مع اقتراب برد الشتاء.. هكذا تستعد الحكومات الأوروبية لمواجهة أزمة الغاز

رسم معهد إيطالي صورة للاقتصادات الغربية تتسم بعدم اليقين والاتجاه نحو الركود مع اقتراب فصل الشتاء وغياب الحلول لمواجهة أزمة نقص الغاز، مستعرضا مقترحات لتجنب تفاقم الأمر.
وذكر معهد تحليل العلاقات الدولية، أن النظام العالمي مطالب بتنسيق إجراءات مضادة قادرة على حماية النسيج الإنتاجي والعائلات في ظل ارتفاع معدلات التضخم والاضطرابات الأمنية وكذلك نقص الطاقة وانخفاض الإنتاج.
التضخم لا يتوقف
وأوضح المعهد الإيطالي أن أحدث مسح للتضخم في الولايات المتحدة كشف أن مؤشر أسعار المستهلك ارتفع بنسبة 8.3 بالمئة في أغسطس/آب 2022 مقارنة بنفس الشهر من 2021.
فيما استجاب الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بإقرار رفع في سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة في سبتمبر/ أيلول للمرة الثالثة، ليؤكد بذلك بأنه لا توجد حلول غير تقليدية لمحاصرة التضخم المستشري في السوق.
ولفت المعهد إلى أن الأمور ليست أفضل في أوروبا، إذ تتشكل فرضية الركود ويستمر التضخم في إثارة المخاوف ببلوغه معدل 9.1 بالمئة في أغسطس، وفقا لبيانات يوروستات.
وبحسب محللين موثوقين من وكالة ستاندرد آند بورز، ستشهد الاقتصادات الأوروبية في الثلاثينيات القادمة تباطؤا في نشاطها.
في غضون ذلك عكست بريطانيا مسارها في إدارة السياسة المالية التي تلبي تقليديا معايير الحذر الأكثر صرامة، على حد تعبير المعهد الإيطالي.
وذكر أن الحكومة تستعد لإطلاق أكبر تخفيض في الضرائب في العقود الأخيرة بهدف معلن هو زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5 بالمئة سنويا، مع اتخاذ تدابير لمواجهة سيناريو الركود الذي أكده مؤخرا بنك إنجلترا.
على وجه التحديد، تنص الخطة التي أعلنها وزير الخزانة كواسي كوارتنغ على تخفيضات ضريبية بنحو 45 مليار جنيه إسترليني لصالح الشركات والأفراد، سيتم توفيرها عن طريق الاقتراض الحكومي.
بالإضافة إلى ذلك، ستكون هناك تدخلات تهدف إلى التخفيف من ارتفاع أسعار الطاقة عن طريق تجميد فواتير المستهلكين والشركات.
وأكد المعهد الإيطالي أن بلوغ الدين العام 234 مليار جنيه إسترليني أمر لا مفر منه، لافتا إلى أنه مع مرور الوقت سيحصل المراقبون على إجابة بشأن ما إذا كانت هذه التدابير قادرة على إنعاش الاقتصاد البريطاني.
في الأثناء، أفاد المعهد بأن رد الفعل الفوري للأسواق لم يكن إيجابيا، إذ تسبب الإعلان عن تخفيضات ضريبية كبيرة في انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني مقابل الدولار وبلوغه أدنى مستوياته التاريخية.
خلافات كبيرة
من جهة أخرى، أشار المعهد الإيطالي إلى أنه في سياق عدم اليقين الاقتصادي، يدخل عامل مزعج آخر للمجتمع الأوروبي يتعلق بعدم الاستقرار السياسي الناتج عن الخلافات بين الاتحاد والمجر.
فانتهاك المجر المستمر للقواعد الأوروبية المتعلقة بسيادة القانون أدى إلى اتهامات بارتكاب مخالفات وتهديدات لاستقلالية القضاء، فضلا عن أوجه قصور خطيرة في النظام الانتخابي وانتشار الفساد على نطاق واسع.
يذكر أن البرلمان الأوروبي كان قد صوت على إجراء يعد المجر بأنها لم تعد دولة ديمقراطية، وذهب إلى حد تعريفها على أنها "تهديد منهجي" للقيم التأسيسية للاتحاد الأوروبي.
لذلك تخشى مؤسسات الاتحاد الأوروبي من إمكانية تعليق، من خلال آلية المشروطية، دفع نحو 7,5 مليارات يورو من التمويل الأوروبي للمجر، بسبب مخاطر عالية مرتبطة بالفساد، بينما أمهلت بروكسل بودابست بضعة أسابيع لتنفيذ إصلاحات.
وأوضح المعهد أن "الخطر بالنسبة للمجر يكمن في فقدانها حقها في التصويت في المجلس في ظل تناقض رؤى بينها وبين مؤسسات الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بقواعد الديمقراطية وسياسات الهجرة".
وكذلك بشأن المواقف الغامضة للرئيس فيكتور أوربان تجاه العقوبات ضد روسيا وعلاقاته بالرئيس فلاديمير بوتين، كما يتضح ذلك من توقيع عقد جديد مع شركة غازبروم لتوريد الغاز، يضيف المعهد الإيطالي.
وتشير البيانات الخاصة بالإنتاج الصناعي في ألمانيا، التي انخفضت بمقدار 0.3 بالمئة في يوليو/ تموز 2022، إلى حالة من عدم اليقين والقلق على نسيج الأعمال الذي يتأثر أكثر من غيره بالزيادات في تكاليف الطاقة نتيجة لاعتماده الكبير على الإمدادات الروسية.
وفقا لتقديرات معهد كايل للاقتصاد العالمي، بشكل عام، من المنتظر أن ينخفض الإنتاج بنسبة 0.7 بالمئة في عام 2023 مع أضرار محتملة قدرها 150 مليار يورو.
وأشار إلى أن التصعيد المستمر للحرب في أوكرانيا يؤدي إلى تفاقم الصراع والحاجة إلى حلول مشتركة لمواجهة أزمة الطاقة بشكل مناسب.
وحذر من أن عملية تقليل وتنويع التدفقات من روسيا التي بلغت قبل الغزو حوالي 40 بالمئة من الاحتياجات الأوروبية، لها تداعيات خطيرة.
وحدة غائبة
وأوضح المعهد أنه من بين الإجراءات التي تهدف إلى احتواء "ابتزاز الطاقة الروسي"، تجري في بروكسل مناقشة تحديد سقف سعر الغاز المستورد، ما يعني فرض عقوبة جديدة على نظام بوتين.
وأعيد طرح هذا الاقتراح في الأيام الأخيرة برسالة بعثت بها 15 دولة عضو إلى المفوضية من أجل مناقشتها في المجلس الاستثنائي في 30 سبتمبر 2022.
وكان قد ظهر خلاف جلي بين دول الاتحاد الأوروبي على وضع سقف لأسعار الغاز في التكتل، فبينما كثفت فرنسا وبلجيكا و13 دولة أخرى مطالباتها بهذه الخطوة، عارضتها في المقابل ألمانيا ودول أخرى.
على الرغم من أن موسكو يمكن أن تتاجر مع شركاء آخرين، أكد المعهد أنه لا ينبغي الاستهانة بقوة السوق الأوروبية التي تمثلها البنية التحتية اللوجستية، إذ لا يمكن استخدام الأنابيب التي تربط روسيا بأوروبا للبيع لمشترين آخرين.
وألمح إلى أن المخاوف والترددات الأوروبية مبررة في الخوف من أن تقرر موسكو تقليص المزيد من الإمدادات كإجراء مضاد.
كما أشار المعهد إلى أن عودة تدفق الغاز عبر خط نورد ستريم في بحر البلطيق، على إثر التسرب الأخير، وسط تبادل الاتهامات بينما تحدثت المخابرات السويدية عن وقوع انفجارات تحت الماء، يبقى غير محدد.
والاتفاق المحتمل على تحديد سقف أعلى للغاز من شأنه أن يقلل التدفقات المالية نحو موسكو، ما يضعف مواردها النقدية على وجه التحديد في مرحلة أطلقت فيها خطة لزيادة الإنفاق العسكري بنسبة 43 بالمئة لعام 2023.
كما تتكون البدائل الأوروبية من أدوات أخرى، مثل: فصل سعر الغاز عن سعر الكهرباء، والتنسيق لسياسات توفير الطاقة، والحد من سعر الكهرباء من المصادر البديلة للغاز، إلى جانب استخدام حصص احتياطي استقرار السوق.
كما اقترحت المفوضية الأوروبية أيضا تدابير تقشف طارئة من أجل التخفيف من مخاطر الزيادات في أسعار الطاقة.
ومن بين التدابير: ملء الخزانات، والالتزام بتقليل استهلاك الطاقة في فترات زمنية معينة، ووضع سقف لإيرادات الشركات التي تنتج الكهرباء بتكاليف منخفضة، وكذلك المساهمات التضامنية بنسبة من أرباح أنشطة القطاع.