ذاكرة البطولة.. قصص من الثورة السورية تضيء طريق الحرية المنشود

مصعب المجبل | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

"مستمرون في ثورتنا ولو دامت عشرة أعوام"، هذه جملة كتبت عام 2011 على لافتة خطها شبان آمنوا بحتمية استمرار الثورة السورية حتى النصر وإزاحة نظام بشار الأسد عن السلطة.

وها هي الثورة اليوم تطوي العقد الأول، وتبدأ العام الحادي عشر من عمرها وقد امتلأت ذاكرتها بآلاف القصص البطولية، التي سطرها أبناؤها وتحولت إلى دافع لاستمرارها وبما يورث أجيال الثورة الجديدة قدوات ورموزا يفتخرون برواية سيرهم بعد الخلاص.

ونظرا لقدسية هذه الذكرى لدى السوريين، كان لزاما أن نستحضر صور البطولة المنسية من ذاكرتها، على شكل أيقونات تنير طريق الحرية المنشود، كي لا يتحول أصحابها لمجرد ضحايا بيد جلادهم، بل ليمثلوا استعادة لرمزية البطولة ومعانيها، بكل تجلياتها وصورها، وذلك تأكيدا لاستمرار الثورة وثقة أعلى بهذه القضية العادلة والحقة.

وخلال الأعوام السابقة، خطفت عائلة الأسد السلطة وواجهت الشعب بالحديد والنار وتكميم الأفواه منذ صعود حافظ الأسد للحكم عام 1971 بعد انقلاب عسكري.

درعا ودمشق وريفها

كثيرة هي قصص البطولة التي سطرها أبناء محافظة درعا الواقعة جنوب البلاد، ومهد الثورة السورية التي تفجرت في الثامن عشر من مارس/آذار عام 2011.

لكن لرامي إقبال قصة استثنائية، والذي وثقت عدسته اللحظات الأولى للثورة السورية في محافظته، وبقيت خالدة بعدما تناقلتها كل وسائل الإعلام العربية والعالمية.

وإلى الآن وبعد مرور 11 عاما ما زالت صور طالب الاقتصاد هي الأبرز والأكثر تداولا، إذ يعد إقبال أول مصور فوتوغرافي في الثورة.

لكنه رحل مبكرا بعدما اقتحمت أجهزة المخابرات قريته داعل وأصابته برصاصة وتمكنت من اعتقاله وعذبته في سجونها حتى مقتله في ديسمبر/كانون الأول 2011.

وأبدى كريم راجح شيخ قراء الشام وخطيب جامع الحسن الشهير في حي الميدان الدمشقي موقفا بطوليا في الأشهر الأولى من اندلاع الثورة السورية في 18 مارس/آذار 2011، في انتقاد قمع أجهزة المخابرات للمتظاهرين الذين كانوا يخرجون من مسجده.

وقال يومها موجها حديثه إلى أجهزة الأمن: "تظنون أنه بالقتل والضرب والاعتقال والتعذيب يمكن أن تسكتوا الشعب، بل ما يحصل هو سكب البنزين على النار".

ودعا راجح إلى الحل في سوريا عبر "أهل الحل والعقد والفكر، وليس بالدبابات والطائرات"، ووجه كلامه إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد وإلى الجيش والأمن قائلا: "كل رصاصة توجه إلى الشعب توجه أضعافها في المعنى إلى الدولة، ولا تستطيع الدولة أن تحكم الشعب مرغما".

كما كان الشيخان أسامة الرفاعي وشقيقه سارية، من أوائل العلماء الذين جهروا بانتقاد نظام بشار الأسد، بعد اندلاع الثورة.

وجرى ذلك من على منبر مسجد عبد الكريم الرفاعي في كفرسوسة بدمشق الذي كان الشيخ أسامة خطيبه، وجامع زيد بن ثابت الأنصاري في العاصمة الذي يخطب به الشيخ سارية.

وأمام تهديدات مخابرات الأسد اضطر العالمان وآخرون وقفوا موقفهم الشجاع، لمغادرة سوريا عام 2012.

ويشغل أسامة الرفاعي حاليا منصب المفتي العام لسوريا منذ 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بعدما انتخبه المجلس الإسلامي السوري المعارض عقب إلغاء الأسد منصب المفتي في البلاد.

وفي موقف بطولي آخر تحضر قصة، بطلة الشطرنج وطبيبة الأسنان السورية "رانيا العباسي" ابنة حي ركن الدين الدمشقي، التي اعتقلتها مخابرات الأسد في 11 مارس 2013 مع أطفالها الستة "ديمة، انتصار، نجاح، آلاء، ليا، أحمد" بعد يومين من اعتقال زوجها عبد الرحمن ياسين من منزلهم في "مشروع دمر" قرب دمشق.

وجاء اعتقال الزوج بسبب عمله في مجال الإغاثة بداية الثورة ومساعدة النازحين من مناطق أخرى.

كما اعتقلت المخابرات مع رانيا ممرضتها مجدولين القاضي (38 عاما) التي كانت في منزلها بذلك اليوم بمحض الصدفة، وما تزال هي والأطفال ووالدتهم معتقلين منذ التاريخ المذكور.

وللمفارقة فإن والد رانيا قضى 14 عاما في سجون الأسد الأب قبل أن يخرج عام 1994 من سجن تدمر سيئ السمعة والصيت.

كما شكلت بعض مناطق دمشق كحي القابون ومدن الغوطة الشرقية، واحدة من ليالي الثورة الخالدة التي كانت مقصدا لعدد من الفنانين السوريين الذين وقفوا إلى جانب الثورة مبكرا، واتخذوا من المظاهرات هناك عام 2011 منصة لدعم مطالب الشعب المنادية بإسقاط الأسد.

وهؤلاء، أمثال فارس الحلو، ونوار بلبل وجلال الطويل، ومحمد أوسو، ومحمد آل رشي وغيرهم.

حلب وحماة وحمص

في محافظة حلب عاصمة الاقتصاد السوري، كانت جامعتها التي تحمل نفس الاسم قبلة للثوار، وأعلن طلابها السير في ركب الثورة.

مظاهرة ساحة الجامعة في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 جاءت بمنزلة إعلان عن انطلاق تنسيقية "جامعة الثورة"، مما شكل بداية لمرحلة جديدة من الحراك الطلابي الثوري.

وعقب ذلك تحول الحراك إلى يومي من قبل الطلاب رغم القبضة الأمنية المشددة، والتي أسفرت عن اعتقال المئات منهم وتغييبهم في سجون الأسد، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من خرج، ومنهم من لا يعرف له أثر بعد.

السيمفونية السورية "يلا ارحل يا بشار".. هذه أشهر أناشيد الثورة السورية وأشدها تأثيرا في نفوس السوريين، والتي أنشدها إبراهيم القاشوش في ساحات حماة، بعد أغنية "يا حيف" وهي أول أغنية عن الثورة عام 2011، كتبها ولحنها وغناها الفنان سميح شقير ردا على ما تعرض له أهالي محافظة درعا من قمع وخاصة اعتقال الأطفال.

أصبح القاشوش ثورة في حد ذاته في الأشهر الأولى لانطلاقها، فكانت كلماته تحفظ للمرة الأولى متى ما مرت على آذان السوريين، كيف لا وأنت تسمع "سوريا بدا حرية.. وبدنا نشيلوا لبشار وبهمتنا القوية.. سوريا بدا حرية".

جذبت الحنجرة الثورية للقاشوش والتي تقرع الأسد وأركان نظامه، آلاف المتظاهرين حتى قادت إلى مليونية حماة في ساحتها الشهيرة التي تسمى ساحة العاصي.

كانت جرأته بطولية ولا سيما أنه كان يهتف ويغني للثورة كاشفا عن وجهه أمام الحشود حتى نال شهرة عالمية.

وأصبح الهدف الأول لأجهزة مخابرات الأسد التي اقتحمت المدينة في 8 يوليو/تموز 2011، وألقت القبض على القاشوش واقتلعت حنجرته ورمت بجثته على ضفة نهر العاصي في رسالة من المخابرات بأن صوت الثورة مات.

ويعد عبد الباسط الساروت منشد الثورة وحارسها في مدينة حمص من أيقونات الثورة الخالدة، ولد عام 1992 في حي البياضة في مدينة حمص.

وكان يشغل قبل الثورة السورية حارس نادي الكرامة السوري ومنتخب سوريا للشباب، وقد فاز بلقب ثاني أفضل حارس مرمى في قارة آسيا.

انخرط الساروت في الثورة مبكرا وأصبح منشدها، وشاحذ همم المتظاهرين بأناشيده الحماسية كـ "جنة جنة.. جنة يا وطنا"، وأسس كتيبة "شهداء البياضة" التي خاضت معارك ضد قوات الأسد، قبل أن يخرج نهاية عام 2014 مع مقاتلي المعارضة من مدينة حمص إلى ريفها الشمالي، بموجب اتفاق فك الحصار الذي وقع بين المقاتلين والنظام.

وانضم الساروت عام 2018، إلى فصيل "جيش العزة" المعارض قبل أن يقتل في 8 يونيو/حزيران 2019 متأثرا بإصابة تعرض لها في معارك الشمال السوري ضد قوات الأسد.

إدلب ودير الزور

لا تزال قصة الشاب جمعة أحمد الضامن من ريف معرة النعمان الشرقي، تدمي قلب أمه وأحبته، منذ أن عاد إليهم نبأ مقتل بعدما خرج إلى المعركة بعد أسبوع من زواجه.

تعرض الضامن لإصابة أثناء المعركة، وبقي يقاتل حتى قتل في 11 مارس 2013 بعد سقوط قذيفة عليه أحالت جسده إلى أشلاء.

سطر 21 ثائرا مقاتلا غالبيتهم من مدينة موحسن أروع الأمثلة في التضحية والبطولة، بعد معركة أطلق عليها "ملحمة الرصافة"، حينما حاصرت قوات الأسد مقرا لمجموعة من مقاتلي الجيش الحر المتمركزين في بناية سكنية في حي الرصافة شرقي مدينة دير الزور، صبيحة 18 مارس 2012.

ورفض هؤلاء الاستسلام وقرروا القتال حتى الموت، وتمكنوا من قتل 80 عنصرا من قوات الأسد، وفق تقارير محلية.

إلا أن المعركة حسمت بمقتل هؤلاء ونجاة رفاق لهم، ليخلد تاريخ الثورة أسطورة مقاومة على يد هؤلاء القلة أمام آلة عسكرية تمتلك أفتك أنواع الأسلحة إلى جانب الطيران الحربي.

اللاذقية وطرطوس

"ملهم فائز طريفي"، شاب سوري ولد عام 1986 في مدينة جبلة بريف اللاذقية وانخرط في العمل الثوري، واعتقله النظام وأودع السجن في 14 مايو/أيار 2011 وتلقى شتى أنواع التعذيب، قبل أن يطلق سراحه في 4 يونيو/حزيران من العام نفسه.

عقب ذلك هرب إلى الأردن ثم منها غادر إلى السعودية، ليقرر العودة للقتال إلى جانب المعارضة ويقتل في معارك ريف اللاذقية في 10 يونيو 2012.

وعقب مقتله شكل أصدقاؤه فريقا تطوعيا للعمل الإنساني حمل اسم "فريق ملهم التطوعي الإغاثي"، وينشط بقوة في الشمال السوري المحرر.

وقد تمكن من جمع تبرعات خلال يومين بلغت مليوني دولار أميركي، في 27 يناير/كانون الثاني 2022، بهدف نقل عوائل نازحة من مخيمات إلى منازل سكنية تقيهم الأمطار والثلوج والمعاناة التي يعيشونها.

لأول مرة خرجت مظاهرة ضد نظام الأسد في بلدة المتراس ذات الغالبية السنية في مظاهرات مؤيدة للثورة السورية في ريف طرطوس في 30 أبريل/نيسان 2012 بعد تشييع الشيخ حسين عبد الكريم عزو من البلدة.

والشيخ حسين، هو عسكري قتل تحت العذيب في سجون الأسد بعدما رفض إطلاق النار على المتظاهرين العزل أثناء تأديته الخدمة الإلزامية.

الرقة والسويداء

ومن قصص الثوار أيضا علي البابنسي المولود عام 1996 في محافظة الرقة، والذي كان يدرس في مدرسة ابن خلدون التجارية في الرقة، وساهم بتشكيل تنسيقية طلاب الرقة والتي دفعت في زيادة النشاط الثوري في المدينة بشكل كبير.

وشكل مقتله لحظة فارقة في الثورة في الرقة، إذ شارك البابنسي مع بضع عشرات من رفاقه في إحياء ذكرى إكمال الثورة السورية عامها الأول.

فخرجوا في مظاهرة في شارع تل أبيض في المدينة مساء 15 مارس 2012، لكن قوات الأمن أطلقت النار عليهم فأصيب الشاب علي برصاصة في القلب قتل على إثرها.

فهو أول قتيل مدني يسقط في مدينة الرقة وكان الحدث الأبرز والأهم ذاك الحين، فخرج في تشييعه ما يقارب 200 ألف نسمة.

وعقب دفنه عاد المتظاهرون لإسقاط تمثال حافظ الأسد وسط الساحة الرئيسة في الرقة، وبعد عام من مقتله سيطر الجيش الحر المعارض على المدينة في 4 مارس 2013 وطرد قوات الأسد منها.

بعد اندلاع الثورة السورية، أصبح "خلدون زين الدين" وهو أول ضابط من الطائفة الدرزية في محافظة السويداء ينشق عن قوات الأسد، في نوفمبر/ تشرين الأول 2011، مضرب مثل في البطولة التي تعتز بها هذه المحافظة منذ أيام سلطان باشا الأطرش القائد الوطني ضد الاستعمار الفرنسي عام 1925.

انتمى المهندس خلدون إلى ثورة السوريين ونفى بذلك صفة الطائفية عن الثورة التي روج لها الأسد، وشكل كتيبة سلطان باشا الأطرش، وخاض معارك محافظة درعا إلى جانب أهالي حوران.

وقاد تجمع كتائب أحرار السهل والجبل وشارك في تحرير عدة مدن وبلدات في محافظة درعا عام 2012، وحظي زين الدين بتقدير كبير بين أهالي درعا السنة لانضباطه وسمعته الحسنة، وكان يشكل وجوده توازنا مع أهالي درعا من الطائفة السنية.

 قتل خلدون إلى جانب شقيقه المنشق أيضا سامر زين الدين في معركة "ضهر الجبل" الشهير ضد قوات الأسد في محافظة السويداء في 14 يناير/كانون الثاني 2013.

القنيطرة والحسكة

علاء الرفيع الملقب بـ "أبو حمزة الرفيد"، وهو مقاتل من أبناء محافظة القنيطرة، يعتبر من أوائل الثوار فيها وأحد مؤسسي لواء السبطين في ريف المحافظة الجنوبي، وينحدر من قرية الرفيد الحدودية مع الجولان المحتل، وهو أخ لقتيلين أيضا.

وشهد تحرير العديد من المناطق والثكنات العسكرية بين درعا والقنيطرة.

سطر "أبو حمزة الرفيد" ملحمة بطولية في معركة تل بزاق ضد قوات النظام السوري والتي كانت آخر معركة له، عندما اقتحم ثكنة عسكرية برفقة صديقه "أبو علي سكرة"، في ديسمبر/كانون الأول 2015 عندما حوصرت مجموعة من مقاتلي المعارضة أمام الثكنة وكان مصيرهم القتل الحتمي.

فما كان من "أبو حمزة"، إلا الاقتحام بجسده مع رفيقه لتمويه العدو وإجلاء المجموعة المحاصرة.

وبالفعل خرجت المجموعة، لكن الصديقين قتلا وسحبت جثتاهما من قبل قوات الأسد لينكل بهما.

لا يزال يتذكر أهالي مدينة الشدادي جنوب الحسكة، أول قتيل يسقط على ثراها برصاص قوات الأسد، وهو ذاك الشاب الملقب بـ "أبو وردة"، والذي لبى نداء الثورة وشارك في مظاهرات المدينة الداعية لإسقاط النظام أسوة ببقية المدن السورية الملتهبة حتى مقتله عام 2012.

صبيحة مقتل "أبو وردة" خرج من منزله إلى صلاة الجمعة ليشارك عقب الصلاة بالمظاهرة المرتقبة كما هي عليه العادة في بدايات الثورة، لتواجه قوات الأمن العسكري المتظاهرين بإطلاق الرصاص الحي وتصيب إحداها جسد "أبو وردة" ويسقط قتيلا.

ومن هنا أصبح دمه جذوة متقدة لأبناء المدينة وريفها وتبدأ معارك التحرير، إذ كان المتظاهرون يهتفون "دمك أبو وردة.. مانسانينو".