باغتياله شيرين أبو عاقلة.. هكذا قدم الاحتلال للعالم جريمة مكتملة الأركان

12

طباعة

مشاركة

بدم بارد اُغتيلت الصحفية الفلسطينية، مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، صباح 11 مايو/ أيار 2022، برصاص الاحتلال الإسرائيلي أثناء تغطيتها لاقتحامه مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة.

وكانت شيرين قبل اغتيالها برصاصة في الرأس فارقت الحياة على إثرها، تنقل اقتحام قوة إسرائيلية مدينة جنين ومحاصرتها منزلا لاعتقال فلسطيني، ما أدى لاندلاع مواجهات مسلحة مع عشرات الفلسطينيين.

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها صحفي أمام عدسات وسائل الإعلام، للاعتداء والاعتقال والتصفية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي صاحب السجل الحقوقي الأسود.

من جانبها، أفادت شبكة الجزيرة القطرية، بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي أقدمت بدم بارد على اغتيال شيرين في جريمة قتل مفجعة تخرق القوانين والأعراف الدولية، مطالبة المجتمع الدولي بإدانة ومحاسبة الاحتلال لتعمده استهدافها وقتلها.

وأكدت أن هذه الجريمة البشعة التي يراد من خلالها منع الإعلام من أداء رسالته"، محملة الحكومة الإسرائيلية وقوات الاحتلال مسؤولية مقتل الزميلة الراحلة، وسلامة منتج الجزيرة علي السمودي الذي استهدف معها بإطلاق نار في الظهر أثناء التغطية ويخضع للعلاج.

الناشطون على تويتر، اتهموا الاحتلال الإسرائيلي بتعمد اغتيال الصحفيين، بهدف التعتيم على انتهاكاته بحق الفلسطينيين ومنع وصول صوتهم، وطمس دلائل جرائمه، وتغييب شهود الإثبات الذين يكشفونها بموضوعية، وتخويف الصحفيين من أن يلقوا مصيرا مشابها.

وأشاروا عبر تغريداتهم على وسم #شيرين_ابو_عاقله إلى أن أرشيفها شاهد عيان على دموية ووحشية الكيان الصهيوني، مستنكرين إسكات الكيان الإسرائيلي لشيرين للأبد عمدا بعد عقود من تغطيتها للأحداث الفلسطينية بشغف لم ينقطع وإيمان متواصل بالقضية الفلسطينية.

وكذب ناشطون رواية الاحتلال الإسرائيلي الذي عمد إلى تزييف الحقائق بنشر فيديو مفبرك يظهر فيه أن شيرين قتلت برصاص فلسطيني.

وأكدوا أن الفيديو الذي عرضته قناة الجزيرة حول توثيق الاغتيال يظهر بوضوح ساحة وبيئة حدث تختلف تماما عما ظهر في فيديو الفبركة الذي نشره رئيس الحكومة الصهيونية بهدف التغطية على مسؤولية إسرائيل عن الجريمة.

وذكّر ناشطون بمقتل وجرح عشرات الصحفيين في الحروب وحملات التصعيد على غزة، مؤكدين أن قتل الصحفيين لن يؤتي أُكله في إخراس الألسن وحجب الحقائق.

وشيرين أبوعاقلة من الرعيل الأول من المراسلين الميدانيين للجزيرة، إذ التحقت بالقناة عام 1997، وعملت سابقا في إذاعة فلسطين وقناة عمان الفضائية، وطيلة فترة عملها كانت في قلب الخطر لتغطية حروب وهجمات الاحتلال الإسرائيلي.

وولدت شيرين عام 1971 في مدينة القدس المحتلة، وحصلت على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة اليرموك بالمملكة الأردنية، ويعود أصلها إلى مدينة بيت لحم، وأنهت دراستها الثانوية في مدرسة راهبات الوردية في بيت حنينا.

طمس الحقيقة

ورأى سياسيون وإعلاميون وناشطون أن استهداف الزميلة شيرين واغتيالها بهذه الطريقة يدل على الخوف من صوت الصحفي ورسالته، ويؤكد خشية الاحتلال من توثيق جرائمه ونقلها بالصوت والصورة.

الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي، أكد أن "الصهاينة قتلوا شرين بدم بارد، لأنها كانت عين الموضوعية وصوت الحقيقة وضمير أمة تتعرض لأقصى أنواع الظلم..".

وأضاف أن قتل شيرين أبو عاقلة غلطة أخرى تضاف لكل حساباتهم الخاطئة لأن هذه المرأة أصبحت من هذا الصباح "شهيدة بلدتها وشهيدة فلسطين وشهيدة العرب وشهيدة الحرية وشهيدة الواجب وشهيدة النضال ضد نظام الأبارتايد".

من جانبها، أكدت وزيرة الخارجية والتعاون الدولي بليبيا نجلاء المنقوش، أن قتل شيرين أبو عاقلة بالرصاص الحي على مرأى ومسمع العالم أجمع هو إخراس لصوت الحق، لصوت الضحايا ولصوت المرأة العربية الشجاعة التي لطالما كانت تؤمن بدور الصحافة الحرة وهو خرق علني للمواثيق والأعراف الدولية وحقوق الإنسان.

وقال الكاتب والصحفي الدكتور أحمد موفق زيدان، إن هدف المحتل يبقى قتل الرسول ناقل الحقيقة، لافتا إلى أن المحتلين فعلوها في العراق وسوريا و ليبيا.

الكاتب الصحفي اليمني ياسين التميمي، رأى أن لحظة استشهاد  شيرين أبو عاقلة تلخص المعنى الحقيقي للمهنية والانحياز للحقيقة وفضح الظلم والممارسات الإجرامية الغاشمة والإرهابية لقوات الاحتلال الصهيوني.

وأكد أن فقدان مراسل/ة لقناة الجزيرة يعادل كارثة، في زمن انبطح فيه الزعماء العرب وتحولت منظمة فتح وقواتها وأمنها إلى حراس للأمن الإسرائيلي.

شهداء الكلمة

وذكر ناشطون بصحفيين كثر قتلهم الاحتلال الإسرائيلي، رغم ارتدائهم ملابس تبرز عملهم كصحفيين، في تعمد واضح لإسكات أصواتهم وتغييب الحقيقة، مستنكرين عدم توفير الحماية الدولية للصحفيين المعنيين بتغطية مناطق النزاع.

وسلط تقرير سابق نشرته الاستقلال، بمناسبة الذكرى الرابعة لقتل الاحتلال للصحفي ياسر مرتجى (بعمر 30 عاما)، قرب الحدود الشرقية لقطاع غزة، الضوء على أن الاستهداف وقع رغم ارتدائه درعا واقيا كتب عليه "press" (صحافة) وابتعاده نحو 400 متر عن السياج الفاصل.

وذكر بأن صحفيين اثنين أحدهما ياسر مرتجى، والآخر أحمد أبو حسين (25 أبريل/ نيسان 2018)، استشهدا خلال قمع الاحتلال لمسيرات العودة في غزة، بينما أصيب أكثر من 321 صحفيا من بينهم 94 جريحا بالرصاص الحي والمتفجر.

وأشار التقرير إلى أن الاحتلال له تاريخ طويل من جرائم ضد الصحفيين الفلسطينيين حيث قتل 102 صحفي منذ عام 1972، بينهم 19 برصاص الاحتلال منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، حسب نقابة الصحفيين الفلسطينيين.

ولفت إلى أن طائرات الاحتلال الإسرائيلي دمرت مكاتب 23 مؤسسة إعلامية دولية مرة واحدة من خلال قصفها برج الجلاء، في الحرب الأخيرة على غزة 2021، وكذلك دمرت العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية.

المذيعة والصحفية بقناة الحدث الفضائية لارا نبها، أشارت إلى أن الصور والمعلومات أكدت ارتداء شيرين السترة الواقية التي تذكر صراحة أنها صحفية ورغم ذلك استُهدفت وقُتلت برصاص إسرائيلي.

وأضافت أنه "يوم أسود جديد في تاريخ الصحافة وفي تاريخ الإنسانية خسر العالم اليوم صحافية قديرة".

وأوضح عبدالله أبو عجوة، أن جيش الاحتلال الذي اغتال الصحفي ياسر مرتجى بشكل متعمد في 2018 رغم ارتدائه سترة الصحافة، كما اغتال المسعفة رزان النجار بشكل متعمد التي كانت تعالج مصابين مسيرة العودة بالإضافة للآلاف غيرهم من الصحفيين والأطباء والمسعفين هو نفسه من قتل شيرين أبو عاقلة.  وكتب المغرد آدم: "ياسر مرتجى صحفي من غزة كان يغطّي أحداث مسيرات العودة على حدود غزة، رزان النجار مسعفة من غزة كانت تسعف المصابين على حدود غزة، شيرين أبو عاقلة صحفية مخضرمة بقناة الجزيرة، كانت تغطي الاجتياحات والأحداث في الضفة، كانت عين للعالم في نقل جرائم الاحتلال، كلهم استشهدوا والفاعل واحد". وانتقد منصور الشريف، عدم شمول الصحفيين بالحماية القانونية التي تحظى بها الأطقم الطبية في القانون الدولي الإنساني، لافتا إلى أن السترة التي يرتدونها ليست شارة معترفا بها قانونا، بل إنها قد تسهل تمييزهم واستهدافهم، في ظل غياب الحماية القانونية المطلوبة. فيما أوضح المحامي المدافع عن حقوق الإنسان حسن المغامر، أن الصحفيين محميون ويحظر القانون الدولي استهدافهم، واستشهاد شيرين جريمة كبرى تتحمل قوات الاحتلال الاسرائيلي مسؤوليتها، قائلا إن كل جريمة حرب تقع بحق الصحفيين تذكر العالم بأهمية اعتماد مشروع الإعلان العالمي لحماية الصحفيين.

رواية مرفوضة

وفند ناشطون رواية الاحتلال الإسرائيلي بأن شيرين قتلت برصاص فلسطيني وفق فيديو نشرته سلطة الكيان، مؤكدين أن رواية القتلة دائما ساقِطة كجرائمهم، وتعلموا إلصاق التُهم بالضحية.

وأشاروا إلى أن فيديو اغتيال شيرين يثبت أكاذيبهم بالإضافة إلى الروايات الميدانية وشهادات زملائها المرافقين لها في تغطية الأحداث تؤكد أنها قُنصت من قناص اسرائيلي متمركز وثابت في مكان، معربين عن رفضهم تمييع الجريمة والانسياق خلف رواية الاحتلال.

ونقلوا عن الصحفي الصهيوني نداف إيال، تأييده عمليا لرواية الجزيرة بشأن اغتيال شيرين، إذ قال إن الشواهد تدل على أن الحدث تم خارج حدود مخيم جنين، وهذا ما يؤكده الفيديو الذين نشرته قناة الجزيرة، في حين يعرض فيديو جيش الاحتلال المفبرك حدثا تم في عمق المخيم.

الباحث في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي، استنكر تبرير النائب اليميني المتطرف بن غفير اغتيال الصحفية شيرين، واتهامه مراسلي الجزيرة بتعمد التشويش على جنود الاحتلال، قائلا: "هذا الشقي سيكون وزيرا في أية حكومة يشكلها الليكود بعد سقوط الحكومة الحالية".

وعد الإعلامي أحمد منصور، فيديو اغتيال شيرين، وثيقة تاريخية بالصوت والصورة وشهود العيان تدين جيش الاحتلال الإسرائيلي وتثبت جريمته الشنيعة فى اغتيال وإعدام شيرين أبوعاقلة بشكل متعمد على مدخل مخيم جنين، مؤكدا أن أي رواية أخرى لأي طرف هي جريمة هدفها طمس الحقيقة. ونشر مستشار العلاقات الدولية محمد سعد، مقطع فيديو للصحفي علي  السمودي الذي رافق شيرين أثناء اغتيالها وأصيب برصاص قوات الاحتلال الصهيوني يكذب فيها رواية الكيان الذي ادعى بأن شيرين قتلت برصاص فلسطيني، ويؤكد على استشهادها برصاص الغدر الصهيوني. وقال المغرد عبدالله: "الاحتلال الإسرائيلي لم يكتف بقتل شرين أبو عاقلة بصورة متعمدة بل يريد التملص من الجريمة بإدخال الرأي العام في متاهات قانونية وسياسية".  ورأى الباحث المختص في الشأن الإسرائيلي محمد عبدالله، أن الخارجية الإسرائيلية سقطت سقوطا إعلاميا مدويا في قضية اغتيال الصحفية شيرين ومحاولة التنصل من الجريمة عبر شريط فيديو يتوفر مثله مئات الأشرطة في مختلف مدن ومخيمات الضفة الغربية.