تستميت لاغتصاب كامل أراضيها.. ما أهمية "صحراء النقب" بالنسبة لإسرائيل؟

خالد كريزم | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

يحارب الاحتلال الإسرائيلي آلافا من البدو العرب في منطقة النقب الإستراتيجية، للاستيلاء على مساحة لا تتجاوز 5 بالمئة من الأراضي هناك متبقية خارج سيطرته، وسط توقعات بنجاح مخطط تهجيري يشبه النكبة الفلسطينية عام 1948.

وشهدت المنطقة منذ 11 يناير/كانون الثاني 2022 وعلى مدار أسبوع احتجاجات من قبل المواطنين العرب، ضد تجريف ما يسمى الصندوق القومي اليهودي أراضيهم و"تشجيرها" في خطوة يقول السكان إنها تمهد لمصادرتها.

وهدأت المواجهات حاليا بعد احتجاج الأهالي الذين يتوقعون إعادة الكرة قريبا؟

أهمية النقب

وخلال السنوات السابقة، سيطرت إسرائيل على 95 بالمئة من أراضي المنطقة وتحاول اليوم الاستيلاء على النسبة المتبقية التي يعيش عليها نحو 300 ألف نسمة، وفق ما يقول جُمعة الزبارقة، منسق لجنة التوجيه العليا للعرب في النقب (أهلية).

وأضاف لوكالة الأناضول التركية في 12 يناير: "هؤلاء يُشكلون 32 بالمئة من سكان النقب، نحن نتحدث عن ثلث عدد السكان، يعيشون على 5 بالمئة من الأرض وهم يلاحقوننا عليها".

وبلغ التعداد السكاني للبدو في النقب عام 1948 أكثر من 100 ألف نسمة، نزح غالبيتهم قسرا، حيث هجرتهم العصابات اليهودية إلى قطاع غزة وجزيرة سيناء المصرية والأردن، بينما بقي 11 ألف نسمة تم تجميعهم بمنطقة أسمتها إسرائيل "السياج"، وفق تقارير محلية. 

ويغلب على تلك المنطقة الطابع الصحراوي، وتقطنها تاريخيا، عشائر عربية ترتبط اجتماعيا بقبائل سيناء، وشبه الجزيرة العربية، والأردن.

وتبلغ مساحة منطقة النقب نحو 14 ألف كيلو متر مربع، أي أكثر من 50 بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية البالغة 27 ألف كيلو متر مربع.

وتحتل النقب الجزء الجنوبي من فلسطين، حيث تمتد من عسقلان على الساحل الغربي لوسط البلاد وحتى رفح ممتدة على طول الحدود مع سيناء.

ويحدها شرقا خليج أم الرشراش (إيلات) والبحر الميت، وغربا المسافة من رفح الفلسطينية وحتى طابا المصرية، وتمتد شمالا على حدود قطاع غزة، وجبال الخليل إلى الشمال الغربي. 

وكان للنقب مكانة خاصة في الوعي لدى ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء لدولة الاحتلال، فمنذ أن تجول فيها عام 1935، وهو يرى أن هذه المنطقة تعتبر جزءا حيويا لـ"دولة إسرائيل".

ومنذ النكبة الفلسطينية عام 1948، خطط ابن غورين لاحتلال النقب وإيلات (أم الرشراش)، اللتين تعدان بمثابة ممر إلى البحر الأحمر (البحر الثاني لإسرائيل بعد المتوسط)، بحسب ما وثق كتاب "آباء الحركة الصهيونية" للكاتب الفلسطيني عبد الكريم النقيب.

وعادت أهمية تلك المنطقة إلى الواجهة أيضا بعد جنوح سفينة حاويات عملاقة في قناة السويس خلال عام 2021.

ونشرت صحيفة "بيزنس إنسايدر" مذكرة تاريخية في مارس/آذار من العام نفسه، قالت إن الولايات المتحدة درست اقتراحا باستخدام 520 قنبلة نووية لصنع بديل عن قناة السويس عبر إسرائيل في ستينيات القرن الماضي.

وذكرت الصحيفة الأميركية أن الخطة لم تؤت أكلها أبدا، وعلقت بأن وجود ممر مائي بديل عن قناة السويس كان من الممكن أن يكون مفيدا اليوم مع وجود سفينة شحن عالقة في المسار الضيق تسد أحد أكثر طرق الشحن البحري حيوية في العالم. 

ووفقا للمذكرة التي يرجع تاريخها إلى عام 1963، ورفعت عنها السرية في عام 1996، كانت الخطة تعتمد على 520 قنبلة نووية لشق الممر المائي، ودعت المذكرة إلى "استخدام المتفجرات النووية في حفر قناة البحر الميت عبر صحراء النقب".

وخرجت المذكرة من مختبر لورانس ليفرمور الوطني المدعوم من وزارة الطاقة الأميركية، واقترحت أن "التطبيق المثير للاهتمام للحفر النووي سيكون قناة على مستوى البحر بطول 160 ميلا عبر إسرائيل".

وأضافت أن "مثل هذه القناة ستكون بديلا إستراتيجيا قيما عن قناة السويس الحالية، وربما تسهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية".

 

ومن المسارات المحتملة التي اقترحتها المذكرة مسار يمتد عبر صحراء النقب في إسرائيل، ويربط البحر المتوسط بخليج العقبة، فاتحا طريقا إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي.

وقال ابن غوريون في 3 فبراير/شباط 1948: "لا أستطيع القبول بأي اقتراح يدعو إلى عدم الدفاع عن الصحراء التي إذا لم نصمد فيها فلن نصمد في تل أبيب". 

ووجه قبل ذلك رسالة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1942 إلى إدارة الصندوق القومي "هكيرن هكييمت"، قائلا: "النقب يتحول ليصبح المسألة المركزية في كل مشروعنا الصهيوني -الاستيطاني والسياسي- متمثلا بخليج إيلات والبحر الأحمر".

كما أن بعض المسؤولين الإسرائيليين كابن غوريون ورئيس الوزراء الأسبق أرئيل شارون وغيرهم اختاروا أرض النقب مكانا لسكناهم أو لمزارعهم، تشجيعا وتحفيزا للاستيطان.

وهو ما يستجيب له مسؤولون ومستوطنون اليوم، منهم وزيرة الداخلية الإسرائيلية، إيليت شاكيد، التي قالت في 5 يناير إنها تعمل على تحقيق أحلام ديفيد بن غوريون، في صناعة التاريخ بصحراء النقب.

ونشرت شاكيد تغريدة عبر "تويتر"، أكدت فيها على تعمير وإصلاح الصحراء خاصة بعد التصديق على تدشين مستوطنة جديدة فيها تتسع لـ500 عائلة تسمى "حانون".

الحاجة للمنطقة

بحسب وسائل إعلام عبرية، أدت المصانع في المناطق الساحلية إلى درجات تلوث مرتفعة، وأُغلقت 40 بالمئة من منشآت استخراج مياه الشرب من هذه المنطقة خلال أقل من عقدين بسبب التلوث. 

كما ظهر أن بعض هذه المناطق الساحلية ستتحول إلى مشاريع إسكانيّة لتلبية احتياجات المستوطنين في المنطقة وحل أزمة العقارات وغلائها.

وستُنقل هذه المصانع، بإسقاطاتها البيئية الخطيرة لتلوث منطقة النقب، وفق مصادر محلية. 

وتبلغ المساحة التي ستُبنى فوقها المصانع نحو 113 ألف دونم، ستُستَغل 40 بالمئة منها لغرض تجربة السلاح. 

وعلى سبيل المثال، وضع وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس في نوفمبر 2021 حجر الأساس لبناء مجمع مصانع شركة الصناعة العسكرية في النقب ضمن مشروع سيبدأ تنفيذه عام 2023.

وخلال زيارته لها في ذلك الوقت، قال غانتس إن "النقب هو تحد وطني، لذا فإن الجمع بين الأذرع الأمنية والقيادة الحكومية أمر بالغ الأهمية. لذلك أوصيت بتشكيل لجنة وزارية تتعامل بشكل خاص مع تحديات المنطقة".

أما ألون شوستر نائب غانتس فقال خلال زيارة المنطقة برفقة الأخير: "هناك ثلاث مهام كبيرة تنتظرنا، استيعاب معسكرات الجيش الإسرائيلي بشكل صحيح في الجنوب، تحويل بئر السبع إلى عاصمة اقتصادية تضمن ازدهار الجنوب والنقب، تعزيز فرض القانون وتطوير الوسط البدوي”.

وفي رقعة أخرى في النقب، تحديدا غربي “عراد” (مبنية على أنقاض قرية تل عراد الفلسطينية)، كشفت سلطات الاحتلال عن وفرة مادة الفوسفات، التي تستخدم بشكل أساسي في تصنيع الأسلحة، ومن أبرزها الفوسفور الأبيض، وأيضا لأغراض زراعية كتصنيع الأسمدة. 

وفي مارس/آذار 2018 صدقت حكومة الاحتلال على مخطط لبناء منجم في تلك المنطقة، مصادرة بذلك ما يقارب 26 ألف دونم.

يستهدف أراضي النقب والقرى الفلسطينية التي لا تعترف بها إسرائيل مُخططان آخران، هما سكتا حديد "يروحام-ديمونا" و"عراد".  

ووفق وسائل إعلام عبرية، يخدم المخطط الأول ربط مستوطنة “يروحام” والمستوطنات في محيطها بشبكة سكك الحديد بهدف “تقصير المسافات وربط المركز بالجنوب”، و”تخفيف عناء السفر على الجنود.

تبلغ مساحة هذا المخطط 3600 دونم، ويُهدد بشكل أساسي 200 بيت في قرية الرخمة التي تقطعها سكة الحديد، وتشكل حاجزا بين عائلاتها مهددة وجودها كقرية واحدة (يعيش فيها 1400 نسمة). 

وأما مخطط سكة حديد “عراد”، فتبلغ مساحته نحو 4700 دونم، ويهدد أكثر من 50 ألف فلسطينيّ يقيمون في المنطقة، كما يهدد أراضي قرى أخرى ويُحاصرها ويمنع توسيع خرائطها الهيكلية مستقبلا. 

ويقول الكاتب الفلسطيني علي الزيبق: "مجددا، يبدو أن المخططات الجديدة في النقب مرتبطة بشكل مباشر بالرؤيا الأمنيّة الإسرائيلية في المنطقة، إذ تصبُّ معظم المشاريع في مصلحة تعزيز الحضور الأمنيّ".

وبين في مقال على موقع "الهدهد" المحلي في 12 يناير 2022: "كما أنها تهدف كذلك إلى تعزيز المنشآت العسكرية والصناعية الإسرائيلية وربطها بشبكة طرق ومواصلات متطورة".

ينتج عن ذلك تشبيك للمخططات مع بعضها بعضا، وفك للروابط التاريخية الفلسطينية الممتدة من الضفة وصولا إلى النقب، فيما تتعزز سيطرة “إسرائيل” على الأراضي، ويهجّر الأهالي ويسلبون قراهم التي عاشوا فيها عقودا متتالية، بحسب ما قال.

أبرز التوقعات

وفي حديثه مع "الاستقلال"، يتوقع الأكاديمي والمحلل الفلسطيني عامر الهزيل تصعيدا من قبل المؤسسة الصهيونية في النقب مع استمرار مواجهة الأهالي كل المخططات المحدقة بهم.

ويرى أن تهجير أهالي النقب إلى خارج حدود فلسطين التي احتلت عام 1948 وارد لكنه مستبعد خلال هذه المرحلة.

وبين أنه "في حالة الاقتلاع والتهجير الداخلي سيركز الاحتلال بقاءهم في البلدات القائمة كعلب السردين وفي واقع أشد بؤسا من مخيمات الشتات من ناحية الكثافة".

بدوره، أكد الناشط الحقوقي الفلسطيني عيسى عمرو أن الاحتلال يعمل على تهجير أهالي النقب منذ سنوات ويستخدم طرقا وأساليب مختلفة كل فترة.

وأعطى عمرو مثالا على قرية العراقيب (شمال مدينة بئر السبع في النقب) التي هدمتها قوات الاحتلال أكثر من مئة مرة حتى الآن.

وأوضح لـ"الاستقلال" أن الاحتلال يريد تنفيذ مخطط برافر الذي أقره الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) في 24 يونيو/حزيران 2013 بناء على توصية من وزير التخطيط الإسرائيلي وقتها "إيهود برافر" عام 2011 لمصادرة مزيد من الأراضي العربية الفلسطينية في النقب.

وأوصى المشروع وقتها بنقل سكان 22 من أصل 39 قرية عربية غير معترف بها في النقب داخل مناطق "التخطيط اليهودي".

ووضع هذا المخطط اللمسات الأخيرة لمصادرة ما تبقى من الأراضي العربية في النقب، كما أضفى شرعية القانون على تهجير العرب دون إذن قضائي وحرمهم من حق الطعن فيه.

ويقضي أيضا بمصادرة نحو 700 ألف دونم، بما يعني حصر العرب الذين يشكلون 30 بالمئة من سكان النقب في 1 بالمئة فقط من أراضي هذه المنطقة.

وعن توقعاته بأن تصبح منطقة النقب "إسرائيلية بالكامل"، يقول عمرو: "سيفعلون ذلك مهما كلفهم من ثمن، ولن يتوقفوا بتاتا حتى تحقيقه، والموضوع أصبح مسألة وقت".

من جانبه، يقول الناشط الفلسطيني من النقب زيد العزازمة إن الاحتلال يتبع سياسة العقاب الجماعي بحق القرى المعترف فيها وغير المعترف بها بالمنطقة.

وأضاف لـ"الاستقلال" أن الأوضاع هدأت عما كانت عليه الآن بعد صمود الأهالي، وسط "انتشار للحواجز الأمنية وقطع المياه والكهرباء بهدف التضييق علينا".

وأردف: "هذا الأمر غير جديد بالنسبة لنا، فأهالي النقب يواجهون الهدم والتهجير منذ النكبة، وسبب عودة الهدوء حاليا هو الاحتجاجات، لكن هذا لا يعني التوقف التام، فسلطات الاحتلال ستستمر في مخططها وستعيد الكرة".

وعن خياراتهم حال نجاح الاحتلال بتنفيذ المخطط، يقول العزازمة: "الاحتلال يهجرك من أرضك إلى منطقة مختارة من قبله بمعنى أنك لاجئ فيها، ثم يسلب ممتلكاتك ومسكنك بشكل كامل ويبني عليها مستوطنات ومعسكرات ومشاريع".

وتوقع أن يكون مصيرهم نكبة جديدة، كما حدث بالضبط عام 1948، عبر تجميع المهجرين في أماكن واحدة أشبع بالمخيمات. وبين أنه معرض للتهجير من قريته "بير هداج" هو و300 عائلة لبناء مستوطنة أعلن عنها أخيرا (نهاية ديسمبر/كانون الثاني 2021).

وقال رئيس اللجنة المحلية في بير هداج، سليم الدنفيري، وقتها لموقع "عرب 48" المحلي إننا "نلحظ تصاعد وتيرة التضييق وعمليات الهدم في منطقة النقب، وهذا كله لصالح مكاسب اليمين (الإسرائيلي)، علما أن حراكنا في السابق أفشل مخططا سابقا لإقامة مستوطنة على حساب أراضي البلدة".

وأكد أنه "سنبقى صامدين في أراضينا، حتى لو هدموا منازلنا وجرفوا أراضينا ألف مرة، ونحن نرفض هذه السياسة الممنهجة بحقنا دون توفير مسطحات وخطط مستقبلية لصالح الأهالي".