يواجه الناشطون الحقوقيون في الجزائر مخاطر عدة تهدد سلامتهم الجسدية، إذ يتعرض عدد منهم للاعتقال التعسفي والسجن، وتقييد حقوقهم في التنقل والسفر.
هذا الوضع دفع كثيرا منهم إلى الهجرة الاضطرارية خارج البلاد، فيما تضيق السلطات الحكومية الجزائرية الخناق على الباقين رغم الضمانات التي يوفرها دستور البلاد بخصوص الحريات والحقوق المدنية.
وفي 22 فبراير/شباط 2019، انطلق الحوار رفضا لترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، قبل أن يتحول إلى مطالب بالتغيير الشامل للنظام.
وتقول السلطة إن تلك المطالب تحققت بالفعل بعد رحيلة بوتفليقة، لكن يعد ناشطون وقوى معارضة أن التغيرات التي جاء بها خلفه عبد المجيد تبون التفت على مكتسبات تلك الثورة.
وقدمت الجزائر، على لسان وزير العدل عبد اللطيف طبي، تقريرها السنوي لمجلس حقوق الإنسان بجنيف في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وسط تصاعد ملحوظ لعدد الناشطين المطالبين بحق اللجوء، خوفا من السلطة السياسية.
ووفق ما نشر موقع "Horizons" المحلي، في 12 نوفمبر 2022، قال طبي إن الدولة الجزائرية ملتزمة بالعمل من أجل تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في الجزائر وفي أي مكان في العالم.
وأشار إلى المشاورات التي جرى إطلاقها لنقل محاور الحراك الشعبي الذي انطلق في 22 فبراير 2019 إلى مؤسسات الدولة، وانتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية، وإقرار دستور نوفمبر 2020.
كما أشار إلى المقتضيات الدستورية الضامنة للحقوق الأساسية والحريات العامة، وتقوية الفصل المتوازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتعزيز استقلالية العدالة وترقية حقوق الإنسان، وإشراك المواطن في صنع القرار.
وعد تبون تعديل الدستور بمثابة حجر الأساس في إصلاحات جذرية تعهد بها قبل وبعد اعتلائه سدة الحكم، في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2019، من أجل بناء ما أسماها "جزائر جديدة".
بينما رأت قوى معارضة أن وعود النظام الحاكم بالإصلاح الجذري هي مجرد شعارات ومحاولة تجمل لتجديد واجهته من دون إحداث انتقال ديمقراطي حقيقي، مع استمرار الانتهاكات والاعتقالات.
وتولى تبون الرئاسة إثر فوزه في أول انتخابات رئاسية في أعقاب استقالة عبد العزيز بوتفليقة من الرئاسة (1999- 2019)، في الثاني من أبريل/ نيسان 2019، تحت ضغط احتجاجات شعبية مناهضة لحكمه.
فما وجه التناقض في خطاب وزير العدل بجنيف مع الواقع الحقوقي في البلاد؟ وما أبرز الأسماء الحقوقية الجزائرية التي تعرضت للاستهداف أو اضطرت للهجرة؟
وهل شهد الوضع أي تطور عقب الحراك السياسي الذي عاشته البلاد؟ ثم كيف السبيل لمعالجة هذا الوضع وضمان حق الناشطين الحقوقيين في العمل والحركة؟
أكدت ندوة نظمها "مرصد جنيف الدولي للسلام والديمقراطية" بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، في 9 نوفمبر 2022، تصاعد القلق حيال انتهاكات السلطة في الجزائر في المجالين العام والمدني.
ووفق ما نقلت جريدة "العرب" اللندنية، شددت الندوة المنظمة بالشراكة مع مؤسسة تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية غير الحكومية، على أن الجزائر باتت تمثل نموذجا لطرف يتعمد التنصل من واجباته والتزاماته، بحكم العديد من القضايا العالقة ومراسلات مكاتب الإجراءات الخاصة غير المردود عليها والزيارات الدولية المعلقة أو المعطلة.
وكانت منظمة العفو الدولية قد أشارت عبر تقرير لها، في وقت سابق من 2022، إلى أن السلطات الجزائرية صعدت هجومها على المجتمع المدني مع إلقاء القبض على المزيد من المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين السلميين.
وتقضي المحاكم في الجزائر بالسجن لمدد مختلفة ودفع غرامات، وحبس احتياطي على كل من يرصد حملة القمع التي تشنها الحكومة ضد الحراك الشعبي.
ويقول تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2022/2021، إن السلطات الجزائرية أظهرت بعض التسامح في البداية مع الاحتجاجات واكتفت بملاحقات قضائية لاستهداف أولئك الذين يحملون العلم الأمازيغي خلال المظاهرات.
لكن، يوضح التقرير المنشور بالموقع الإلكتروني للمنظمة الدولية بتاريخ 29 مارس 2022، سعت السلطات إلى وضع حد لاحتجاجات الحراك منذ العام 2021.
وترى السلطات أن حمل العلم الأمازيغي، يخالف وحدة الرموز الوطنية، وعلى رأسها العلم الوطني، ويشيع الانقسام بين المكونات الوطنية، ويغذي مشاعر الانفصال لدى بعض الفئات.
وشدد المصدر ذاته أن السلطات ألقت القبض على المئات من الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين، وحبستهم احتياطيا أو أصدرت أحكاما بحقهم استنادا إلى تهم غامضة الصياغة، ومن ضمنها الإرهاب.
وأشار إلى أن هناك حاليا ما لا يقل عن 290 شخصا قابعون في السجون الجزائرية لمجرد تعبيرهم السلمي عن آرائهم بحسب اللجنة الوطنية لتحرير المعتقلين والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان.
وتجري حاليا مقاضاة أعضاء آخرين في الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان لمشاركتهم في الحراك، أو انتقادهم السلطات.
ويواجه البعض منهم على الأقل تهما لها صلة بالإرهاب المعرف بطريقة غامضة جدا بموجب القانون الجزائري ليشمل "محاولة الوصول إلى السلطة أو تغيير نظام الحكم بوسائل غير دستورية".
وكررت المفوضية السامية لحقوق الإنسان في بيان صحفي، 16 سبتمبر/أيلول 2022، نداءاتها للسلطات الجزائرية بالتوقف عن ملاحقة الناشطين، وعبرت عن قلق الأمم المتحدة المتزايد من تدهور أوضاع البلاد.
وقالت إن "العديد من الحقوق الأساسية مثل الحق في حرية الرأي والتجمع السلمي لا تزال تتعرض للاعتداء".
وتقول آمنة القلالي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية إنه "بعد مضي ثلاث سنوات على بدء حركة الحراك الاحتجاجية، لا تلوح في الأفق نهاية للقمع المتصاعد من جانب السلطات الجزائرية".
ودعت القلالي في منشور للمنظمة بموقعها الإلكتروني، في الثاني من مارس 2022، "إلى الإفراج عن جميع الناشطين السلميين والمدافعين عن حقوق الإنسان في الجزائر".
وفي تعلقيه على هذا الوضع، أكد وليد كبير، الناشط الحقوقي الجزائري، ورئيس الجمعية المغاربية للسلام والتعاون والتنمية، أن الوضع الحقوقي في الجزائر كارثي.
وذكر كبير لـ"الاستقلال"، أن هناك صورة حقوقية سوداوية في الجزائر عن واقع تسبب فيه النظام الحاكم، الذي وجد في سياساته القمعية السبيل الوحيد لإرهاب الجزائريين ولبسط سيطرته على البلاد.
وشدد الناشط الحقوقي الموجود خارج البلاد، أن الجزائر لا يوجد بها اليوم أي تقدم على مستوى الوضع الحقوقي بعد الحراك الشعبي الذي شهدته قبل ثلاث سنوات، بل هناك انتكاسة غير مسبوقة في تاريخها.
أكدت مراكز ومنظمات وهيئات حقوقية عدة انتقادها الشديد للوضع الحقوقي في الجزائر، بما فيه استهداف الناشطين الحقوقيين بشكل مباشر، سواء بالاعتقال أو السجن أو العنف.
ومن ذلك، تقرير صادر عن مركز القاهرة لحقوق الإنسان، 10 نوفمبر 2022، ذكر أن السلطات الجزائرية تواصل حملة القمع المتصاعدة بحق منظمات المجتمع المدني المستقلة وحقوق الأفراد الأساسية في التجمع والتعبير.
وبينت المنظمات أن الحملة المتزايدة على الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، وغيرها من منظمات المجتمع المدني في الجزائر، تمثل أحدث الممارسات القمعية بحق الحركة المؤيدة للديمقراطية والأصوات المعارضة في البلاد.
ففي 3 نوفمبر 2022، صدر الحكم على أحمد منسيري، عضو فرع الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان في مدينة تيارت، بالسجن لمدة عام وغرامة مالية، بتهمة "نشر معلومات كاذبة" و"تقويض أمن الدولة والنظام العام" و"الدعوة إلى تجمع غير مسلح".
ووفق المصدر ذاته، يقبع اثنان آخران من أعضاء الرابطة قيد الاحتجاز بتهم مماثلة، هما حسن بوراس المحتجز حاليا رهن الحبس الاحتياطي، وحميد قورة الذي صدر الحكم بحبسه لمدة عام.
كما صدر في 20 فبراير 2022، حكم بحبس رئيس قسم الرابطة في تلمسان شرقي البلاد، فالح حمودي، لمدة ثلاث سنوات وغرامة مالية.
واتهم بـ "العمل دون التراخيص المطلوبة"، التي لا توفرها السلطات بدورها. ولاحقا خففت محكمة الاستئناف الحكم للحبس سنة واحدة.
وفي نوفمبر 2021، صدر حكم على ناصر مغنين، رئيس المنظمة الثقافية إس أو إس – باب الواد، وهي منظمة شبابية وثقافية، بالسجن لمدة عام بتهمة "نشر منشورات تقويض الوحدة الوطنية" و"التحريض على التجمهر غير المسلح".
وسجلت المنظمات الحقوقية استمرار إجراءات حظر السفر والمضايقات التي تعد جزءا لا يتجزأ من محاولات ترهيب المدافعين عن حقوق الإنسان.
ففي 24 أغسطس 2022، منعت السلطات قدور شويشة، نائب رئيس فرع الرابطة في وهران، من ركوب طائرة متجهة لباريس بصحبة زوجته للمشاركة في بعض اجتماعات المناصرة في أوروبا بشأن تدهور حالة حقوق الإنسان في الجزائر، وذلك ضمن حملة أوسع لقمع عمل المنظمة وأعضائها.
وحاليا يواجه شويشة وزوجته، إلى جانب سعيد بودور، تهما بـ "التآمر ضد أمن الدولة لتحريض المواطنين على حمل السلاح ضد سلطة الدولة أو لتقويض سلامة الأراضي الوطنية".
كما وجهت لهم تهم بـ "الإلهام الأجنبي الذي من المحتمل أن يضر بالمصلحة الوطنية، والتسجيل في منظمة إرهابية أو تخريبية ناشطة في الخارج أو في الجزائر".
وحال إدانتهم بهذه الاتهامات، سيواجه هؤلاء المدافعون خطر السجن لمدة قد تصل إلى 20 سنة.
من جانب آخر، أعربت الإجراءات الخاصة بالأمم المتحدة، في بيان مشترك عام 2020، عن "قلقها من قمع المعارضة في الجزائر، وتوظيف السلطات المتزايد لقوانين الأمن القومي، لمقاضاة الأشخاص الذين يمارسون حقوقهم في حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات".
إلا أن المرسوم الرئاسي رقم 21-08 الصادر في 8 يونيو/حزيران 2021 وسع التعريف الغامض للإرهاب في المادة 87 مكرر.
هذا التوسيع سمح بتجريم المعارضة السلمية بشكل أكبر، ووضع قائمة إرهابية وطنية للأفراد أو الكيانات الخاضعة لتحقيق أولي.
أكد وليد كبير لـ "الاستقلال"، أن النظام الجزائري وسع تعريف جريمة الإرهاب دون احترام التزامات الدولة بموجب القانون الدولي.
وذلك لمضايقة ناشطي حقوق الإنسان والمدونين ومقاضاتهم بتهم مختلفة مثل التحريض على التجمع غير المرخص والاستخبارات لصالح دولة أجنبية أو إهانة مؤسسات الدولة.
وأوضح المتحدث ذاته أن هناك دولا عدة طالبت الجزائر بإلغاء المادة 87 مكرر، التي يستعملها النظام لتلفيق تهم الإرهاب للجزائريين.
وشدد أن هذه المادة لا تخضع للمعايير التي وضعتها الأمم المتحدة بخصوص تصنيف الإرهاب أو توجيه التهم بخصوص لأحد المواطنين.
ورغم كل الملاحظات التي وردت في التقارير الحقوقية، سواء الإقليمية أو الأممية، فإن السلطات الجزائرية تواصل استهداف الناشطين الحقوقيين في البلاد.
وفي هذا الإطار، أكدت منظمة "شعاع لحقوق الإنسان"، في الأول من نوفمبر 2022، أن شرطة الحدود بمعبر أم الطبول عند الحدود الجزائرية التونسية في ولاية الطارف منعت الصحفي مصطفى بن جامع من مغادرة البلاد في 20 أكتوبر 2022.
وجرى اعتقاله واقتياده إلى مركز أمن دائرة القالة في حدود الساعة الرابعة صباحا للتحقيق معه في هويته، ثم أطلقوا سراحه صبيحة اليوم التالي.
وذكرت المنظمة أن شرطة الحدود بمطار هواري بومدين الدولي في الجزائر العاصمة، منعت في اليوم نفسه الناشط نذير قندوز من مغادرة التراب الوطني بعد أن كان مسافرا مع عائلته لتركيا.
وجرى إطلاق سراحه بعد 14 ساعة من التوقيف وإخباره بأنه ممنوع من السفر برغم عدم صدور قرار قضائي يمنعه من مغادرة التراب الوطني.
وقال المصدر ذاته، إن منع الصحفي مصطفى بن جامع والناشط نذير قندوز من السفر وآخرين، على غرار كل من هجيرة بلقاسم، أميرة بوراوي، حسينة بورزة، زوايمية لزهر، قدور شويشة، عمار لعوفي، سعيد شماخ، مالك صدالي، قدير حسين، إكن حميد، وعشرات المواطنين.
وشددت منظمة شعاع، أن هناك قائمة وطنية تضم أسماء مدافعين عن حقوق الإنسان وسياسيين وصحفيين وناشطين في الحراك ممنوعين من السفر بدون منع قانوني قضائي، وإنما بأمر إداري فقط.
ولا يعلم من هم في تلك القائمة بذلك المنع إلا في اليوم الذي يريدون فيه مغادرة الوطن، حينها يجري توقيفهم أو اعتقالهم ثم التحقيق معهم لساعات طوال، وفي الأخير إخلاء سبيلهم مع إخطارهم بالمنع شفويا، وفق المنظمة.
استمرار هذا الوضع الحقوقي السلبي لم يعد مقبولا، هذا ما أكدت عليه منظمة "المدافعون عن حقوق الإنسان"، 16 سبتمبر 2022، وهي منظمة دولية مشكلة من 178 جمعية ومنظمة وهيئة حقوقية.
وأكدت المنظمة أن على الهيئات الدولية والمنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية المستقلة العمل على ضمان تمكين المجتمع المدني الجزائري من العمل بحرية وبمعزل عن الانتقام والقمع.
وشددت أنه على السلطات الجزائرية ضمان ممارسة المدافعين عن حقوق الإنسان أنشطتهم المشروعة في هذا المجال دون قيود أو خوف من الانتقام.
وأيضا وقف معاقبة المحتجين السلميين، لا سيما من خلال توظيف الاتهامات بالإرهاب التي لا أساس لها من الصحة للزج بهم في السجون.
وأوضحت المنظمة أنه على السلطات الجزائرية مراجعة أحكام قانون العقوبات التي تنطوي على خطر تجريم العمل في مجال حقوق الإنسان دون مبرر.
ويشمل ذلك المادتين 87 مكررا و96، بما يتوافق مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب اللذان صدقت عليهما الجزائر.
أما الناشط الحقوقي وليد كبير، فأكد لـ "الاستقلال" أن معالجة الوضع الحقوقي في الجزائر، وضمان سلامة الناشطين الحقوقيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، مرهون بحل الأزمة السياسية في البلاد.
وذكر كبير أن هذه الأزمة السياسية ناتجة عن ضعف أو غياب دولة الحق والقانون، ولذلك، يردف المتحدث ذاته، الوصول إلى المبتغى مرهون بإصلاح المجال السياسي، وإحداث تغيير جوهري في منظومة الحكم.
هذا التغيير المنشود، وفق الناشط الحقوقي، سيسمح بممارسة الشعب لسلطته وإرادته، ومن ثم وضع دستور منبثق من إرادة الشعب، يمكن البلاد من بناء وضع حقوقي سليم، في ظل دولة الحق والقانون والدولة الديمقراطية المدنية.