أبواق سعودية مقربة من ابن سلمان تهاجم الجيش المصري.. لماذا غضب "الكفيل"؟

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

جسور التواصل السياسي الممتدة بين القاهرة والرياض على مدار سنوات، تشهد واحدة من أسوأ فصولها على الإطلاق خلال الفترة الأخيرة.

وتظهر شواهد الخلاف السياسي المصري السعودي جلية أكثر من أي وقت مضى، على خلفية الحملة التي شنها مجموعة من الأكاديميين السعوديين على رأسهم تركي الحمد وخالد الدخيل، المقربان من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ضد رئيس النظام عبد الفتاح السيسي وسيطرة الجيش المصري على الاقتصاد.

وجاءت الهجمات في إطار صدام موازي بين الأذرع الإعلامية للسيسي، واتهامات بعضها البعض بالعمالة والتبعية لما أسموها "الأجندة السعودية"، مثلما حدث بين الإعلاميين محمد الباز وعمرو أديب. 

وتعد السعودية من أبرز داعمي الانقلاب العسكري في مصر، منذ 3 يوليو/ تموز 2013، ماليا وسياسيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولطالما نُظر لها على أنها من تكفله وتحمي بقاء نظامه.

واليوم بعد قرابة 10 سنوات تصدع بناء العلاقات على وقع الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها مصر، مع تهاوي سعر صرف الجنيه أمام الدولار، وارتفاع معدل التضخم، والاعتماد على قروض صندوق النقد الدولي، وفتح باب الخصخصة للاستثمارات الأجنبية. 

ولم يعط ابن سلمان، السيسي ما طلبه هذه المرة من مساعدات، فيما أكد مسؤولون سعوديون أن حقبة الدعم غير المشروط قد انتهت، ما أشعل حربا على صعيد الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بشأن ماذا يريد كل طرف من الآخر وما الأسباب التي أوصلت العلاقة إلى هذا الوضع.

عباءة العسكر 

في 26 يناير/كانون الثاني 2023، أطلق الأكاديمي السعودي، تركي الحمد، المقرب من ولي العهد، عاصفة تغريدات على صفحته الشخصية بموقع "تويتر" انتقد فيها الأوضاع في مصر، ورصد أسباب الانحدار السياسي والاقتصادي.

وأطلق الحمد 9 تغريدات بدأت بتساؤل عن "ماذا يجري في مصر"، ثم عرج إلى فكرة الواقع الحالي، ودخول البلاد إلى طور الاضمحلال الشديد.

وقال: "مصر بواقعها الحالي، أي مصر البطالة والأزمات الاقتصادية والسياسية، ومعضلات المجتمع وتقلباته الجذرية العنيفة، لا تنتمي لأي نموذج، ملكيا كان أو جمهوريا". 

وأرجع الأكاديمي السعودي السبب الرئيس لتدهور أوضاع القاهرة، إلى هيمنة الجيش المتصاعدة على الدولة وخاصة الاقتصاد.

وذكر أنه "لا يمر شيء في الدولة المصرية إلا عن طريق الجيش، وبإشرافه، ومن خلال مؤسسات خاضعة له، ولصالح متنفذين فيه". 

وصعد الحمد من لغته الهجومية حين تحدث عن البيروقراطية المصرية الهرمة المقاومة للتغيير، والتي تقف حجر عثرة في وجه أي استثمار اقتصادي ناجح، سواء داخلي أو خارجي.

وأورد أن هناك ثقافة شعبية مستسلمة ومستكينة تنتظر كل ما يأتي من (فوق) سواء كان هذا الفوق هو السماء ومفاجأتها وأبطالها المقبلين من الغيب، أو الدولة بجلال قدرها وفرعونها ذي الصولجان، المالك لمفاتيح التغيير وخزائن (المن والسلوى)، مع غياب شبه تام لحس المبادرة المجتمعية المستقلة، وفق تعبيره. 

لم تكن هذه أولى هجمات الحمد على السلطات المصرية، ففي 12 يونيو/حزيران 2022، تحدث أيضا بعدما نشر الكاتب المصري عماد الدين أديب، مقالا تحت عنوان "من يعوض الفاتورة المؤلمة للحرب الروسية الأوكرانية؟"

وقال أديب: "قد يكون مستقبل العلاقات المصرية الخليجية إحدى ضحايا فاتورة الحرب الروسية الأوكرانية".

وقتها، غضب الأكاديمي السعودي، ونشر تغريدة هجومية، قال فيها: "كان المفروض على هذا الكاتب أن يتساءل: ولماذا لا تستطيع بلاده (مصر) حل أزماتها المزمنة بنفسها بدل أن تصبح عالة على هذا وذاك؟".

وأضاف: "وهو حقيقة يهين مصر حين يجعلها تبحث عن (راع) خليجي أو إيراني أو تركي، بدل أن تكون هي الراعية، كما كانت في زمن مضى، إذ لا ينقصها شيء مما لدى تركيا وإيران والخليج".

لكن حالة الغضب السعودية تجاوزت تركي الحمد إلى رجل آخر، هو السياسي السعودي خالد الدخيل، المقرب أيضا من القصر الملكي. 

ونشر الأخير تغريدة لاذعة على حسابه بـ "تويتر" قائلا: "ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة يعود في جذوره الأولى إلى أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ 1952".

وعقب بالقول: "انكسرت في يونيو 67 (الهزيمة العربية أمام إسرائيل) وتبخر وهج 23 يوليو (انقلاب 1953) كما عرفه المصريون والعرب، لكن سيطرة الجيش على السلطة وعلى اقتصاد مصر لم يسمح ببديل سياسي اقتصادي مختلف". 

تلك الحالة دفعت الكاتب الصحفي المصري المعارض عبد الناصر سلامة، للتعليق: "الموقف الرسمي الصادم لكل من السعودية والكويت بخصوص المساعدات الخارجية، وكتابات تركي الحمد وخالد الدخيل، هل هي صحوة ضمير لصالح الشعوب بعد سلسلة أخطاء، أم خلافات مؤقتة تزول بزوال السبب، أم إملاءات خارجية كما جرت العادة؟". 

غياب وتساؤلات 

ومن طبيعة الأحداث خلال الفترة السابقة، رجح كثيرون وجود خلافات تتجاوز حديث الأكاديميين السعوديين.

ففي 18 يناير/ كانون الثاني 2023، اجتمع قادة مصر والأردن وقطر والبحرين في القمة التي شهدتها العاصمة الإماراتية أبوظبي، برعاية الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، وكان ملحوظا غياب السعودية والكويت عن القمة. 

وطرحت تساؤلات عن أسباب غياب ولي العهد السعودي تحديدا، مع الإشارة إلى وجود خلافات حادة مع السيسي.

حينها أكد الصحفي السعودي تركي الشلهوب أن علاقات ابن سلمان مع ابن زايد والسيسي متدهورة جدا، بسبب رغبة الرئيس الإماراتي في رفع إنتاج النفط وخلافهما في اليمن، أما مع رئيس النظام المصري، فالعلاقة متدهورة بسبب جزيرتي تيران وصنافير اللتين يماطل بتسليمهما للرياض، وفق قوله.

وذكر موقع "الحرة" الأميركي في 19 يناير 2023، ضمن تحليله لأسباب غياب ابن سلمان، عن قمة الإمارات أن "هناك تباينا واضحا في الرؤى الاقتصادية بين الرياض وأبوظبي، ولا سيما في مسألة المساعدات لمصر".

وأكد أن "الاقتصاد كان الشغل الشاغل للقاء، خاصة في ظل الأزمة المالية في مصر، وأن غياب السعودية والكويت عن الاجتماع يمثل رسالة، بأنهما لن يسهما في مساعدات للقاهرة، ولا سيما بعد تصريحات وزير المالية السعودي محمد الجدعان".

وجاءت تصريحات والجدعان، لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية، مبرهنة على تلك التوترات، إذ قال على هامش مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي بسويسرا، في 18 يناير 2023: "اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط، ونحن نغير ذلك". 

وأضاف: "نفرض ضرائب على شعبنا ونتوقع من الآخرين فعل الأمر نفسه وأن يبذلوا جهدا، نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم"، فيما يبدو أنها كانت إشارة إلى مصر. 

ثم أوضح: "لطالما قدمت السعودية الرائدة في الخليج دعما ماليا للاقتصادات المضطربة في المنطقة، من خلال منح وودائع بمليارات الدولارات، ولسنوات كانت المملكة أكبر داعم منفرد لمصر".

انقسام الغرماء

في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، نشرت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية، تقريرا تحت عنوان "هل تحدث مواجهة بين السعودية وصندوق النقد بسبب مصر؟".

وطرحت تساؤلات عن الكيفية التي سيجري التعامل بها مع الودائع التي حصلت عليها مصر من الدول الخليجية، حال وصول البلاد إلى الإفلاس.  وأشارت المجلة إلى أن هذا الوضع قد يتسبب في مواجهة بين الجهات المقرضة.

وقالت: "إن السعودية وصندوق النقد الدولي، لا يريدان في الوقت الحالي تقديم المزيد من القروض إلى مصر، إلا أنهما يريدان في نفس الوقت إنقاذ أموالهما وإنقاذ القاهرة لأهميتها الجغرافية والإستراتيجية". 

وهذا ما أكده الباحث والأكاديمي المصري أحمد راغب، بالقول: "إن العلاقات المصرية السعودية لم تكن على ما يرام طوال الوقت، والخلاف الحالي ليس أول الخلافات".

وتابع في حديث لـ"الاستقلال": "نذكر الخلاف الشديد الذي وقع بين الإدارتين عقب وفاة الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، وكانت مصر والإمارات تتبنى تصعيد نجله الأمير متعب بن عبد الله، لولاية العهد".

وأردف: "كان يقود تلك العملية المستشار آنذاك بالديوان الملكي خالد التويجري، الذي امتلك علاقات قوية بابن زايد والسيسي، قبل أن يطاح به وبمتعب إبان صعود (العاهل السعودي الحالي) الملك سلمان".

وأضاف: "ثم توترت العلاقات مرة أخرى عام 2016 حين رفضت القاهرة الانخراط في عملية عاصفة الحزم في اليمن، وخذل طلب حلفائه ومموليه الخليجيين على رأسهم السعودية، التي وصل بها الأمر إلى قطع إمدادات النفط عن القاهرة عبر شركة أرامكو (للنفط)". 

وأوضح: "والآن الخلافات تتصاعد مرة أخرى بسبب الأزمة الاقتصادية، وأن مصر بسياستها الحالية، تريد بحرا من الأموال السعودية، وابن سلمان والخليجيون عموما لن يدفعوا دون شرط ودون تحقيق أكبر قدر ممكن من المكتسبات". 

وعقب بالقول: "تلك المكتسبات ستكون في صورة الخصخصة، والاستحواذ على قطاعات إستراتيجية وأراض وشركات كبرى، وهو ما يجري عبر الصناديق السيادية من كلا الدولتين، سواء المصري أو صندوق الاستثمار السعودي، غول ابن سلمان المتمدد حول العالم". 

وأتبع: "الطريقة السعودية الجديدة في الدعم، والسعي للاستحواذ، جعلت السيسي بين نارين، نار المملكة ونار الجيش المهيمن على كل شيء في مصر".

وتابع: "لعل السيسي تحجج بتلك الذريعة، ما أثار غضب الممولين، وهو ما يفسر هجوم الأكاديميين السعوديين على الجيش بهذه الطريقة". 

وختم الباحث المصري حديثه: "مصر الآن في أضعف حالاتها، وهناك من يظن أن دعم الخليج والسعودية نابع من شعور بمسؤولية تجاه مصر، لكنه نابع من إستراتيجية كانت مقصودة منذ 2011، بإضعاف البلاد وجعلها تحت هيمنة القوى الإقليمية سواء الرياض أو أبوظبي".

لذلك فإن الصدام الحالي يأتي تحت بند مزيد من الهيمنة واستغلال الفرصة السانحة، وستظل مصر هي الغنيمة الكبرى للمانحين، وفق تقديره.