"صفعة لماكرون".. لماذا تراجع نفوذ أوروبا أمام الصين وروسيا في إفريقيا؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة إسبانية الضوء على التوازن الإفريقي الجديد الذي يرفض الوصاية الأوروبية على القارة السمراء، في الوقت ذاته، يمنح التراجع الفرنسي مساحة للصين وروسيا. 

وقالت صحيفة "لافانغوارديا" إن "إفريقيا سئمت من أوروبا، وكانت الصفعة على وجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خير دليل على ذلك".

وأوضحت أن "الجولة الإفريقية الثامنة عشرة خلال ثماني سنوات لماكرون، والتي قادته إلى الغابون وأنغولا والكونغو برازافيل والكونغو الديمقراطية مطلع مارس/آذار 2023، انتهت بصدام خلال المؤتمر الصحفي بين الرئيس الفرنسي ونظيره من الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسكيدي".

وخلال المؤتمر، انفجر الزعيم الإفريقي قائلا: "يجب أن تتغير طريقة تعاوننا مع أوروبا وفرنسا، يجب على باريس أن تنظر إلى الأفارقة بنظرة مختلفة، يجب أن تحترمنا وتعدنا شريكا حقيقيا وليس بنظرة أبوية، كما لو كانت تعرف دائما ما نحتاجه". 

توتر سياسي

وقالت الصحيفة الإسبانية إن "حلقة التوتر السياسي هذه تضاف إلى سلسلة من الاحتجاجات الصغيرة في الغابون أو الكونغو ضد النفوذ المفرط لباريس والتي توضح المشاعر المعادية للفرنسيين المتزايدة أيضا في الدول الأخرى في القارة".

ونوهت إلى أن "بعض الأمثلة تذهب إلى ما هو أبعد من هذه القصة، في بداية عام 2023، حذت بوركينا فاسو حذو جارتها مالي وأمرت بانسحاب القوات الفرنسية من أراضيها".

ويشكل كلا البلدين، إلى جانب جمهورية إفريقيا الوسطى وغينيا، مجموعة رباعية من المستعمرات الفرنسية السابقة التي اتصلت بروسيا لتزويدها بالمساعدة الأمنية من خلال مرتزقة "فاغنر".

من جهتها، اغتنمت موسكو، المهتمة بالموارد الطبيعية ولكن قبل كل شيء بزيادة نفوذها الجيوسياسي، الفرصة وشنت حملات تشهير ضد منافستها الفرنسية.

ونقلت "لافانغوارديا" عن المؤرخ، دوناتو ندونغو، من غينيا الاستوائية، أن "التشخيص واضح: لقد سئمت إفريقيا من الأبوة الأوروبية، لقد شعرت بهذا الشعور لمدة 20 عاما، وكنت أحذر منذ وقت طويل مما يحدث الآن. الأشياء التي لم يكن من الممكن تصورها في السابق تحدث الآن، نحن فقط نرى العواقب".

وقال ندونغو إن "الاتفاقات غير العادلة ودعم الطغاة الأفارقة دفعت إلى النظر في الاتجاه الآخر، لم نعد نثق بأوروبا كثيرا ونتطلع إلى الصين أو روسيا، لقد تعلمنا عدم الثقة في أوروبا".

وأضاف أنه "بعد الحرب في أوكرانيا، رأينا كيف تفتح أوروبا حدودها للاجئين الأوكرانيين وترسل شاحنات المساعدات بينما يواصل الأفارقة الموت على الحدود، كيف سيكون شعورنا أمام هذا التناقض؟".

ونقلت الصحيفة أن المحلل الكيني، كين أوبالو، فسّر تغير النفوذ في إفريقيا بالعامل المالي، في تقريره "الموت البطيء للفرنسية الإفريقية".

وشرح أن هذا العامل تفوق في هذه المعادلة نظرا لعدم اهتمام روسيا أو الصين بحقوق الإنسان لإبرام صفقاتهما. 

وجادل المحلل بأن "في العقدين الماضيين، حلت بكين محل باريس بمثابة شريك تجاري رئيس، وتعدّ الصين الآن شريكا أكثر أهمية للدول الإفريقية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا مجتمعة". 

في الحقيقة، تدعم الأرقام أطروحته وتزيح الستار عن هذه الحقيقة.

في السنوات الخمسة عشرة الماضية، انتقلت تجارة الصين في إفريقيا جنوب الصحراء من اثنين بالمائة فقط من إجمالي الواردات والصادرات إلى 20.5 بالمئة.

في الفترة نفسها، انخفض الوزن التجاري الفرنسي بمقدار الثلث، وأصبح الوزن التجاري للولايات المتحدة اليوم نصف النسبة التي كانت عليه قبل 15 عاما.

وبالمثل، انخفض الوزن التجاري للمملكة المتحدة من تسعة بالمئة إلى 1.88 بالمئة.

توازنات جديدة

وقالت الصحيفة الإسبانية: "في الواقع، لا يقتصر الأمر على فرنسا فقط، حيث تلقت دول أوروبية أخرى صفعات من إفريقيا".

ففي 4 مارس 2023، قاطع الرئيس الناميبي، حاج جينغوب، السفير الألماني عندما احتج على حقيقة أن عدد الصينيين هو أربعة أضعاف عدد الألمان.

وقال الرئيس الناميبي: "ما مشكلتك في ذلك؟ لم يأت الصينيون إلى هنا للعب، وهذا ما يفعله الألمان، لقد سمحنا للألمان بالمجيء إلى بلادنا دون تأشيرة وفرشنا لهم سجادة حمراء، لكن يتعرض مواطنونا للمضايقة في ألمانيا (...) لماذا لا نتحدث عن كيفية معاملتكم لنا؟ الصينيون لا يعاملوننا بهذه الطريقة".

ورغم أن ندونغو يعتقد أن "هناك متسعا من الوقت لإصلاح الأوضاع"، إلا أنه يستنكر الأضرار التي سببتها تصريحات الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، الذي شبه أوروبا نهاية 2022 بـ"حديقة" حقوق الإنسان والتقدم، فيما عد بقية العالم بمثابة "غابة".

وشرح ندونغو أن "هذه الكلمات كانت بمثابة ازدراء وتجاهل كبير، وهي مثال آخر على انفصال إفريقيا عن أوروبا".

وأضافت الصحيفة أن "الوضع الحالي يقلق حتى البلدان التي لا تملك ماضيا استعماريا في القارة".

وفي هذا السياق، حذرت وزيرة التنمية الدولية النرويجية، آن بيث تفينيريم، من خطر حدوث توازنات جديدة.

وأشارت إلى أن "الطريقة التي يتزايد بها عدم الثقة وكيف تغذيها دول معينة، تثير مخاوفها".

وأوضحت: "لا أعتقد أن قيام وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بعدة رحلات إلى إفريقيا من قبيل المصادفة، كما أصبح من الجلي اهتمام الصين بإفريقيا".

وبالنسبة للمحلل السياسي السنغالي، سايبا بايو، فإن "التغيير في العقلية يحدث من داخل المجتمع الإفريقي".

واستطرد أن "أوروبا لا تزال غير مستوعبة لفكرة أن الأمر لا يتعلق بتغيير الألوان أو الأيديولوجيات. في الحقيقة، تعد المسألة داخلية أكثر منها خارجية. أوروبا أو روسيا أو الصين هم وكلاء خارجيون سيكون دورهم أقل على نحو متزايد في تصميم الأمة الإفريقية الجديدة".

وترى الصحيفة أن "السنوات الأخيرة كانت بمثابة اختبار للواقع، كما لم يجد الخطاب المؤيد لمصالحة الذكريات وخطاب الاستعمار نفعا، ولم يكن في صالح كبح الشكوك حول القوة الاستعمارية والدعاية المعادية لفرنسا، خاصة في الوقت الذي توسعت فيه مليشيا فاغنر في منطقة الساحل وأجزاء أخرى من إفريقيا".

وتابعت: "من هنا، توالت النكسات الفرنسية والأوروبية في إفريقيا، خاصة بعد الإذلال والإخفاقات في منطقة الساحل".