حمدي حسن.. برلماني قاد ثوار يناير بالإسكندرية وقتله السيسي في المعتقل

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

انضم النائب بالبرلمان المصري سابقا، والقيادي بجماعة الإخوان المسلمين، حمدي حسن، إلى قافلة طويلة من ضحايا الانقلاب العسكري في مصر، الذين قضوا داخل سجون النظام القاسية، عقب معاناة لسنوات طويلة من الانتهاكات والإهمال الطبي. 

وحسن (64 عاما) ابن مدينة الإسكندرية، والنائب لسنوات عن شعبها، قطع مسيرة طويلة في الحياة البرلمانية حتى كان من أشهر النواب على مستوى البلاد، فضلا عن نشاط فريد في العمل العام والحياة النقابية.

موقفه الرافض للانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، ونزوله إلى المظاهرات المناهضة له، جعله من رؤوس قائمة المطلوبين لدى المنظومة العسكرية، ليتم اعتقاله، ويودع في أشد وأخطر سجون النظام وهو سجن العقرب شديد الحراسة وسيئ السمعة، وفق ما أعلن في 26 نوفمبر/تشرين الثاني.

وبعد سنوات يرحل حمدي حسن داخل السجن، ويسجل ضمن قائمة الذين سبقوه من كبار السياسيين والمعارضين، كالرئيس السابق محمد مرسي الذي رحل هو الآخر داخل السجن.

رحلة عطاء 

ولد حمدي حسن علي إبراهيم في 12 أغسطس/آب 1956، ونشأ في مدينة الإسكندرية المصرية، وفي جامعتها حصل على بكالوريوس الطب والجراحة عام 1981.

وخلال تلك الفترة تعرف على جماعة الإخوان المسلمين وانضم إليها، ومن خلالها نشط في العمل العام والنقابي لخدمة المجتمع، فأصبح عضوا بالجمعية الطبية الإسلامية، التي دشنت عام 1977، وعلى مدار عقود قدمت خدمات جليلة لفقراء المجتمع من حيث العلاج والتداوي، لمن لا يستطيعون إليه سبيلا. 

شغل حمدي حسن، منصب مقرر لجنة العمل الوطني بنقابة الأطباء عن طريق الانتخاب، ثم كان عضو لجنة التنسيق بين النقابات المهنية، ثم أصبح عضو اتحاد الأطباء العرب. 

بدأ الناشط النقابي، يدرك مدى أهمية التواجد في المسالك الخدمية داخل إطار الدولة والنقابات، وطور من أدائه وفكره السياسي، مع نجاحه عام 1992، وانتخابه عضوا للمجلس الشعبي المحلي لحي غرب الإسكندرية.

السنوات التي قضاها حسن في العمل المجتمعي أهلته للترشح إلى مجلس النواب، خلال عهد رئيس النظام الأسبق حسني مبارك، وكان ذلك العهد يتميز بالقبضة البوليسية، والتضييق على من يريدون الترشح للمجالس النيابية خارج إطار النظام، خاصة إذا كانوا من المنتمين إلى التيارات الإسلامية. 

وكسر حمدي حسن القاعدة مع نجاحه الكاسح في الدورة البرلمانية للعام 2000، وبعدها أصبح نائب الشعب عن دائرة مينا البصل بحي غرب الإسكندرية. 

وبسبب أدائه المتميز وقوته في الاستجوابات، إضافة إلى نشاطه الميداني بين أهالي الحي، وعلاقاته القوية بالناخبين، كان من القلائل الذين استطاعوا الحفاظ على أماكنهم كنائب معارض، وانتخب لدورة برلمانية ثانية بدأت من عام 2005. 

ولم ينس حسن واجبه تجاه قضايا الأمة المصيرية خارج حدود بلاده، فكان عضوا في الرابطة الدولية للبرلمانيين المدافعين عن القضية الفلسطينية ومقرها العاصمة اللبنانية بيروت. 

وفي 30 أبريل/ نيسان 2001، حين هبت جماهير الإسكندرية تضامنا مع القضية الفلسطينية، التي كانت تشهد سنوات الانتفاضة الثانية، اعتقلت السلطات المصرية 11 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين بتهمة إثارة الجماهير بشأن قضية فلسطين.

تصدر حينها حمدي حسن المشهد، وكان من نواب الإخوان في البرلمان، ودافع عنهم في جلسة شهيرة، وقال "قبضوا على 11 شخصا منهم أساتذة جامعات ومدرسون ومحامون.. كلهم شخصيات بارزة في الإخوان، ووجهوا لهم تهمة إثارة الجماهير فيما يتعلق بقضية فلسطين".

ومع انطلاق ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، كان حمدي حسن ضمن طليعة المشاركين في الثورة، ونزل إلى المظاهرات في ميادين الإسكندرية مطالبا بسقوط نظام مبارك، والتمكين للحرية والشعب. 

لم يكن نشاط النائب حمدي حسن، منصبا على أدائه البرلماني فقط، بل نزل إلى الشارع وشارك في المظاهرات انتصارا لحقوق الشعب المصري، وهو ما حدث في 18 مايو/ آيار 2006، عندما شارك في مظاهرات دعم استقلال القضاة، وظل مرابطا على موقفه رغم اعتداءات الشرطة على المظاهرات في ذلك اليوم.

وفي 25 مارس/ آذار 2007، حدث رفض عارم للتعديلات الدستورية التي مررها نظام مبارك، بغرض التوريث والتمكين للحزب الوطني "المنحل"، وبينما كانت قوات الأمن تقمع المتظاهرين، كان حمدي حسن وسائر نواب المعارضة، يرفضون هذه التعديلات، ووصفوها بأنها انقلاب دستوري.

كما قاطع النواب بمن فيهم أعضاء جماعة الإخوان المسلمين (88 نائبا آنذاك) جلسات مناقشة التعديلات في مجلس الشعب قبل إقرارها، وقال حمدي حسن الذي كان متحدثا باسم كتلة نواب الإخوان المسلمين إن "الأجواء التي تجرى فيها التعديلات غير مشجعة أصلا، من ناحية قانون الطوارئ واعتقال الطلاب وإحالة البعض إلى المحاكمات العسكرية". 

وهو موقفه الذي استمر عليه دائما في مجابهة نظام مبارك حتى سقوطه عام 2011.

سنوات القهر 

في 19 أغسطس/ آب 2013، وبعد 5 أيام من الفض الدموي للاعتصامات المناهضة للانقلاب العسكري، في ميداني رابعة العدوية والنهضة، ومقتل أعداد كبيرة من المدنيين، ألقت قوات الأمن بالإسكندرية القبض على النائب حمدي حسن.

واعتقل حسن على يد مدير مباحث الإسكندرية اللواء ناصر العبد شديد القسوة، بحسب تقارير حقوقية، وذلك بعد حملة أمنية موسعة شنها جهاز الأمن الوطني. 

بدأت معاناة حمدي حسن بعد ترحيله إلى سجن العقرب مع كبار قادة جماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى سياسيين بارزين وناشطين. 

ولمعرفة مدى حجم الانتهاكات والشدة التي تعرض لها البرلماني الراحل، يستشهد بطبيعة السجن الذي عاش ومات فيه، حيث يعد سجن "طرة 992" أو "العقرب" أحد أشهر وأكثر السجون المصرية بأسا على الإطلاق، ويقع أمام محطة مترو طرة البلد في منطقة طرة جنوب غرب حلوان بالقاهرة. 

وشيد السجن المرعب كقلعة حصينة عام 1993، وأحيط بسور ارتفاعه سبعة أمتار، وعليه أبراج حراسة وبوابة مصفحة من الداخل والخارج.

وينقسم سجن العقرب الملقب بـ"غوانتنامو مصر" نسبة إلى السجن الأميركي الشهير، إلى أربعة مبان، كل مبنى من الأعلى على شكل حرف "إتش" ويتكون من أربعة عنابر، كل واحد منها يضم عشرين زنزانة، ليصبح عدد زنازين هذا السجن 320 زنزانة.

وفي 17 ديسمبر/ كانون الأول 2020، نشرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية، تقريرا عن تعرض مئات المصريين لعقاب جماعي داخل سجن العقرب.

وتحدثت عن وجود أصوات تعذيب لا تغيب عن الزنازين في سجن العقرب، مشيرة إلى تعدد الوسائل في ذلك، ومنها استخدام العصي وأجهزة الصعق الكهربائي وسلاسل السقف لتعليق السجين.

وقالت المنظمة إن "المعتقلين يتعرضون للضرب والصعق بالكهرباء، مع تعليقهم لساعات طويلة، إضافة إلى التعذيب التجويع والحرمان من الدواء ومنع دخول الطعام ونقص المفروشات". 

ومن أكثر الشهادات المثيرة عن سجن العقرب الذي مات بداخله البرلماني الراحل حمدي حسن، هو ما صدر عن مأمور السجن السابق اللواء إبراهيم عبدالغفار، الذي خرج في لقاء تلفزيوني بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وأدلى بشهادة مرعبة عن طبيعة المعتقل.

وقال عبد الغفار إن "سجن العقرب هو (عقرب) فعلا، فكأنما عقرب لدغ المساجين بداخله، سجن لا يدخل إليه شمس ولا هواء، وفي الصيف تكون الرائحة عطنة (سيئة)"، وأضاف أن "السجن جرى تصميمه على أن من يدخله لا يخرج منه مرة أخرى إلا ميتا". 

حزن عميق

تسبب موت النائب "حمدي حسن" بموجة حزن شديدة ظهرت من خلال صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك نعاه عدد من السياسيين والناشطين، إضافة إلى منظمات حقوق الإنسان. 

فحسن ظل محتجزا ثماني سنوات على ذمة قضايا عدة وصفت بالسياسية والكيدية، وحرم من زيارة أهله لفترة طويلة.

وقال الحقوقي المصري هيثم أبوخليل: "استشهاد الدكتور الحبيب حمدي حسن في سجن العقرب.. أخصائي الأنف والأذن والحنجرة.. البرلماني الناجح والمتميز في العديد من الدورات منذ 2000 وحتى 2012.. الشهيد كان معتقلا منذ 19 أغسطس 2013 في سجن العقرب". 

ودون السياسي المصري إبراهيم الزعفراني: "صعدت روح أخى حمدي حسن إلى بارئها.. ارتقت روحه الزكية من داخل سجن العقرب محرقة ومقبرة المؤمنين الأطهار (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)، لتصعد روحه الطاهرة من جحيم مقبرة الطغاة عزيزة أبية صامدة صابرة إلى رب رحيم  عادل كريم".

وكتب الناشط السياسي عبدالرحمن فارس: "وفاة الدكتور حمدي حسن والد صديقنا براء، والنائب البرلماني عن جماعة الإخوان المسلمين، وابن محافظة الإسكندرية، داخل محبسه بسجن العقرب سيئ السمعة، وجدير بالذكر أيضا أن الدكتور حمدي هو الشهيد رقم 43 منذ بداية عام 2021 داخل سجون النظام المصري".

وقال الكاتب المصري عامر شماخ، مع نشر صورة للراحل: "الصورتان شاهدتان عند ربك بما كنت وبما فعل بك المجرمون، جعلك الله في زمرة النبيين والشهداء، وأخزى من سجنك ومن عذبك ومن لم يسعفك في مرضك، ومن أيدهم، ومن علم بما يفعل بالصالحين أمثالك ولم ينكر. آمين".

وعلق الصحفي المصري عبدالمنعم محمود، قائلا: "لا حول ولا قوة إلا بالله وفاة حمدي حسن داخل محبسه، كان برلمانيا مميزا، وعرفته على المستوى الشخصي إنسانا طيبا ورقيقا وابتسامته لا تفارقه أبدا.. حسبي الله ونعم الوكيل".

وفي 25 يناير/كانون الثاني 2021، نشرت منظمة العفو الدولية "أمنستي" تقريرا بعنوان "مصر: أرواح السجناء في خطر بسبب الانتهاكات والحرمان من الرعاية الصحية".

وذكرت خلاله أن السلطات المصرية ترفض الإفصاح عن عدد السجناء في البلاد، فيما تشير تقديرات أن العدد يبلغ حوالي 114 ألف سجين، أي ما يزيد عن ضعف القدرة الاستيعابية للسجون (من بينهم نحو 60 ألف معتقل سياسي بحسب تقارير حقوقية).

وذكرت منظمة "نحن نسجل" الحقوقية وفق تقرير في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، أنه حتى نهاية النصف الأول من العام 2021، توفي 23 محتجزا في السجون المصرية، إما نتيجة الإصابة بفيروس كورونا أو الإهمال الطبي المتعمد.

في حين شهد عام 2020 وفاة 73 شخصا على الأقل داخل السجون ومقار الاحتجاز المختلفة.