلى حد ما تجاه إسرائيل منذ سنوات".

إيران أولوية

وأوضح شنايدر أن فشل المفاوضات النووية الإيرانية الغربية قد يكون عاملا رئيسا في تطوير الموقف السعودي الجديد.

حيث قال: "لأنه إذا كانت هناك بالفعل ضربة عسكرية إسرائيلية أميركية ضد إيران، فمن المحتمل أن يكون الخليج هو الضحية الأولى للضربات الإيرانية الانتقامية. وستكون الهجمات السابقة على البنية التحتية النفطية السعودية عندها مجرد فكرة مسبقة".

وفي هذا السياق، يقول سونز: "بشكل عام، يُظهر القرار أن المملكة العربية السعودية ليس لديها حاليا مصلحة مركزية في تطبيع علاقاتها رسميا مع إسرائيل".

واستدرك: "لكن هذا لا يعني على الإطلاق أن السعودية ستتوقف عن مساعيها لإبقاء العلاقات هادئة مع إسرائيل".

وأكمل: "ولكن قبل كل شيء، تريد المملكة العربية السعودية تجنب المزيد من التدهور في علاقتها مع إيران".

ورغم نزع فتيل الصراعات وتجنب المواجهات العسكرية بموجب الاتفاق، تختتم تقريرها بتسليط الضوء على احتمالية تدهور حقوق الإنسان في المنطقة بعد التقارب السعودي الإيراني. 

وفي هذا الصدد، تذكر السجل الكارثي لإيران. وكما يتضح منذ شهور، فقيادة الدولة الإيرانية تتعامل مع حركة الاحتجاج بشكل وحشي.

ومن الجانب الآخر، تنتهك السعودية حقوق الإنسان بانتظام. وكان أبرزها هو اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في إسطنبول، في أكتوبر/ تشرين الأول عام  2018.

والآن يأتي الاتفاق بين الدولتين الاستبداتيتين برعاية الصين، وهي الأخرى دولة استبدادية بطبيعة الحال. وفي هذا الإطار، يؤكد سونز: "لا تعير هذه الاتفاقات أي اهتمام بحقوق الإنسان".