"غياب الثمن".. لهذا ينظر النظام السوري بيأس لعودته إلى الجامعة العربية

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

رغم الترويج المتصاعد من قبل قادة ودبلوماسيين عرب، لعودة نظام الأسد لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، بعد حجبه عنه أواخر عام 2011، إلا أن تصريحا واحدا من طرف النظام السوري كان كافيا لإظهار مدى الهوة حول رجوعه إلى الحظيرة العربية.

وكشف وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد عن موقف مغاير في توقيت حساس يسبق قمة الجزائر العربية المقررة مبدئيا في مارس/آذار 2022، بقوله إن العودة إلى جامعة الدول العربية "ليست في مركز اهتمامنا".

أهمية الجامعة

وهاجم المقداد وفق ما نقلت وكالة أنباء "سانا" الرسمية في 17 يناير/كانون الثاني 2022، الجامعة العربية منتقصا منها بقوله إنها "مؤسسة يجتمع فيها العرب، ولم تحقق أيا من الأهداف".

وأضاف: "ما يهمنا هو تحسين العلاقات مع الدول العربية، نحن نعمل على إعادتها إلى ما كانت عليه، ولدينا الآن 14 سفارة عربية مفتوحة"، وفق قوله.

ولم يكن خروج النظام السوري طوعيا من الجامعة العربية، بل كان قسريا، جعل رئيس النظام بشار الأسد في عزلة منذ عقد من الزمن.

إذ صدر قرار وزراء الخارجية العرب نهاية عام 2011، بتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، وسحب أغلب الدول السفراء من دمشق، ردا على قمع أجهزة مخابرات الأسد لثورة الشعب السوري في مارس/آذار من العام نفسه.

ورغم أن النظام السوري كان يعول على عدد من الدول العربية، التي أعادت تطبيع العلاقات معه، لإدخاله للجامعة، إلا أن محاولات تلميع النظام التي عملت عليها تلك الدول باءت بالفشل.

إذ كانت تأمل دول مثل الجزائر وتدعمها أخرى كالإمارات والأردن، أن يحضر النظام السوري القمة في الجزائر، التي لا يزال موعد عقدها النهائي غير محسوم بعد، والتي قد تتجاوز الشهر المحدد كتقويم لانعقادها السنوي، نظرا للخلافات الكبيرة التي يتعلق أحدها بتوجيه دعوة للنظام السوري لحضورها.

وقدم الدبلوماسي السوري السابق وكبير الزملاء في "مركز عمران للدراسات الإستراتيجية"، داني بعاج، لـ"الاستقلال"، نظرة دقيقة لكيفية تعاطي النظام السوري مع مسألة عودته للجامعة العربية.

ويقول بعاج إنه "رغم أن النظام السوري دكتاتوري مرتبط بعائلة، إلا أنه بعثي بالتركيبة الأيديولوجية، بمعنى أنه يرى أن على العرب أن يسمعوا كلامه، ويجب أن تُسخر الجامعة لمصلحته".

واستدرك قائلا: "ومن هذه النقطة فإن النظام السوري ينظر إلى المكسب الذي سيحققه من العودة للجامعة العربية، لكون النظام لم يخرج رسميا من الأمم المتحدة كتمثيل، كما لديه علاقات ثنائية مع أوروبا وآسيا"، منوها إلى أن "محفلا إقليميا مثل الجامعة العربية، هو مهم للنظام كونه المحل الأول الذي انتزع منه".

وأردف بعاج: "وعليه فإن العودة للجامعة يعني للنظام السوري انتهاء الحقبة التي رفضت فيه شرعيته وتسليم المقعد للمعارضة السورية التي لم تستثمر هذه الفرصة".

نقطة الصفر

وذهب الدبلوماسي السابق للقول إن "عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، لن تكون دون ثمن، لأنه قادر على فتح الخطوط بشكل ثنائي مع بقية العرب، وبالتالي فإن كلام فيصل مقداد يعكس السياسة الحالية للنظام السوري، الذي يبحث عن العودة إلى نقطة الصفر كشرط لعودته للجامعة".

وتصطف كل من الإمارات، وسلطنة عمان، ولبنان، والأردن، والعراق، والجزائر، في موقف موحد كأكبر الدول الداعمة لعودة النظام السوري للجامعة، وخاصة بعد تسارع وتيرة التطبيع معه.

كما أن مصر على لسان سامح شكري وزير خارجية نظام عبد الفتاح السيسي قال في 20 مارس/ آذار 2019، بأن القاهرة "ليس لديها أي شروط لعودة سوريا" إلى الجامعة العربية.

وحول ذلك، يؤكد كبير الزملاء في "مركز عمران" أن "النظام السوري يلجأ إلى تثمين خطوات دولية معينة، لكنه ينظر إلى العودة للجامعة على أنها ليست أولوية له في هذه المرحلة بل هي ختام لعودة الشرعية له وخاصة أن المعارضة السورية تركت المقعد شاغرا ولم تستثمره".

بالمقابل هناك جملة من المعطيات والرسائل الحاسمة التي صدرت من بعض الدول العربية، بدا وكأنها أربكت حسابات النظام السوري للعودة للجامعة وكذلك المنادون بها.

ومنها شن مندوب الرياض لدى الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2021 هجوما على رئيس النظام السوري شخصيا من داخل قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، حاسما على المدى المنظور "أي تقارب من الرياض تجاه الأسد".

وقال المعلمي: "لا تصدقوهم إن وقف زعيمهم (الأسد) فوق هرم من جماجم الأبرياء مدعيا النصر العظيم.. فكيف يمكن أن يعلن ذلك بين أشلاء الأبرياء وأنقاض المساجد".

وأضاف: "لا تصدقوهم إن قالوا إن الأمن قد استتب، واسألوا المليون ونصف مليون سوري الذين أضيفوا هذا العام لقائمة المهددين بغياب الأمن الغذائي".

وجاءت هذه الكلمة محددة موقف الرياض من النظام السوري وعودته إلى الحضن العربي، الذي عملت من أجلها دول عربية عدة، وكانت تبحث عن توافق لإعطائه بطاقة رسمية لحضور قمة الجزائر.

لا سيما عقب حديث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أنه من المفترض أن تشارك سوريا في القمة العربية بالجزائر في مارس 2022 بعد تأجيلها منذ عام 2020 بسبب جائحة كورونا، مضيفا أن بلاده تسعى لأن تكون القمة "جامعة للصف العربي".

تصلد عربي

لكن وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، عاد وأكد موقف بلاده من الأسد، بعدما قال في تصريحات بتاريخ 6 ديسمبر/ كانون الأول 2021، إن موقف الدوحة من مشاركة النظام السوري بالدورة المقبلة لجامعة الدول العربية في الجزائر، لم يتغير.

وشدد آل ثاني على أن الأسباب التي عُلقت عضوية سوريا بسببها لا تزال قائمة، معتبرا أنه "لا منطق للتطبيع مع النظام دون اتخاذ خطوات جدية بهدف إيجاد حل سياسي لإنقاذ ومساعدة الشعب السوري وإعادة اللاجئين إلى بلادهم".

وعقب ذلك أخذ النظام السوري وقتا للرد على تصريحات الدوحة، ليخرج نائب وزير خارجية النظام السوري، بشار الجعفري، في 22 ديسمبر 2021، ويتهم قطر بعرقلة مشاركة النظام في اجتماعات الجامعة العربية.

وقال الجعفري إن معظم الدول العربية تؤيد عودة النظام السوري إلى الجامعة، معتبرا أن النظام لا يقبل بأن تفرض عليه أي شروط للمشاركة، حسب تعبيره.

وحدد الدبلوماسي السوري السابق، بشار الحاج علي، جملة الموانع الأساسية التي تحول دون عودة الأسد للجلوس على مقعد الجامعة العربية مرة أخرى بقوله لـ "الاستقلال" إنه "من الواضح أن محاولات التطبيع أو الترويج لإعادة تعويم هذه السلطة الحاكمة هي سراب وفقاعات إعلامية فارغة".

وأضاف الدبلوماسي: "من المعلوم للمهتمين أن هناك شروطا للعودة إلى جامعة الدول العربية وخطوطا حمراء، لا يمتلك النظام السوري المقدرة على تلبيتها وهي تطبيق الحل السياسي وفقا لبيان جنيف والقرارات الأممية خاصة 2254، والابتعاد عن نظام الملالي في طهران".

واستدرك قائلا: "بطبيعة الحال هذا النظام غير قادر على التفكير بذلك حتى لو أراد بعد أن غرق وأغرق حلفاءه بدماء السوريين".

وإلى الآن ما يزال القرار الأممي 2254 الصادر عام 2015، والممهد للحل بسوريا دون تطبيق، ولم يحقق أيا من سلال العملية السياسية الأربع وهي: الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.

جملة موانع

ويؤكد الحاج علي أنه "كما هي سياسة الدول تراعي المصالح، فلا يمكن للدول العربية قبول عودة النظام السوري، دون أن يقدم على خطوات مهمة تجاه المصالح العربية المشتركة وخاصة الأمن القومي العربي الذي يتناقض مع الارتماء في حضن طهران".

وأردف قائلا: "وكذلك لم يستطع أن يتجاوب مع ما طرح أيضا من خلال سياسة الخطوة مقابل خطوة في المسار السياسي خاصة في جنيف وفي جولات اللجنة الدستورية".

وأعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2021 فشل اجتماعات اللجنة الدستورية بين النظام السوري والمعارضة والمجتمع المدني، في نسختها السادسة في صياغة دستور جديد لسوريا.

وأكد بيدرسون أن وفد النظام السوري "لم يقدم أوراقا في اليوم الأخير للاجتماعات، ما شكل خيبة أمل كبرى"، وساهم "تعنت" النظام بخلق حالة من الرأي العام بشأن ضرورة انسحاب المعارضة السورية من اللجنة، لأنها "تؤدي أولا لكسب الوقت والمماطلة وفي نهاية المطاف لتعويم نظام بشار الأسد، وفق الرؤية الروسية".

ومما شكل مفاجئة في الأوساط السورية هو تصريح ألكسندر لافرنتييف، مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، الذي عد بمثابة "شهادة وفاة" للجنة الدستورية السورية، حينما قال إن "كتابة وإعداد دستور جديد ينبغي ألا يهدف إلى تغيير السلطة في دمشق".

وأضاف وفق ما نقلته وكالة تاس الروسية في 27 ديسمبر 2021 أن النظام السوري "راض عن الدستور الحالي، ولا يرى ضرورة لإحداث أي تغيير فيه".

وتابع قائلا: "طبعا إذا رأت المعارضة ضرورة إجراء تغييرات، فيجب النظر في القضايا التي تهمها وطرحها على التصويت سوءا عبر الاستفتاء أو من خلال طرق أخرى لإقراره".

وذهب الحاج علي للقول: "إن ما يفسر خيبة الأمل التي تفوح من كلام وزير خارجية السلطة الحاكمة هو الرد على الشروط الصارمة لعودة سوريا تحت نظام الأسد لتسلم مقعدها في الجامعة العربية".

وختم بالقول: "حتى عودة علاقات بعض الدول العربية لم تكن بتلك الفائدة التي يرجوها النظام نظرا للعقوبات الدولية خاصة قانون قيصر الأميركي والعقوبات الأوروبية وهي تقف مانعا لتطبيع حقيقي كما يريد".

و"قانون قيصر" الأميركي أقره الكونغرس ودخل حيز التنفيذ منذ 17 يونيو/ حزيران 2020، ويهدف لمعاقبة الداعمين والمتعاملين مع النظام السوري.

وبالمحصلة، يرى كثير من المراقبين أن تعطيل النظام السوري للمسار السياسي الأممي، وشروعه بمحاولة تحسين علاقاته مع الدول العربية عبر تقديم نفسه كلاعب أساسي في بعض الملفات وخاصة الاقتصادية، لم تسعفه في محو صورته "الدموية" وعودته للحضن العربي.