علي عبدالكريم.. سفير نظام الأسد لدى بيروت وقناة تدخله في السياسة اللبنانية

مصعب المجبل | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في وقت يركز فيه النظام السوري اهتمامه بالانتخابات البرلمانية اللبنانية المقررة في 15 مايو/أيار 2022، يبرز دور سفيره في بيروت، علي عبد الكريم، كحلقة وصل في المعركة التي يسعى فيها لخلق كتلة نيابية جديدة موالية له.

وبعد عقود من الوصاية للنظام السوري في لبنان انتهت عام 2005 بخروج جيشه منه، يرى حاليا الانتخابات البرلمانية بوابة للتغلغل من جديد عبر كسب أوراق سياسية، تلعب فيها سفارة بشار الأسد بقيادة عبد الكريم كـ"غرفة ضيافة" للسياسيين اللبنانيين الطامحين في دخول البرلمان بدعم من الأسد.

التدخل بلبنان

وفي 22 مارس/آذار 2020، نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات، عن أنه عبر عبد الكريم، يراقب رئيس "مكتب الأمن الوطني" التابع للنظام السوري، علي مملوك، الانتخابات المرتقبة في لبنان ويمد يد العون لمؤيدي الأسد في هذا الاستحقاق، خاصة في دائرة بعلبك الهرمل.

ويلاحظ في لبنان وجود شخصيات تريد دخول البرلمان لكنها غير متوافقة سواء مع مملوك أو عبد الكريم، كما حصل مع الرئيس السابق للمديرية العامة للأمن العام اللبناني، جميل السيد، والذي دفعه الخلاف معهما للتوجه إلى دمشق ولقاء رؤساء الأمن الملحقين بمكتب وزير الداخلية، محمد رحمون.

كما عمل عبد الكريم على تمرير شروط مخابرات النظام السوري لدعم مرشحين من الطائفة السنية في الانتخابات، وذلك في ظل وجود توجهات من مخابرات الأسد بدعم إماراتي لإعادة الدور السوري في لبنان من جديد، وفق مراقبين.

وخاض عبد الكريم، حراكا مع رئيس المديرية العامة لأمن الدولة اللبناني، طوني صليبا، المسؤول عن مكافحة التجسس والأمن الداخلي منذ عام 2017 والذي يخضع جهازه لسلطة المجلس الأعلى للدفاع المسؤول نفسه أمام الرئاسة، لترتيب زيارة صليبا إلى دمشق في 23 يونيو/حزيران 2021.

وناقش صليبا حينها مع مسؤولي نظام الأسد قضايا هامة، كملف اللاجئين السوريين والتجارة عبر الحدود، وكذلك لمحاولة إقناع الأسد بدعم طموح جبران باسيل صهر الرئيس الحالي ميشيل عون لتولي منصب الرئاسة خلفا له.

وفيما يخص مسار إحياء العلاقات بين النظام السوري وبيروت، لعب عبد الكريم دورا في ذلك مع عباس إبراهيم، وهو شيعي وشغل الرئيس السابق للمديرية العامة للأمن العام اللبناني، والذي كان حاضرا في كل مكان منذ أن أصبح عون رئيسا للبنان عام 2016، وبات يسيطر منذ ذلك الحين على علاقات لبنان مع نظام الأسد.

وفي حوار مع صحيفة "القبس" الكويتية مطلع مايو 2022، أكد رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" في لبنان، وليد جنبلاط، وجود دور للنظام السوري وإيران في الانتخابات البرلمانية.

النشأة والتكوين

ولد علي عبد الكريم علي في قرية كفردبيل بريف اللاذقية، وهو ينتمي لأسرة من الطائفة العلوية، التي ينحدر منها رئيس النظام، ويحمل إجازة جامعية في اللغة العربية وآدابها من جامعة دمشق، وهو متزوج وأب لأربعة أولاد.

كان عبد الكريم يعد نفسه شاعرا، وهذا ما دفعه إلى الانخراط في عالم الصحافة والإعلام، فأصبح رئيس القسم الثقافي في جريدة "تشرين" السورية.

وعين مديرا لبرامج "التلفزيون السوري"، ثم مديرا للأخبار المصورة، إلى أن شغل منصب مدير إذاعة التلفزيون، وبعدها مدير "التلفزيون السوري" في تسعينيات القرن العشرين.

وكانت محطته الأخيرة تولي رئاسة تحرير وكالة الأنباء الرسمية "سانا"، ليقفز منها إلى عالم الدبلوماسية والسياسة، ويعين نائب سفير في أبوظبي، قبل أن يعينه الأسد عام 2004 سفيرا في الكويت منذ 2004.

ومن الكويت إلى بيروت، حيث عين عبد الكريم في 24 مارس/آذار 2009 كأول سفير سوري في العاصمة اللبنانية منذ استقلال البلدين في منتصف العقد الرابع من القرن العشرين، بعد أن قبل الرئيس آنذاك ميشيل سليمان أوراق اعتماده.

وكانت إقامة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وبيروت للمرة الأولى على مستوى السفراء بعد عقود الوصاية للجيش السوري على لبنان، في صلب مطالب الفصائل اللبنانية المناهضة للوجود السوري، الفائزة ببرلمانيات 2005 التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء، رفيق الحريري، وانسحاب الجيش السوري من لبنان الذي دخله لأول مرة عام 1976.

معاد للثورة

تملص عبد الكريم من ثقافته وشعره وكلامه عن حرية الشعوب، حينما قامت الثورة السورية في 18 مارس/آذار 2011، إذ عد أن ما جرى ليس ثورة شعبية بل "مؤامرة استخدم فيها السلاح والمال والمخابرات إضافة إلى كل الأساليب والخدع بغية تدمير بنية سوريا"، وأن قوات الأسد واجهت ما سماه "الإرهاب التكفيري".

كما يعد عبد الكريم أن قوات الأسد تخوض مع مليشيا "حزب الله" اللبناني "حربا نيابة عن كل الأمة في مواجهة الإرهاب والعدو الصهيوني"، وذلك وفق ما قال خلال ندوة في مدينة بعلبك في 16 أغسطس/آب 2015.

وتزامن كلامه في الوقت الذي كانت فيه مليشيا "حزب الله" إلى جانب قوات الأسد تقتل الشعب السوري وتهجره من مدنه، ولا سيما الحدودية مع لبنان والتي أصبح حاليا كثير من البلدات على الشريط الحدودي يمارس فيها حزب الله "سلطة احتلال" ويمنع عودة الأهالي إلى بيوتهم.

وينظر عبد الكريم إلى الأسد الذي تولى الحكم في سوريا وراثة عن أبيه حافظ عام 2000، أنه "صاحب مبادرات إصلاحية حقيقية في السياسة والاقتصاد والثقافة على المستوى العربي"، حسبما قال في مقابلة مع جريدة "القبس" الكويتية عام 2005.

وبما أن قضية اللاجئين السوريين شكلت واحدة من أكثر القضايا التي فتحت باب العنصرية تجاههم في لبنان المجاور بعد عبور أكثر من مليون لاجئ إليه عقب عام 2011، لم يبرز أي دور لسفارة الأسد ببيروت في مواجهة موجة العنصرية أو ردعها، بل ترك السوريين وحيدين لاعتبار أن معظمهم فار من مناطق ثائرة بوجه الأسد.

كما لم تعمل سفارة الأسد بقيادة عبد الكريم على تقديم الدعم للاجئين في المخيمات داخل لبنان الذين يعانون أوضاعا مزرية، لكون مهمة السفارة سياسية واستخباراتية بحتة وينحصر عملها عقب الثورة في تنفيذ أجندات النظام ولا سيما بعد انحسار نفوذ الأسد هناك بعد انسحاب جيشه عام 2005.

واللافت أن سفارة النظام في بيروت استمرت بتجاهل التعاطي مع كل حالات العنصرية التي يتعرض لها اللاجئون السوريون في لبنان، خشية إغضاب الحلفاء هناك.

ووصل الأمر بعبد الكريم، باستثمار تلك الحالات في دعوة اللاجئين السوريين إلى العودة إلى سوريا، مدعيا أن "الوضع أفضل مما هو عليه في لبنان".

ويأتي ذلك رغم تحذيرات منظمات حقوقية ودولية منها منظمة "العفو الدولية" في تقرير نشر في 7 سبتمبر/أيلول 2021 بعنوان "أنت ذاهب إلى موتك"، أفادت فيه بتعرض ‏العشرات من اللاجئين الذين عادوا أدراجهم إلى سوريا لعدة أشكال من الانتهاكات على أيدي ‏قوات الأمن، بينها الاعتقال التعسفي والتعذيب وحتى الاغتصاب.‏

ممثل للأسد

لقد جعل الأسد من عبد الكريم كممثل شخصي له في تقديم واجب العزاء نيابة عنه لشخصيات لبنانية تدور في محور إيران وحزب الله.

وخلال سني الثورة السورية الأولى قوبل عبد الكريم بـ"ازدراء" من شخصيات سياسية لبنانية، بعد مشاهد القتل والتدمير التي قامت بها قوات الأسد بحق السوريين.

وفي أشهر المواقف الدالة على ذلك، حينما غادر رئيس وزراء لبنان المكلف آنذاك، سعد الحريري، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، منصة المهنئين بعيد الاستقلال وامتنع عن مصافحة عبد الكريم، ليعود بعدها لمصافحة المهنئين.

وقيل وقتها أن الموقف كان بمثابة رسالة من الحريري، في ظل محاولات لبنانية يقودها موالون للنظام السوري للتطبيع معه بشكل كامل، خاصة بعد اتهام سياسيين لبنانيين لـ"حزب الله" بعرقلة تشكيل الحكومة الجديدة، إذا لم يرضخ الحريري لشروط الحزب وحلفائه، لإعادة التطبيع مع الأسد.

وكان وزير العدل الأسبق أشرف ريفي، الخارج من صفوف "تيار المستقبل" غرد في 4 أبريل/نيسان 2017، مطالبا بطرد سفير الأسد، لأن وجوده في لبنان يشكل "لطخة سوداء، بعد كل ما ارتكبه النظام السوري بحق لبنان وسوريا".

ويتهم معارضون سوريون عبد الكريم بالوقوف وراء تسليم المنشقين عن قوات الأسد ممن فروا إلى لبنان لأجهزة مخابرات النظام السوري.

وحينما حاول نظام الأسد التقرب من الرياض بعدما قطعت علاقتها معه منذ عام 2011 لقمعه الثورة، تولى عبد الكريم، مهمة مغازلة السعودية واصفا إياها في 5 مايو 2021، بأنها "دولة شقيقة وعزيزة"، كما "رحب بأي خطوة في صالح العلاقات العربية ـ العربية"، الأمر الذي عد تلميحا حول مراجعة الرياض مواقفها من الأسد.

وعقب ذلك كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في 4 مايو 2021 أن رئيس المخابرات السعودية، اللواء خالد حميدان، أجرى زيارة إلى دمشق، التقى خلالها نائب الأسد للشؤون الأمنية، علي المملوك، كمقدمة لانفراجة وشيكة في العلاقة بين خصمين إقليميين منقطعة منذ عام 2011، إلا أن الرياض نفت حدوث ذلك بشكل رسمي.