رغم مأساة غزة.. كيف تحافظ مصر وإسرائيل على العلاقات المشتركة؟

منذ ١٣ يومًا

12

طباعة

مشاركة

يضع العدوان الإسرائيلي على غزة، العلاقات المشتركة بين مصر وإسرائيل أمام أحد أصعب الاختبارات على الإطلاق، وسط تصاعد تهديدات تل أبيب باجتياح رفح.

ووفقا لورقة كتبها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، فإن أحداث الأشهر القليلة الماضية -ما بعد عملية طوفان الأقصى- التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وضعت البلدين أمام اختبار جديد.

وفي هذا السياق، تقدم الورقة بعض توصياتها للجانبين لبناء صيغة علاقة معززة تخدم مصالحهما الثنائية والإقليمية بشكل أفضل، سواء أثناء الحرب أو بعدها.

خلاف سياسي

يقول معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: "في السابع من أكتوبر 2023، كان هناك من يتوقع في إسرائيل إدانة مصرية حازمة للهجوم الذي ارتكبته حماس، ابنة حركة الإخوان المسلمين، الذي يصنفها النظام المصري على أنها إرهابية".

"ومن جهتها، اكتفت القاهرة بدعوة إسرائيل إلى ضبط النفس وحملتها مسؤولية التصعيد"، تابع المعهد. 

وأردف: “على النقيض من الأسلوب الذي يميز رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي عادة، فقد حذر من المظاهرات الحاشدة إذا تحركت إسرائيل لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء”، حتى إنه وصف إسرائيل فيما بعد بـ "نظام الاحتلال"، وفق ما ذكره المعهد.

ويضيف أن "كبار المسؤولين في الحكومة المصرية تبنوا الموقف المتشدد الذي قدمه السيسي، حيث اصطدم الممثلون المصريون مع إسرائيل في المناقشات التي جرت في الأمم المتحدة وفي محكمة العدل الدولية في لاهاي".

في المقابل، وُجهت انتقادات قاسية وغير معتادة من إسرائيل إلى مصر. إذ حمل وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش، القاهرة "مسؤولية كبيرة" عن أحداث 7 أكتوبر، مبينا أنها "غضت الطرف لسنوات ومكنت حماس من التسليح المجنون". 

"وبالتالي، فإن تورط مصر الوحيد في مستقبل غزة سيُعبر عنه من خلال السماح لسكان القطاع بالذهاب إليها، ومن خلالها إلى بلدان أخرى"، وفق ما صرح به سموتريش. 

ويلفت المعهد الإسرائيلي إلى أن "ما أثار استياء مصر أن الوزراء والساسة والإعلاميين الإسرائيليين دعوا إلى نقل سكان غزة أو جزء منهم إلى أراضيها، وهي خطوة عدتها القاهرة بمثابة تجاوز للخط الأحمر وتهديد لأمنها القومي".

وعلى الرغم من رسائل التطمينات العلنية والصامتة المرسلة من تل أبيب إلى القاهرة، يلفت المعهد إلى أن "النظام المصري شكك في قدرة إسرائيل على استكمال نزع سلاح حماس دون أن يؤدي ذلك -عن طريق الخطأ أو عن قصد- إلى تدفق اللاجئين إلى مصر".

وبناء على ذلك، فإن القاهرة "أرسلت رسائل تحذيرية إلى إسرائيل بشأن العواقب الخطيرة للعملية العسكرية بالقرب من حدود رفح". 

ويذهب إلى أن "الخطاب المنتقد لإسرائيل يعكس طموح السيسي لحماية صورته في الشارع المصري والعربي ضد الأصوات من دول مثل إيران ومن أحزاب المعارضة الإسلامية، التي اتهمت النظام المصري بإدارة ظهره للفلسطينيين".

انقسام مصري؟

ومن جانب آخر، يقول المعهد الإسرائيلي إن "الحرب كشفت عن الانقسام القائم في الدوائر الحكومية في القاهرة، بين القلة التي ترى في إسرائيل جارة مفيدة، والتيار الرئيس الذي يواصل تبني مواقف شعبوية وعدائية لها". 

ومن الأمثلة على هذا الانقسام الفجوة بين كلام رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، وبين تصريحات وزير الخارجية، سامح شكري.

وحذر الأول في يناير/كانون الثاني 2024 أن "الاحتلال الإسرائيلي لمحور فيلادلفيا سيهدد العلاقات السلمية بين البلدين"، بينما أكد الآخر بعد عدة أسابيع على "التزام مصر الثابت بالسلام".

وفي هذه النقطة، يجد المعهد أنه من الجدير بالإشارة إلى أن "الخطاب الذي يتعرض له المصريون في وسائل الإعلام الرسمية لا يحسن صورة إسرائيل، كما يميل المعلقون العسكريون إلى عد حماس حركة مقاومة مشروعة".

"ومن جانبه، يتبنى الأزهر، المؤسسة الدينية الرائدة في العالم السني، خطابا مناهضا لإسرائيل"، وفق ما ورد عن المعهد.

وبشأن العلاقات بين الطرفين، يقول: "على الرغم من التوترات المشتركة منذ 7 أكتوبر، إلا أن التعاون العسكري الوثيق الذي طورته الدولتان على مدى العقد الماضي حول أمن الحدود ومكافحة الإرهاب كان له فضل خلال الأزمة الحالية". 

وفي بداية الحرب، عندما تسربت النيران الإسرائيلية عن طريق الخطأ إلى مصر، يلفت المعهد إلى أن "المتحدث باسم الجيش المصري لم يكتف بعدم التعبير عن غضبه، الأمر الذي كان من الممكن أن يؤدي إلى تصعيد رد الفعل الشعبي، بل أصدر رسالة متوازنة لتهدئة النفوس".

"وبينما لم يكن هناك أي محادثة بين قادة الدولتين منذ اندلاع الحرب"، يوضح أن "تقارير أفادت بوجود وفود أمنية رفيعة المستوى، إسرائيلية ومصرية، تنقلت بين تل أبيب والقاهرة للتنسيق بين الجانبين في إيجاد آلية لإدخال المساعدات الإنسانية من مصر إلى غزة".

فرصة للقاهرة

"وفي حين تتمتع قطر بنفوذ على قيادة حماس في الدوحة، فضلا عن قوتها المالية والإعلامية، فلا بديل عن مساهمة مصر في جهود تحرير الرهائن الإسرائيليين"، بحسب زعمه. 

وأضاف أن "مصر -على النقيض من قطر- تشترك مع إسرائيل في النفور المبدئي من حماس والنموذج الإسلامي الذي تمثله".

علاوة على ذلك، يبرز أن "الحرب منحت القاهرة مكانة سياسية إقليمية رائدة على الساحة الإسرائيلية الفلسطينية، لم تتمتع بها منذ سنوات". 

وأوضح أنه "خلال عقد من الركود في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، تضاءل دور مصر كوسيط للسلام، في حين زادت أنقرة والدوحة وطهران من نفوذهم في قطاع غزة من خلال تمويل واستضافة وتدريب ناشطي حماس".

ويضيف المعهد أن "تهميش القاهرة الإقليمي تزايد بعد (اتفاقيات أبراهام التطبيعية)، حيث ركزت واشنطن وتل أبيب على توسيع دائرة السلام مع دول التطبيع الجديدة".

وهنا، يؤكد أنه هذا الواقع "يتغير تدريجيا" على خلفية العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.

ويعتقد أنه "مع تقدم إسرائيل في الحرب ضد حماس وتهدئة المخاوف المصرية بشأن نقل لاجئي غزة، فإن الخطاب في مصر سيتغير بشكل إيجابي". 

من ناحية أخرى، يرى "نقطة مضيئة أخرى تتمثل في العلاقات الاقتصادية بين مصر وإسرائيل، خاصة في مجال الطاقة، والتي استمرت حتى أثناء الحرب". 

"فعلى الرغم من التوقف المؤقت في تدفق الغاز من إسرائيل إلى مصر في بداية الحرب، إلا أن الاتصالات سرعان ما عادت إلى مسارها"، وفق المعهد.

 وبشكل عام، يقول إن "حصة كبيرة من الغاز الذي تعتمد عليه مصر في الطهي واحتياجات الكهرباء تتدفق من إسرائيل، لصالح الجانبين".

تخفيف اللهجة

ويخلص إلى أن "هذه الحرب هي تذكير أساسي بقيمة السلام"، مشددا على أن "مصلحة الأطراف تكمن في الحفاظ عليه".

ومن وجهة نظره، "يتعين على مصر أن تخفف من حدة الخطاب المناهض لإسرائيل الذي استخدمته في الأشهر الستة الماضية، والذي كان موجها في بعض الأحيان من السلطات العليا". 

إذ يرى المعهد الإسرائيلي أن "مثل هذا الخطاب لا يسهم في جهود إحلال السلام الإقليمي، بل يصب الزيت على النار المشتعلة حاليا في الرأي العام في مصر والدول العربية". 

"كما أن التعبير عن الكراهية ضد إسرائيل واليهود يخدم أجندة الإخوان المسلمين وإيران والمحور الذي يزعزع استقرار المنطقة"، على حد زعمه.

وعلى الجانب الآخر، يقول إن "إسرائيل مطالبة من جانبها بإبداء حساسية أكبر تجاه هموم مصر ومصالحها في غزة وسيناء، وذلك لعدة أمور من بينها الرأي العام تجاه قادتها".

“ولذلك، فإن الدخول الإسرائيلي المكثف إلى رفح يجب أن يتم بالتنسيق مع القاهرة وواشنطن، وبعد دراسة البدائل الأخرى”. 

ومن الأفضل لإسرائيل -بحسب معهد دراسات الأمن القومي - أن "تتجنب التصريحات العلنية التي قد تحرج مصر". 

وبالحديث عن دور الدول العربية، يشير إلى أن "دول الخليج، بقيادة السعودية والإمارات، والتي لديها مصلحة في إنهاء حكم حماس في غزة وتمهيد الطرق لحل المشكلة الفلسطينية، يمكنها تقديم المساعدة المالية لمصر في إعادة إعمار غزة".

وأما بالنسبة لواشنطن، "فيجب أن تشجع مصر على اتخاذ موقع قيادي في القضايا الإسرائيلية الفلسطينية وأن تكون لها الأسبقية على الدول المؤيدة للإسلاميين، وخاصة تركيا وقطر".