محمد صادق الصدر.. مرجع ديني عادته إيران وأغضب اغتياله شيعة العراق

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

"دمه تفرق بين إيران ونظام البعث" هذا هو المرجع الشيعي العراقي محمد محمد صادق الصدر، الذي اغتيل مع اثنين من أبنائه في مدينة النجف برصاص مسلحين عام 1999، حيث أثارت الحادثة وقتها جدلا واسعا في العراق لم ينته حتى يومنا الحالي.

وفي ذكرى مقتل والده وأخويه مصطفى ومؤمل الذي وافق 4 ذي القعدة من كل عام هجري، ألقى زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، كلمة أمام أنصاره في 3 يونيو/حزيران 2022، أكد فيها أن "من قتل السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر هو البعث الصدامي بأمر مباشر من الطاغية".

وقال الصدر، بحسب وكالة الأنباء العراقية (واع)، إن والده "قُتل بعد خطبته ومطالبته بالإفراج عن المعتقلين".

تلميذ الخميني

محمد بن محمد صادق بن محمد مهدي بن إسماعيل الصدر، المولود في منطقة الكاظمية بالعاصمة بغداد في 23 مارس/آذار 1943، هو رجل دين ومرجع شيعي معروف، كان من معارضي النظام في فترة حكم حزب البعث العربي الاشتراكي وقد عرفَ بنشاطه المناهض للنظام آنذاك.

تزوج من بنت عمه محمد جعفر الصدر، ورزق بأربعة أولاد منها، هم مصطفى ومؤمل ومرتضى ومقتدى، وقتل الابنان الأولان مع والدهم ولايزال الأخيران على قيد الحياة.

ودرس محمد صادق الصدر في الحوزة العلمية في سن مبكرة، حيث ارتدى الزي الديني وهو في الحادية عشرة من عمره، وتلقى الدروس على يد عدد من العلماء الشيعة الأصوليين، ومنهم روح الله الخميني (المرشد الإيراني السابق)، ومحمد باقر الصدر، وأبو القاسم الخوئي، ومحسن الحكيم.

ودخل إلى كلية الفقه عام 1957، ودرس على يد عدد من علمائها وتخرج فيها 1964، وباشر بعدها إلقاء الدروس الدينية في مسجد الرأس الملاصق بالنجف. 

كان أول من أقام صلاة الجمعة للشيعة في العراق بعد توقفها لسنوات وأمها بنفسه بمسجد الكوفة في النجف، وتعميم إقامتها بالمدن الأخرى، وبذلك خالف معظم المراجع الشيعية في إقامة صلاة الجمعة التي كانت تروج أن لا صلاة للجمعة في ظل حكم ليس إسلاميا، وإنما حتى ظهور "الإمام المهدي المنتظر"، بحسب أدبيات الشيعة الإثني عشرية.

في يوم الجمعة الرابع من ذي القعدة الموافق 19 فبراير/شباط 1999 وبينما كان الصدر برفقة ولديه مؤمّل ومصطفى في سيارته عائدا إلى منزله في منطقة الحنانة، أحد مناطق محافظة النجف، تعرّض لملاحقة من سيارة مجهولة فاصطدمت سيارته بشجرة قريبة، فيما ترجل المهاجمون من السيارة وأطلقوا النار على الصدر ونجليه.

وفي أعقاب مقتل الصدر، شهدت مناطق جنوب العراق، ومدينة صدام (مدينة الصدر حاليا) اضطرابات ونزاعات عسكرية سُميت بـ"انتفاضة الصدر 1999" حيثُ قامت مجاميع من أنصاره بالهجوم على قوات الأمن ومراكز الشرطة ومقرات حزب البعث في الجنوب، متهمين حكومة صدام حسين بالضلوع باغتيال الصدر.

ورغم أنه وخلال التحقيق معه بعد أحداث غزو العراق عام 2003 من قبل محلل وكالة الاستخبارات الأميركية، جون نكسون، نفى صدام قيام حكومته باغتيال محمد صادق الصدر.

وقال صدام: "متى ما تخبروني عن مَنْ قتل محمد باقر الحكيم (رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق والّذي قُتل بعد أعقاب غزو العراق عام 2003) سأقول لكم مَن قتل الصدر".

وتابع صدام حسبما نقل عنه نيكسون: "لقد تحدث بعض أعضاء حكومتي مع هذا الرجل (محمد صادق الصدر) وطلبوا منه الكفّ عن إثارة الناس، ولم أسمع عنه شيئا حتى بلغني أنه قد قُتِلَ، وأمرت حينها بإجراء تحقيق خاص حول الحادث وتلقيت تقريرا من المخابرات العراقية مفاده أن مقتله تم نتيجة خلاف داخلي بين كبار قادة الحوزة".

وأصرّ صدام بأنه لم يكن لديه أي دور في اغتياله، لكن تبنى علنا إعدام محمد باقر الصدر بتهمة العمالة لإيران وولائه للمرشد الإيراني روح الله الخميني.

فيما عرضت السلطات وقتها اثنين من رجال الدين الشيعة، وقالت إنهما تورطا بقتل الصدر ونفذت حكم الإعدام بهما.

تعاديه إيران

وخلال مقابلة تلفزيونية مع قناة "زاكروس" العراقية في 10 أغسطس/آب 2021، قال مدير مكتب محمد صادق الصدر في إيران سابقا، إسماعيل مصبح الوائلي، والذي يلقب نفسه بـ"الصندوق الأسود للصدر"، إن "نظام صدام حسين قتل الصدر بالتعاون مع إيران".

وقال الوائلي إن "قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي العراقي السابق أبو مهدي المهندس حاولا اغتيال محمد محمد صادق الصدر ثلاث مرات ولم يستطيعوا، وذلك في زمن الرئيس الراحل صدام حسين".

وأوضح أن "نظام صدام هو من قتل الصدر بقرار دولي بالتنسيق مع إيران"، مشيرا إلى أن "المهندس وسليماني أرسلا أبو أيوب وأبو شريف العراقي، لاغتيال الصدر في العراق، والأخير يعلم بذلك ولدي وثيقة منه تثبت ذلك، وكذلك لدي تسجيل لأبو أيوب يتحدث عن كيفية دفعه لاغتيال الصدر".

وتابع: "إيران سجنتني سنة ونصف وعذبتني وخلعت يدي حتى اليوم أعاني من ذلك، لأني افتتحت مكتبا للصدر في إيران ودعوت إلى مرجعيته الدينية، وتسببت بانقسام داخل فيلق بدر آنذاك فقسم أصبح مع محمد صادق الصدر، وقسم مع غيره".

وتأسست مليشيات "بدر" العراقية في إيران عام 1982 وشاركت مع الأخيرة ضد العراق في حرب الثماني سنوات بين البلدين (الخليج الأولى) في ثمانينيات القرن العشرين.

وقبل ذلك، قال الوائلي خلاف مقابلة تلفزيونية عام 2012 مع قناة "المشرق" العراقية إن "اغتيال الصدر كان بقرار بريطاني، والسكين كانت نظام صدام حسين، وذلك لأنه لم يدخل من باب بريطانيا كما حصل مع المرجع الحالي علي السيستاني"، بحسب قوله.

وأكد الوائلي أن "إيران ساهمت مساهمة أساسية في قتل الصدر وتحطيمه، وأن أغلب الأحزاب الشيعية كان لهم دور في ذلك، ولا سيما حزب الدعوة (بقيادة نوري المالكي حاليا) فقد كان يقود أشرس حملة ضده، وأن المرجع محمد صادق الصدر حرّم الانتماء لحزب الدعوة في آخر أيامه، وهذا موثق".

وأضاف أن "المالكي أكثر شخص حارب محمد صادق الصدر وكان على نقيض، وكذلك المجلس الأعلى العراقي (بدر ذراعه العسكري منذ 1982 وحتى 2012) في إيران كان محاربا للصدر".

واتهم الوائلي، المرجع الشيعي الحالي في "النجف علي السيستاني ونجله محمد رضا بقتل المرجع محمد صادق الصدر معنويا، وأن الأول جاءت به بريطانيا ومدعوم منها".

ويؤيد السياسي العراقي والنائب السابق، فائق الشيخ علي معاداة إيران للصدر ومنعه من افتتاح أي مكتب له، وكذلك معاداة أغلب الأحزاب الشيعية له، لكنه يؤكد أن نظام صدام حسين كان وراء مقتله، حسبما جاء في حديث له بمقابلة مع برنامج "الصندوق الأسود" لمنصة "القبس" الكويتية في 2 يونيو/حزيران 2021.

"مرجع عربي"

لكن الفريق طاهر جليل الحبوش، رئيس المخابرات في عهد صدام حسين حتى الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، تحدث في مذكرات نشرت على شكل "أوراق" في وسائل إعلام محلية عام 2010 عن سبب آخر لمقتل محمد صادق الصدر.

ونقلت قناة "المشرق" العراقية عام 2010، عن "أوراق" الحبوش قوله إن "محمد صادق الصدر تمتع بدعم ومباركة النظام والرئيس صدام شخصيا، فقد أمر بطبع كتبه وأوصى شيوخ العشائر بتقليده وذلك رغبة منه في اصطفاء الحوزة الدينية للمراجع العرب بعد أن هيمن عليها المراجع الفرس لمئات السنين".

وأشار إلى أن "من بين 67 مرجعا تناوبوا على تولّي الحوزة عبر تاريخها، لم يكن من بينهم إلا خمسة مراجع من أصل عربي".

وأضاف أن "وقوف الدولة خلف محمد صادق الصدر كان سببا لمقت الشعوبيين له، فتآمروا عليه ودبّروا له أمرا بليل فنالوا من هذه الشخصية التي دعت وعملت من أجل وحدة المسلمين".

وتابع الحبوش: "كان الشعار المركزي للشهيد الصدر قبل الغزو الأميركي بأعوام (كلا كلا أميركا)، وهذا الشعار وحده ينفي شبهة العداء بين الصدر والنظام، ولو أن هذا الرجل بقي على قيد الحياة لما وصلت الأمور إلى هذا المستوى من السوء الذي نشهده اليوم".

وأضاف أن "نائب الرئيس العراقي السابق، عزت الدوري، طلب مني زيارة الصدر وإبلاغه تحيات الرئيس والقيادة السياسية، وإخباره بأن القيادة لديها معلومات تفيد بوجود مؤامرة للاعتداء عليه، واستئذانه مع الرجاء بأن يسمح لأجهزة الأمن بحمايته وبالطريقة التي يرتئيها".

وتابع الحبوش قائلا: "في ذات اليوم توجهت إلى النجف واصطحبت محافظها قائد العوادي لزيارة الصدر ونقلت إليه تحذير القيادة ورجاءها، فرد علي بأنه يثمّن مشاعر الرئيس والقيادة ولكنه يرفض الحماية من أية جهة لأنه يؤمن بأن الله هو الحامي، ثم أنذرني بأنه سيكون منزعجا فيما لو أحس بأن الدولة لجأت لترتيب الحماية له بدون علمه".

وزاد الحبوش: "حين وقع حادث الاغتيال المشؤوم يوم 19 فبراير 1999 لسماحته ونجليه فقد كنت أول مسؤول حكومي يصل إلى النجف، وتوجهت على الفور إلى مكتب المحافظ فوجدت عنده مدير أمن النجف، العميد سامي الدجيلي، فبادرت إلى إعفاء الأخير من منصبه مع أنه لم يكن مسؤولا مباشرة عما حدث".

وبحسب قوله، فإن "مرجعية محمد صادق الصدر كانت غصّة في حلق الحوزة الإيرانية لأنها هددتها بالقضاء على هيمنتها، فقد بلغت أعداد المقلدين له من الشيعة العرب رقما هائلا، وترافق ذلك مع بروز مرجعية عربية أخرى تمثلت بمحمد حسين فضل الله في لبنان".

واتهم الحبوش "الحوزة الإيرانية" بأنها أنفقت الأموال الطائلة لمواجهة خطر مرجعية الصدر على احتكارها للزعامة الدينية فطبعت ووزعت بالمجان الكتب والنشرات التي تشكك بقيمته العلمية وبمرجعيته.