أزمة مكتومة.. لماذا تراجع تركي آل الشيخ عن دعم شركة إعلام مخابرات السيسي؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بعد انتقاده ضمنا رئيس الهيئة العامة للترفيه السعودية، تركي آل الشيخ، وكذا الفن الذي تقدمه الدولة المصرية ممثلة في الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التابعة للمخابرات، أعلنت الأخيرة في 21 فبراير/ شباط 2022 توقيع اتفاق عمل مع الممثل محمد صبحي.

وجاء الاتفاق المثير للجدل مع صبحي لـ"إنتاج مجموعة من المسرحيات، واكتشاف مواهب جديدة في التمثيل، من أجل الارتقاء بالفن واكتشاف المواهب الشابة ورعايتها"، وفق بيان عبر فيسبوك للشركة المسيطرة على الحياة الإعلامية والفنية بمصر.

هدفان رئيسان

وأوضح مصدر إعلامي وآخر أمني سابق لـ"الاستقلال" أن هدفين رئيسين وراء الاتفاق بين شركة المخابرات وصبحي بعد انتقاده لآل الشيخ، الذي يعمل أيضا مستشارا بالديوان الملكي السعودي برتبة وزير.

الأول: نقل رسالة غاضبة للسعودية بسبب تراجعها عن تمويل الإعلام المصري الذي تديره شركة المخابرات بعد تعهدها بملء مكان الإمارات.

فبعدما زار تركي آل الشيخ مصر والتقى رئيس النظام عبد الفتاح السيسي ومدير مخابراته عباس كامل في 24 مايو/ أيار 2021، تم توقيع اتفاقات تعاون، وتعهد بدفع تمويل مالي، لم يتم الإيفاء بها.

والسبب الثاني، تطويع محمد صبحي لمنعه من انتقاد شركة المخابرات مجددا، بإبرام اتفاق معه، وهو في واقع الأمر اتفاق مالي لمجرد إشرافه على أعمال مسرحية.

وأشار المصدران إلى أن تكريم جيش السيسي لمحمد صبحي في 2 فبراير 2022 أيضا، كان جزءا من الحملة ورسالة غضب مصرية أخرى، على خلفية تراجع السعودية عن دعم الإعلام المصري الاستخباري.

ورتب النظام نفسه للاعتماد على السعودية، بعد تقييده نفوذ الإمارات الإعلامي في مصر، وما تبعه من توقف دعم أبوظبي لإعلام المخابرات، وجرى الحديث عن "سعودة" إعلام المخابرات.

وضمن هذا التضييق، جرى اعتقال محمد الأمين، مالك قنوات "سي بي سي" السابق، ومتعهد التمويل الإماراتي لإعلام مصر، في قضية إتجار بالبشر، إضافة إلى إبعاد السفير الإماراتي لتجارته غير المشروعة في الآثار المصرية.

وعقب توقيع اتفاق شركة المخابرات مع صبحي، انتشر وسما #شوال_الرز، و #تركي_ال_الشيخ مجددا في مصر عبر لجان السيسي، ووصفوا الاتفاق بأنه "صفعة" على وجه الشيخ، و"أقوى رد" في إشارة أخرى للغضب المصري.

سبب التراجع

في 30 مايو/ أيار 2021، وقعت الشركة المتحدة التابعة للمخابرات ومجموعة "إم بي سي" السعودية اتفاق تعاون لإنتاج الأعمال الدرامية الكبرى التي تحتاج إلى شركات مختلفة نظرا لتكلفتها الكبيرة.

وهلل آل الشيخ لهذه الاتفاقيات على حسابه في فيسبوك قائلا: "اتفاقية مهمة بين كيانات عملاقة ولن تكون الأخيرة إن شاء الله ... يد واحدة دائما".

ثم أعلنت "الشركة المتحدة"، طرح 30 بالمئة من أسهمها بحلول عام 2024، وجرى الكشف عن نية السلطة إشراك مستثمرين، وتحديدا من السعودية لشراء الأسهم.

قبلها أكد الإعلامي عمرو أديب الذي يعمل لدى "إم بي سي" في 29 مايو/ أيار 2021 أنه "سيتم تطوير الدراما المصرية بالتعاون مع هيئة الترفيه السعودية".

وقال أديب، إن "هناك تعاونا مع إدارة الهيئة العامة للترفيه لإنتاج 60 مسلسلا، وسيتم إنتاج 15 مسرحية غير الحفلات الموسيقية، وتعاونا كبيرا في السوق المصري".

وتحدث بيان المتحدث باسم الرئاسة المصرية حينئذ عن "أعمال مشتركة، وذكر "نتائج إيجابية" للمحادثات في عدة مجالات منها "الترفيه" نتجت عن لقاء السيسي وعباس والشيخ.

وأثيرت تساؤلات حينئذ عما إذا كانت مصر أحرجت السعودية بطلب دعمها لشركة المخابرات المسؤولة عن توجيه الصحف والفضائيات والمسلسلات، عبر نشر هذه الأخبار عن دعم السعودية، لأن الصحف حذفت ما قاله "أديب" بعد نشره.

وعزز هذا نفي آل الشيخ ما قاله "أديب" مؤكدا: "يبدو أن هناك سوء فهم، أنا لا علاقة لي لا من قريب أو بعيد في الدراما المصرية.. ولا يصرح بلساني إلا أنا".

وغضب نظام السيسي عندما لم تبادر السعودية بأي خطوة خلال الشهور التسعة الماضية لشراء أسهم الشركة أو تقديم دعم مالي كما توقع.

وسبق أن أوضح قطب العربي، الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للصحافة في عهد الرئيس محمد مرسي، أنه تم الاتفاق في حضور عباس كامل خلال لقاء السيسي مع آل الشيخ على انتقال الحصة المطروحة من الشركة المتحدة للأخير أو عبر سماسرة.

وأكد أن "هناك اتفاقا مسبقا مع تركي آل الشيخ ممثلا لولي العهد محمد بن سلمان للحلول محل الإمارات في تملك نصيب كبير من الشركة".

انتظار بلا جدوى

المصدر الإعلامي الذي تحدث لـ"الاستقلال" أوضح أن القاهرة انتظرت بدء تنفيذ آل الشيخ ممثلا لولي العهد السعودي ما تعهد به من دعم لشركة المخابرات، دون جدوى.

وأوضح أن هذا عرقل نوايا حكومية لتوسيع دور شركة المخابرات لتشمل الإشراف على الصحف الحكومية.

وأشار لروايات عدة تتداول في أروقة الصحف الحكومية عن عمليات بيع لأصول هذه المؤسسات الكبرى بدعوى سداد المديونيات، وقرب نقل ملكيتها تدريجيا لشركة المخابرات وما يتطلبه ذلك من توفير سيولة مالية لتسديد ديونها.

"الحديث يدور عن استياء القاهرة من الإنفاق الضخم في مهرجانات الترفيه السعودية واستضافة ممثلين ولاعبين ومصارعين بملايين الدولارات، دون إنفاق دولار واحد في مصر، رغم وعود التمويل بعد لقاء السيسي والشيخ"، بحسب المصدر.

من جانبه، يوضح المصدر الأمني السابق أن هذه الخطط معطلة بسبب التمويل اللازم لإخراج المؤسسات الإعلامية من ديونها وتصفية أغلب عمالتها، وهو ما كانت القاهرة تعول على دعم سعودي له.

ورجح أن يكون تراجع السعودية راجعا لرفض مصر تقديم دعم فعلي للرياض وأبوظبي، خلال أزمتهما مع الحوثيين باليمن وتصاعد القصف واستهداف عمقي الدولتين الخليجيتين لأول مرة بصورة متزامنة.

وكشفت مصادر إعلامية مصرية مطلعة لموقع "العربي الجديد" الإلكتروني في 23 فبراير 2022 أن "الشركة المتحدة التابعة للمخابرات العامة، تخطط للاستيلاء على أصول المؤسسات الصحفية والإعلامية المملوكة للدولة".

والحكومة وافقت على نقل ملكية أصول المؤسسات الصحفية القومية إلى "الشركة المتحدة" بصورة تدريجية، في مدة أقصاها 5 سنوات، بذريعة تراكم 7 مليارات جنيه (445 مليون دولار)، ديون عليها لهيئة التأمينات ومصلحة الضرائب.

أزمة صبحي والشيخ

أوائل فبراير 2022 وقعت أزمة ذات طابع سياسي بين الممثل محمد صبحي وتركي آل الشيخ، حين هاجم الأول زيارة فنانين مصريين إلى الرياض، وقال إنه رفض تقديم عرض مسرحي هناك لأنه ليس "مرفهاتي".

اعتبر آل الشيخ هذه الكلمة (مرفهاتي) إهانة له، فوصف صبحي بأنه "مشخصاتي"، لتندلع معركة على مواقع التواصل ضد آل شيخ تصفه بـ "شوال الرز".

كان غريبا أن تقف نقابة الممثلين مع تركي آل الشيخ ضد محمد صبحي في بيانات تشيد بالسعودية، لكن السبب كان معروفا، إذ كان نقيب الممثلين وغالبية الممثلين في مهرجان الترفيه يتسلمون جوائز ومكافآت.

وسط هذا الجدل، كرمت الكلية الحربية محمد صبحي، فاعتبر هذا رسالة للسعودية.

وصدرت تعليمات للجان الإلكترونية التي تديرها المخابرات، بالدفاع عن صبحي في مواجهة آل الشيخ، رغم علاقته بالسيسي، ما أكد أن الأمر يتعلق بنقض آل الشيخ تعهده للسيسي بتمويل شركة إعلام ودراما المخابرات.

أحد الشباب العاملين في هذه اللجان الإلكترونية أوضح لـ "الاستقلال" أنه بعدما وصلتهم تعليمات بمهاجمة تركي الشيخ، جاءت تعليمات أخرى تطلب تهدئة حملة الهجوم عليه.

المصدر الأمني السابق الذي تحدث لـ "الاستقلال" فسر هذا بأن الأجهزة السيادية المصرية لا تريد أن تخسر تركي بالكامل لما يقدمه من دعم مالي كبير في مجال صناعة الإعلام والترفيه في مصر، والأمر ليس سوى "رسالة تنبيه" أو "غضب".

عربيا، كانت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، أكدت في 5 فبراير 2022 أن المخابرات المصرية ساخطة على آل الشيخ، وأن الحملة التي يتعرض لها في مصر ليست بعيدة من بصمات المخابرات.

وأوضحت أن سبب سخطها هو تمادي آل الشيخ في شراء الفنانين المصريين بعيدا عنها، وأن الأجهزة المصرية قلقه من تأثير هذا الزحف السعودي على نفوذها في المجالين الفني والإعلامي.

وجاء هذا في ظل تقارير إعلامية تتحدث عن انطفاء الأنوار الثقافية التقليدية التي كانت تميز عواصم مثل القاهرة وبيروت ودمشق بفعل عوامل مختلفة، وسعي السعودية بالمقابل لتصبح بديلا ثقافيا.

وأكدت "الأخبار" أن تركي، ضخ ملايين الدولارات في فترات سابقة لإنقاذ المنظومة التي تديرها المخابرات، إلا أن تدخلاته المباشرة أخيرا تسببت في إغضاب الأجهزة المصرية.

وأنه تدخل في 2021 لتسديد ديون عن شركات المخابرات بلغت ملايين الجنيهات، عبر طرق عدة تنوعت ما بين شراء الأعمال الدرامية المصرية من خلال منصة "شاهد" التابعة لـ"إم بي سي" واستثمارات وتعاون مشترك بعدة مجالات.

لكن تدخله في إغداق الأموال على الممثلين الذين تحاول شركة المخابرات تقليص أجورهم قد يجعلهم يتمردون ما يؤثر على احتكارها السوق.

وسبق أن غضبت المخابرات المصرية من آل الشيخ عام 2018 لتدخله في قطاع الرياضة، وقالت مصادر مصرية حينئذ أن عباس كامل طلب من ولي العهد السعودي لجمه ومنعه من التدخل في شؤون الرياضة لتأثيره على سمعة المملكة في مصر.

السيسي والشيخ

وتمتد العلاقة بين السيسي وتركي آل الشيخ إلى ما بعد انقلاب 2013 مباشرة، وسبق أن نشر المستشار السعودي صورا ودية عديدة مع رئيس النظام المصري خلال الأعوام الماضية. 

واستقبل السيسي آل الشيخ عدة مرات، تارة باعتباره رئيسا للهيئة العامة للرياضة، وتارة كرئيس لهيئة الترفيه ومستشار الديوان الملكي، كما حدثت بينهم لقاءات ودية ضمت مسؤولين سعوديين وإماراتيين.

وكانت الخسائر المالية التي واجهت أجهزة السيسي الإعلامية، سببا مباشرا لإفساح المجال للاستثمار السعودي في الإعلام المصري عبر تركي آل الشيخ ذراع الترفيه لابن سلمان، كما يقول إعلاميون مصريون لـ "الاستقلال".

وأوضحوا، أن آل الشيخ بعد تعيينه رئيسا لهيئة الترفيه، بدأ يتدخل في الفن المصري مستفيدا من فشل المخابرات في إدارة هذا الملف وتكبدها خسائر مالية كبيرة رغم احتكارها السوق.

وبينوا أن هذا يفسر أسباب التغييرات في قيادة شركة المخابرات (المتحدة) في 29 مايو 2021، إرضاء لآل الشيخ، واستعدادا لدخول ملاك سعوديين جدد يشترون أسهم الشركة المعروضة للبيع.

وتم التخلص من فريق إدارة شركة المخابرات السابق الموالي للإمارات (حسام صالح، وسمير يوسف، وحازم شفيق، وهشام سليمان) وتعيين فريق آخر قريب من السعودية، أو بعيد عن لوبي إعلام الإمارات في مصر.

لكن ما أغضب القاهرة عدم تجاوب تركي آل الشيخ مع هذه الخطوات المصرية وشراء الأسهم المعروضة وعرقلة خطط استكمال هيمنة المخابرات على كافة المنظومة الإعلامية والدرامية في مصر.

بدلا من ذلك، أغدق تركي آل الشيخ، الملايين وربما مليارات الريالات السعودية على الفنانين والإعلاميين المصريين ليستخدمهم في الدعاية للسعودية "الجديدة".

انعكس هذا على موقف النقابة المتخاذل من صبحي، وحين قال الممثل حسن الرداد إنه "يتمنى العيش في السعودية لأنها ملتقى الفن".

وحين خر رامز جلال ساجدا لحظة حصوله على جائزة صناع الترفيه، وفرح عمرو أديب بجائزة غريبة أثارت سخرية الجميع.

وظهر هذا النفوذ السعودي على الممثلين المصريين حين عاقب آل شيخ الممثل باسم سمرة لتضامنه مع محمد صبحي حين تصادم معه، وحذفت منصة "شاهد" السعودية، مسلسله "منورة بأهلها" قبل ساعات من عرضه.

ثم عاد مسلسل "منورة بأهلها" إلى منصة "شاهد" بعد اعتذار باسم سمرة علنا لتركي آل الشيخ.