شروط إذعان أم تجويد المنظومة؟.. حكومة أخنوش تثير غضب معلمي المغرب

سناء القويطي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

غضب متصاعد في المغرب منذ إعلان وزارة التعليم في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 شروطا جديدة لاجتياز اختبار توظيف المعلمين، "صبت" من خلالها الزيت على نار الغضب من قرارات الحكومة الجديدة التي لم يمر على تعيينها شهران.

وفوجئ خريجو الجامعات المغربية الحالمين بمزاولة مهنة التعليم بشروط جديدة فرضتها وزارة "التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة"، ما أشعل غضبا على مواقع التواصل الاجتماعي لم يلبث أن انتقل إلى شوارع المدن.

وفي الوقت الذي دافعت فيه "وزارة التربية" عن قرارها، واعتبرته قانونيا ويهدف إلى "الرفع من جودة التعليم" وخطوة أولى في "مسار الإصلاح"، انتقد قانونيون وسياسيون وحقوقيون هذا القرار، محذرين من تبعات استبعاد فئات عريضة من خريجي الجامعات الذين يعيشون في وضعية بطالة.

خيبة أمل

ووضعت "وزارة التربية" في إعلان مباراة المعلمين عددا من الشروط الجديدة، بينها تحديد السن الأقصى في 30 سنة، وانتقاء المرشحين بناء على الميزة المحصل عليها في البكالوريوس وسنة الحصول عليها، واشتراط عدم التعاقد مع مشغلين آخرين في القطاع الخاص.

وبررت الوزارة وضع هذه الشروط برغبتها في جذب المترشحات والمترشحين الشباب نحو مهن التدريس، وضمان التزامهم الدائم قي خدمة المدرسة العمومية، علاوة على الاستثمار الأنجع في التكوين وفي مساراتهم المهنية.

وكانت الحكومة قد أعلنت ضمن موازنة 2022 تخصيص 17 ألف منصب للأساتذة المتعاقدين (العمل بعقود مؤقتة)، تتوزع على 15 ألف أستاذ و2000 إطار للدعم التربوي والإداري والاجتماعي.

وبهذا خاب أمل المواطنة حسنية الموساوي ومعها الآلاف من الشباب فوق الثلاثين بعد إعلان الشروط الجديدة.

وكانت الموساوي (38 عاما/بكالوريوس علم نفس) تعقد أملها على اجتياز امتحان عام 2021؛ لتصبح معلمة في المرحلة الابتدائية، بعد سنوات قضتها في القطاع الخاص، وكانت ترغب في الالتحاق بمهنة التعليم بعد أن فقدت عملها منذ أشهر في شركة خاصة، وانضمت إلى صفوف العاطلين عن العمل بالبلاد.

وقالت في حديث مع "الاستقلال" إنها "قضت أزيد من شهر في التحضير للامتحان ومراجعة المواد التي تتضمنها المباراة السنوية، غير أن شروط الوزارة أبعدتها عن هذه الفرصة، كونها حصلت على البكالوريوس سنة 2016 وسنها تجاوز الثلاثين".

وأوضحت الموساوي أنها كانت ضمن مجموعة تطبيق "واتساب" تضم عشرات الشباب للإعداد لاجتياز الامتحان، جميعهم "تملكتهم الصدمة وأحسوا بالغبن بعد إعلان الشروط الجديدة".

احتجاجات متواصلة

وغداة إعلان القرار ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بتدوينات غاضبة، وتفاعل حقوقيون وسياسيون معها، وعبروا عن مواقف تستغرب الشروط التي رأوا أنها "لا تراعي الظروف" الاجتماعية والاقتصادية التي تمر فيها البلاد.

وقال أستاذ القانون بجامعة الدار البيضاء، محمد طارق، في تدوينة على صفحته في موقع "فيسبوك"، إن "شرط 30 سنة يحرم فئات اجتماعية عريضة من التمتع بحق من حقوق الإنسان، وبحق دستوري وقانوني مقرر في مرسوم قانون الوظيفة العمومية".

ويرى طارق أن " القرار يأتي في سياق اجتماعي واقتصادي سمته ارتفاع منسوب الطلب على التشغيل، وفي سباق التزام حكومي وارد في البرنامج الحكومي والذي جعل التشغيل المحور الأساسي لكل السياسات العمومية في الميدان الاقتصادي".

فيما وصفت القيادية بحزب العدالة والتنمية، أمينة ماء العينين، التدابير الجديدة المعلنة بـ"شروط الإذعان"، وقالت في تدوينة عبر "فيسبوك" إن "فرض الانتقاء الأولي باحتساب معدلات البكالوريا والإجازة ومعدل سنوات الحصول عليها، هو تضييق على الشباب الحامل للشواهد وحقه في التباري لإثبات كفاءته كما كان معمولا به في السنوات الماضية".

وشددت على أن "فرض عتبة 30 سنة مصادرة لحق شباب صبروا سنوات طويلة بعد حصولهم على الشواهد في انتظار الفرج، واشتراط عدم التعاقد السابق مع مشغلين آخرين مصادرة لحرية الاختيار والحق في تغيير العمل أو البحث عن تحسين ظروف العيش".

من جانبه، اعتبر المستشار البرلماني خالد السطي ملف التعاقد "بمثابة قنبلة موقوتة ستزيد الشروط الجديدة لولوج مهنة التعليم من إمكانية انفجارها بيد الحكومة".

وفي حديث مع "الاستقلال"، انتقد السطي اتخاذ الحكومة "قرار تسقيف سن اجتياز مباراة التعليم دون استشارة النقابات المعنية"، محذرا من أن هذه الخطوة "من شأنها إشعال احتجاجات جديدة".

واعتبر القرار "تراجعا عن المكتسبات السابقة التي تحققت في العشر سنوات الماضية والتي مكنت فئات عمرية تتجاوز الأربعين سنة من دخول مجال التعليم".

ولفت السطي إلى أنه "في الوقت الذي كانت النقابات وخريجو الجامعات ينتظرون إلغاء التعاقد وإدماج الأساتذة في الوظيفة العمومية بناء على وعود الحكومة، جاءت هذه الشروط الجديدة لتخلق أزمة جديدة"، داعيا إلى التراجع عن هذا القرار و"تجنيب البلاد مواجهة مشاكل إضافية".

قرار مجحف

وكان طلبة جامعة مدينة فاس أول من دشن المظاهرات ضد هذا القرار، وخرجوا في مسيرة احتجاجية عفوية مباشرة بعد صدور إعلان شروط الامتحان الانتقائي، رافعين شعارات تطالب بإلغاء شرط الانتقاء الأولي والسن.

وخرجت بعدها مظاهرات في مدن الدار البيضاء ووجدة وخنيفرة وبولمان وتطوان شارك فيها طلبة الجامعات وخريجون عاطلون عن العمل، وما زال الحشد متواصلا لتنظيم فعاليات رافضة للقرار.

وفي السياق، انتقد كاتب الدولة السابق لدى وزير التربية الوطنية والتعليم العالي، خالد الصمدي، هذا القرار، محذرا في تدوينة عبر حسابه على "فيسبوك" "من شأن الإجراءات الجديدة أن تحدث احتقانا بالجامعات ولدى الخريجين".

واستنكر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (معارض) على لسان زعيمه، إدريس لشكر، قرار تسقيف سن ولوج التعليم، معتبرا في كلمة له خلال أشغال المجلس الوطني للحزب القرار "غير معقول"، وإقصاء لفئة تراكم الإحساس بالإحباط خصوصا خريجي الجامعات الذين يعانون قلة فرص الشغل. 

وانضاف إلى المنددين قياديون ينتمون إلى أحزاب الائتلاف الحكومي الذي يقوده رجل الأعمال، عزيز أخنوش.

وقال البرلماني عن حزب الاستقلال، منصف الطوب، في تصريحات صحفية، إن تحديد سن التوظيف بالتعليم في 30 سنة "قرار مجحف سيحرم الآلاف من شابات وشبان هذا البلد من حقهم في الشغل والكرامة ويحول دون تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص".

وبدأت كرة الثلج تكبر شيئا فشيئا في الأيام القليلة الماضية، ووصفت شبيبة حزب "العدالة والتنمية" في  الشروط الجديدة بـ"التعسفية والتمييزية".

وأعربت عبر بيان صادر في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 عن رفض "هذا الإجراء التمييزي ضد آلاف الشباب المغاربة الحاصلين على الإجازة، والذي يضرب مبدأ تكافؤ الفرص المنصوص عليه في دستور البلاد".

بدورها، أعلنت منظمة الشبيبة الاشتراكية رفضها تحديد سن أقصى لاجتياز المباريات "لعدم دستوريته ومخالفته لقانون الوظيفة العمومية"، حسب ما جاء في بيانها.

ملف حارق

وبعد الانتقادات الواسعة خرج وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بن موسى في تصريح صحفي قائلا إن وزارته "لن تتراجع بأي شكل عن القرار الذي اتخذته بخصوص تحديد السن الأقصى لاجتياز مباراة ولوج مهنة التدريس".

واعتبر القرار "معقولا وقانونيا ويبني المستقبل"، مضيفا أن "المباراة المفتوحة حاليا هي لولوج المراكز الجهوية للتربية والتكوين (مؤسسات حكومية تعنى بتكوين أساتذة التعليم العمومي) في أفق تشغيل 15 ألف أستاذ وأستاذة".

وأوضح الكاتب العام للوزارة، يوسف بلقاسمي، في حديث مع "القناة الثانية" (رسمية) أن "تحديد السن الأقصى لولوج مهنة التعليم ليس خصوصية مغربية، بل شرط معمول به في عدد من الدول".

ونفى المسؤول أن يكون القرار منافيا للقانون، موضحا أن "الأمر يتعلق بتوظيف أطر الأكاديميات (أصحاب العقود المؤقتة)، في حين أن مرسوم (قانون) الوظيفة العمومية يسري فقط على الإدارات العمومية والجماعات الترابية (البلديات)".

واعتبر  بلقاسمي أن "الهدف ليس إقصاء أحد بل الرهان على الجودة وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة"، معتبرا أن تلك الشروط "هي محطة أولى في عملية الإصلاح".

جدير بالذكر أن الحكومة السابقة بدأت توظيف خريجي الجامعات كأساتذة للتعاقد (عقود مؤقتة) ورفعت سن المشاركة في المباريات إلى 45 سنة ثم إلى 50، وألغت الانتقاء الأولي وفتحت المباراة أمام جميع الحاصلين على الباكالوريوس، مما سمح بتوظيف عدد كبير من خريجي الجامعات في التعليم الذي يعرف نقصا في الأطر.

وحسب معطيات رسمية، فإن عدد أساتذة التعاقد يبلغ حاليا 100 ألف جرى توظيفهم ما بين سنة 2016 و 2020.

وتوظف وزارة التربية الوطنية سنويا ما بين 17 ألفا و20 ألف أستاذ متعاقد في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية.

وخاض هؤلاء إضرابات ومظاهرات طيلة السنوات الماضية؛ للمطالبة بإدماجهم في الوظيفة العمومية وإلغاء التعاقد.

ويعتبر ملف أساتذة التعاقد من الملفات الحارقة في البلاد، وكانت الأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي (التجمع الوطني للأحرار، الاستقلال، الأصالة والمعاصرة) قد قدمت وعودا للمواطنين في حملاتها الانتخابية لإلغاء التعاقد، غير أنهم فوجئوا باستمراره، لكن بشروط جديدة تستبعد فئات عريضة من خريجي الجامعات العاطلين عن العمل.

وبلغ عدد العاطلين بالمغرب حوالي مليون ونصف في الربع الثالث من 2021، ويصل معدل البطالة لدى الحاصلين على شهادة جامعية حوالي 18.7 بالمئة، حسب آخر تقرير لـ"المندوبية السامية للتخطيط" (حكومية) صدر مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2021.