وزير تونسي سابق لـ"الاستقلال": شعبية سعيد "نار تبن" واستعانته بمليشيا انزلاق خطير

تونس - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكد القيادي في حراك "توانسة من أجل الديمقراطية" الوزير السابق عبداللطيف المكي، أن سلطة الرئيس قيس سعيد تتصرف بعقلية ديكتاتور، ويجب وحدة الأحزاب المعارضة للانقلاب من أجل تقديم بدائل للوضع الراهن. 

وأضاف المكي في حوار مع "الاستقلال" أن السلطة القائمة تعاملت بصورة استبدادية في ذكرى الثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2022، إذ وضعت الأجهزة الأمنية في وجه المواطنين التونسيين الذين سطروا درسا في العطاء والتضحية.

وكشف المكي عن شبهات حقيقية حول وجود عناصر مدنية تنتمي لما بات يعرف بـ"الحشد الشعبي" (مجموعات مناصرة للانقلاب)، قامت بقمع المواطنين واستهداف المعارضين خلال تظاهرات ذكرى الثورة.

وشدد على أهمية إيجاد قنوات للتنسيق بين قوى المعارضة، مؤكدا أنه عبر الوحدة يمكن كسر قيس سعيّد، ومن ثم التفكير في أساليب جديدة للنضال واسترجاع الديمقراطية.

ولفت إلى أنه يفرّق بين قيادة النهضة المزمنة وبين الحركة كحزب رئيسي له أطروحة تلبي احتياج شعبي وهو مكون باق.

والمكي (59 عاما) طبيب وسياسي، شغل منصب وزير الصحة في أول حكومة منتخبة بعد ثورة 2011 برئاسة حمادي الجبالي وكذلك في حكومتي علي العريض التي استقالت بداية 2014، وإلياس الفخفاخ في 2019، وأدار حينها القطاع الصحّي في مواجهة الموجة الأولى لكورونا.

وهو أيضا سجين سياسي سابق وأمين سابق للاتحاد التونسي للطلبة نهاية الثمانينات، وقاد تيارا معارضا داخل حركة النهضة، قبل أن يعلن رفقة 113 قياديا عن استقالته في سبتمبر/ أيلول 2021.

وتعيش تونس منذ 25 يوليو/ تموز 2021 مرحلة حرجة، على خلفية انقلاب قيس سعيد على السلطات المنتخبة، ولجوئه إلى مقاربات أمنية للتعامل مع المعارضين لقرارته، والمطالبين بعودة دولة القانون والحريات.

و"توانسة من أجل الديمقراطية"، حراك وطني حقوقي جامع أسس بعد الانقلاب، من أجل عودة المسار الديمقراطي في تونس.

عقلية ديكتاتورية

كيف قرأتم ما مارسته السلطة ضد تظاهرات 14 يناير 2022؟ 

السلطة تصرفت كعقلية نظام ديكتاتوري، المنع قام أولا بافتعال الأسباب بحجة مواجهة فيروس كورونا بفرض حظر التجول الليلي ومنع لجميع التظاهرات.

هذا القرار كان من الممكن اتخاذه والبدء في تنفيذه ابتداء من 15 يناير، إن كانت السلطة حقا تؤمن بالحريات.

لكن ما حصل هو تحايل على الذكاء الجمعي للناس، ووضعوا قوات الأمن وجها لوجه مع المواطنين ما وضع جزءا منهم في حرج بين تنفيذ التعليمات واحترام حق التونسيين في التظاهر.

العالم شاهد صور الاستبداد في أسوأ ما يكون، الصفع، واستعمال خراطيم المياه، واالأساليب الاستفزازية باستعمال الدراجات النارية، واعتقال المواطنين، وترويع المتظاهرين، وفوق كل ذلك التزوير الإعلامي مثلما جاء في كلمة رئيس الجمهورية أثناء حديثه عن حجم المظاهرات ونوعيتها .

وما كان لافتا هو منسوب الحقد الذي بدا على عدد من العناصر الأمنية، التي راج فيما بعد أنها عناصر تنتمي إلى ما يُعرف بـ"الحشد الشعبي"، وهذه سابقة في تاريخ الدولة التونسية، تتمثل في وقوف المليشيات جنبا إلى جنب مع أجهزة الشرطة.

وهو ما يعتبر انزلاق خطير، لذلك فإن القيادات الأمنية في وزارة الداخلية مدعوة إلى التحقيق في الأمر.

ماذا تعني بالحشد الشعبي؟ 

الحشد الشعبي هو التنظيم الذي تم الإعلان عنه بعد 25 يوليو 2021، إذ نشاهد شخصيات محسوبة على قيس سعيّد تقف مع وزارة الداخلية مثل رضا شهاب المكي المعروف برضا لينين، وهو رئيس الحملة الانتخابية لسعيد. 

ويشتبه في أن من حاولوا إيقاف العميد السابق للمحامين عبد الرزاق الكيلاني، ليسوا أمنيين، بل من المرجح أنهم من المنتمين إلى هذه المجموعة التي تتحرك بشكل يشبه المليشيا.

قيس سعيّد استهزأ في خطابه الأخير بحجم المظاهرات، هل من الممكن مقارنة شعبية المعارضة بشعبيته؟ 

شعبية قيس سعيّد كنار التبن، ستنطفئ أمام التحديات المنتظرة الاقتصادية والاجتماعية، فاليوم التونسيون يشتكون من غلاء الأسعار وانهيار محتمل للوضع الاقتصادي.

فلأول مرة في تونس يتأخر صرف الرواتب لمدد طويلة، ومخابز الأحياء تعاني من نقص في الطحين، فضلا عن عجز الميزانية الكبير (3,2 مليارات دولار)، التي تتحدث التقديرات على أنها قائمة على متوسط خاطئ لسعر النفط، حيث وصل سعر البرميل حاليا 87 دولار، ما يعني عجزا إضافيا.

شعبية قيس سعيّد مستمدّة فقط من حالة الغضب على ما قبل 25 يوليو، الذي انتقدناه جميعا ولكن سعيّد استغلّه لينفّذ الانقلاب.

دور المعارضة

 وجهت اتهامات لكم ولعموم المعارضة بأنكم تخدمون أجندة حركة النهضة.. ما مدى صحّة ذلك؟ 

أنا أفرّق ما بين قيادة النهضة المزمنة وبين حركة النهضة كحزب رئيسي له أطروحة تلبي احتياج شعبي وهو مكون باق.

لكن قيادة النهضة أدخلت بتصرفاتها هشاشة كبيرة على الوضع السياسي، بعدم قدرتها على تجميع قوى الوسط، وبمسار سياسي منذ 2013 جعلت الثورة في نزول والمنظومات القديمة وأسوأ ما فيها من لوبيات في صعود.

القول اليوم إن كل المعارضة تدور في فلك النهضة غير صحيح، اليوم أحزاب مثل التيار والتكتل والحزب الجمهوري وغيرها لا تتفق مع النهضة ولا مع سياستها، لكنها تتفق في معارضة الانقلاب وهذا جمّع الجميع.

اليوم الاختلاف مع حركة النهضة واقع حقيقي ومطالبتها بتقديم نقد ذاتي معقول، لكن الآخرين أيضا مطالبين بذلك لأن الجميع ساهم بمنسوب خطأ، كل بحجمه وإن كان اللوم الأكبر يوجه إلى النهضة.

اليوم علينا جميعا أن نتجاوز مشاحنات الماضي، لا لإلغائها ولكن لتجميدها مؤقتا من أجل المستقبل، وبعد ذلك يكون هناك تقييم واستخلاص الدروس.

قيس سعيّد قدّم خارطة طريق لإنهاء ما يعتبره حالة استثنائية في المقابل المعارضة لم تقدم حلول؟ 

قيس سعيّد تحت الضغط قدّم رزنامة تسمح له بحكم البلاد لمدة سنتين بالمراسيم وبشكل منفرد، ويمكنه تغيير المشهد السياسي كاملا لذلك هذه الأجندة فقط لربح الوقت وإسكات الأصوات المطالبة بخارطة طريق.

وسعيّد تحايل على مطلب رفع الإجراءات الاستثنائية وعودة العمل بالدستور قبل الذهاب إلى حوار وطني، فقدّم خارطة طريق جوفاء ، لأن الحديث عن الاستشارة الإلكترونية قدّم أسئلة إجاباتها بديهية. 

وهو يمتلك برنامج وحيد هو السيطرة على السلطة فقط، وليس إيجاد حلول للمواطنين، يريد أن يرسي نظام رئاسي استبدادي بدور هامشي وصوري للبرلمان، إذ لا يمكن لشخص قام بانقلاب أن يرسي نظام ديمقراطي.

في المقابل الانقسام أثر سلبا على أداء المعارضة، ولكن مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" قدمت "المبادرة الديمقراطية" وهي دعت لعودة البرلمان بشكل معدّل لاستكمال ترتيب الانتخابات السابقة لأوانها وتغيير تركيبة رئاسة المجلس بقانون داخلي مختلف.

الطبيعي أن هناك برلمان، سلطة تشريعية منتخبة وشرعية يجب أن تضطلع بدورها، وأنا أدعو النواب إلى التحرك وعقد جلسة في أقرب فرصة ويتخذ قرارات من باب مسؤوليتهم الوطنية.

خطوات مهمة

كيف رأيتم لقاء قيس سعيّد بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل.. هل تنحاز أكبر نقابة عمالية للسلطة؟ 

لا أتصور ذلك ، هناك قراءة خاطئة لهذا اللقاء، حديث نور الدين الطبوبي بعد لقائه بسعيّد أكّد صمود للاتحاد الشغل أمام برنامج الرئيس، الذي فيه إجراءات موجعة في حق الطبقات الإجتماعية الضعيفة والمتوسطة.

وحتى في صورة مقارنتها باللقاءات السابقة، فإنها كانت من أجل الاستهلاك الإعلامي فقط ، ولم يفي بكل ما وعد به .

كلمة الأمين العام كانت مطمئنة تطرق فيها إلى ضرورة التشريك والتشاور والحوار وعدم المس بالمجلس الأعلى للقضاء، وغير مطلوب من الاتحاد الاصطفاف الحزبي يكفي أن ينحاز لمبادئه والدفاع عن منظوريه وحقوقهم .

ما هي الخطوات المقبلة الحراك الرافض للانقلاب؟ 

هناك مشاورات وتنسيق من أجل إحياء ذكرى سنّ دستور البلاد في 27 يناير/كانون الثاني 2022، ويجب أن يكون هذا التحرك الأكبر خاصة أن قيس سعيّد استهدف الدستور وعطّله وتجاوزه. 

في نفس الوقت هذا التحرك يأتي بعد القمع الذي مورس في 14 يناير، الذي لازال إلى الآن المحامون يواصلون التحرك من أجل إطلاق سراح المعتقلين والدفاع عمن تم تلفيق قضايا لهم.

وأمام المأزق والتعنت الحالي، يمكن كسر قيس سعيّد بوحدة المعارضة، والتنديد بالتدخل الأجنبي الداعم للانقلاب، والتفكير في أساليب جديدة للنضال واسترجاع الديمقراطية.