منصور بن زايد.. ذراع "الصفقات الناعمة" لأخطبوط الفساد الإماراتي

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

كان شراء ناد رياضي إنجليزي بحجم مانشستر سيتي قبل سنوات يحتاج إلى ثروة مالية ضخمة ونفوذ كبير، وهما أمران لم ينقصا نائب رئيس مجلس الوزراء الإماراتي، وزير شؤون الرئاسة، منصور بن زايد آل نهيان.

بل رددت وسائل إعلام دولية حينها أن "الأمر ليس سوى مثل شراء سيارة بالنسبة للأمير الإماراتي، فثروته أكبر بكثير من شراء مانشستر سيتي، وحتى من شراء 10 فرق مثله".

منصور (51 عاما) أحد أهم رجال السياسة الإماراتية الناعمة المتوسعة عالميا، التي تدور حولها كثير من الشبهات، ما بين الفساد والإفساد. 

فالأمير صاحب النفوذ يلعب أدوارا متعددة في آن واحد،  أهلته ليكون من أهم راسمي إستراتيجيات السياسة الإماراتية، داخل البلاد وخارجها. 

مساراته الحياتية

في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 1970، ولد منصور بن زايد في العاصمة الإماراتية أبوظبي، وهو أحد أبناء مؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان، وأمه هي فاطمة بنت مبارك الكتبي، التي يتحكم أبناؤها في مفاصل الدولة فعليا.

 فأشقاء منصور من الأم، هم محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، أقوى رجل في البلاد، إضافة إلى عبدالله بن زايد، وزير الخارجية، وطحنون، مستشار الأمن القومي، ثم هزاع وحمدان، وكلاهما من رجال الدولة التنفيذيين، أصحاب النفوذ. 

تلقى منصور تعليمه الأولي في الإمارات، قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة لاستكمال مراحله التعليمية، كعادة لازمة لأبناء الأسرة الحاكمة.

وفي عام 1993 حصل على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية، وعاود أدراجه صوب بلاده ليعين رئيسا لمكتب والده، الشيخ زايد بن سلطان، رئيس الدولة (آنذاك)، حيث لازمه حتى وفاته عام 2004. 

ووفقا للتشكيل الوزاري عام 2009 أصبح نائبا لرئيس مجلس الوزراء، ووزيرا لوزارة شؤون الرئاسة. 

اشتهر منصور بن زايد تحديدا، بأنه أحد القلائل في الإدارة الحاكمة للبلاد، الذين يستطيعون أداء الأدوار المتعددة بوجوه مختلفة بين العمل العام، أو الانخراط في الدولاب الإداري للدولة.

 فهو يتولى مناصب متنوعة، مثل رئيس المجلس الوزاري للخدمات، ونائب رئيس اللجنة الوزارية المالية، ورئيس مجلس إدارة جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية، وهو كذلك نائب رئيس مجلس أبوظبي للتعليم. 

لكن المنصب الأكثر جدلا هو رئيس مجلس إدارة المصرف المركزي الإماراتي في 16 يوليو/ تموز 2020، رغم وجود قضايا فساد فاضحة تورط اسمه بها، أهمها هروب المستثمر الهندي "بي آر شيتي"، الذي تحولت قضيته إلى أكبر عملية احتيال في تاريخ الإمارات، وتعرضت جراءها مصارف إماراتية عديدة لخسائر فادحة.

وعلى الصعيد الشخصي، منصور بن زايد متزوج من منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي. 

القوة الناعمة 

لم يقتصر نفوذ منصور بن زايد على الدور السياسي الداخلي فقط، إذ خول بقيادة أدوات القوى الناعمة الخارجية للإمارات على الصعيد الرياضي أولا، ثم الإعلامي أحيانا. 

ومنصور هو صاحب الصفقة التاريخية الشهيرة للإمارات بشراء نادي مانشستر سيتي الإنجليزي في سبتمبر/ أيلول 2008، بمبلغ 400 مليون دولار. 

وفي 29 مايو/أيار 2021، نشرت صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه" الألمانية، تقريرها عن فساد التمويل الإماراتي للرياضة، وقالت إن "التمويل الإماراتي الفاسد هو السبب الرئيس في الصعود الصاروخي لفريق مانشستر سيتي".

وذكرت الصحيفة الألمانية أن "ما يجري هو ثمرة المزج بين مليارات الإمارات، التي أنفقتها حكومة أبوظبي على مدار 13 عاما منذ استحواذها على الفريق، والشكوك المحيطة حول أحقية الفريق باللعب، بعد سلسلة من المشاكل القضائية والقانونية التي خاضها بعد اتهامه بخرق قواعد اللعب النظيف". 

وأضافت أن "منصور بن زايد ضخ مبلغا يقدر (بمليار ونصف المليار) جنيه إسترليني لدعم الفريق، أي ما يناهز 2 مليار يورو تقريبا". 

وفي 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، صرح الأستاذ في قسم سياسات الشرق الأوسط بجامعة دورهام "كريستوفر ديفيدسون" لمجلة "دير شبيغل" الألمانية، بأن "مانشستر سيتي بات يمثل إستراتيجية القوة الناعمة للأسرة الحاكمة في أبوظبي التي ترى في كرة القدم الإنجليزية وسيلة للتسويق وتحسين علاقاتها مع الغرب".

وأكد ديفيدسون أن "المسؤولين في نادي مانشستر سيتي تابعون على الورق لـ (منصور بن زايد)، لكنهم في الحقيقة رجال ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد".

ولا يقف النشاط الرياضي لمنصور على امتلاك مانشستر سيتي فقط، حيث يحوز في حقيبته عدة أندية أخرى مثل ميلبورن سيتي، نيويورك سيتي، مومباي سيتي وفريق مونتيفيديو تورك في أوروغواي. 

أما على صعيد السيطرة الإعلامية فذكر تقرير لوكالة "أونا" المصرية، في 14 يوليو/ تموز 2016، أن منصور بن زايد اشترى حصة تقدر بنحو 55% بفضائية "الحياة" المصرية، المؤيدة لرئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، ما يمكنه من إدارتها والتحكم في سياستها.

ولفتت الوكالة المصرية إلى أن هناك اتفاقا جرى بين محمد سمير، المتحدث العسكري للقوات المسلحة السابق، رئيس القناة (آنذاك)، والشيخ منصور على أن يستمر حق الإدارة لـ"سمير"، في ظل مساع إماراتية لفرض سيطرتها الكاملة على الإعلام المصري.

 

قتل وفساد 

تعلقت شبهات عديدة بحياة منصور بن زايد، أبرزها كانت عام 2010 إبان مصرع الشيخ أحمد بن زايد، شقيق منصور، والعضو المنتدب في جهاز أبوظبي للاستثمار، حيث تم العثور على جثته في بحيرة سد بالمغرب جراء سقوط طائرته الشراعية.

حينها كشف أستاذ العلوم السياسية السعودي كساب العتيبي من لندن تفاصيل عن مقتل أحمد بن زايد، مؤكدا أن الحادث عملية اغتيال مدبرة. 

ولمح العتيبي إلى تورط ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في الواقعة، بسبب صفقة أراد الاستحواذ عليها تقدر بالمليارات.

وتحدى العتيبي السلطات الإماراتية بفتح تحقيق حول الحادث واستجواب مدرب الطيران الذي كان برفقة أحمد بن زايد الذي نجا من الحادث.

فيما ذكر حساب باسم المغرد القطري الشهير، بوغانم (شخصية اعتبارية)، في 13 يوليو/ تموز 2020، أن منصور كان ضمن المتورطين في عملية الاغتيال. 

وفي 12 يوليو/ تموز 2020، بثت فضائية الجزيرة القطرية حلقة من برنامج التحقيقات، "ما خفي أعظم"، تناول فضيحة هروب المستثمر الهندي الشهير بي آر شيتي، الذي تحولت قضيته إلى أكبر عملية احتيال في تاريخ الإمارات.

وأكد البرنامج أنه حصل على "وثائق وأدلة" تعرض للمرة الأولى، بشأن شيتي، وعلاقته بأبناء زايد، وعمله لصالح منصور بن زايد تحديدا.

وفي إطار آخر، قبل أن تدخل الإمارات علانية إلى عهود التطبيع، كان منصور مطبعا مع الكيان الإسرائيلي في السر، ففي 8 يونيو/ حزيران 2016، كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني عن أن شركة مملوكة جزئيا للشيخ منصور قامت سرا بتزويد السوق الإسرائيلية بلحوم البقر.

وأوضح أن "شركة (إميريتس فيوتشر) للمواد الغذائية، التي يملك الشيخ منصور 40 بالمئة من أسهمها ومقرها أبو ظبي، أصبحت شريكة مهمة لشركة يملكها نجل رئيس حكومة إسرائيل السابق أرييل شارون، عبر سلسلة من العقود التجارية المعقدة". 

صراع نفوذ

ورغم التاريخ الطويل لمنصور بن زايد في معرض سياسات بلاده، وتطلعاته نحو الترقي إلى مناصب أكبر، تظل هناك عقبات كثيرة تواجهه وتقف في طريقه. 

وهو ما ذكرته مجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية الاستخباراتية، في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، عندما سلطت الضوء على ما وصفته بـ"حرب الأسرة الحاكمة الإماراتية على الشركات السيادية في البلاد"، وقالت: "يبدو أن الرابح فيها، حتى الآن، مستشار الأمن الوطني بالإمارات طحنون بن زايد".

وعلقت المجلة الفرنسية بأن "الصراع مع طحنون ترك منصور بن زايد خارج دائرة النفوذ، بعد أن كان يتخيل نفسه ولي العهد القادم". 

وذكرت أن "منصور خسر جولة جديدة عندما حكم على رجله السابق وحارس جميع أسراره، خادم القبيسي، بالسجن لمدة 15 عاما بتهمة غسل الأموال، خلال فترة عمله كرئيس تنفيذي لشركة الاستثمارات البترولية الدولية، التي كان يترأسها منصور، المرتبطة بفضيحة الصندوق السيادي الماليزي". 

وغير صراع نفوذ السلطة، يرتكن منصور إلى ثروة هائلة، وحسب تقرير لموقع "إمارات ليكس" في 19 فبراير/ شباط 2019، تبلغ ثروة منصور بن زايد الشخصية نحو 22 مليار دولار. 

ويعد من أبرز نجوم امتلاك اليخوت، ويخته "التوباز" تبلغ قيمته حاليا 517 مليون دولار.

كما يملك منصور أسطولا من السيارات الحديثة تبلغ قيمته نحو قرابة 10 ملايين دولار، منها سيارة واحدة بقيمة 3.9 ملايين دولار، كما لعب دورا أساسيا في جلب "الفورمولا وان" إلى أبو ظبي.

وأخيرا يظل اسم منصور مرتبطا بانتهاكات حقوق الإنسان في دولته ومن قبل أسرته، لا سيما أنه في 16 أغسطس/ آب 2016، شن تحالف من السياسيين والمدنيين في مدينة مانشستر حملة ضد منصور باعتباره صاحب نادي مانشستر سيتي، على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان في بلده الغني بالنفط.

حينها كتب خبراء قانونيون وسياسيون وجماعات دفاع حقوقية رسالة إلى منصور بن زايد، وطالبوه بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، والتحقيق في مزاعم ممارسات تعذيب، والالتزام باحترام حقوق الإنسان.