ابتسامة ظاهرة وابتزاز مبطن.. هذا ما يعجز السيسي عن قوله بصراحة للخليج

لندن - الاستقلال | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

أشعل الكاتب المصري المقرب من نظام عبد الفتاح السيسي، عماد الدين أديب، الغضب والجدل بسبب مقال نشره في جريدة "الشرق" اللبنانية، تحدث فيه عن تكاليف الحرب الروسية الأوكرانية وتبعاتها على مصر. 

المقال تناول الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في مصر، لكنه حمل ابتزازا وتهديدا واضحا لدول الخليج العربي، حال عدم المساعدة في كبحها، ما قد يسفر عن فوضى وهجرة عشوائية. 

وتطور الأمر عندما تلقفت وسائل الإعلام المصرية التابعة للنظام المقال، وراحت تردد ما جاء به، كرؤية ثاقبة لمستقبل مجهول. 

وأديب من كبار رجال الإعلام في مصر، ومعروف بقربه من مراكز اتخاذ القرار على مدار عقود طويلة، وجاءت رسائله متوافقة مع تصريحات السيسي الأخيرة، التي طالب فيها ضمنيا بمساعدة "الأشقاء الخليجيين".

ويعاني المصريون من ارتفاع رهيب في أسعار جميع السلع الأساسية، في مقدمتها الوقود والخبز، مع تناقص متواصل للدعم الحكومي وتراجع كبير في قيمة الجنيه وتضاعف نسب البطالة والفقر، في ظل ذهاب النسبة الكبرى من الدخل القومي لخدمة الدين.

رسالة أديب 

وكان مما ورد في المقال الجدلي لأديب المنشور في 14 يونيو/ حزيران 2022، "أنه قد يكون مستقبل العلاقات المصرية الخليجية أحد ضحايا فاتورة الحرب الروسية الأوكرانية". 

وقال: "هناك 25 مليار دولار أميركي زادت بين ليلة وضحاها على الموازنة المصرية الطموحة بسبب ارتفاع فاتورة الطاقة ومشتقاتها والحبوب والغلال والسلع التموينية الأساسية". 

وأضاف: "هذا وضع استثنائي لا يطاق ولا يمكن لاقتصاد مثل الاقتصاد المصري أن يتحمل تبعاته ولا تكلفته".

وذهب إلى وضع أجندته الخاصة للحل عندما شدد أن "أسلوب الدعم الكريم من الأشقاء العرب عبر ودائع دولارية في البنك المركزي المصري هو بمنزلة حل مسكن للآلام". 

وأورد: "لكن الحل الجذري يكمن في توفير شحنات من الطاقة بأسعار مقبولة وبتسهيلات في الدفع مع فترة سماح".

وأوضح أنه "يكمن أيضا في دخول استثمارات خليجية في الاقتصاد المصري وتخفيف العبء عن كاهل الحكومة التي تحارب بسيفين في آن واحد". 

وجاءت حالة الابتزاز الكاملة من أديب عندما اختتم مقاله تحت بند ماذا لو لم تصل المساعدات والاستثمارات الخليجية إلى مصر؟ 

وهنا تنبأ باستفحال الأزمة والضغط الشديد على حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي في مصر. 

حيث قال: "ذلك احتمال كارثي يفتح أبواب جهنم ليس على الأوضاع في مصر وحدها، بل المنطقة". 

وعما يهدد دول الخليج، أورد أنه سيبدأ سيناريو كابوس بهجرة الملايين عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، وعبر البحر الأحمر إلى دول الخليج.

وشدد على أن مصر ستدخل إلى حالة من عدم الاستقرار تعيد حالة الفوضى التي صاحبت سابقا أحداث (ثورة) 25 يناير/ كانون 2011، وساعتئذ لا أحد سيتمكن من توقع ردود فعل القوى الشعبية الداخلية.

 

غضب خليجي

المثير أن مقال أديب جاء في نفس اليوم الذي طلب فيه رئيس النظام المصري مساعدات من الخليج أيضا. 

ففي 14 يونيو 2022، دعا السيسي، السعودية والإمارات إلى تحويل الودائع إلى استثمارات في مصر.

وقال خلال افتتاحه لأحد المشروعات "لماذا لا نحول هذه الودائع إلى استثمارات في مصر ونحن لدينا مشاريع كثيرة جدا والبلد فيها 100 مليون نسمة وفيها فرص جيدة جدا". 

تلك الحالة تسببت في غضب لدى كتاب ورجال دولة خليجيين، منهم الأكاديمي السعودي تركي الحمد، المقرب من رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد. 

وغرد الحمد عبر تويتر ردا على أديب: "كان المفروض على هذا الكاتب أن يتساءل: ولماذا لا تستطيع بلاده (مصر) حل أزماتها المزمنة بنفسها بدل أن تصبح عالة على هذا وذاك؟"

وأضاف: "وهو حقيقة يهين مصر حين يجعلها تبحث عن (راع) خليجي أو إيراني أو تركي، بدل أن تكون هي الراعية، كما كانت في زمن مضى، إذ لا ينقصها شيء مما لدى تركيا وايران والخليج".

أما الناشط المصري خالد فريد سلام، فكتب عبر تويتر: "عماد أديب بوق من أبواق النظام كتب مقالا يبتز به الدول العربية والعالم ووضعهم أمام خيارين: إما أن يعطونا 25 مليار دولار أو الفوضى وتصدير لاجئين وهجرة غير شرعية لأوروبا ودول الجوار".

وأكمل: "فشل اقتصادي تام وخطاب إعلامي أقل ما يمكن أن يوصف به هو أنه إعلام عار". 

وتفاقم الدين الخارجي في عهد السيسي من 46.5 مليار دولار عام 2013، ليصل 84.7 مليار دولار عام 2016، ونحو 100 مليار دولار عام 2018، و115 مليار دولار في 2019، إلى 145.529 مليار دولار بحسب إعلان البنك المركزي المصري في 18 أبريل 2022.

مليارات ضائعة

طلب رئيس النظام المصري وإعلامه المساعدات من الخليج في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور جراء الحرب الروسية الأوكرانية، يفتح باب السؤال عن المساعدات السابقة. 

فمنذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013، تتابعت مليارات الخليج وتحديدا السعودية والإمارات والكويت إلى مصر. 

وقدرت تلك المساعدات بنحو 41.8 مليار دولار، كانت هي إجمالي المساعدات الخليجية التي حصل عليها السيسي، من دول الخليج. 

ووفق تسريبات نشرتها فضائية "مكملين" المصرية المعارضة، في فبراير/ شباط 2015، تحدث السيسي حينما كان وزيرا للدفاع، إلى مدير مكتبه اللواء عباس كامل (رئيس جهاز المخابرات العامة حاليا) عن موضوع المساعدات الخليجية.

وقال السيسي فيها، "اللي أخدته وأنا مشير 112 مليار جنيه"، فيضيف عباس مساعدات أخرى تم تحصيلها وهي 14.4 مليار دولار، ويضربها في (7) وهي متوسط سعر صرف الدولار في هذا الوقت، ليخرج لنا بنتيجة تقريبية وهي 85 مليار جنيه (الصحيح هو 101 مليار جنيه)".

وأكد كامل أن إجمالي المساعدات وصلت إلى 200 مليار جنيه، فقاطعه السيسي قائلا: "أكتر من 200 مليار"، كونها تصل في الحقيقة إلى 213 مليار جنيه تعادل نحو 30.5 مليار دولار (وفق متوسط سعر صرف الجنيه آنذاك).

غير أن السيسي أكمل أن هذه المبالغ الهائلة لا تتضمن المساعدات النفطية التي جاءت بعد يناير 2014، كما لم تتضمن حجم الودائع التي دخلت البنك المركزي المصري في عام 2013، وقيمتها 4 مليارات دولار، ملياران من السعودية، وملياران مناصفة من الكويت والإمارات.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2014، حصل السيسي على منحة كويتية قدرها مليار دولار تضاف إلى هذه المليارات، التي لم تدرج بالموازنة العامة للدولة، وما زال مصيرها مجهولا. 

وكشفت وكالة بلومبرغ الأميركية، في 23 مارس/ آذار 2022، أن صندوقا سياديا مدعوما من حكومة أبوظبي، نفذ صفقة لشراء حصص في 5 شركات مصرية بقيمة اقتربت من 2 مليار دولار.

من جانبها ذكرت وكالة الأنباء السعودية، في 30 مارس، أن المملكة قدمت خمسة مليارات دولار وديعة لدى البنك المركزي المصري.

وعلى الرغم من استقطاب الأموال السعودية والإماراتية إلا أن البنك المركزي المصري أعلن في 7 أبريل/ نيسان 2022، أن رصيد احتياطي النقد الأجنبي بلغ بنهاية مارس نحو 37 مليار دولار و82 مليون دولار مقابل 40 مليارا و99 مليون دولار نهاية فبراير/ شباط السابق له.

وفي أعقاب زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى القاهرة في 20 يونيو/ حزيران 2022، أعلنت السعودية ومصر في بيان مشترك، التوقيع على صفقات واتفاقيات بلغت 8 مليارات دولار.

 كما أعلنت السعودية عن عزمها "قيادة استثمارات في مصر تبلغ قيمتها 30 مليار دولار"، وهو ما قرأه مراقبون بأنه استجابة واضحة لتحذيرات أديب الأخيرة.

بين إرادتين 

وفي قراءته للمشهد، قال الباحث الإعلامي طارق محمد، إنه "بحسب تتبع مسار الإعلام المصري، ومدى سيطرة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية عليه، لا يمكن أن يصدر مقال مثل هذا من عماد الدين أديب، دون إيعاز أو مراجعة". 

وأضاف لـ"الاستقلال": "مقال عماد الدين أديب هو صوت منظومة الحكم في مصر، وقال ما لا يمكن قوله بشكل رسمي وعبر المسارات الدبلوماسية، هو تحدث عن طلب المساعدة أو تحمل تبعات الإحجام عن إسناد النظام". 

وذكر محمد: "نحن أمام نظام تجاوز منذ مدة فكرة دور مصر الريادي وإرادتها السياسية والاقتصادية، وثقلها الإقليمي، بل يريد الدعم المطلق اقتصاديا، ويريد الأموال والودائع والقروض والمنح، حتى أصبح مضربا للأمثال والتندر وأصبحت كلمة (الرز الخليجي) مصطلحا ثابتا يخص الرئيس". 

واستطرد: "تلك الحالة تجعلنا نستدعي خطاب الرئيس الراحل محمد مرسي في عيد العمال، عندما قال (من يطلب من غيره لا يمتلك إرادته)، وبالفعل رأيناها واقعا حين سلبت منا إرادتنا، وصرنا نبحث عن المعونة من دول الخليج، وها هي مصر تباع إلى الإمارات قطعة قطعة، وكل هذا بسبب سياسة القروض". 

واختتم الباحث المصري بالقول، "لو استنتجنا شيئا من المقال، هو أن مصر مقبلة على أيام صعبة للغاية، ولا يوجد في جعبة النظام أي آلية للحل أو خطة للإنقاذ، وأنه يريد حلا سريعا عبر المساعدات الخليجية وبيع القطاع العام، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه". 

وصعدت نسبة التضخم السنوي في مصر، إلى 15.3 بالمئة خلال مايو/ أيار 2022، وسط مصاعب تواجهها الحكومة والبنك المركزي لكبح جماح الأسعار.

ونفذ البنك المركزي منذ مارس 2022، زيادتين على أسعار الفائدة بهدف كبح جماح التضخم، إلا أن الارتفاعات العالمية في أسعار الغذاء والطاقة، صعّبت المهمة على الحكومة والبنك.