تعيين ابن سلمان رئيسا لمجلس الوزراء.. ما تأثيره على ملفي اليمن والتطبيع؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في خطوة مفاجئة، صدر قرار ملكي ممهور بتوقيع الملك السعودي سلمان عبد العزيز، في 27 سبتمبر/أيلول 2022 يقضي بتعيين ولي العهد محمد بن سلمان رئيسا لمجلس الوزراء.

ويصبح ابن سلمان رئيسا للمجلس، بدلا من الملك، بعدما كان نائبا له في قرار جاء ضمن ثلاثة أوامر ملكية تضمنت أيضا إجراء تعديل وزاري، وتعيين خالد بن سلمان نجل الملك الثاني وزيرا للدفاع، خلفا لأخيه محمد وتعيين طلال بن عبد الله بن تركي العتيبي مساعدا لوزير الدفاع.

تعيين ابن سلمان رئيسا للوزراء وهو منصب يشغله الملك تقليديا، أثار تكهنات وتساؤلات حول السبب وراء القرار الذي يخالف دستور المملكة، إذ يشكل استثناء للمادة 56 من الدستور.

وتنص هذه المادة على أن "الملك هو رئيس مجلس الوزراء، ويعاونه في أداء مهامه أعضاء مجلس الوزراء"، وعادة ما يكون الملك في السعودية رئيسا للوزراء، ويبقى في منصبه هذا حتى وفاته.

مراقبون رأوا هذه الخطوة بمثابة تحرك جديد لتركيز السلطات في يد ولي العهد، واستعدادا لتوليه المُلك عقب وفاة أبيه الذي يتردد أن حالته في تدهور.

وخضع الملك سلمان البالغ من العمر 86 عاما لعملية جراحية في المثانة عام 2020، وأدخل المستشفى مرتين خلال 2022، واستبدل بطارية جهاز تنظيم ضربات القلب في مارس/آذار من ذات السنة.

ثم في مايو/أيار 2022، قضى تسعة أيام في مستشفى بمدينة جدة تضمنت اختبارات بما في ذلك تنظير القولون، وفقا لما نشرته وسائل الإعلام الحكومية وصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية في 27 سبتمبر 2022.

أكد مراقبون أن تنازل الملك سلمان بن عبد العزيز عن منصبه رئيسا للوزراء لمحمد ابنه وولي عهده، بمثابة تمهيد الطريق لتنازله أيضا له عن منصبه رغم أن هذه الشائعة تتردد منذ 2017.

وأوضحوا أن تعيين نجل الملك خالد وزيرا للدفاع بدلا من شقيقه الأول ولي العهد يشير لنوع من التكويش العائلي على المناصب الحيوية، في ظل تولي شقيقهم الثالث عبد العزيز بن سلمان وزارة الطاقة.

فضلا عن أنه تعيين يزيح عن كاهل ولي العهد، رسميا، مسؤوليته عن المغامرات الفاشلة في اليمن وغيرها والتي جعلت بعض مناطق المملكة لأول مرة تحت خط النار والقصف من قبل الحوثيين، وأثارت غضب الغرب عليه.

دلالات التعيين 

وأكد مسؤول سعودي لوكالة رويترز البريطانية في 27 سبتمبر أن الدور الجديد لولي العهد، كرئيس للوزراء يتماشى مع تفويض سابق من الملك للمهام إليه، بما في ذلك تمثيل المملكة في الزيارات الخارجية ورئاسة القمم التي تستضيفها.

وبين أن ولي العهد، بناء على أوامر الملك، يشرف بالفعل على الهيئات التنفيذية الرئيسة للدولة بشكل يومي، ودوره الجديد كرئيس للوزراء يأتي في هذا السياق، وأنه تاريخيا حدث مثل هذا التفويض للمهام في المملكة عدة مرات.

ولكن رأى مراقبون أن التعيين الجديد ليس تفويضا روتينيا هذه المرة ووراءه عدة أسباب.

صحيفتا الغارديان البريطانية وول ستريت جورنال الأميركية أكدتا في 27 سبتمبر أن توقيت قرار تعيين ابن سلمان رئيسا للوزراء قد يكون مرتبطا بشكل كبير بالموعد النهائي الذي حددته محكمة أميركية لإدارة الرئيس جو بايدن لمنح ابن سلمان الحصانة السيادية في قضية الصحفي المغدور جمال خاشقجي أم لا في 3 أكتوبر/تشرين أول 2022.

قالت "الغارديان" في تحليل لها، إن تعيين محمد بن سلمان رئيسا للوزراء، جاء لحمايته مع اقتراب موعد نظر القضاء الأميركي بقضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018.

أوضحت أنه "المرجح أن يخفف قرار تسمية الأمير محمد كرئيس للوزراء أي مخاوف متبقية في المملكة العربية السعودية من احتمال اعتقال ولي العهد أو مواجهة تحديات قانونية أثناء سفره إلى الخارج".

الأمر نفسه أكده "معهد واشنطن" 27 سبتمبر، مبينا أنه "ربما كان ابن سلمان قلقا بشأن زيارة أميركا خوفا من مواجهة إجراءات قانونية محتملة بشأن مقتل خاشقجي، لذا أراد الحصول على حصانة سيادية عند السفر".

وأكدت "وول ستريت جورنال" أنه من المحتمل أن يمنح المرسوم الملكي محمد بن سلمان حصانة من الملاحقة القضائية والدعاوى القضائية في المحاكم الأميركية، إذ يتمتع رؤساء الدول الأجنبية عموما بالحصانة من أي عمل. 

أوضحت أن "تعيين الأمير جاء قبل أيام من الموعد النهائي لإدارة بايدن لإخبار محكمة فيدرالية إذا ما كان يتمتع بحصانة سيادية في الدعوى المرفوعة ضده من خطيبة الصحفي المقتول جمال خاشقجي ومنظمة الديمقراطية في العالم العربي الآن DAWN وهو أمر مقصود".

وقالت "داون" إن التعيين يمثل محاولة لحماية ولي العهد من المساءلة عن جرائمه المرتكبة في الخارج، لكنها قالت مع هذا "أن تصبح رئيسا للوزراء لا يشكل فارقا".

وترى صحيفة "وول ستريت جورنال" أن تعيين ابن سلمان رئيسا للوزراء يعني "دورا جديدا ودفعة أخرى للحاكم الفعلي للمملكة، وتمديد قبضته المشددة على السلطة، فهو يشرف بالفعل على أكثر الحقائب الوزارية حساسية في البلاد".

وأكدت صحيفة واشنطن بوست في 27 سبتمبر 2022 أن حلول ابن سلمان محل والده رئيس للوزراء، معناه تخطيه جيلا من أعمامه وأبناء عمومته الأكبر سنا ليصبح وريثا على العرش.

وأشارت إلى زيادة قمعه السياسي وقبضته الحديدية على أسرته وأبناء الشعب كافة وتحوله ليصبح ديكتاتوريا متعطشا للسلطة وتهوره باعتقال ولي العهد السابق محمد بن نايف، وشقيق الملك أحمد بن عبد العزيز، واتهامهما بتقويض الدولة.

وأيضا تطرقت إلى قمعه المعارضة المحلية، وسجنه رجال الأعمال ورجال الدين والناشطين والكتاب والعلماء من مختلف الأطياف السياسية.

أوضحت أنه: "لم تتركز القوة في يد رجل واحد في السعودية منذ عهد مؤسس البلاد عبد العزيز آل سعود؛ كما تتركز الآن في يد ابن سلمان، والذي لم يصبح ملكا بعد".

لكن مدير مؤسسة بدائل الشرق الأوسط، حسن منيمنة يؤكد أن "ليس في الأمر أي جديد أو تبديل أو تركيز للسلطة، لأنها أصلا مركزة بيد ولي العهد"، ويراها "خطوة شكلية لا تبدل من الواقع على الأرض".

وقال لموقع "الحرة" الأميركي في 27 سبتمبر إن "القرار مركز في السعودية بيد ولي العهد وهو صاحب القرار الفعلي، وإضافة لقب رئيس الوزراء له لا يقدم ولا يؤخر"، على حد تعبيره.

وعن المغزى من تعيين ولي العهد السعودي رئيسا للوزراء، رجح "منيمنة" أنها "قد تدخل في إطار تحضير الأجواء لانتقال سلس للسلطة، أو فقط لتثبيت ما هو ثابت".

ووصف حسن منيمنة، هذه الخطوة بأنها "تحصيل حاصل" ولن تغير من الواقع الفعلي في السعودية.

وأكد أن "واقع الأمر يشير إلى أن محمد بن سلمان صاحب المسؤولية ويتولى السلطة وبيده القرار، أما الملك فيحظى بالإجلال والتكريم".

الخلافة والتطبيع

موقع "أكسيوس" الأميركي قال بوضوح في 27 سبتمبر إن "تعيين ابن سلمان رئيسا للوزراء عملية مستمرة لتمهيد الطريق لخلافة محتملة في السعودية".

ألمح إلى تنسيق سعودي أميركي لتوليه العرش، مشيرا إلى أن تعيينه رئيسا للوزراء بدل أبيه جاء بعد عدة أيام من زيارة ثلاثة من كبار مستشاري بايدن إلى جدة للقاء ابن سلمان في 23 سبتمبر.

وكان من بين المستشارين بريت ماكغورك منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي، وآموس هوكستين كبير المستشارين لشؤون أمن الطاقة العالمي وتيم ليندركينغ المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن.

ويرى "معهد واشنطن" أن هذه الخطوة "قد تكون مقدمة لتنازل غير مسبوق عن العرش" إذ إن الإعلان المفاجئ بتولي ولي العهد رئاسة الوزراء، يتعارض مع القانون الأساسي للمملكة وترتيباته التقليدية، ويجعل السلطة السياسية الواقعية التي احتفظ بها ابن سلمان لبعض الوقت أمرا قانونيا فعليا". 

وأوضحت وكالة بلومبيرغ الأميركية في 27 سبتمبر أن تعيين الملك سلمان نجله ليحل محله كرئيس للوزراء هو "مواصلة لعملية نقل السلطة تدريجيا في السعودية" تمهيدا لانتقال المُلك له من ابيه.

أكدت أنها "خطوة تضفي الطابع الرسمي على ابن سلمان كزعيم لحكومة المملكة، علما أن المرسوم الملكي لم يذكر أي سبب لهذه الخطوة".

ونقلت عن "جون ألترمان" مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية الأميركي CSIS تأكيده أن "هذه الخطوة تقنن الوضع الراهن الذي يقود فيه ابن سلمان أجندات مجلس الوزراء".

"وقد يكون لها أيضا جانب دولي في جعله رئيسا للحكومة بشكل رسمي، بدلا من رئيس دولة في وضع الانتظار".

في 2015 أصبح ولي العهد وزيرا للدفاع، في ظل عمليات عسكرية في اليمن تقودها السعودية والإمارات ضد مليشيا الحوثيين المدعومة من إيران.

ومنذ ذلك الحين توالت خسائر السعودية في اليمن وانتقل التهديد إلى داخل المملكة بدل دفعه عنها.

لذا قد تكون خطوة تعيين الابن الثاني للملك (خالد) وهو سفير بلاده السابق في واشنطن، وعلى علاقة جيدة بالعسكريين الأميركيين تستهدف تحقيق ثلاثة أهداف، وفق مراقبين.

أولها، حماية انتقال السلطة في المملكة، فقد يكون الملك قد دخل مرحلة الاحتضار، ويستعد نجله ولي العهد لمعركة الخلافة مع العائلة، ووجود شقيقه في وزارة الدفاع يدعمه.

وثانيها، أن علاقات "خالد" الجيدة مع الولايات المتحدة قد تشير لدعم واشنطن للرياض في محاولاتها الخروج من مستنقع اليمن علي يد وزير الدفاع الجديد.

وثالثا، أن تولي "خالد" معناه إبعاد إرث محمد بن سلمان العسكري الفاشل في اليمن عن كاهل ولي العهد وتهيئته ليتولى منصب الملك في المستقبل القريب.

نقطة أخرى مهمة أشار إليها "معهد واشنطن"، وهي أن "إيباك" أحد أذرع اللوبي الصهيوني في أميركا يرى أن تولي ولي العهد رئاسة الوزراء التي يتولاها عادة الملك تمهد الطريق أمام تطبيع السعودية مع إسرائيل.

ومعروف أن الملك سلمان يرفض التطبيع بحكم تاريخه ومشاركته في حرب أكتوبر/تشرين أول 1973 ضد إسرائيل في جيش مصر، بينما أعلن نجله أنه يوافق على التطبيع، لكن وجود والده في السلطة يعرقل ذلك.

لذا يؤكد المعهد أنه "قد تؤثر هذه الخطوة على احتمالات التطبيع الإسرائيلي السعودي لأنه يُنظر إلى الملك سلمان على أنه عائق أمام هذه العملية، مما يبطئ معظم الجهود لإقامة علاقات سعودية إسرائيلية".

ويري أنه يمكن أن يؤدي تعيين ابن سلمان رئيسا للوزراء إلى "تخفيف قدم الرياض عن دواسة (فرملة التطبيع) إلى حد ما، إذا كانت هذه الخطوة تعني حقا التنازل عن العرش".

وذلك رغم أن استطلاعات الرأي السعودية الأخيرة تشير إلى أن السعوديين لا يؤيدون التطبيع، وفق معهد واشنطن.

وأظهر استطلاع الرأي العام الذي أجراه "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى 15 يوليو/تموز 2022 أن نسبة السعوديين الذين ينظرون إلى التطبيع مع إسرائيل بشكل إيجابي انخفضت خلال 2021 ليصبحوا أقلية. 

وأشار الاستطلاع إلى تعارض موجة الدول العربية التي طبّعت رسميا العلاقات مع إسرائيل على مدى السنوات المتعددة الماضية مع الغياب المتزايد للدعم الشعبي لـ "اتفاقيات أبراهام" التطبيعية في الخليج. 

ونشر موقع "الباروميتر العربي" في 12 سبتمبر 2022 استطلاعا آخر أكد أن ثمة رفضا عاما من المواطن العادي عبر المنطقة العربية والخليج لاتفاقات أبراهام المدعومة أميركيا، والتي تمثل صفقة سلام موسعة لدول المنطقة مع إسرائيل.