عبر أربعة أخطاء "فادحة".. هكذا جلب آبي أحمد الفوضى إلى إثيوبيا

اعتبرت صحيفة "لوبوان" الفرنسية أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد هو المسؤول عن الحرب الأهلية الدائرة في بلاده وتحويل حلم أديس أبابا في أن تكون رمز إفريقيا الجديدة، إلى كابوس يزعزع استقرار المنطقة.
ورصدت الصحيفة ما اعتبرته أربعة أخطاء فادحة ارتكبها آبي أحمد في صراعه مع جبهة تحرير شعب تيغراي، كانت كفيلة بتحويل إحدى قاطرات القارة الإفريقية إلى ساحة معركة.
وعلى مدار 3 عقود، هيمنت جبهة تحرير تيغراي على الحياة السياسية في إثيوبيا، غير أنها فقدت كثيرا من نفوذها مع تولي آبي أحمد رئاسة الوزراء في عام 2018.
واندلعت شرارة الاشتباكات بين الجيش الإثيوبي وجبهة تحرير تيغراي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بعدما أمر آبي أحمد القوات الحكومية بالدخول إلى إقليم تيغراي، ردا على هجوم استهدف قاعدة للجيش.
رمز إفريقيا الجديدة
وذكرت الصحيفة أن إثيوبيا قبل عامين كانت رمزا لإفريقيا الجديدة، وكان اقتصادها متجها نحو التصنيع بسرعة، ونما بأكثر من 10 بالمئة سنويا، ما أدى إلى خفض معدل الفقر إلى النصف ورفع متوسط العمر المتوقع لسكانها البالغ عددهم 115 مليون نسمة من 40 إلى 65 عاما.
وأشارت إلى أن آبي أحمد، الشخصية البارزة في الإصلاح الليبرالي بإثيوبيا، توج بجائزة نوبل للسلام في عام 2019 لإنهائه حربا استمرت عشرين عاما ضد الجارة إريتريا.
غير أن إثيوبيا علقت العمل بالدستور في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، وأصبحت من جديد تحت وطأة إطلاق النار والجوع والفظائع الجماعية، وباتت على وشك التصدع وخروج العنف الدائر في أقاليمها نحو جميع ربوع القرن الإفريقي.
ورأت "لوبوان" أن مسؤولية المأساة التي حولت إحدى قاطرات القارة الإفريقية إلى ساحة معركة تقع على عاتق آبي أحمد.
فآبي أحمد، مثل زعيمة ميانمار أونغ سان سو تشي المتواطئة في الإبادة الجماعية للروهنغيا، صدم بلعنة الفائزين بنوبل للسلام، وقد سيطر عليه الحماس في محاولاته للحفاظ على وحدة البلاد في يد إقليم أمهرة وتحديث البلاد بشكل سلطوي، لكن ذلك تسبب في اندلاع حرب أهلية تنقلب عليه حاليا.
وأشارت الصحيفة إلى أن آبي أحمد استولى على حق "تيغراي" في الانتخابات الإقليمية، وأرسل الجيش الاتحادي في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 إلى الإقليم، لاستعادة السيطرة على المنطقة التي ينشط فيها المتمردون .
في الواقع، كانت مليشيات الأمهرة والقوات الإريترية هي التي غزت تيغراي واحتلت عاصمة الإقليم ميكيلي، وفق "لوبوان".
وتسببت زيادة عمليات ابتزاز إقليم تيغراي في نزوح أكثر من مليوني لاجئ، وهو أمر حفز قوات جبهة تحرير شعب تيغراي، ودفعها للتحرك.
واستعادت الجبهة إقليم تيغراي في يونيو/ حزيران 2021، وفي نهاية أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه سيطرت على المدينتين الإستراتيجيتين ديسي وكومبولتشا في إقليم أمهرة على الطريق المؤدي إلى عاصمة البلاد أديس أبابا، المرجح سقوطها في الأشهر المقبلة أو حتى في غضون أسابيع.
4 أخطاء فادحة
واعتبرت الصحيفة الفرنسية أن الفوضى في إثيوبيا هي نتاج أربعة أخطاء فادحة ارتكبها آبي أحمد، يأتي في مقدمتها الترويج لنموذج مركزي سلطوي مقابل تحرير الاقتصاد.
وثانيا، تحالف آبي أحمد مع إقليم أمهرة فقط الذي يمثل 28 بالمئة من السكان، ما أدى إلى تحالف إقليم تيغراي (6 بالمئة من السكان) مع إقليم أورومو (35 بالمئة من السكان).
فيما يتمثل الخطأ الثالث في التقليل من شأن ميزان القوى العسكري بين قوات تيغراي، التي سيطرت على جيش البلاد من عام 1991 وحتى 2018 ، والجيش الاتحادي المتهالك بسبب تهميش وانشقاقات الضباط الذين كانوا يشكلون عموده الفقري.
أما الخطأ الرابع فهو دعوة جيش إريتريا إلى التدخل في تيغراي والتطهير العرقي الذي حصل في الإقليم مع كثير من عمليات الاغتصاب والتشويه والقتل الجماعي والتجويع والترحيل.
ورأت "لوبوان" أن إثيوبيا تجد نفسها الآن في دوامة من العنف تذكرنا بالوضع في سوريا.
وبسبب الحرب الأهلية شديدة الوطأة، أصبح الاقتصاد الذي ازدهر بالأمس، ملطخا بالدماء، والمجاعات بدأت تلوح في الأفق من جديد.
كما لفتت إلى أن الصراع في إثيوبيا يشمل بعدا دوليا، على خلفية تدخل الجيش الإريتري في تيغراي، ونزوح 60 ألفا على الأقل من الإقليم إلى السودان.
وهكذا تحولت إثيوبيا من قطب استقرار إلى دولة مزعزعة للاستقرار في القرن الإفريقي، الذي يشهد ديكتاتورية قاسية للرئيس الإريتري أسياس أفورقي، وانقساما حول الانقلاب العسكري في السودان، إضافة إلى تشرذم الصومال بين أمراء الحرب لمدة ثلاثين عاما، وفق "لوبوان".
وأضافت أنه يمكن إشعال نيران الحرب في شمال شرق إفريقيا بالكامل، إذا استغلت مصر الحرب الأهلية الإثيوبية لتنفيذ تهديدات بضربات جوية تستهدف سد النهضة.
إيقاف الحرب
وأوضحت "لوبوان" أنه لا يمكن إيقاف هذه الحرب إلا من خلال رحيل آبي أحمد عن السلطة، وتشكيل حكومة انتقالية، والتوجه لاحقا نحو حكومة اتحادية هيكلية تعترف بالحكم الذاتي للعرقيات الثلاث التي تكونها، وكذلك بلغتها وثقافتها وتاريخها.
غير أن هذه التسوية تبدو بعيدة المنال في الوقت الحالي، بسبب تطرف القوى الحالية وانقسام المجتمع الدولي، ودعم الصين وروسيا لآبي أحمد واستخدامهما حق النقض ضد أي موقف للأمم المتحدة.
وتلخص إثيوبيا، مقر الاتحاد الإفريقي، الوضع الحرج الذي تجد إفريقيا نفسها فيه وهي خارجة من وباء فيروس كورونا المستجد.
وبعد هروبها من حتمية التنمية الفقيرة بفضل انطلاقتها المرتبطة بالعولمة وتعزيزها لسلطة القانون، أصبح صعود إثيوبيا الآن مهددا بسبب تجدد الصراعات المسلحة، وتصاعد الإرهاب، وعودة الانقلابات والديكتاتوريات.
وأكدت الصحيفة أن حبس إفريقيا في حالة من الركود والفقر والقمع والفوضى لن يكون أمرا مأساويا للقارة فحسب، بل لأوروبا أيضا.
فإفريقيا ليست قارتنا لكنها أحد مفاتيح مستقبلنا.
ومن يصدق أن الأفارقة الذين سيتضاعف عددهم بحلول عام 2050 ليصل إلى 2.5 مليار شخص، نصفهم دون سن 25، لن يكونوا مستعدين لفعل أي شيء للهروب من الفقر والعبودية والعنف؟