تواطؤ عربي لافت.. كتابان أميركي وإسرائيلي يكشفان ملابسات اغتيال مغنية وخاشقجي

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

لا تحتاج العلاقات الوثيقة بين واشنطن وتل أبيب إلى برهان، حتى إن الرئيس الأميركي جو بايدن وصف نفسه خلال زيارته الأخيرة إلى إسرائيل في 14 يوليو/ تموز 2022، بأنه "صهيوني"، لكن كانت دائما السرية تخيم على تعاونهما الاستخباري.

لكن هذا تغير، مع نشر كتابين مهمين في توقيت متزامن أحدهما لمايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي السابق (2018-2021)، مدير المخابرات المركزية الأميركية (2017-2018) والثاني للخبير العسكري والأمني الإسرائيلي يوسي ميلمان.

ويكشف الكتابان أسرارا استخباراتية عن بعض الاغتيالات الشهيرة التي جرت لشخصيات عربية بتعاون تام بين عملاء جهازي المخابرات الأميركية والإسرائيلية، والجديد الإشارة إلى تواطؤ مخابرات أنظمة عربية منها مصر والأردن والسعودية فيها.

وفي 21 يناير/ كانون الثاني 2023، نشر ميلمان في صحيفة "هآرتس" فصلًا من كتاب جديد سيكشف عن عنوانه قريبا يوثق عملية اغتيال القيادي في حزب الله اللبناني عماد مغنية عام 2008 في دمشق ودور السفارة الأميركية ومخابرات دول عربية في العملية.

بالتزامن، كشف بومبيو في كتابه الصادر حديثا بعنوان "لا تتزحزح عن موقفك قيد أنملة: القتال من أجل أميركا التي أحبها" كشف أن رئيس الموساد السابق يوسي كوهين طلب مساعدة "سي آي إيه" في إنقاذ طاقم من عناصر الموساد تعرضوا لخطر مباشر أثناء تنفيذهم عملية سرية "في مكان ما".

قنبلة دبلوماسية

رغم مرور 15 عاما على اغتيال عماد مغنية بدمشق في 12 فبراير/ شباط 2008، إلا أن إسرائيل لم تعلن رسميا بعد تنفيذها للعملية، لكن الكتاب الذي نشره مليمان كشف عن عدة أشياء لم تكن معروفة حتى الآن.

أخطرها أن استخبارات دول كثيرة، بينها عربية، شاركت في التخطيط مع إسرائيل وأميركا وجمع المعلومات لتنفيذ عملية اغتيال القيادي البارز في حزب الله.

في كتابه، كشف مليمان أيضا سرا خطيرا، هو أن القنبلة التي صنعها الموساد وجرى استخدامها في اغتيال عماد مغنية جرى نقلها عبر حقيبة دبلوماسية للسفارة الأميركية.

وأكد أن السفارة الأميركية في الأردن نقلت القنبلة عبر الحقيبة الدبلوماسية إلى نظيرتها في دمشق التي قامت بتسليمها لخلية التنفيذ بالموساد في العاصمة السورية.

وأضاف أن عددًا من الدول العربية التي أسماها "المُعتدلة"، لعبت دورا مباشرا في تنفيذ هذه العملية من خلال مشاركة أجهزة استخباراتها في عملية جمع المعلومات عن مغنية وتحركاته.

وكشف الكتاب عن عمق العلاقة بين الاحتلال والولايات المتحدة في مجال التبادل الاستخباري، والتنسيق بينهما في طريقة وآلية تنفيذ الاغتيالات في الشرق الأوسط، وأن لواشنطن الكلمة الأولى والأخيرة.

وأكد ميلمان نقلا عن مصادر أمنية مطلعة في تل أبيب، أن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ورئيس وزراء إسرائيل آنذاك إيهود أولمرت هما من أصدرا الأوامر باغتيال مغنية.

وأوضح أن الموساد أبلغ قيادته في رسالة تأكيد نجاح العملية: "العربي مات"، وهي عبارة عنصرية يستخدمها الإسرائيليون ضد العرب، بحسب صحيفة "رأي اليوم" اللندنية في 21 يناير/ كانون الثاني 2023. 

وسبق أن كشف كتاب إسرائيلي حمل عنوان "جواسيس غير مثاليين"، أعده ميلمان أيضا، أن عملية اغتيال عماد مغنية كانت مشتركة بين "الموساد"، والمخابرات الأميركية "سي آي إيه".

وبحسب ميلمان، فإن المخابرات الأميركية كانت مترددة بشأن اغتيال مغنية، لكن بعد حرب لبنان الثانية نضج القرار باغتياله، وصادق بوش شخصيًا على التنفيذ، لتكون هذه العملية من أبرز العمليات المشتركة بين الجانبين.

وبين أن إسرائيل كانت ترغب باغتيال مغنية أثناء وجوده برفقة رئيس الحرس الثوري الإيراني السابق قاسم سليماني، لكن الأميركيين رفضوا ذلك حينئذ، في حين نفذت أميركا عملية اغتيال سليماني لاحقا في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.

وأكد ميلمان في كتابه أن أجهزة المخابرات العربية التي شاركت بفاعلية في جمع المعلومات لاغتيال مغنية هي: مصر والأردن والسعودية، بجانب مخابرات أميركا وفرنسا وبريطانيا.

وأوضح أن المعلومات الاستخبارية التي وفرتها هذه الدول أسهمت في تنفيذ العملية بنجاح.

والأمر نفسه عن تورط أنظمة عربية في تقديم الدعم وتوفير المعلومات للمخابرات الأميركية والإسرائيلية، أكده كتاب بومبيو، بدون تقديم تفاصيل.

إنقاذ الموساد

وبالتزامن مع كتاب ميلمان، كشف بومبيو بعض تفاصيل دقيقة عن تعاون الموساد و"سي آي إيه".

وقال بومبيو في كتابه إن رئيس الموساد السابق يوسي كوهين طلب منه مساعدة لطاقم من عناصر الموساد تعرضوا لخطر مباشر أثناء تنفيذهم عملية سرية "في مكان ما".

وحسب بومبيو، وفر عملاء سي آي إيه شققا آمنة لعناصر الموساد حتى عادوا لبلادهم.

وقال: "أثناء نزولي من الطائرة بعد عودتي من زيارة إلى عاصمة أوروبية، تلقيت اتصالاً من كوهين فعدت إلى داخلها لتلقي الاتصال، فالطائرة مجهزة بمعدات اتصالات مناسبة لإجراء محادثة سرية مع زعيم إسرائيلي، وكان المسؤول هو مدير الموساد يوسي كوهين".

وأوضح أنه قال له: "مايك .. لدينا فريق أكمل للتو مهمة بالغة الأهمية، والآن أواجه بعض الصعوبات في إخراج بعضهم. هل يمكنني الحصول على مساعدتك؟".

وأوضح بومبيو أنه لم يطرح على المسؤول الإسرائيلي أي أسئلة، قائلًا: "بصرف النظر عن المخاطر، بدأنا العمل وتواصلنا مع فريقه، وفي غضون اليومين التاليين، عادوا إلى بلدهم، من دون أن يعلم العالم أن واحدة من أهم العمليات السرية التي أجريت على الإطلاق واكتملت".

ورغم أن بومبيو لم يذكر اسم العملية أو الفترة الزمنية، فإن وصفه بأنها واحدة من أهم العمليات السرية التي تم إجراؤها على الإطلاق، دفع نشطاء لربطها بإيران، لتزامنها مع عملية سرقة الأرشيف النووي الإيراني عام 2018.

ورجح موقع "انتيلي تايمز" الاستخباري الإسرائيلي أن المكان المستهدف هو طهران وعملاء الموساد الذين تم تهريبهم هم من سرقوا أسرار البرنامج النووي التي عرضها نتنياهو سابقا ونشر صورة لبومبيو مع عملاء إسرائيليين.

من جانبها ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية في 24 يناير 2023، أنه على الرغم من أن بومبيو يقول في كتابه إنها كانت "واحدة من أهم العمليات الاستخباراتية السرية على الإطلاق"، فإن مصادر استخباراتية نفت مراراً أن تكون العملية المعنية هي سرقة الأرشيف النووي الإيراني السري من قلب طهران في فبراير/ شباط 2018.

وقالت: لم تحدد مصادر الصحيفة الإسرائيلية عملية أخرى يمكن أن تصل إلى درجة الأهمية التي وصفها بومبيو، لكنهم أصروا على أن الأميركيين لم يشاركوا في عملية أرشيف طهران عام 2018.

والجدير بالذكر في هذا السياق، أن فترة ولاية بومبيو في عهد ترامب شهدت أكثر من عملية استخباراتية إسرائيلية كبرى أُعلن عنها، منها تخريب المنشآت النووية الإيرانية في نطنز في يوليو/تموز 2020.

فضلا عن اغتيال مدير البرنامج النووي الإيراني محسن فخري زادة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، لكن العمليتين كانتا بعد رحيل بومبيو عن وكالة الاستخبارات وتولِّيه وزارة الخارجية.

ومن الأمور العجيبة أن بومبيو تحدث في كتابه عن أسباب دينية تجمع التيار الإنجيلي الأميركي الذي ينتمي إليه مع تيار اليهودية الأرثوذكسية الذي قال إن رئيس الموساد (كوهين) ينتمي إليه.

وقال إن "مسيحيته (بومبيو) الإنجيلية" و"يهودية كوهين (مدير الموساد حينئذ) الأرثوذوكسية" ساعدا على تقوية الروابط بين جهازي المخابرات!.

ويستخدم بومبيو إيمانه المسيحي، ودعمه اللامحدود لإسرائيل، من أجل إرضاء القاعدة الإنجيلية الأميركية، وهي قاعدة تصويتية مهمة لأي شخص يطمح إلى الوصول إلى البيت الأبيض وقد صوّتت بكثافة لترامب في انتخابات 2016 و2020.

وهذا ما يسعى إليه بومبيو، بعدما أعلن رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2024 عن الحزب الجمهوري، حيث يدرك جيداً أهمية دعم القاعدة المسيحية الإنجيلية له لو أظهر دعمه اللامحدود لإسرائيل، ولو على حساب مصالح أميركا.

اغتيال خاشقجي

وكانت مفارقة كبيرة أن يدافع بومبيو في كتابه بشدة عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المتهم بقتل الصحفي جمال خاشقجي، ويتنبأ له بأنه سيكون "أحد قادة عصره وشخصية تاريخية"، ويتهم خاشقجي بأنه من جماعة "الإخوان المسلمين" كأنه يبرر قتله.

ووصل الأمر لاستخدام بومبيو عبارات قبيحة وهو يرد على الصحافة الأميركية المدافعة عن جمال خاشقجي، مقابل دعم إدارة ترامب لولي العهد السعودي.

موقع "صوت أميركا" وصف في 25 يناير 2023 دفاع بومبيو في كتابه عن السعودية بأنه "أعرب عن شماتة، بوصف علاقته الدبلوماسية مع المملكة بأنها كانت بمثابة إخراج "أصبعه الأوسط" لوسائل الإعلام الأميركية"!.

وسافر بومبيو إلى الرياض بعد أيام من مقتل جمال خاشقجي في أكتوبر 2018 والتقي ابن سلمان لدعمه في مواجهة هجمة الإعلام الأميركي على السعودية حينئذ.

وكشف في كتابه أنه شعر هو وترامب بأنهما أنقذا ابن سلمان من السمعة السيئة، حيث طلب منه ترامب الذهاب إلى السعودية، قائلاً له "يا مايك اذهب واستمتع بوقتك، وأخبره بأنه مدين لنا"، بحسب "واشنطن بوست" في 26 يناير 2023.

وفعل هذا برغم أن وكالة المخابرات الأميركية، والتي كان يرأسها بومبيو في 2017، أكدت في تقريرها المنشور في 11 فبراير 2021 أن "جمال قُتل بوحشية بأمر من محمد بن سلمان"، وجريمته هي فضح فساد وقمع السلطة.

وانتقد بومبيو بشدة جمال خاشقجي في كتابه الجديد، وسخر من تصوير وسائل الإعلام له على أنه "بوب وودوارد السعودي"، في إشارة للكاتب الأميركي الشهير.

وزعم أن "خاشقجي كان مواليا لجماعة الإخوان المسلمين".

من جانبها، قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لمنظمة "الحرية للعالم العربي الآن" في 23 يناير 2023، إن "تعليقات بومبيو الفظة والجبانة التي تبرر مقتل خاشقجي عبر الاستخفاف بآرائه السياسية وربطها زوراً بالإرهاب تعكس التبريرات نفسها التي يستخدمها محمد بن سلمان وطغاة آخرون لتبرير جرائمهم". 

وأضافت أنه "لأمر حقير أن يقترح مسؤول أميركي كبير أنه لا بأس بقتل صحفي إذا كانت آراؤه السياسية لا يحبها".

وقالت ويتسن: "الإشارة إلى أن قتل صحفي أمر مقبول لأنه أمر روتيني في شرق أوسط لا يرحم هو تصرف عنصري ومهين للحد من إجرام محمد بن سلمان المروع". 

وأضافت أنه "يخبرنا عن فساد نظامنا السياسي (الأميركي) وكيف أن بومبيو، قبل ترشحه لمنصب الرئيس، يشعر أنه يجب عليه أن يميل بطريقة فاضحة إلى طاغية أجنبي".