جزيرة سقطرى.. هذا ما أخفته الإمارات وكشفته تحركاتها

منذ ٥ أعوام
 طالما كانت جزيرة "سقطرى" في مرمى أعين الطامعين خلال التاريخين الوسيط والحديث، وسال عليها لعاب الدول الطامحة، مستغلة ضعف الدويلات والسلطنات اليمنية القديمة. بسطت تلك الدول والإمبراطوريات الطامحة نفوذها على الجزيرة، ضمن مخططاتها التوسعية التي كانت تهدف لتعزيز مكانتها العسكرية والسياسية، ومد نفوذها الإقليمي والدولي. 
 
لم تكن هذه الأطماع بعيدة عن دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أعلنت سيطرتها على الجزيرة، ونشر قوات عليها، ليبقى السؤال الأبرز: ما الذي تريده الإمارات من سقطرى؟ وهل من الوارد أن تكون مدفوعة من قبل دول كبريطانيا وأمريكا للحد من الطموح الروسي والإيراني في السيطرة على الجزيرة؟ أم أن لأبو ظبي أجندتها الخاصة؟كل هذه التساؤلات نتيجة طبيعية ومنطقية للتحركات الإماراتية على الأرض، لا سيما في عدم تطابق تلك التحركات مع الأجندة المعلنة.

الاحتلال البرتغالي

احتل البرتغاليون جزيرة سقطرى في بدايات القرن السادس عشر، لكن ما لبثوا أن غادروها خلال سنوات قليلة، بعد أن شنت الامبراطورية العثمانية حملات على عدن، وأحكمت سيطرتها عليها، الأمر الذي دفع أبناء سلطنة المهرة حينها إلى استغلال ضعف التواجد البرتغالي في الجزيرة، وشن حملات شرسة عليهم، أسفر عن مقتل عدد من البرتغاليين، وانتهى بمغادرتهم للجزيرة تماما في العام 1511.

عادت جزيرة سقطرى لأبنائها من سلاطين المهرة وقشن اليمنية، لكنها ما لبثت أن وقعت مرة أخرى تحت الاحتلال البريطاني عام 1886، ليتم ضمها فيما بعد إلى محمية عدن الخاضعة للاستعمار البريطاني سلفا منذ عام 1939، ليحكم الإنجليز قبضتهم على الجزيرة قبل إخراجهم منها في نوفمبر 1967، أي بعد أربع سنوات من انطلاق شرارة الثورة في شطر اليمن الجنوبي.

أهمية إستراتيجية

تكمن أهمية الموقع الإستراتيجي لجزيرة سقطرى، كونها تقع في ملتقى خط التجارة الدولي، بين المحيط الهندي، وبحر العرب، ومضيق باب المندب، وتحاذي شواطئ المدن الجنوبية اليمنية، كما تقع على مقربة من مضيق هرمز، الخط البحري الوحيد لدول الخليج العربي عدا السعودية، وتبعا لأهمية الموقع الاستراتيجي لليمن، بالنسبة للجزيرة العربية والخليج، فإن الجزيرة اكتسبت تلك الأهمية.

ترجع أهمية الجزيرة إلى مقولة الأدميرال الأسترالي، ألفريد ماهان (1840-1914)، التي أكسبتها أهمية عسكرية كبيرة، وتنص تلك المقولة على أنه من يحقق التفوق البحري في المحيط الهندي سيكون لاعبا بارزا في الساحة الدولية،   ذلك لأن هذه البقعة الجغرافية، باقترابها من رأس الرجاء الصالح في إفريقيا، وانفتاحها على الهند، تربط بين الخطوط البحرية في الشرق والغرب، وبالطبع زادت تلك الأهمية بعد اكتشاف النفط في الجزيرة والخليج.

وفضلا عن أهمية موقع الجزيرة الجغرافي، تأتي الأهمية الجيولوجية والبيولوجية للجزيرة ذاتها، فسقطرى أرخبيل تتقاسمها ست جزر، أكبرها جزيرة سقطرى التي تبلغ مساحتها حوالي 3800 كيلو متر مربع، بشريط ساحلي يقدر بـ300 كيلو متر، وتنوع بيولوجي وبيئي نادر، ما دفع منظمة اليونسكو لإدراجها عام 2008 ضمن أهم المواقع البحرية العالمية الخاضعة لاتفاقية التنوع الحيوي.

صراعات سياسية

على مر التاريخ، لم تكن الجزيرة بمنأى عن الصراعات والأطماع العسكرية، حتى بعد قيام ثورة 14 أكتوبر وخروج آخر جندي بريطاني من عدن في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1967، فخلال حكم الحزب الاشتراكي للجنوب في عدن، ظلت سقطرى مقرا لقاعدة عسكرية سوفيتية حتى انهيار الاتحاد السوفيتي، ومن ثم قيام الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب عام 1990.

في 2008 جرى الحديث عن زيارة سرية لوفد من مجلس الشيوخ الأمريكي، برئاسة جون ماكين، على متن طائرة عسكرية قدمت من بغداد، قابل فيها الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، وتم النقاش فيها عن تسهيلات لإقامة قاعدة عسكرية في جزيرة سقطرى، وجرت المشاورات في ظروف شديدة السرية، "لم يتناولها الإعلام".

 
حتى تم الإعلان عن زيارة أخرى في الثاني من يناير/ كانون الثاني 2010 لقائد القيادة الوسطى الأمريكية الجنرال ديفيد بتريوس، التقى فيها الرئيس صالح، وفي حين قيل إن الزيارة تأتي لنقاش وتعزيز خطط مكافحة الإرهاب، إلا أن صحيفة "نيوز ويك" الأمريكية كشفت حينها، عن مسؤول يمني رفيع المستوى، رفض الكشف عن اسمه، لحساسية القضية، أنه تم الاتفاق على إنشاء قاعدة عسكرية ومهبط للطائرات وقاعدة لإطلاق الصواريخ المحمولة بحرا وطائرات الدرونز في الجزيرة .
 
في أعقاب ذلك تحدثت وسائل إعلام أمريكية مثل "سي. أن. ان" و "الغادريان" عن زيادة حجم المساعدات الأمنية لليمن من 70 مليون دولار إلى 150 مليون دولار ، وهو الرقم الذي يمثل 14 ضعفا في حجم المساعدات الأمريكية لليمن في 2006.
 
أثار ذلك الاتفاق الموقف الروسي، فأعلنت موسكو بعد أسبوع تقريبا أنها لن تتخلى عن خططها في امتلاك قواعد بحرية لسفنها في جزيرة سقطرى اليمنية، التي كانت قد خرجت منها، كما ذكر سالفا، إثر تفكك الاتحاد السوفيتي وقيام الوحدة اليمنية بعد ذلك.
 
تسارعت الأحداث بشكل دراماتيكي، حتى انطلقت ثورة الشباب في فبراير 2011، وانتهت بمبادرة خليجية نصت على تسليم صالح السلطة لنائبه عبدربه منصور هادي، لفترة انتقالية، يتم خلالها التأسيس لمؤتمر حوار وطني، لكن الحوثيين ما لبث أن انقلبوا على الدولة وسيطروا على مؤسساتها، أعقب ذلك تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية في 26 آذار/مارس من عام 2015 تحت مبرر معلن هو استعادة الشرعية، وهدف غير معلن هو الحد من النفوذ الإيراني في اليمن.
 
وفي حين كان يفترض أن تعمل السعودية والإمارات، وهما أبرز دول التحالف، على تحقيق الهدف من العملية العسكرية، فإنها عملت على تقويض الدولة وإضعاف الشرعية، فخلال حوالي أربع سنوات من الحرب، لم تعد الشرعية إلى اليمن، ولم يتم إجبار الحوثيين على الانسحاب من المدن أو تسليم السلاح الثقيل، بل تحول الحوثيون خلال أربع سنوات من ميلشيا انقلابية إلى سلطة أمر واقع في حسابات المجتمع الدولي والمنظمات الأممية، وتم التعامل معهم كطرف يقع على الند من السلطة الشرعية، أما الإمارات فقد ذهبت وأنشأت حزاما أمنيا في المحافظات الجنوبية، ودعمت المجلس الانتقالي المتمرد على الشرعية، ثم ذهبت وأحكمت سيطرتها على جزيرة سقطرى، الجزيرة التي لم يصل إليها الحوثيون.

"الاحتلال الإماراتي"

في مايو/ أيار 2018، وأثناء زيارة مفاجئة لرئيس الوزراء اليمني السابق، أحمد عبيد بن دغر للجزيرة، قامت الإمارات بإرسال خمس طائرات نقل عسكرية، تحمل أكثر من مائة جندي وعدة دبابات وعربات عسكرية، دون موافقة الحكومة اليمنية، وقامت بطرد القوات اليمنية.

ومذاك تعمل الإمارات على إحكام السيطرة على الجزيرة من جميع النواحي، لاسيما الأمنية والاستخباراتية، ليس ذلك فحسب، بل عملت، وفق أحد أبناء الجزيرة، رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، على إنشاء قاعدة بيانات ضمت بيانات كل أبناء الجزيرة مع صورهم، وقامت بتصنيفهم وتصنيف انتماءاتهم.

وقال صحفي من أبناء الجزيرة، رفض الكشف عن اسمه لذات الأسباب، في تصريح خاص بـ"الاستقلال" إن "الإمارات تقوم بتوزيع المساعدات الغذائية على المواطنين، وتمنحهم راتبا شهريا، وتكلفهم برفع الأعلام الإماراتية في سطح كل منزل، في مسعى منها لاستغلال ضعف الدولة في اليمن، والحالة الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المواطنون".
 
وأضاف أن "الإمارات عملت على إنشاء شبكات اتصال وأبراج اتصال تابعة لشركة (اتصالات) الإماراتية، بحيث يغدو الاتصال بين الإمارات والجزيرة اتصالا محليا، وأن أبناء الجزيرة عادة ما يسافرون إلى الإمارات دون الاحتياج إلى الفيزا، في ظل وعود الإماراتيين بمنحهم الجنسية".
 
وكان مقطع فيديو قد ظهر لأحد مشايخ إمارة عجمان، يقول فيه إن "أهل سقطرى سيكونون جزءا من الإمارات، وأنهم يستحقون الجنسية الإماراتية، لأنه تربطهم بالإمارات تاريخ طويل"، ما اعتبره اليمنيون استفزازا لهم، وانتهاكا للسيادة اليمنية، فيما عده البعض جسّ نبض لليمنيين إزاء النوايا الإماراتية.
 
ويعمل الإماراتيون، بحسب الصحفي، على شراء ولاءات بعض أبناء الجزيرة وبعض الشخصيات الاجتماعية والقادة العسكريين التابعين للحكومة الشرعية بالهبات السخية والأموال.
 
وأكد مصدر آخر من أبناء الجزيرة لـ" الاستقلال" حديث الصحفي، أنه "لوحظ انتشارا هائلا للسيارات الحديثة بين أبناء الجزيرة الموالين للإمارات".
 
وفي التفاصيل، كشف مصدر ثالث تحدث لـ" الاستقلال" كان قد زار الجزيرة مؤخرا أن "الإمارات قامت بتوزيع سيارات دفع رباعي حديثة للوجهاء من أبناء الجزيرة وللقادة العسكريين المقيمين هناك، ووفرت لهم اعتمادات مالية شهرية".

شكاوى أممية

كل هذه التحركات دفعت الحكومة الشرعية اليمنية لرفع رسالة رسمية لمجلس الأمن، بشأن الوجود العسكري غير المبرر للقوات الإماراتية والتصرفات التي تنتقص من السيادة اليمنية، على نحو يقع على الضد من أهداف التحالف المعلنة في استعادة الشرعية ، في تصرف يقضى على الشائعات التي ترددت أن الرئيس هادي ينتوي القيام بتأجير الجزيرة للإمارات لمدة 99 عاما.

وردّت الإمارات، برسالة رسمية لمجلس الأمن أيضا، بأنها تعترف بسيادة اليمن التام على الجزيرة، وتؤكد تنسيقها مع السعودية والحكومة الشرعية في تحركاتها. 

على إثر الرسالة الحكومية لمجلس الأمن قامت السعودية بمبادرة، فيما بدا أنها لامتصاص الغضب الشعبي والرسمي للحكومة اليمنية، حيث ظهرت القوات الإماراتية كما لو أنها تغادر الجزيرة، وتحل محلها قوات سعودية، مدعية التنسيق مع الجانب الحكومي اليمني بهذا الإجراء.
 
ولكن الإمارات عمليا، لا تزال مسيطرة على المنشآت الحيوية في الجزيرة بما فيها الميناء والمطار، والمؤسسات الحكومية الأخرى، بما في ذلك الجمارك والأمن والقوات البحرية، وترفع الإعلام الإماراتية على أسطح تلك المنشآت الحكومية، بحسب أحد زائري الجزيرة.
 
وبحسب مستشار وزارة الإعلام مختار الرحبي فإن "الإمارات مازالت مسيطرة على الجزيرة، و تتصرف كما لو كانت على أرض إماراتية، وأن هذا يتنافى مع الأهداف المعلنة للإمارات". 
 
وأضاف أحد أبناء الجزيرة "هناك حالة انقسام بين أبناء الجزيرة، ففي حين استطاعت الإمارات استمالة البعض، بسبب الإهمال الذي طال الجزيرة وأبناءها في الفترات الماضية، إلا أن البعض الآخر يشعر بحالة غضب وغليان ورفض تام للتواجد الإماراتي، لكنهم غير قادرين على فعل شيء لوقوعهم بين القبضة الأمنية للإماراتيين وخذلان الشرعية له".