من "هدم الأسوار" إلى إنقاذ بشار.. كيف يدار تنظيم الدولة؟

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع مرور الذكرى الخامسة على اجتياح تنظيم الدولة للعراق، وتمدده السريع إلى بلدان أخرى بعد ثورات الربيع العربي، يبقى التساؤل الأبرز: هل كان التنظيم أداة لإفشال كل أشكال الحراك السني، ولا سيما أن دوره النهائي في جميع الأماكن بالمنطقة كان متقاربا. 

سيطرة تنظيم الدولة على مدينة الموصل في 10 يونيو/حزيران 2014، وإعلانه لـ"دولة الخلافة" في سوريا والعراق، جاء في ظل حراك غير مسبوق خرجت فيه المحافظات السنية للمطالبة بإنهاء الإقصاء والتهميش الطائفي، والإفراج عن عشرات آلاف المعتقلين.

"هدم الأسوار"

لم تكن مصادفة هروب نحو 600 سجين من بينهم قادة بارزون في تنظيم القاعدة، من سجني "التاجي" و"أبي غريب" في يونيو/حزيران 2013 بالعاصمة العراقية بغداد، بحسب تصريحات وزير العدل العراقي حسن الشمري.

الشمري الذي كان وزيرا عام 2013، في حكومة نوري المالكي المقرب من إيران، قال في تصريحات تلفزيونية، إن هجوم عناصر القاعدة على السجنين بعملية أطلق عليها التنظيم "هدم الأسوار"، كانت مدبرة ومتورط فيها رؤوس كبار في الدولة العراقية.

وأوضح الوزير حينها، أن "رؤوسا كبيرة في الدولة سهلت هرب سجناء تنظيم القاعدة من سجني أبي غريب والتاجي في بغداد"، معتبرا أن ذلك يهدف "لتقوية النظام السوري من خلال تقوية التنظيم، وتخويف الولايات المتحدة من أي ضربة عسكرية ضد نظام بشار الأسد، وتأكيدا أن البديل له هو ذلك التنظيم".

وأكد أن "جهاز المخابرات العراقي أرسل في الشهر السابع من السنة ذاتها، وقبل أسبوع واحد فقط من حادثة الهروب الكبير من سجن أبي غريب، كتابا سريا للغاية معنونا إلى مكتب القائد العام التابع للمالكي ووزارات الداخلية والدفاع والعدل يشير إلى وجود نية للإرهاب باستهداف سجني التاجي وأبي غريب بعجلات مفخخة وتحرير النزلاء التابعين للإرهاب فيهما".

وأشار الوزير السابق إلى أن "الغريب في الأمر لم يجر أحدا أي فعل على سبيل الاحتياط، بل حدث العكس تماما، إذ انسحبت وحدات أمنية بالكامل كانت مكلفة بحماية السجون، وبعد أسبوع واحد حدث الهجوم بالطريقة ذاتها التي حذرت منها المخابرات".

إلا أن الشمري (شيعي ينتمي لحزب الفضيلة) خفف بعد ذلك من حدة تصريحاته، وذكر في بيان لاحق، أن حديثه عبر إحدى القنوات الفضائية عن "تورط" بعض المسؤولين في حادثة هروب السجناء "استنتاج شخصي"، ولا داعي لتهويله.

المالكي وراء القصة

لكن النائبة السابقة في البرلمان العراقي، لقاء وردي، قالت وقتها: إن "ما ذكره وزير العدل، حسن الشمري، بشأن ضلوع رؤوس كبيرة في الدولة، في تهريب السجناء لمصلحة نظام بشار الأسد في سوريا، هي الأصح والأقرب إلى المنطق والواقع".

وحمّلت وردي في تصريحات صحيفة، الحكومة مسؤولية هروب السجناء من سجني أبو غريب والتاجي، وباقي المعتقلات في البلاد، مشيرة إلى أن "أشخاصا يعملون بمكتب رئيس الحكومة، سبق أن تورطوا بتهريب سجناء تنظيم القاعدة من السجون الرئاسية في البصرة، وذلك موثق بتقرير زودتنا به لجنة الأمن والدفاع النيابية".

وعدّت النائبة تراجع الشمري عن تصريحاته، بأنه كان بضغط من الحكومة، مبينة أن "تهريب السجناء من سجني أبو غريب والتاجي، تم بإمكانيات كبيرة لا تستطيع أي جهة القيام بها من دون دعم حكومي".

وأوضحت وردي، أن "السجناء الفارين وجدوا بانتظارهم سيارات وهويات شخصية جاهزة، وتم تهريبهم إلى سوريا، واحراق ملفاتهم بعد ذلك في وزارة العدل".

وأكدت، أن "تهريب السجناء يتم بالاتفاق بين الحكومتين العراقية والإيرانية لدفعهم إلى سوريا، لدعم تنظيم الدولة، وتمكينه من قتل الأبرياء بحجة وجود هذه التنظيمات، بنحو ينذر بتكرار السيناريو ذاته في العراق".

علاقة عضوية

وعلى النحو ذاته الذي تحدثت به النائبة العراقية، كان الائتلاف السوري المعارض قد اتهم تنظيم الدولة بأنه على "علاقة عضوية" مع النظام السوري، وبأنه يعمل على تنفيذ مآربه، بينما وصف رئيس اللجنة القانونية للائتلاف هيثم المالح التنظيم ذاته بأنه "لغم زرعه الأسد".

ونقل تقارير صحفية في يناير/ كانون الثاني 2014، عن المالح قوله، إن الجميع بات يعرف أن جماعات متطرفة تنشط بسوريا تضم العديد من العناصر الروسية والإيرانية "التي تعمل لصالح النظام لتشويه الصورة الحقيقية للثورة".

واتهم المالح نظام الأسد بأنه على صلة عضوية بالقاعدة وأنه هو من "أشرف على نقل عناصرها من العراق إلى نهر البارد في لبنان، من أجل تحقيق أهداف سياسية معينة على حساب دماء المدنيين".

وبحسب الموقع، فإن التنظيم كان في ذلك الوقت يمتلك مقرات علنية في سوريا، وله "هيئة شرعية" خاصة به، كما يمتلك مقار في مدينة الباب ومناطق أخرى بالريف الحلبي، حيث يبرز نفوذه في الدانا وتل رفعت وجرابلس.

استدراج التنظيم للعراق

السيناريو الذي حذرت النائبة العراقية من انتقاله إلى العراق قد تحقق بالفعل، ففي ظل اشتداد الحراك السني بالعراق وتحوله إلى اعتصامات شعبية في الميادين، بمحافظات نينوى والأنبار وديالى وكركوك وصلاح الدين وبعض مناطق بغداد، قرر رئيس الحكومة آنذاك نوري المالكي، إنهاء الاحتجاجات بالقوة وإحراق الخيم.

الخطوة التي على ما يبدو، كانت مدبرة، جرّت إلى اندلاع اشتباكات بين الأجهزة الأمنية وفصائل شكلتها العشائر السنية في أغلب المدن، الأمر الذي سهّل بتواطؤ متعمد من القادة الأمنيين، دخول عناصر تنظيم الدولة إلى الموصل مركز محافظة نينوى، قادمين من سوريا.

إذ كشف محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي، خلال حديث صحفي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عن "خطة" أعدت مسبقا لدخول تنظيم الدولة إلى الموصل، التي أدت إلى اجتياح ثلث مساحة العراق عام 2014.

وقال النجيفي: إن "خطة منظمة أعدت مسبقا لاستدراج تنظيم الدولة إلى الساحل الأيمن من الموصل المأهول بالسكان حيث يضم نحو 800 ألف نسمة، بينما كانت القوات العراقي قد نصبت المدفعية الثقيلة في الجانب الأيسر لقصفهم مع الأهالي".

وأضاف أن "القوات الأمنية جهزت أيضا الطائرات بالبراميل المتفجرة لإسقاطها على المدينة القديمة (الساحل الأيمن) ولكن عندما دخل التنظيم إلى الساحل الأيمن لم يكونوا قد حسبوا حساب المدينة الكبيرة التي حين تسقط تتغير المعادلة".

وأشار النجيفي إلى أنهم "كانوا يريدون أن يفتحوا المجال للتنظيم لكي يسيطر على الساحل الأيمن ثم يطوقوا الساحل الأيمن، وقصف المدينة كاملة بالمدنيين الذين فيها وكانوا يهيئون أنفسهم لذلك".

وأوضح أن، "ما فات القوات الأمنية، هو عند دخول التنظيم لمدينة تعداد سكانها كبير، انهارت معنويات الجنود في الساحل الأيسر وعندما خرج الضباط من أجل تنفيذ الخطة وجدوا أن الفرق العسكرية قد هربت بالكامل ولهذا سقطت الموصل".

وأشار النجيفي إلى أن "وحدات عسكرية كاملة بقيت بعدتها في الجانب الأيمن من المدينة ولم تنهر، وانسحبت في يوم 10 حزيران/ يونيو 2014 إلى بغداد بكامل قوتها، وفوج كامل انسحب كذلك ولم يشارك في المعركة وكانوا قد تم تجهيزهم لحصار المدينة".

وأكد محافظ نينوى الأسبق، أن "إسقاط الموصل كانت عملية منظمة، لذلك لم أستغرب من طريقة التعامل مع الساحل الأيمن أثناء عملية التحرير، حيث حصلت نفس الخطة التي كانوا يريدون أن يطبقوها وهو السحق الكامل للمدينة".

وبعد سيطرته على الموصل انتقل التنظيم إلى المحافظات ذات الغالبية السنية التي شهدت حراكا شعبيا ضد حكومة نوري المالكي، ووصل عناصر تنظيم الدولة إلى أسوار مدينة بغداد، الأمر الذي استدعى إعلان المرجع الشيعي الأعلى في العراق، ما أطلق عليه "الجهاد الكفائي"، لقتال تنظيم الدولة ووقف زحفه إلى باقي المدن، حيث تشكلت على إثرها قوات الحشد الشعبي.

وكلفت استعادة الأراضي التي اجتاحها تنظيم الدولة سقوط عشرات الآلاف من الضحايا، ونزوح نحو 3.2 مليون عراقي من محافظات الحراك السني، فضلا عن تدمير البنى وسرقة الممتلكات العامة والخاصة، على يد التنظيم والمليشيات الشيعية.

ذريعة السيسي بمصر

وبعد أربعة أشهر من إعلان تنظيم الدولة "الخلافة"، كان أول من انضم إلى صفوفها جماعة من المسلحين في ليبيا أعلنت البيعة والولاء للبغدادي، وتلتها بعد شهر واحد جماعة "أنصار بيت المقدس" في شبه جزيرة سيناء في مصر.

في مصر التي شهدت انقلابا عسكريا نفّذه الجيش تحت قيادة الفريق أول عبدالفتاح السيسي في 3 يوليو/تموز 2013، وعزل الرئيس المنتخب الراحل، محمد مرسي، شنت السلطات حملات هدم وتهجير شملت مساحات واسعة من شمال سيناء بحجة "إنشاء خط عازل، لمنع تهريب السلاح إلى تنظيم الدولة من غزة".

وتنطوي خطة النظام المصري الرسمية للمنطقة العازلة على إخلاء نحو 79 كيلومترا مربعا على حدود غزة، تشمل رفح كلها، وهي بلدة يسكنها نحو 78 ألف نسمة. وتزعم الحكومة أنها ستقضي على أنفاق التهريب التي تدّعي أن المسلحين المنتسبين إلى تنظيم الدولة، يستخدمونها لتلقي السلاح والمقاتلين والدعم اللوجيستي من غزة، بحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش".

وأكدت المنظمة، أن السلطات المصرية لم تقدم أدلة تذكر لتأييد هذا التبرير، وأخفقت في مراعاة تدابير الحماية الواردة في القانون الدولي للسكان الذين يواجهون عمليات إخلاء قسري، وربما تكون قد انتهكت قوانين الحرب من خلال انعدام التناسب في تدمير آلاف المنازل، في جهودها لإغلاق أنفاق التهريب.

كما لم تقدم الحكومة المصرية أدلة على تلقي المسلحين للدعم العسكري من غزة. وأكدت "رايتس ووتش"، أن الكثير من الدلائل الإضافية -بما فيها تصريحات صدرت عن مسؤولين مصريين وإسرائيليين- على أن المسلحين حصلوا على أسلحتهم من ليبيا أو اغتنموها من معدات الجيش المصري، وأن تلك الأسلحة يتم تهريبها إلى غزة من سيناء، وليس العكس.

ومنذ انقلاب يوليو/تموز 2013، دأبت السلطات المصرية على معاملة شمال سيناء كمنطقة عسكرية مغلقة، فمنعت الوصول إليها بالكامل من جانب الصحفيين والمراقبين الحقوقيين. واستنادا إلى صور الأقمار الصناعية، بدأ الجيش عمليات الهدم في تلك الفترة بالتقريب، قبل أكثر من عام من إصدار الحكومة للمرسوم الرسمي المنشيء للمنطقة العازلة الذي يعلن عن عمليات الإخلاء.

وقالت المديرة في المنظمة، سارة ليا ويتسن: "إن الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية التي تسلّح حكومة السيسي تشيح بأنظارها عندما تنتهك قواته المواطنين، استنادا إلى منطق مشكوك فيه بأنه يسهم في الحرب على تنظيم الدولة، لكن إستراتيجية السيسي الرعناء في مكافحة التمرد لا تفيد إلا في تأليب مواطنيه أنفسهم ضد حكومتهم".

التنظيم ينسق مع حفتر

أما في ليبيا، فإنه لا يزال انسحاب تنظيم الدولة من مدينة درنة شرقي ليبيا في أبريل/نيسان 2016، دون أن تتعرض له قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يقود انقلابا على حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، مثار تساؤل واستغراب لدى كثيرين، في حين قصفت طائراته ثوار درنة ومناطق سكنية وصناعية فور انسحاب التنظيم من المدينة مخلفة ضحايا مدنيين.

وبعد تضييق الخناق على تنظيم الدولة من تحالف "مجلس شورى مجاهدي درنة" وضواحيها وثوار مدينتي طبرق والبيضاء وإعلانه عملية تحرير المدينة، انسحب التنظيم من منطقة الفتائح آخر معاقله إلى جنوب درنة سالكا طرقا صحراوية.

ورغم أن قوات حفتر توجد في الضواحي الجنوبية والجنوب غربية لدرنة، كما تتمركز في الجهة الشرقية للمدينة، فإنها لم تحرك ساكنا وقت انسحاب التنظيم من درنة، ما جعل البعض يتساءل عن السر وراء ذلك.

ونقلت تقارير صحفية في أبريل/ نيسان 2016، عن الطيار والخبير العسكري عادل عبد الكافي، قوله: إن "حفتر ينسق مع تنظيم الدولة وبينهما حلقة وصل هي مجموعات النظام السابق، ومنها عناصر أمنية وعسكرية".

واستشهد عبد الكافي على ذلك بمرور التنظيم على خمس نقط تمركز لقوات حفتر وقواعد جوية، فضلا عن أن مسلحي التنظيم كانوا يسيرون في أرض مفتوحة يسهل فيها استهدافهم جويا، لكن هذا لم يحدث.

وأضاف الخبير العسكري، أن حفتر سهل مرور أسلحة وآليات للتنظيم في الفترة الماضية إلى سرت، "ويكفى أن أقول إن الرتل الذي تحرك من درنة إلى سرت مكون من حوالي مئة عربة دفع رباعي".

وبحسب المتحدث نفسه فإنه "لو كان لدى عناصر التنظيم أدنى شك في أن طيرانا أو قوة ما ستعترضهم لما كانوا انسحبوا ككتلة واحدة في أرض واسعة ولمسافة طويلة، ولفضلوا التحرك في مجموعات صغيرة".

وتابع عبد الكافي قائلا: إن "الحقيقة تكمن في أن حفتر لا يعنيه القضاء على تنظيم الدولة، ويريد فقط إفشال الثورة بليبيا والقضاء على تشكيلات الثوار، والدليل أنه لم يقصف تنظيم الدولة بدرنة، وإنما قصف ثوارها ومدنييها بعد أن خرج منها التنظيم".

وكانت تقارير، قد كشفت وجود مراكز تدريب ومعسكرات للتنظيم في مدن ليبية مثل مدينة صبراتة بالغرب الليبي. هذا بالإضافة إلى قوة مقاتلة كانت تتخذ من مدينة بنغازي مقرا لها، وخاضت الحرب في مرحلة من المراحل ضد قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، قبل أن تكشف تسجيلات مسربة انسحابها إلى سرت بالتنسيق مع قوات حفتر.