مع دخول الثورة عامها الـ11.. لهذا لا تصب أوضاع سوريا في مصلحة الأسد

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تفجرت الثورة السورية في 18 مارس/آذار 2011 ضد رئيس النظام بشار الأسد من محافظة درعا جنوبي البلاد، ومرت بأوضاع عديدة لكنها لم تمت أبدا، وها هي تدخل عامها الحادي عشر، وسط آمال كبيرة للخروج من هذا المخاض العسير قريبا.

وتلقفت المدن السورية نداء الثورة سريعا، بعدما سال أول دم في سبيل الحرية من درعا، فكان شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، هو العنوان الجامع للسوريين لإنهاء حكم عائلة الأسد الراسخ منذ عام 1971.

واستطاعت الثورة منذ اندلاعها وإلى الآن أن تحافظ على صيرورتها، لكن هدفها الرئيس بإسقاط بشار الأسد لم يتحقق بعد.

وأمام هذا الحال، يجدر في مثل هذه الذكرى أن تطرح الأسئلة حول آفاق المرحلة المستقبلية للثورة السورية، ومدى امتلاكها للأدوات التي تجعل من التغيير السياسي المنشود في سوريا واقعا وقابلا للتطبيق.

لعبة الأسد

أثبت النظام السوري طوال السنوات الماضية، عدم إيمانه بالحل السياسي، وما انخراطه فيه مع المعارضة، عبر مسارات أممية وإقليمية ودولية، كجولات جنيف التفاوضية وأخواتها، إلا لكسب الوقت وإدخال المعارضة في ملهاة العملية التفاوضية، وفق سياسيين سوريين.

وتمكن النظام وبالتوازي مع المشاركة في مفاوضات غير جادة مع المعارضة من تحقيق مكاسب عسكرية على الأرض بدعم من حليفتيه روسيا وإيران.

وتمكن النظام السوري عام 2020 من تغيير خارطة السيطرة لصالحه، واتبعها منتصف عام 2021 بالسيطرة على درعا مهد الثورة بشكل شبه كامل بدعم مباشر من موسكو وطهران.

وتقدر نسبة سيطرة نظام الأسد حاليا بمساحة 64 بالمئة من الأراضي السورية.

وانطلقت العملية السياسية بسوريا في عام 2014، عبر بيان جنيف الصادر في 2012، وتبعه لاحقا صدور القرار الأممي 2254 نهاية 2015، وينص على تشكيل حكم انتقالي وكتابة دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.

لكن النظام السوري تعمد شل مفاوضات جنيف مع المعارضة السورية، إلى أن وصل هذا المسار الأممي إلى طريق مسدود، لتدخل روسيا المعارضة في متاهة جديدة تحت اسم اللجنة الدستورية السورية المكلفة بصياغة دستور جديد لسوريا بإشراف من الأمم المتحدة.

وبدأت أعمال اللجنة في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2019، عبر مجموعة مصغرة تضم 45 عضوا، يمثلون النظام والمعارضة والمجتمع المدني السوري بالتساوي، لكنها فشلت على مدى ست جولات في تحقيق أي نتائج ملموسة أو الاتفاق على مادة واحدة من الدستور.

وللمفارقة، فإن بشار الأسد، وصف مباحثات اللجنة الدستورية بأنها "لعبة سياسية"، خلال لقاء مع وكالة "سبوتنيك" الروسية في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، الأمر الذي اعتبره الشارع "تصريحا واضحا عن عدم جدية النظام" في صياغة دستور جديد يمهد للعملية السياسية المنشودة في سوريا.

وأكد الشارع السوري أن توصيف الأسد بأن صياغة دستور جديد للبلاد هي "لعبة سياسية"، يرجع لكون النجاح في "اجتراح" دستور جديد للبلاد، سيقود لانتخابات برلمانية ورئاسية قادمة تضع رأس النظام خارج المعادلة السورية.

وهذا ما خلق حالة من الرأي العام السوري بشأن ضرورة انسحاب المعارضة من اللجنة، لأنها "تؤدي في نهاية المطاف لتعويم نظام بشار الأسد، وفق الرؤية الروسية".

والحديث عن أفق الحل السياسي في سوريا بعد مرور 11 عاما على انطلاق الثورة، مازال يصطدم بغياب إرادة دولية حقيقية دافعة باتجاه إيجاد حل سياسي، وكذلك اتباع النظام أسلوب التعنت بموافقة تامة من داعمتيه إيران وروسيا.

ترتيب الأوراق

ورأى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري، الباحث محمد السالم، أن "القضية السورية تمر بمرحلة صعبة بالتأكيد بعد تراجع الهامش الذي تمتلكه قوى الثورة والمعارضة والحاضنة الشعبية الداعمة للثورة بسبب تدويل القضية".

وأضاف لـ"الاستقلال": "مع ذلك، تتيح فرصة جمود الأوضاع الميدانية فرصة لالتقاط الأنفاس والعودة لترتيب الصفوف الداخلية، والعمل على تجديد الخطاب لتجاوز الحالة الحالية".

وأكد السالم أنه "من الصعب الحديث عن امتلاك أدوات التغيير على مستوى سوريا بوجود هذا الكم من التدخل الدولي وتداخله مع قضايا إقليمية وعالمية كالملف النووي الإيراني والقضية الأوكرانية التي برزت أخيرا".

وأردف قائلا: "لكن التغيير المطلوب هو المستوى المحلي ابتداء، من خلال تطوير نماذج الحكم المحلية في المناطق خارج سيطرة النظام السوري، وعلى الرغم من السلبيات في تلك المناطق، إلا أن هناك الكثير من الإيجابيات التي يمكن البناء عليها للوصول لنماذج حكم محلية رشيدة".

وذهب السالم للقول: "أتوقع أن الجمود الميداني هو الأرجح للاستمرار، وهو بحد ذاته فرصة لقوى الثورة والمعارضة، والأصل بالثورة أنها سلمية ذات مطالب إصلاحية لا عسكرية، بالتالي، يتيح هدوء العمليات العسكرية العودة إلى روح الثورة المدنية الأولى".

واستدرك قائلا: "لا أعتقد أن الأسد هو المستفيد من هدوء الأوضاع وجمودها، على العكس، النظام السوري عادة ما يهرب إلى الأمام بشن المعارك، ويقمع معارضيه من خلال ادعاء استمرار الحرب على الإرهاب وأنه لا صوت يعلو على صوت المعركة، ومع هدوء الأوضاع وجمودها، باتت الأصوات ترتفع داخل مناطق النظام حول استمرار الأوضاع المأساوية وسيطرة أمراء الحرب".

وإلى الآن بعد 11 عاما بلغ عدد القتلى على يد النظام السوري قرابة النصف مليون مدني، وزاد عدد اللاجئين إلى ما يعادل الستة ملايين، أما النازحون داخليا ففاق 9 ملايين.

وأمام هذا وفي ظل غياب أفق حقيقي للحل، يرى مراقبين للشأن السوري بأنه حري بالمعارضة التي ما تزال متشظية، أن تخلق جسما سياسيا مؤثرا وفعالا ومدعوما شعبيا ينهي مأساة هذا ويرفع عنه يد الاستبداد.

أدوات الثورة

وحول ما إذا كانت المعارضة السورية الحالية قادرة على لعب دور في الحل، وإنهاء حالة الجمود في الملف السوري والذي يبقى النظام السوري هو المستفيد الأكبر منها.

يؤكد المعارض السوري محمد الزعبي وهو من الجالية السورية في أميركا لـ"الاستقلال": "أنه بعد أن حرمت الثورة من أن تحرز الانتصار العسكري على الأسد بحجة أنه ليس هناك حل في سوريا إلا الحل السياسي، نجد اليوم أن هذا الحل هو أبعد ما يكون عن الواقع في ظل التغيرات السياسية والعسكرية على الساحة الدولية.

وأضاف الزعبي: "لقد نجحت الدول التي لا تريد للثورة السورية أن تنتصر في جعل الحالة السورية باردة، بمعنى أن الآثار السلبية للثورة السورية على الساحة الدولية لم تعد تشكل هاجسا كبيرا لتلك الدول، لا سيما في ظل انشغالها بمشاكل أخرى أكثر خطورة على العالم مثل الحرب الروسية على أوكرانيا والصراع الجيواقتصادي بين دول العالم".

وألمح المعارض السوري إلى أنه "في ظل كل ذلك نجد هذه الدول لا تعمل على تحريك الملف السوري نحو الحل في هذا الوقت أو في الوقت القريب، لأن كثيرا منها يرغب في إبقاء الوضع فيما هو عليه في سوريا".

ورأى الزعبي أن "الثورة السورية تمتلك كثيرا من الأدوات، منها ما هو أخلاقي وقيمي ومعنوي، ومنها ما هو مادي وحسي، فهي ثورة شعب مظلوم ضد ظالميه وهي ثورة ضد قانون الاستعباد والاستبداد الذي فرضه نظام الأسدين على مدار خمسين عاما، لكن التاريخ لم يذكر أن طاغية هزم شعبه".

وبين أن "من عوامل قوة الثورة هو تمسك الشعب بها في الشمال السوري والتأكيد بشكل دائم على مطالبه بتغيير النظام الحالي وتحقيق الانتقال السياسي، مدعومين بالسوريين المقيمين في دول المهجر الذي يقفون في خندق الثورة ويدافعون عنها في المحافل الدولية وخصوصا في الدول الفاعلة مثل أميركا وأوروبا وتركيا ودول الخليج".

وفي السياق، لفت الزعبي إلى أن "المعارضة السورية الحالية غير قادرة على إيجاد الحلول ولا حتى على المشاركة في صياغتها وصناعتها، لكون أغلبها متلقية لما تعرضه عليها الدول، لأنها رهنت نفسها للدول وإرادة تلك الدول كما رهن نظام الأسد نفسه إلى الروسي والإيراني".

ومضى يقول: "نحتاج إلى صياغة مشروع المعارضة بشكل آخر يناسب التطورات الدولية وأن تكون معارضة تعتمد على الخبرات والكفاءات وأن يكون قرارها ليس مرتهنا لأي جهة كانت، ولا شك أنه سيخرج من الشعب السوري معارضة قادرة على صياغة مشروع وطني سوري يلبي مطالب السوريين بالتغيير السياسي".

بدوره قال الباحث في مركز جسور للدراسات، عباس شريفة لـ"الاستقلال"، إن "الثورة السورية ستنتصر بالنهاية، رغم أنها حاليا عصية على الاحتواء، والنظام السوري لا يستطيع أن يقضي عليها".

وأكد شريفة على "وجود كثير من المفاعيل التي أوجدتها الثورة وتعمل على إسقاط الأسد، رغم التدخل الدولي ودعم روسيا وإيران للنظام وما رافق من خذلان للشعب السوري".

وختم الباحث كلامه بالقول: "المعطيات تقول إن نصف الشعب السوري خارج سيطرة النظام، في وقت حول الأسد سوريا إلى دولة فاشلة ومنهارة اقتصاديا؛ ما يعني أنه لا بديل عن رحيل هذا النظام الاستبدادي والإقرار بحرية الشعب وتحقيق الأهداف التي خرج من أجلها".