انتهاء أزمة الحكم مجرد بداية.. هذه أبرز التحديات التي تنتظر رئيس الصومال

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بعد صراع طويل بين قطبي السلطة في الصومال، الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو، ورئيس الوزراء محمد حسين روبلي، وتبادل الطرفين اتهامات وقرارات ضد بعضهما، جاءت الانفراجة المنتظرة مع وضع البرلمان المنتخب حديثا نهاية لهذا النزاع بانتخاب رئيس جديد.

وكانت محاولة فرماجو الذي انتهت ولايته في 8 فبراير/شباط 2021، البقاء في السلطة لمدة عامين بدون انتخابات عبر مرسوم 14 أبريل/ نيسان 2021، بعد فشله في تنظيمها بموعدها المحدد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تسببت في أزمة دستورية خطيرة.

ورفضت المعارضة والبرلمان مرسوم التمديد، وتصاعد التوتر لدرجة وقوع اشتباكات في العاصمة مقديشو بين مسلحين تابعين للمعارضة والجيش، ما أثار مخاوف عودة البلاد لعقود سابقة من الحرب الأهلية.

لكن انتهى الأمر بإجراء البرلمان الصومالي (329 نائبا) اقتراعا سريا دراماتيكيا على عدة مراحل في 15 مايو/ أيار 2022، انتهى بانتخاب الرئيس السابق حسن شيخ محمود رئيسا جديدا للبلاد، بـ214 صوتا مقابل 110 أصوات لمنافسه فرماجو.

وتشير إعادة انتخاب شيخ محمود الذي حكم الصومال بين سبتمبر/ أيلول 2012 و16 فبراير/ شباط 2017، لرغبة البرلمان في شخصية معروفة ومناسبة للمرحلة الراهنة الصعبة التي تعاني فيها البلاد من ويلات المجاعة والاقتتال الداخلي.

صفحة جديدة

وتوحي لقاءات الرئيس شيخ محمود في الأيام الأولى من حكمه مع القوى المحلية وسفراء عدة دول، بأنه يتجه لاتباع نهج التقارب مع الجميع على ما يبدو، كي يضمن نجاحه في تجنيب البلاد مشكلة عدم الاستقرار.

إذ أعلن في كلمة بتاريخ 17 مايو 2022، أنه سيجتمع مع جميع الأطراف على طاولة واحدة لمناقشة مستقبل البلاد، وتعهد بالإصغاء لكل الصوماليين، والسعي لتشكيل مناخ سياسي حر لمناقشة مشكلات البلاد بحرية.

وشدد شيخ محمود على أن "تحقيق الاستقرار السياسي وإنشاء دولة ديمقراطية هو أهم أولوية للإدارة الجديدة عقب تحقيق الأمن".

وفسر ما يقصده بالاستقرار السياسي بـ"القدرة على إنشاء دولة ديمقراطية والانتهاء من كتابة الدستور وتنظيم قوانين الانتخابات ونظام الإدارات المحلية، وسيكون ذلك على رأس أولوياتنا".

ولاحقا التقى الرئيس الصومالي الجديد بسفراء السعودية وقطر والإمارات وتركيا في مقره بالقصر الرئاسي، ما يشير لسعيه للاصطفاف مع كل المحاور الإقليمية والدولية أيضا.

وكان ملفتا، عقب انتخاب الرئيس الجديد، إعادة الحكومة الصومالية في 19 مايو، مبلغ 9.6 ملايين دولار لسفير الإمارات، كان الرئيس السابق فرماجو صادرها من طائرة إماراتية بمطار مقديشو عام 2018، واتهمها بإثارة الفوضى.

ويتوقع مراقبون أن يحافظ الرئيس المنتخب على علاقات متوازنة مع جميع الدول باختلاف محاورها مستفيدا من تجربته الرئاسية السابقة من خلال معالجة الشقاق الداخلي وانعدام الثقة وانتشار المحسوبية والتصفيات السياسية.

وينتمي حسن شيخ محمود فكريا لجماعة الإخوان المسلمين، حيث كان عضوا سابقا في "حركة الإصلاح" الصومالية المنتسبة لجماعة الإخوان في الصومال، وهنأته جماعة الإخوان المسلمين الأم في بيان يوم 16 مايو بفوزه بالانتخابات.

وتمنت الجماعة له "التوفيق والسداد في تحقيق ما يصبو إليه الشعب الصومالي، من سلام واستقرار وازدهار"، مقدرة له "جهوده لجمع شمل الشعب الصومالي وتوحيد أطيافه بمنهجية إسلامية معتدلة وعمل سياسي دؤوب".

تحديات عديدة

رغم أن انتخاب شيخ محمود أجهض انقسامات سياسية وعسكرية كان من الممكن أن تعيد الصومال لمربع الصفر بعد الاستقرار، إلا أن انتخابه أعاد فتح الملفات المعقدة التي لا تزال تعاني منها البلاد.

أبرز هذه المشكلات هي عدم التوافق بين القوى السياسية بسبب خلافات الرئيس السابق ورئيس الوزراء، والتي تحتاج لمصالحة سياسية، لذا حرص شيخ محمود على التنويه لسعيه لحلها بالتوافق وعدم استبعاد أحد.

هناك أيضا مشكلات وقضايا إنسانية مثل الجوع والتدهور الاقتصادي والسياسة الخارجية، واستمرار هجمات حركة الشباب التي تتبع فكريا لتنظيم القاعدة.

ويرى أستاذ الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة الدكتور حمدي عبد الرحمن، أن الرئيس الصومالي الجديد يواجه عدة تحديات كبيرة أبرزها الوضع الاقتصادي والديون والانقسام الداخلي والاستقطاب في المنطقة، وحركة الشباب.

ويوضح لـ"الاستقلال"، أن أبرز أربعة تحديات أمام الرئيس حسن شيخ محمود تتمثل أولا، في مخاطر الجفاف والوضع الاقتصادي وسبل النهضة.

وثانيها، إعادة التوازن في العلاقة بين المركز والأقاليم في صيغة فيدرالية متوازنة لأن البلاد عانت من تداعيات فوضى سياسية عاما ونصف العام بسبب خلافات الرئيس السابق ورئيس الوزراء، أدت لتناحر داخل الحكومة وداخل الأقاليم والولايات.

وثالثها، قدرة الصومال على الابتعاد عن "سياسة الاستقطاب" في القرن الإفريقي وتبني نهج خارجي محايد، ورابعها، مواجهة حركة الشباب الجهاديين، وتجفيف منابع التطرف.

ويشير عبد الرحمن إلى أن الرئيس السابق فرماجو ارتمى في أحضان رئيس الصومال أبي أحمد ورئيس موريتانيا أسياس أفورقي، وجعل الصومال بما يعانيه من تحديات بناء الدولة، جزءا من استقطاب سياسات القرن الإفريقي. 

وكان الصومال يواجه خطر خسارة الوصول إلى حزمة مساعدات لمدة ثلاث سنوات بقيمة 400 مليون دولار من صندوق النقد الدولي، في وقت يحتاج فيه 4 ملايين شخص، أي نحو ربع السكان، إلى مساعدات غذائية عاجلة.

لكن الحكومة الصومالية نجحت في 21 مايو 2022، في تمديد برنامج الإصلاح الاقتصادي ما يمهد الطريق للإعفاء عن الدين الخارجي لثلاثة أشهر إضافية بعد أن انتهى الوقت الذي حدده صندوق النقد الدولي في 17 مايو 2022.

حيث باتت الحكومة الآن تملك مدة ثلاثة أشهر فقط إما ستنجح في استغلالها أو ستفشل ويلغى البرنامج.

تدخل أميركي

ويبدو أن إحدى أولويات الرئيس الجديد ستكون السعي لحل مشكلة حركة الشباب ربما بالقوة بالتعاون مع أميركا، رغم خطورة أن يعيد هذا الحل الفوضى للصومال مجددا.

وأشار لذلك، شيخ محمود بعد يومين من انتخابه، حين أكد في 17 مايو، أن "الحل العسكري أولوية في مكافحة حركة الشباب".

فلم تمر 24 ساعة على إعلان انتخاب شيخ محمود حتى وافق الرئيس الأميركي جو بايدن على خطة لإعادة نشر عدة مئات من القوات البرية في الصومال، بعدما سحبها سلفه دونالد ترامب عام 2020.

كما وقع بايدن على قرار باستهداف عشرة من قادة حركة الشباب بعد تصاعد دورها بصورة كبيرة مستغلة الخلافات الداخلية وتنفيذها عدة هجمات آخرها يوم 3 مايو 2022 على قاعدة للاتحاد الإفريقي في الصومال.

وارتبطت هذه التطورات بعودة ظهور زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري الذي تبايعه حركة الشباب في شريط مصور تم بثه في 7 مايو 2022، يهاجم فيه الولايات المتحدة.

وبعد نحو 18 شهرا من انسحاب نحو 750 عسكريا أميركيا كانوا منتشرين في الصومال سيتمركز "أقل من 500" عسكري أميركي مجددا هناك وفق مسؤول لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية في 16 مايو 2022.

ورحب رئيس الصومال الجديد بإعلان نظيره الأميركي إعادة الوجود العسكري الأميركي إلى الصومال لمحاربة حركة الشباب.

وانتقد محللون سياسيون في تصريحات لـ"الاستقلال" هذه الخطوة، مؤكدين أنها ستعيد التوتر مرة أخرى للصومال عكس المتصور.

إذ وصف الدكتور حمدي عبد الرحمن عودة أميركا إلى الصومال بعد ساعات من انتخاب شيخ محمود، وتكليف الجيش بملاحقة قادة الشباب بأنه "إعادة إنتاج للفشل"، و"يعبر عن تخبط السياسة الأميركية في القرن الإفريقي".

وانتقد الأكاديمي الصومالي عبد العزيز أرتان تزامن فوز الرئيس الجديد وإعلان أن بايدن أمر بنشر قوات أميركية في الصومال، متسائلا: هل التوقيت محض صدفة أم له علاقة بالتغيير السياسي في البلاد؟

وقالت سارة هاريسون، المحللة بمجموعة الأزمات الدولية لصحيفة نيويورك تايمز في 16 مايو، إن أميركا فشلت على مدار 15 عاما في كبح نشاط حركة الشباب، وعودتها للتدخل الآن سيؤدي لإطالة أمد الصراع في الصومال وليس حل أزماته.

وتأسست "حركة الشباب" مطلع عام 2004، وهي تتبع فكريا لتنظيم "القاعدة" وتبنت عمليات مسلحة عديدة أودت بحياة المئات.

ويقدر مسؤولو المخابرات الأميركية أنها تضم ما بين 5 إلى 10 آلاف عضو، يقاتلون داخل الصومال لكنهم يهاجمون أحيانا البلدان المجاورة، وهناك اتهامات أميركية لها باستهدافها أيضا.

مستقبل الصومال 

بإعلان نتائج انتخابات الرئاسة، خرج الصومال من حالة توتر وفوضى استمرت أكثر من عام ووصلت لاشتباكات مسلحة في نيسان 2021 بين الجيش والمعارضة.

وألحقت هذه الخلافات وتأجيل الانتخابات ضررا ببلد وضعه ضعيف جدا و"كانت سنة ضائعة بالنسبة للصومال"، حسبما يرى عمر محمود المحلل في مركز الأبحاث بمجموعة الأزمات الدولية في دراسة نشرت في 14 سبتمبر/ أيلول 2021.

لهذا لم ينصلح حال الصومال بعد هذه الانتخابات التي كانت سببا للانقسام، إلا بالمصالحة التي هي التحدي الأكبر المباشر، وفق خبير مجموعة الأزمات الدولية.

ويقول تقرير المجموعة أنه "سيكون من الصعب المضي قدما في بعض القضايا التي تتطلب مستوى معينا من التعاون من دون بعض التهدئة وتكوين رؤية مشتركة".

فكانت قد أدت رئاسة فارماجو إلى تصاعد الخلافات بين الحكومة الفدرالية وبعض المناطق وخصوصا جوبالاند وبونتلاند التي تعارض رغبة رئيس الدولة في تعزيز سلطات مقديشو الفدرالية وشهدت جوبالاند معارك بين القوات الفدرالية والمحلية.

كما كشفت كل هذه الحوادث وجود خطر تسييس الأجهزة الأمنية وانقسامات داخل الأجهزة الأمنية يجب حلها.

لذا يرى محللون أن عودة حسن شيخ محمود إلى القصر الرئاسي، في ولاية ثانية بعد غياب 5 سنوات، تعد خطوة نحو "إنهاء التجاذبات السياسية، وصفحة جديدة لاحتواء التوترات السياسية".

وهناك خطر آخر على مستقبل الصومال هو الجفاف، حيث تشهد البلاد، على غرار منطقة القرن الإفريقي بأكملها، واحدة من أسوأ موجات الجفاف منذ عقود، أثرت على 6,1 ملايين شخص يشكلون أربعين بالمئة من السكان. 

وتسبب الجفاف في نزوح 760 ألفا منهم، حسب أرقام الأمم المتحدة، وأضيف لمشاكلهم، أزمة أوكرانيا التي تهدد الغذاء العالمي.

وزاد هذا الجفاف بجانب الاقتصاد الضعيف، الأزمات الإنسانية ودعا المنظمات الدولية للدعوة لجمع تبرعات، والتحذير من أنه بدون مساعدات دولية سريعة ستواجه الصومال مجاعة مثل تلك التي حدثت في 2011 وخلفت 260 ألف وفاة.

ويعتمد اقتصاد الصومال المثقلة بالديون وتعاني من نقص البنى التحتية على المساعدات الدولية، وقال البنك الدولي في تقريره الصادر في 16 مارس/آذار 2022، إن 71 بالمئة من الصوماليين يعيشون بأقل من 1,90 دولار في اليوم.

وتباطأ النمو الاقتصادي الذي قدر بنحو 2,9 بالمئة في 2019 ليصل في 2020 بسبب وباء كوفيد-19 واجتياح أسراب الجراد مناطق وفيضانات إلى نسبة 1,5 بالمئة حسب البنك الدولي.