30 ألف مقيم.. لهذه الأسباب كانت تركيا وجهة اليمنيين بعد الحرب

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"لست مهاجرا، أنا مهجّر، ولست مغتربا، أنا مشرَّد"، بهذه العبارة اختصر محمد كريم حكايته في تركيا التي يقيم فيها منذ أكتوبر/تشرين الأول 2015.

محمد الذي اضطر للخروج من اليمن بعد الانقلاب الذي قام به الحوثيون، وحملة الاعتقالات الواسعة التي قاموا بتنفيذها في المدن الخاضعة لسيطرتهم، قال في حديثه لـ "الاستقلال": "كونك غير حوثي أو متحوّث (مناصراً لهم) هو سبب كافٍ لاعتقالك وتعذيبك".

تركيا تكاد تكون هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي منحت فيزا (تأشيرة دخول) لليمنيين في الأيام الأولى للحرب، وخاصة المهجّرين والملاحقين من قبل الأجهزة البوليسية والاستخباراتية التابعة لتحالف "الحوثي ـ صالح" حينها.

كانت تلك الموجة الأولى، ثم استقبلت موجة أخرى من اليمنيين المقيمين في السعودية، والذين تم حرمانهم من وظائفهم ومهنهم بعد قرار السعودة والتوطين الذي فرضته الرياض، وخاصة أولئك الذين لم يكونوا قادرين على دفع الرسوم الشهرية المفروضة عليهم وعلى أسرهم.

30 ألف مقيم

يعيش في تركيا عشرات الآلاف من اليمنيين، البعض يدرس، والبعض يمارس وظائف أخرى، ويتوزعون على عموم المحافظات التركية، ويتركزون في إسطنبول وأنقرة وإزمير، وبعض المدن الأخرى كبورصة وقونية وأنطاليا.

يقول رئيس الجالية اليمنية في تركيا ياسر الشيخ، لـ"الاستقلال"، عدد اليمنيين في تركيا يناهز 30 ألف مقيم، موزعين بين طلاب، وإعلاميين، وتجار عقارات، ومستثمرين، وعمال.

الشيخ أضاف: "قفز العدد من حوالي 8 آلاف إلى 30 ألف مقيم بتركيا، عقب الإجراءات التي فرضتها الحكومة السعودية على اليمنيين المقيمين على أراضيها، فاضطروا للسفر إلى تركيا واستئناف حياتهم من جديد".

ويتابع الشيخ: "كثير من اليمنيين المقيمين في السعودية، الذين  جاءوا مع أسرهم إلى تركيا، رتبوا لأولادهم وضعا معينا في تركيا ثم عادوا وحدهم إلى السعودية لمواصلة أعمالهم، وذلك لتخفيف الأعباء المالية عن كاهلهم".

شعور بالمسؤولية

وعن وضع الجالية اليمنية في تركيا يقول الشيخ: "بالتأكيد ستكون شهادتي مجروحة، بصفتي في محل المسؤولية، لكن يمكن القول والتأكيد بأن الجالية اليمنية في تركيا من أكثر الجاليات تنظيما وانضباطا، ولها سمعة طيبة عند المؤسسات التركية الرسمية".

يعود ذلك، حسب الشيخ، إلى أن "الهيئة الإدارية للجالية المنتخبة بشكل ديمقراطي، تمارس عملها بقدر كبير من الشفافية، ولديها شعور عال بالمسؤولية، وتفرض على أبناء الجالية احترام القوانين التركية، كما تقوم بتسوية أي وضع غير قانوني لأحد أبناء الجالية أولا بأول، إلى مستوى أن الجهات التركية الرسمية تطلب من بعض الجاليات الأخرى الاقتداء بالجالية اليمنية، وهذه شهادة نفخر بها".

يضيف الشيخ: "يقف وراء السمعة الطيبة التي اكتسبتها الجالية اليمنية، تعاون أعضاء الهيئة الإدارية، وكذلك تعاون الشخصيات الاجتماعية اليمنية البارزة مع الهيئة الإدارية في معالجة أوضاع اليمنيين، والسماع لاحتياجاتهم، وفتح قنوات تفاهم رسمية مع الجهات التركية المسؤولة".

قلة أعداد اليمنيين قد يكون من الأسباب التي ساهمت في القدرة على تنظيم أوضاع أبناء الجالية وحل مشكلاتهم، إذا ما قارناهم بعدد السوريين الذي يتجاوز عددهم 3 ملايين و500 ألف مقيم، في مقابل 30 ألف يمني تقريبا، "فالعدد كلما قلّ زادت إمكانية السيطرة، وتمكنت الجهات المسؤولة من تقديم خدمة أفضل لأبنائها"، حسب الشيخ.

الخيار الوحيد

بسبب الحرب، اضطر آلاف اليمنيين للمغادرة، وتعددت وجهاتهم، بعضهم توجه بحرا إلى دول القرن الإفريقي، وتوجه البعض إلى السودان، غير أن من توجهوا إلى تلك الدول فوجئوا بوضع اقتصادي يشبه ما آل إليه الحال في اليمن أثناء الحرب، فاضطر البعض للعيش في مخيمات للاجئين في الصومال وجيبوتي، ليضطر في نهاية المطاف للبحث عن بلد آخر ووجهة أخرى.

"في تلك الفترة لم يكن أمامي أفق، لم يكن هناك بلد يستقبل اليمنيين، إلا من الدول التي يعصف بها الحرب والفقر والجوع، اختار البعض تركيا كوجهة أولى له"، حسبما أكد عمار يحيى، قائلا: "اخترت تركيا، لأنه لم يكن لدي خيارات أخرى، كانت تركيا هي البلد الوحيد الذي فتح ذراعيه لنا، وهو جميل سنحفظه لهم في أنفسنا، ولن ننساه لهم".

مضيفا لـ"الاستقلال": "سنقول لأبنائنا وأحفادنا إن تركيا فتحت الأبواب لآبائهم وأجدادهم وأنقذتهم من طغيان الحوثي وحمق الجار السعودي الذي أغلق مطاراتنا، ومنع عنا حتى المرور من أراضيه لوجهة ثالثة، وسنعمل على رد الجميل".

يقتلوننا مرتين

وتابع يحيى: "حصلت على التأشيرة من القنصلية التركية في جدة، إذ كانت جميع السفارات والقنصليات قد غادرت اليمن، وليس من السهل أن تحصل على تأشيرة أي بلد من بلد ثالث بإرسال جواز السفر فقط، لكنه امتياز اختصت به الحكومة التركية اليمنيين".

ويضيف يحيى: "بعدها انتقلت لمشكلة أخرى وهي كيفية السفر وجميع المطارات مغلقة من قبل التحالف، والمعابر البرية كذلك، سافرت إلى منفذ العبر الذي يربط اليمن بالسعودية عسى أن أحصل على حق العبور إلى تركيا، لكن تم رفضي وإرجاعي من قبل المسؤولين السعوديين على المنفذ".

"أحد الجنود في المنفذ الحدودي قال لصديقي: "سافر بحرا إلى الصومال، ومن هناك سافر حيث تريد، السعودية قتلتنا بحصارها مرتين، مرة بإغلاق مطاراتنا، ومرة بعدم السماح لنا بالمرور من أراضيها في الأيام الأولى للحرب"، حسب يحيى.

مستطردا: "لم يكن أمامي حينها إلا تقديم طلب بالعبور من الأراضي العمانية عبر مكتب تجاري في مدينة شحن التابعة لمحافظة المهرة، وهو الأمر الذي حصلت عليه، إذ تم منحي فيزا عبور من الأراضي العمانية مدتها أسبوع، وهو جميل آخر سنحفظه لدولة عمان، التي مثلت متنفسا لليمنيين للعبور إلى دول أخرى، بعد الحصار المطبق الذي فرضه التحالف".

فرص العمل

وعن أعداد الطلاب اليمنيين في تركيا، يقول رئيس الهيئة الإدارية للاتحاد العام للطلاب في تركيا محمد حمزة، لـ"الاستقلال": "عدد الطلاب اليمنيين في تركيا 2500 طالب تقريبا، من بينهم 380 طالبا مبتعثا من وزارة التعليم العالي، و450 طالبا من الحاصلين على المنح الحكومية التركية، فضلا عن طلاب المدارس الذين يقيمون مع أسرهم وأهلهم".

حمزة يضيف: "العمال وهم من أقل الفئات المتواجدة في تركيا، ويعمل البعض في المطاعم وعلى نحو أقل في خدمات الترجمة الميدانية، فرص العمل في تركيا غير متوفرة بشكل كاف، فالشعب التركي يعمل في كل المهن، ويغطي كل الاحتياجات تقريبا".

وتابع حمزة: "فرص العثور على عمل مرتبط بالاحتياج للغة العربية إلى جانب اللغة التركية، وهو احتياج ضيق، وإن تم فإن المرتب الشهري لا يفي بتغطية الحد الأدنى من النفقات الأساسية للعامل، وخاصة أن الأجنبي لا يعامل معاملة المواطن التركي في الحصول على الخدمات الصحية وخدمات التعليم الجامعي ومزايا الإسكان، وغيرها، لذا فإن السوق التركي ينخفض فيه الطلب على العمالة الأجنبية".

هؤلاء غادروا

معظم المستثمرين اليمنيين هم من الذين كانوا مقيمين في السعودية، واضطروا للمغادرة بعد توطين المهن، وقد فتح قرار منح الجنسية مقابل شراء عقارات بما يساوي 250 ألف دولار، الباب أمام عدد من اليمنيين الذين عمد بعضهم إلى شراء عقارات تساوي المبلغ المطلوب ثم التقدم بالحصول على الجنسية التركية.

أما البعض الآخر فيعملون في بيع وشراء العقار، وتصدير حديد الخرسانة المسلح وتصديره للسوق اليمنية، وعلى نحو محدود يعمل التجار في تصدير الملابس والشوكولاتة وغيرها من المنتجات التركية، إلا أن الوضع الاقتصادي المتردي في اليمن جراء الحرب، انعكس على حركة التجار اليمنيين وعلى حجم التصدير إلى اليمن.

وشنت جماعة الحوثي أوسع حملة لاعتقال الصحفيين والإعلاميين، اعتقلت من تمكنت منه، ومازال العشرات معتقل حتى الآن منذ العام 2015، فيما قضى البعض الآخر بقصف لطائرات التحالف، كالصحفي عبد الله قابل وزميله يوسف العيزري الذين قتلا بعد أن وضعهما الحوثيون في هدف عسكري لطائرات التحالف، ما اضطر عشرات الإعلاميين والصحفيين لمغادرة اليمن، وكانت تركيا هي الخيار الوحيد لهم.

الصحفي محمد القاسم يقول لـ"الاستقلال": "المثير للضحك والسخرية معا أن كثيرا من معارفنا في اليمن، سواء كانوا من الحوثيين أو من حزب صالح، يتهموننا بالفرار، ويجدون تلك مسبّة يعيروننا بها".

مضيفا: "هم يعلمون جيدا أنه تمت مطاردتنا والبحث عنا وفق كشوفات رفعها مشرفوهم في الأحياء، ويعلمون جيدا أن زملاء لنا تم اعتقالهم وتعذيبهم، بعضهم مازال معتقلا حتى الآن، وبعضهم مات تحت التعذيب، وبعضهم وضع في أماكن الاستهداف، وتم قصفه من قبل طائرات التحالف".

القاسم ختم حديثه قائلا: "هم أيضا يتحدثون وفق منطق يعطيهم الحق في الحديث عن البلد، لا يحق لنا أن نتكلم عن وضع البلد وعن معاناتها طالما أننا لا نعيش فيها، ولا يعلمون حجم القهر الذي نعيشه ونشعر به وحجم الغربة الذي نشعر به في صدورنا لبعدنا القسري عن بلدنا وعدم القدرة على العودة وزيارة أهلنا وأسرنا".