الثورة الشعبية تطيح برئيس البرلمان الجزائري.. من التالي؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مرحلة مفصلية من مراحل الثورة الجزائرية، والتي يبدو أن شعلتها لن تنطفئ إلا باجتثاث رموز "العهد البوتفليقي" فبعد أشهر من اندلاع احتجاجات شعبية هي الأكبر في تاريخ البلاد، يتقدم رئيس البرلمان معاذ بوشارب باستقالته تحت ضغط شعبي وبرلماني غير مسبوق.

وعلى الرغم من حيوية تلك الخطوة واعتبارها انتصارا للثورة الجزائرية، إلا أن البعض يعتبرها مجرد تحصيل حاصل دون جدوى حقيقية ما لم تتبعها خطوات أخرى على طريق تحقيق مطالب الشعب.

معركة برلمانية

وبعد أسابيع من معركة برلمانية مع نواب حزبه "جبهة التحرير الوطني" وكتل نيابية أخرى، أعلن المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري) استقالة رئيسه معاذ بوشارب، وأقر بشغور المنصب.

تأتي استقالة بوشارب بعد 3 أشهر على استقالة رئيس البلاد عبد العزيز بوتفليقة إثر احتجاجات طالبت بإصلاح جذري والقضاء على الفساد والمحسوبية، لتسقط أول ما يعرف بـ"الباءات الثلاث" التي يطالب المتظاهرون دوما بضرورة رحيلها.

ويعتبر المتظاهرون أن بوشارب وكل من عبد القادر بن صالح الرئيس المؤقت، ونور الدين بدوي رئيس الوزراء، من أبرز الرموز المحسوبة على نظام بوتفليقة، والتي لا تزال تشغل مناصب قيادية، بعيدا عن العديد من الموقوفين بتهم فساد.

بدأت المعركة البرلمانية قبل يومين، عندما طالبت 6 كتل نيابية بالمجلس بوشارب بالاستقالة فورا كما أعلن أعضاء من المكتب المسير للمجلس رفض العمل معه، وأشار بيان هذه الكتل إلى أن الدعوة تأتي في ظل الظروف السياسية التي تمر بها البلاد، واستجابة للحراك الشعبي المطالب بتنحيه من منصبه.

وقع على البيان كل من كتلة "جبهة التحرير الوطني" (161 نائبا)، و"التجمع الوطني الديمقراطي" (100 نائب)، وكتلة "المستقلين الأحرار" (28 نائبا)، و"تجمع أمل الجزائر" (19 نائبا)، و"الحركة الشعبية الجزائرية" (13 نائبا)، و"الاتحاد من أجل النهضة العدالة والبناء" (إسلامي) 15 نائبا، من إجمالي 462 نائبا.

إلا أن التطور الأكثر إثارة عندما اقتحم نواب من "حزب جبهة التحرير الوطني" الحاكم، الذي ينتمي إليه معاذ بوشارب، قبل أسابيع مكتب الأخير للمطالبة برحيله عن منصبه، وعندما انتخب محمد جميعي، أمينا عاما جديدا للحزب أعلن دعمه لمطالب الحراك الشعبي المطالب برحيل رموز نظام بوتفليقة، وبينهم معاذ بوشارب.

بين الليلة والبارحة

ثمة مفارقة عميقة الدلالة والرمزية في استقالة بوشارب بعد نحو 8 أشهر على اختياره بالتزكية رئيسا لغرفة البرلمان العليا في واقعة أثارت حينها جدلا كبيرا، بعد أن وصفت أحزاب المعارضة جلسة اختياره بغير القانونية.

وكما وقّع نواب الأغلبية أعضاء "حزب جبهة التحرير الوطني" الحاكم على بيان مطالبة بوشارب بالاستقالة، كانوا هم أنفسهم من صوتوا بالأغلبية المطلقة على اختياره بالتزكية رئيسا للبرلمان في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وكانت حتى أرقام التصويت في الواقعتين متطابقة إلى حد كبير، حيث حظي بوشارب بدعم الكتل النيابية لحزب "جبهة التحرير الوطني" (160 نائبا) و"التجمع الوطني الديمقراطي" (100 نائب) و"حزب تجمع أمل الجزائر" (20 نائبا) و"الحركة الشعبية الجزائرية" (13 نائبا) إلى جانب مستقلين وهي أغلبية (النصف +1) التي كانت كافية لتمريره.

الجلسة التي قاطعتها جميع كتل المعارضة خُصصت للتصويت على تقرير للجنة القانونية حول شغور منصب رئيس البرلمان سعيد بوحجة، وبالفعل تمت الإطاحة به، وزكّى نواب الموالاة لائحة الشغور التي قدمتها اللجنة القانونية، وكان بوشارب المرشح الوحيد للمنصب.

وقاطعت الكتل المعارضة هذه الجلسة كما أعلنت مسبقا، بدعوى عدم قانونية عملية الإطاحة برئيس المجلس، الذي يتيح الدستور تغييره فقط في حالة الوفاة أو الاستقالة أو العجز الصحي.

وظل بوحجة لفترة طويلة رافضا الاستقالة، وقال في تصريح صحفي سبق الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في فبراير/شباط الماضي، إنه لا يزال الرئيس الشرعي للمجلس، ولا يهمه ما يقومون به لأنه غير قانوني.

انتصار للثورة

بلا شك فإن خطوة إقالة بوشارب، حتى لو اعتبرت رمزية، فإنها تشير إلى نجاح الحراك الشعبي المتواصل في الإطاحة بأحد المقربين لبوتفليقة والذي كان يوصف بعراب الفترة الرئاسية الخامسة التي كان يطمح إليها الرئيس السابق أو الدائرة المحيطة به، بحسب مراقبين.

هذا الحراك استمر للجمعة التاسعة عشر على التوالي، وشهدت العاصمة تظاهرات طلابية شارك فيها المئات من الطلبة تضامنا مع الحراك الشعبي المطالب برحيل رموز النظام السابق وتنحيتهم عن قيادة الفترة الانتقالية.

ربما لا ينكر أحد أهمية تلك الخطوة في الحراك الجماهيري وقوته واتساعه وما يمكن أن يضيفه إليه من زخم وإصرار من المتظاهرين على مواصلة المطالبة برحيل رموز النظام السابق، ممن يتولون مناصب في السلطة.

كما يؤكد مراقبون، أن جلوس شخص آخر على كرسي رئاسة المجلس الشعبي (البرلمان) خلال الفترة المقبلة يعد بالغ الأهمية، والبلاد مقبلة على استحقاقات انتخابية سيكون للبرلمان دور كبير فيها، خاصة إذا تم تعديل قوانين الانتخابات وغيره.

في المقابل، يرى البعض أن خطوة استقالة بوشارب شكلية لا أكثر، وبمثابة تحصيل حاصل لن تؤثر على مجريات الأمور في البلاد، باعتبار أن دور البرلمان من حيث أنه قوة تشريعية سيبقى منتهيا كما أنه لا يعول عليه كثيرا، ولا يتوقع أن قوانين كثيرة أو مهمة ستمرر داخله؛ لأن بداية الدورة المقبلة قد تتزامن مع موعد الانتخابات الرئاسية.

أصحاب تلك الرؤية يشيرون إلى أن الحراك الشعبي لم يعد يلتفت إلى "باء" البرلمان، فهو يركز على "بائين" فقط وهما رئيس الدولة عبد القادر بن صالح ورئيس الوزراء نور الدين بدوي.

من التالي؟

بعد رحيل بوشارب، أصبحت الأصابع جميعها تتجه نحو الوزير الأول رئيس الحكومة نور الدين بدوي، باعتباره "الباء الثانية" التي حان عليها الدور في الإطاحة، كالرمز الأهم والأقوى سلطة فعلية بين رموز نظام بوتفليقة الذي يطالب الشارع الجزائري بإسقاطهم.

ويبقى الرهان معقودا على قوة الشارع الجزائري وتمسكه بالمطالب التي لا يزال يرفعها، وألا تدفعه استقالة بوشارب إلى المهادنة أو التمهل في الإصرار على تحقيق تلك المطالب.

وينسحب الأمر أيضا على الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، غير أن كثيرين يقللون من قيمة الدور الفعلي الذي يلعبه والسلطات التي يمسك بزمامها، والتي تتضاءل أمام ما يتمتع به الوزير الأول من سلطات وصلاحيات.

لكن مسألة الإطاحة ببدوي وبن صالح لا تتوقف فقط على ردة فعل الشارع الثوري، بل ترجع أيضا إلى إرادة "الطغمة الحاكمة" والقوات المسلحة التي لا تزال تسيطر على المشهد ولو من وراء ستار.

لكن قيادة الجيش الجزائري ربما تخشى من استمرار التماهي مع مطالب الشارع الثائر، الأمر الذي يعني عمليا امتداد تلك المطالب للجيش نفسه، ولا ينسى كثيرون أن الإطاحة بقائد أركان الجيش قايد صالح كانت مطلبا أساسيا للحراك.

إلا أن الكيفية التي أدار بها الجيش الأمور دون تورط في عنف أو سيطرة على السلطة بفجاجة كما بدول مجاورة أو إقصاء تيارات وقوى سياسية، جعل مطالب تنحية صالح تتوارى كثيرا في التظاهرات الأخيرة على مدار الأسابيع الماضية.

وعليه، فإن احتمالية وقوف الجيش ضد استكمال مطالب الثوار وتنحية "الباءين" تبقى واردة، كما لا يستبعد أن يتم التوافق على الإطاحة بأحدهما مقابل بقاء الآخر، والأقرب هو رحيل الرئيس المؤقت.

معضلة 9 يوليو

وبعدما ألغيت الانتخابات الرئاسية، التي كانت مقررة في 4 يوليو/تموز الجاري لانعدام المرشحين ورفض الحركة الاحتجاجية لها، باتت السلطات أمام وضع معقد، ذلك لأن الدستور الجزائري ينص على أن يسلم رئيس الدولة الانتقالي عبد القادر بن صالح السلطة إلى رئيس جديد بحلول 9 يوليو/تموز.

وبحسب خبراء، فإن السيناريو الأول الذي يمكن أن تخرج به الجزائر من هذه المعضلة الدستورية، التمديد للرئيس المؤقت 3 أشهر أخرى، يستدعي خلالها بن صالح "الهيئة الانتخابية" مرة أخرى، ويكمل المسار الانتخابي حتى انتخاب رئيس الجمهورية وأدائه اليمين الدستورية.

ويفترض وفق هذا السيناريو، أن يصدر الرئيس المؤقت مرسوما يلغي قراره السابق باستدعاء الهيئة الناخبة، وإخطار المجلس الدستوري بأن عهدته -المحددة بـ90 يوما- ستنتهي يوم 9 يوليو/ تموز الجاري، وبعدها يصدر المجلس فتوى دستورية بخصوص مستقبل الرئيس المؤقت.

آخرون يرون، أن المجلس الدستوري لا يحق له تمديد فترة حكم رئيس الدولة، وبالتالي لا حل سوى دعوة قائد أركان الجيش إلى حوار جاد وفعال بين مختلف القوى السياسية وممثلي الحراك الجماهيري، ينتهي إلى الاتفاق على تشكيل هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات.

ولعل المتغير الأساسي في هذه المعادلة هو الحراك الشعبي الذي ستزيد قوته في ظل تماطل السلطة في تلبية مطالبه، والتمديد المفترض لعهدة رئيس الدولة المرفوض شعبيا، رغم فشله في المهمة التي عُين من أجلها وهي تنظيم الانتخابات.

بعيدا عن هذا وذاك، يرى فريق ثالث، أن الحل يكمن في الذهاب إلى مرحلة انتقالية للخروج من الأزمة السياسية، وهو ما ترفضه المؤسسة العسكرية بشدة، وتتحفظ عليه أحزاب وشخصيات وطنية، وترى أنه مشروع فاقد للشرعية الدستورية والقانونية.

لكن مخاوف الجميع من هذا السيناريو الذي يمكن أن ترتكن إليه المؤسسة العسكرية، تتلخص في تعميق الأزمة والوقوف أمام مرحلة يُحكم فيها الجيش سيطرته على البلاد لفترة انتقالية لا يعلم مداها أحد.