بعد سيطرة الإمارات لسنوات.. هذه محاولات "سعودة" الإعلام المصري

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثير جدل بشأن دواعي لقاء رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي ومدير مخابراته عباس كامل، لرئيس هيئة الترفيه في السعودية، المستشار بالديوان الملكي تركي آل الشيخ في 24 مايو/ أيار 2021.

وتساءل كثيرون: ما الذي يدفع "رئيس جمهورية" ومدير مخابراته لمقابلة "رئيس هيئة ترفيه"، وما هو نوع التشاور الذي يجمعهم؟

بيان المتحدث الرئاسي عن اللقاء تحدث عن "أعمال مشتركة"، وحين أشار إلى تطور العلاقات، ذكر "نتائج إيجابية" في عدة مجالات منها "الترفيه".

كانت المفارقة أنه في اليوم نفسه ظهرت أنباء الإطاحة بفرق عمل شركة المخابرات (المتحدة للإعلام) وتعيين طاقم جديد بسبب خسائر وفساد مالي.

الخبر نفته "المتحدة للإعلام" في البداية، قبل أن يتضح صحته لاحقا، ويجري تغيير رئيس وطاقم عمل الشركة في مؤتمر صحفي يعلن فيه عن خسائر بحوالي 400 مليون جنيه.

قبل مؤتمر "المتحدة للخدمات الإعلامية" 29 مايو/ أيار 2021 بيوم، سرب الإعلامي عمرو أديب التفاصيل، مؤكدا أن جانبا من تطويرها سيتم بالتعاون مع هيئة الترفيه السعودية.

قال أديب إن "هناك تعاونا مع إدارة الهيئة العامة للترفيه لإنتاج 60 مسلسلا، وسيتم إنتاج 15 مسرحية غير الحفلات الموسيقية، وتعاون كبير في السوق المصري".

وبعدما نشرت الصحف المصرية ذلك مصحوبا بفيديو عمرو أديب، بعناوين "تركي آل الشيخ يقتحم الدراما المصرية وينتج 60 مسلسلا"، حذفت الخبر والفيديو.

خرج "آل الشيخ" مستشار الديوان الملكي السعودي لينفي غاضبا ما قاله "أديب" ويقول: "يبدو أن هناك سوء فهم، أنا لا علاقة لي لا من قريب أو بعيد في الدراما المصرية... ولا يصرح بلساني إلا أنا".

تأكيد أديب ونفي الشيخ طرحا تساؤلات من قبيل: هل ورطت المصادر الأمنية التي أعطت التفاصيل لأديب، تركي الشيخ، وفضحت مشاركته في شركة المخابرات فبادر لنفي الأمر غاضبا؟.

أخيرا، جاء إعلان "الشركة المتحدة"، طرح 30 بالمئة من أسهمها بحلول عام 2024، ليكشف عن نية السلطة إشراك مستثمرين، وتحديدا السعودية.

السيسي والشيخ

فتح الشركة أمام الاستثمارات الأجنبية عبر طرحها في البورصة، ليس سوى عملية إحلال ونقل بوسائل ناعمة لعملية التحكم في الإعلام المصري من الإمارات إلى السعودية، حسب متابعين.

انتزاع نظام عبد الفتاح السيسي الصحف والفضائيات من رجال الأعمال بالضغط والترهيب، يجعل من الصعب تصور دخول أي مصري هذا المجال، ما يفتح الباب للتمويل الخارجي، والسعودي تحديدا عبر "البورصة".

تمتد العلاقة بين السيسي وتركي آل الشيخ إلى ما بعد انقلاب 2013 مباشرة، وسبق أن نشر المستشار السعودي صورا ودية عديدة مع رئيس النظام خلال الأعوام الماضية. 

واستقبل السيسي آل الشيخ عدة مرات، تارة باعتباره رئيسا للهيئة العامة للرياضة، وتارة كرئيس لهيئة الترفيه ومستشار الديوان الملكي، كما حدثت بينهم لقاءات ودية ضمت مسؤولين سعوديين وإماراتيين.

حضور عباس كامل لقاء السيسي الأخير مع "الشيخ" اعتبره مراقبون أمرا طبيعيا في ظل ما تردد عن إشراك السعودية في تمويل إعلام شركة المخابرات المصرية.

"على الأرجح تم الاتفاق على انتقال الحصة المطروحة من الشركة المتحدة له بشكل مباشر أو عبر سماسرة آخرين يظهرون بدلا منه"، حسبما يرى قطب العربي، الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للصحافة في عهد الرئيس محمد مرسي.

"العربي" يعتقد أن "هناك اتفاقا مسبقا مع تركي آل الشيخ ممثلا لولي العهد محمد بن سلمان للحلول محل الإمارات في تملك نصيب كبير من الشركة".

سرعة حذف ما قاله عمرو أديب عن مشاركة السعودية وتركي آل الشيخ حول الاستثمار السعودي في شركة المخابرات، وحذف الفيديو أيضا من موقع محطة MBC مصر، يشير إلى أن الواقعة صحيحة لكن لا يراد الإعلان عنها، بحسب إعلامي مصر لـ "الاستقلال".

أديب كان يتحدث – في الفيديو المحذوف- عن كواليس لقاء السيسي وعباس كامل وتركي الشيخ، وعن "تنسيق كامل"، و"اجتماعات لوضع الخطط"، فمس قضية حساسة تتعلق ببيزنس العسكر الإعلامي، وفق الإعلامي الذي فضل عدم ذكر اسمه.

يد واحدة

رغم نفي "الشيخ" ما قاله "أديب" أو إبرام أي اتفاق إعلامي مع السيسي، فوجئ الجميع بتوقيع مذكرتي تفاهم بين شركة المخابرات (المتحدة) ومجموعة «MBC»السعودية 30 مايو/ أيار 2021.

ضمن هذا الاتفاق المعلن جاء: "التعاون في إنتاج الأعمال الدرامية الكبرى التي تحتاج إلى شركات مختلفة نظرا لتكلفتها الكبيرة".

بل وهلل "الشيخ" لهذه الاتفاقيات على حسابه في فيسبوك قائلا: "اتفاقية مهمة بين كيانات عملاقة، ولن تكون الأخيرة إن شاء الله ... إيد وحدة دايما"!.

الأغرب أن الرئيس التنفيذي للشركة المتحدة حسام صالح، اعترف أن هذه الاتفاقيات "استكمال لما حدث في مؤتمر المتحدة"، ما يؤكد العلاقة بين التغييرات بشركة المخابرات، ودخول السعودية كمالك أو ممول جديد للإعلام المصري.

صالح أكد أيضا أن "هناك اتفاقات أخرى قادمة فى الطريق لفتح أبواب تعاون أكثر".

   

ما يحدث يبدو أنه نقل وتغيير المتحكمين في الإعلام المصري من اللاعب الإماراتي الذي بدأ يصطدم بنفوذ المخابرات المصرية، لصالح الكفيل السعودي، حسبما يرى متابعون.

الخسائر المالية التي واجهت أجهزة السيسي الإعلامية، كانت سببا مباشرا لإفساح المجال للاستثمار السعودي في الإعلام المصري عبر تركي آل الشيخ ذراع الترفيه لابن سلمان، كما يقول خبراء إعلاميون مصريون لـ "الاستقلال".

قالوا إن: "الشيخ" تسلل في البداية إلى عالم الرياضة المصري من واقع مسؤوليته في المملكة كـ "رئيس هيئة الرياضة السعودي"، فتدخل في شؤون الأندية المصرية وتسبب في مشكلات كبيرة عبر هدايا ومنح.

وأنه بعد تعيينه رئيسا لهيئة الترفيه، بدأ يتدخل في الفن المصري مستفيدا من فشل المخابرات في إدارة هذا الملف وتكبدها خسائر كبيرة، 400 مليون جنيه، في 4 سنوات رغم احتكارها السوق.

"تركي آل شيخ مكلف بالسيطرة على أدوات القوة الناعمة لمصر في المنطقة، وحاول اختراق الرياضة المصرية، لكنه فشل فى مهمته، والآن يغير جلده، ويعود من جديد ليحاول السيطرة على الثقافة والفنون فى مصر"، حسبما يقول الباحث في شؤون الأمن القومي "جمال طه".

واعتماد تركي آل شيخ على ميزانية تمويل مفتوحة ستكون هي ركيزة الفساد والإفساد لقطاع يعتبر ضمن ملفات الأمن القومي في مصر، وفق ما قاله طه على فيسبوك.

فريق سعودي

"لأن الملاك الجدد لجزء من أسهم شركة المخابرات، سعوديون، فقد كان من الطبيعي التخلص من فريق الشركة السابق الذي يوالي بعض أفراده الإمارات"، حسبما يؤكد خبراء الإعلام الذين استطلعت "الاستقلال" آراءهم.

تزامن التخلص من فريق إدارة شركة المخابرات السابق الموالي للإمارات (حسام صالح، وسمير يوسف، وحازم شفيق، وهشام سليمان) مع تعيين فريق آخر قريب من السعودية، أو بعيد عن لوبي إعلام الإمارات في مصر.

"هناك علاقة غير ودية بين آل الشيخ وتامر مرسي رئيس المتحدة السابق لذا تم عزله من منصب رئيس الشركة إلى مجرد عضو من أعضاء مجلس إدارتها"، بحسب إعلامي بأحد القنوات المصرية الخاصة لـ "الاستقلال".

"حين تولى مرسي رئاسة شركة المخابرات (إعلام المصريين) 22 فبراير/ شباط 2018، والتي تحولت لاحقا للمتحدة، أغضب تركي الشيخ عندما كان رئيسا لنادي وقناة بيراميدز"، بحسب المصدر.

"شركة برزنتيشن التابعة لمجموعة إعلام المصريين، والتي تحتكر البث التلفزيوني لمباريات الدوري المصري رفضت بيع حق بث مباريات الفريق لقناة آل الشيخ".

وتابع المصدر أنه "عقب هذه الواقعة جرى إبعاد محمد كامل مؤسس شركة برزنتيشن وصديق تامر مرسي، عن رئاسة مجلس إدارتها، وتردد أن هذا بقرار من عباس كامل مدير المخابرات بعد شكوى الشيخ له".

 ظلت الخلافات مستمرة بين آل الشيخ وتامر مرسي بشكل علني، كان أبرزها دعوة المستشار السعودي في 10 مارس/آذار 2021 المنتجين العرب لاجتماع قال إنه يهدف إلى "تطوير الصناعة ودعم الإنتاج الفني"، ما بدا نقدا لاحتكار "سينرجي" لهذا الإنتاج.

أيضا تزامن إبعاد فريق مرسي عن "المتحدة" مع إبعاد خالد صلاح، رئيس تحرير "اليوم السابع" القريب من فريق الإمارات المسيطر على الإعلام المصري، منذ 2011. 

وأدى عودة جهاز المخابرات للسيطرة على إعلام مصر منذ 2017 عبر "إعلام المصريين" و"إيجل كابيتال"، ثم "المتحدة للإعلام" للتصادم مع سيطرة لوبي الإمارات الإعلامي على إعلام مصر.

شجع تعارض وتباعد الرؤى بين سياستي مصر والإمارات في عدة ملفات أخرى مثل ليبيا وسد النهضة والتطبيع مع إسرائيل الذي أضر اقتصاديات بقناة السويس، القاهرة على التصدي لتغلغل الإمارات في الإعلام المصري.

الخسائر المتتالية والفشل في إدارة منظومة المخابرات الإعلامية دفع القائمين عليها للاستعانة برجال البنوك والاستثمار أبرزهم عبد الله حسن مساعد محافظ البنك المركزي الأسبق والرئيس التنفيذي السابق للبنك العربي الإفريقي.

وطرح جزءا من أسهمها في البورصة بعد 3 سنوات (2024)، ربما يكون هذا أحد شروط الممول السعودي الجديد.