بشار الجعفري.. ذراع دبلوماسي للأسد استهزأ بالقرآن ويسعى لتلميع النظام

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

"مدلس" و"مسيلمة الكذاب"، هذه عينة من صفات ينعت بها السوريون بشار الجعفري نائب وزير خارجية النظام السوري.

فمنذ أن اندلعت الثورة السورية عام 2011 راح الجعفري يشيطنها وينكر جرائم قوات رئيس النظام بشار الأسد بحق السوريين من فوق كرسيه في الأمم المتحدة حينما كان يشغل منصب الممثل الدائم لوفد الدولة فيها.

لم يكن الجعفري البالغ من العمر 66 عاما سوى "بوق دبلوماسي" لنظام الأسد، حاول الاستخفاف بعقول الدبلوماسيين الغربيين داخل الأروقة الأممية، عبر الترويج بأن الثورة السورية، "إرهابية متشددة".

ولا ينكر السوريون أن الجعفري المجيد للفارسية والفرنسية والإنكليزية، كان سليط اللسان، إلا أنه وظف نفسه لينافح عن إجرام رئيس الأسد بحقهم وقتلهم وتشريدهم، طيلة عقد كامل، من كرسي مجلس الأمن وردهات المؤتمرات وجلسات المفاوضات بين النظام والمعارضة.

فحينما اندلعت الثورة، كان الجعفري يشغل منصب المندوب الدائم لسوريا في الأمم المتحدة، وهنا بدأ السوريون يتعرفون عليه، من شدة تلفيقه وكذبه وتزويره للوقائع الميدانية لصالح الأسد.

فكان الجعفري يطلق تصريحات مستفزة ومثيرة للجدل عن جمهور المعارضة، لدرجة أنه يحرف الكلام عن مواضعه ويقلبه ويسرده أمام الدبلوماسيين الغربيين دون خجل من افتضاح أمره فور خروجه من الجلسات الأممية.

لكن الجعفري الذي أعيد إلى سوريا عام 2020 من أروقة الأمم المتحدة، لم يتوقف عن شطحاته وإطلاق التصريحات التي تثير السخرية لبعدها عن الواقع وكأنه يتكلم وهو نائم.

وجديدها ما قاله في 6 يونيو/حزيران 2022 خلال ندوة بالعاصمة دمشق نظمت بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي، بأن "سوريا من الدول الرائدة عالميا، في مجال التوعية بالقانون الدولي الإنساني".

وسرعان ما تلقف السوريون تصريحه وردوا عليه مستشهدين بالأدلة الواقعية على كلامه قائلين: "طريق الإنسانية لدى نظام الأسد معبد بقتل مئات الآلاف من الشعب، وبالمقابر الجماعية، والسجون الأمنية المرعبة، واستخدام السلاح الكيماوي، وإلقاء البراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين وتشريد 12 مليون سوري داخليا وخارجيا".

النشأة والتكوين

ولد بشار الجعفري في مدينة دمشق عام 1956 ورغم أن عائلته عاشت في العاصمة منذ عقود طويلة، فإن مصادر سورية تؤكد أن أصولها من مدينة أصفهان الإيرانية كونه يتحدث اللغة الفارسية منذ طفولته.

هذا فضلا عن حديث الجعفري في بعض المجالس المقربة عن أصوله الإيرانية، وهو متزوج من إيرانية وله منها ولد وابنتان. وتعرف عائلته بالانتماء إلى المذهب الإثني عشري الشيعي.

حصل الجعفري على بكالوريوس في الأدب الفرنسي عام 1977 من "جامعة دمشق"، وعلى دبلوم دراسات عليا في الترجمة والتعريب عام 1978.

كما حصل على دكتوراه في تاريخ الحضارة الإسلامية في جنوب شرق آسيا عام 2002 من "جامعة شريف هداية الله" في إندونيسيا، ودكتوراه في العلوم السياسية عام 1989 من "جامعة السوربون"، ودكتوراه في العلوم السياسية عام 1984 من "جامعة سو"، والأخيرتان تقعان في فرنسا.

ساهمت دراسته في فرنسا بدخوله عالم الدبلوماسية من أوسع أبوابها، إذ عين في الملحق الدبلوماسي وسكرتيرا ثالثا في السفارة السورية بباريس بين 1983 و1988.

ثم عين سكرتيرا أول ومستشارا في البعثة السورية الدائمة لدى "الأمم المتحدة" في أميركا بين 1991 و1994.

ثم عينته وزارة الخارجية السورية ممثلا لها إلى لجنة "تفاهم نيسان" الجمهورية اللبنانية بين 1996 و1997، التي قادت إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان آنذاك.

ومن بيروت عاد الجعفري إلى باريس، حاملا معه منصب وزير مستشار بالسفارة السورية في فرنسا بين 1997 و1998.

كما أصبح وزيرا مفوضا وقائما بأعمال السفارة السورية في إندونيسيا بين 1998 و2002، وعقب ذلك أصبح مدير إدارة المنظمات الدولية في وزارة الخارجية بين 2002 و2004.

إلى أن جاءت اللحظة المفصلية في حياته بعد أربع سنوات من توريث بشار الأسد الحكم خلفا لأبيه حافظ الذي حكم سوريا منذ عام 1971، بتوليته منصب المندوب الدائم لدى مكتب "الأمم المتحدة" في جنيف بين 2004 و2006.

ثم شغل منصب الممثل الدائم لوفد سوريا لدى "الأمم المتحدة" في نيويورك بين 2006 و2020، قبل أن يعود الجعفري إلى البلاد ويعينه الأسد، بمنصب نائب وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد منذ 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

لدى الجعفري العديد من المؤلفات أبرزها "سياسة التحالفات السورية 1918-1982" الصادر عام 2015، و"أولياء الشرق البعيد" 2003، "الأمم المتحدة والنظام العالمي الجديد" 1994، "الجماعات المصلحية الضاغطة في الولايات المتحدة الأميركية" 1983.

ومما يدلل على تعلقه بالتشيع أن كتابه "أولياء الشرق البعيد"، يعد رواية تاريخية يتحدث فيه عن كيفية انتشار الإسلام في أرخبيل الملايو (جنوب شرقي آسيا)، وينسب الفضل في ذلك إلى إيران.

بوق دبلوماسي

اشتهر الجعفري بالتدليس وقلب الحقائق والوقائع وتقديم مغالطات كبيرة خلال مرافعاته داخل أروقة مجلس الأمن الدولي.

ومنها تحريفه لكلام القيادي الشهير في قوات المعارضة السورية قائد لواء التوحيد في حلب الراحل عبد القادر الصالح خلال مقابلة له ببرنامج نقطة نظام على قناة العربية السعودية في أبريل/نيسان 2013.

حينها سئل الصالح عن موقف الثورة من الأقليات والقوميات الأخرى في سوريا، فرد قائلا: "أتمنى أن أكون منها لكثرة الحديث عنهم، أنا أقول إن الأقليات سيعيشون حياة أفضل من التي يعيشونها الآن في ظل نظام الأسد ونحن نحترمهم ونراعي مشاعرهم".

وعقب ذلك حور الجعفري كلام الصالح في المقابلة، وزعم أنه حينما سئل عما سيجري فعله بالأقليات إذا استلمت المعارضة السلطة قال: "إما أن يعلنوا إسلامهم أو يدفعوا الجزية أو نقتلهم بالسيف".

ومن أشهر عمليات تزوير الجعفري داخل قاعة مجلس الأمن، حينما عرض صورة فوتوغرافية ملفقة في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2016.

وتظهر الصورة جنديا زعم الجعفري أنه يتبع لقوات الأسد وهو يساعد سيدة على النزول من عربة بعد فرارها من مدينة حلب الخاضعة آنذاك للمعارضة، ليتضح لاحقا أن الصورة ملتقطة في العراق وليس بسوريا.

وخلال كلمته أمام مجلس الأمن، تحدث الجعفري قائلا: "هذا ما يفعله الجيش السوري في حلب. هنا ترون جنديا يجعل نفسه سلما لامرأة كي تنزل من السيارة".

وللمفارقة، تزامن عرض الصورة الملفقة من قبل الجعفري مع عملية عسكرية شرسة لقوات الأسد بدعم روسي إيراني ضد الأحياء الشرقية من مدينة حلب وأسفرت وقتها عن مقتل مئات المدنيين، وتهجير مئات الآلاف منهم نحو الشمال السوري نهاية عام 2016.

ملفق للحقائق

وبدا واضحا أن الجعفري تفوح منه رائحة الحقد على السوريين، خاصة أنه عدا عن تزوير واقع ما يجري على يد قوات الأسد من قتل وتدمير وتهجير، كان يتعمد برمي "قنابل استفزازية" تحدث صدى في الأوساط السورية.

ومنها حينما استهزأ بالقرآن الكريم أمام عدسات الكاميرا أواخر يناير 2016 خلال جولة مباحثات "جنيف 3" عندما كان يشغل منصب رئيس وفد النظام إلى جنيف التي تجري فيها مفاوضات مع المعارضة.

وقتها سئل عن شروط النظام للتفاوض مع المعارضة وأجاب الجعفري قائلا: "لن يكون هناك تفاوض، نحن هنا لإجراء محادثات غير مباشرة على شكل حوار سوري سوري بدون شروط مسبقة وبدون تدخل خارجي".

ثم توجه الجعفري للصحفيين من وسائل إعلامية سورية معارضة، وبلهجة استخفاف قال لهم "احفظوها هاي فاتحة بالقرآن تبعنا.. صدق الله العظيم".

أما تصريحاته ذات الاستهلاك الإعلامي البالي، فهي كثيرة ولا حصر لها، فقد كان بارعا في كيل الاتهامات بحق المعارضة والسوريين الثائرين ضد الأسد.

فالجعفري كان بوقا دبلوماسيا في الأمم المتحدة، بمهمة إنكار كل جرائم نظام الأسد، والترويج إلى أن النظام في سوريا علماني، وأن هؤلاء المطالبين بالحرية والديمقراطية "ثلة من الإرهابيين والجهاديين" مبررا قتل السوريين بحجة "مكافحة الإرهاب"، وفق زعمه.

لكن بعضها كان من العيار الثقيل، وبقيت في ذاكرة السوريين، ومنها حينما هدد الجعفري باستهداف "مطار تل أبيب" ردا على القصف الإسرائيلي لمواقع المليشيات الإيرانية بمحيط دمشق أواخر يناير/كانون الثاني 2019، إذا لم تتوقف الهجمات المستمرة وبكثافة حتى اليوم.

نعت الجعفري بـ "ملك التناقضات"، فتارة يصف وفد المعارضة في المفاوضات مع النظام برعاية أممية بأنه "وفد الجماعات الإرهابية المسلحة"، أو "المعارضة المعدلة وراثيا"، ثم حين يجلس ويدلي بكلمته يقول: "يمكننا العمل كسوريين لمواجهة الحرب الإرهابية على بلدنا".

وكثيرا ما أدلى الجعفري بوصفه رئيس وفد نظام الأسد بتصريحات تناسب المزاج الإيراني خلال جولات المفاوضات مع المعارضة، ليخرج بعد ساعات مناقضا ذاته ومتراجعا عنها بضغط روسي.

ومنها حينما قال الجعفري في يناير 2017: "بالنسبة لنا تركيا لا تشارك في المفاوضات"، ليخرج بعد ساعات ويقول: "نعم أنقرة ضامن للمجموعات الإرهابية المسلحة لأنها هي أحد مشغليهم".

وكثير ما عد السوريون أنه لو كانت نوايا الأسد وإيران صادقة حول المفاوضات "لما نصبوا مسيلمة الكذاب بشار الجعفري على رأس وفدهم المفاوض".

وسبق أن كشفت تسريبات بريد بشار الأسد الإلكتروني المخترق في عام 2012 ونشرت عنه صحيفة "الغارديان" اللندنية، علاقة الأسد مع ابنة الجعفري الكبرى شهرزاد.