المجلس السيادي الجديد بالسودان.. هل يصمد أمام أزمات الداخل وضغوط الخارج؟

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

التشكيل الجديد للمجلس السيادي السوداني، برئاسة قائد المؤسسة العسكرية عبد الفتاح البرهان، خلف مزيدا من الجدل في الواقع المضطرب، ما بين التشكيك في شرعيته من الأساس، أو الحديث عن فاعليته أمام الأزمات الداخلية، أو الضغط الخارجي من القوى الدولية التي لم تتقبل "انقلاب العسكر".

انقلاب البرهان بحل المجلس السيادي القديم، وبدء موجة اعتقالات شملت رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، ومعظم الوزراء، وقيادات سياسية ورؤساء أحزاب، بجانب السيطرة على مبنى الإذاعة والتلفزيون والانتشار الكثيف للجنود في الشوارع والميادين، خلقت واقعا "أكثر تعقيدا".

هذه الخطوات أرجعت الزمن للوراء، تحديدا إلى فترة الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019 على وقع ثورة واحتجاجات استمرت لأشهر، وكان قادة الحراك المدنيون في أقوى حالاتهم، واستطاعوا فرض شروطهم على العسكريين الذين خضعوا لـ"أمر الواقع" آنذاك. 

تشكيل جدلي

في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 نصب قائد الجيش البرهان، المتهم بإحداث انقلاب عسكري، نفسه من جديد رئيسا للمجلس السيادي.

وبحسب مرسوم البرهان، يضم مجلس السيادة 5 أعضاء من المكون العسكري و3 أعضاء من الجبهة الثورية و5 أعضاء يمثلون الأقاليم.

وجاءت أبرز الملاحظات على التشكيل الجديد للمجلس، احتفاظ قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) بموقعه نائبا للرئيس، كما احتفظ بقية الأعضاء العسكريون في المجلس السابق بعضويتهم فيه.

وضمت التشكيلة الجديدة أيضا 9 أعضاء كانوا في المجلس السابق، و4 أعضاء جدد حلوا مكان أعضاء المجلس السابق المنتمين إلى قوى "الحرية والتغيير"، والذين تم تقييد حريتهم واعتقال بعضهم وتحديد إقامة البعض الآخر. 

وقد تم تأجيل تسمية ممثل شرق السودان في المجلس السيادي الجديد إلى حين إجراء "مزيد من المشاورات"، وفقا للتلفزيون الرسمي.

ومن أبرز الأعضاء الجدد وأكثرهم جدلا "أبو القاسم برطم" الذي كان نائبا في البرلمان في عهد البشير، وهو رجل أعمال يدير شركات تعمل في الزراعة والنقل، وهو السبب في وصم البرهان ومجلسه بـ"محاولة التحالف مع فلول البشير، وإعادة تدوير النظام السابق".

وانضمت إلى المجلس لأول مرة كذلك "سلمى المبارك" التي لا تاريخ سياسي لها، ولكنها ابنة أسرة صوفية عريقة، ومن المعروف مدى تأثير وقوة الطرق الصوفية في السودان، وهي ثاني امرأة في المجلس السيادي مع "رجا نيقولا" ممثلة الأقليات المسيحية التي احتفظت بعضويتها.

ومع تشكيل المجلس الجديد، أصدر البرهان قرارا بإنهاء تجميد المواد التي كانت معلقة من الوثيقة الدستورية السابقة، وتعهد باحترامها، وسط غضب عارم متصاعد في الشارع السوداني جراء تلك الإجراءات. 

رفض وصدام 

أهم ردود الفعل على التشكيل الجديد للمجلس السيادي، جاءت من "الخصم اللدود" المتمثل في قوى "الحرية والتغيير" المنقلب عليها، وسرعان ما خرج وزير الثقافة والإعلام (السابق)، والناطق باسم الحكومة الانتقالية (المنحلة)، حمزة بلول الأمير، قائلا إن "قرار تشكيل مجلس سيادة يمثل امتدادا للإجراءات الانقلابية التي بدأت في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021".

وشدد الوزير في بيان نشره عبر صفحة الوزارة على "فيسبوك"، على أن "الشعب السوداني قادر على دحر الانقلاب، وسيكمل مسيرة الانتقال".

واعتبر  الأمير أن "تشكيل مجلس سيادة يؤكد صحة موقف قوى (الحرية والتغيير) الرافض للحوار مع الانقلابيين"، واصفا خطوة المجلس الجديد بـ"الهروب إلى الأمام". 

"اتحاد الأطباء السودانيين" شارك كذلك في الرفض التام لانقلاب البرهان، وتشكيل المجلس السيادي، لا سيما أن الجيش اعتقل في الساعات الأولى من الانقلاب، الطبيب محمد ناجي الأصم، الذي بزغ نجمه في الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالبشير عام 2019، ثم أصبح من أشد المنتقدين للانقلاب العسكري.

وقال اتحاد الأطباء في بيانه إن "المقاومة ستستمر حتى الإطاحة بالانقلاب ومحاكمة قادته".

فيما اعتبر حزب "المؤتمر السوداني" (ضمن الائتلاف الحاكم السابق) أن "التصعيد بتشكيل المجلس الانقلابي لا يستند إلى قانون أو أي شرعية دستورية"، وأورد في بيانه "نؤكد أننا سنناهضه ونقاومه مهما كلفنا، ونعلن أن صوت الشارع هو صوتنا وموقفه موقفنا".

وخرجت مظاهرات مستمرة في عدة أحياء بالعاصمة الخرطوم كرد فعل على إعلان تشكيل مجلس السيادة، وحمل المحتجون الأعلام الوطنية، ورددوا شعارات تندد بقرار البرهان، كما أغلقوا بعض الشوارع بالحواجز الإسمنتية وإطارات السيارات المشتعلة.

قلق أممي 

لم يحتقن الداخل السوداني فقط نتيجة إجراءات البرهان وتشكيلاته للمجلس، فعلى المستوى الأممي، قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوغاريك، خلال مؤتمر صحفي في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إن "الإعلان عن تشكيل مجلس سيادي جديد في السودان مقلق للغاية"، داعيا إلى "العودة للمرحلة الانتقالية بأسرع ما يمكن".

كما دعا نائب المندوبة البريطانية الدائمة لدى الأمم المتحدة، جيمس كاريوكي، في تصريحات للصحفيين، الجيش السوداني إلى "تسوية سياسية تقوم على أساس الشراكة بين المكونين العسكري والمدني". 

من جانبه، أبلغ ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان، فولكر بيرتس، مجلس الأمن الدولي، أن "نافذة الحوار والحل السلمي في السودان قد أغلقت"، وذلك نتيجة حسم قادة الجيش في البلاد أمرهم بتكوين المجلس السيادي على واقعه الحالي.

ويذكر أن "المجلس السيادي" هو الجهة المخولة بالإشراف على المرحلة الانتقالية والتي حددت بعدد 39 شهرا منذ الاتفاق الذي تم بين المجلس العسكري الانتقالي، وتحالف قوى "إعلان الحرية والتغيير"، قائدة الانتفاضة الشعبية ضد حكم البشير.

وبدأ عمل المجلس بشكل رسمي في 21 أغسطس/آب 2019، عندما أدى البرهان القسم الدستوري أمام مجلس القضاء، بينما أدى بقية أعضاء المجلس القسم أمام رئيس المجلس.

وكان من المفترض أن يمتد عمل المجلس 39 شهرا، تنتهي بإجراء انتخابات عامة، تنتقل بموجبها السلطة إلى حكومة مدنية، لكن رئيس المجلس البرهان انقلب على المرحلة الانتقالية في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بإعلانه حالة الطوارئ بالبلاد وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وتعليق العمل ببعض بنود الوثيقة الدستورية وتجميد عمل لجنة التمكين.

الحقيقة الغائبة 

وقال السياسي السوداني إبراهيم عبد العاطي: "لا بد من العودة إلى مقدمات المرحلة الانتقالية حتى نعرف ما وصلنا إليه، وما وصل إليه السودان من إجراءات شبه انقلابية، وحكومة أسقطت على وقع جمودها وأجندتها الخاصة التي لم تغب عن الجميع".

وأشار عبدالعاطي لـ"الاستقلال" إلى أن "المجلس السيادي القديم لم يكن معبرا عن السودان ولا أطيافه المجتمعية الواسعة، وأن العسكريين أوقعوا المكون المدني في فخ السلطة، حتى يستأصلوهم لاحقا بسبب الفشل الذريع في جميع المجالات السياسية والاقتصادية". 

وأضاف "عند العودة إلى مايو/أيار 2019 عقب الإطاحة بالبشير مباشرة، كانت هناك أصوات عاقلة تنادي بمصالحة وطنية شاملة، وإجراء انتخابات عامة، تخرج ممثلين شرعيين عن الشعب، يبدؤون بوضع عقد جديد، يضمن تأسيس مؤسسات حقيقية قوية للدولة التي لم تتحمل كم الاضطرابات والأزمات المستمرة".

وأوضح عبدالعاطي أن "السودان به قوة مجتمعية أعمق من خلافات العسكر وتجمع المهنيين"، مشيرا إلى "الإسلاميين بمختلف أحزابهم وجماعاتهم والطرق الصوفية، والمسيحيين كذلك، فضلا عن القبائل والجماعات المسلحة المنضوية تحت لواء اتفاقية جوبا (للسلام في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020) أو التي لا زالت على موقفها".

وشدد على أن "كل هؤلاء يحتاجون إلى معاهدة حقيقية تجمعهم وتضمن لهم الوجود كفاعلين داخل الدولة والمجتمع، لا أن يتم سحقهم وإقصاؤهم".

وتوقع عبدالعاطي أن "تستمر أزمة الحكم في السودان ولا تقف عند هذا الحد، مع وجود تربصات دولية وانفجار في الشارع".

ولفت إلى أن "العسكر يمكن أن يحسم أمره بإقامة نظام أحادي كعادة السودان، ويفرض شرعية السلاح على الجميع في حال لم تتوافق جميع المكونات المدنية على خارطة طريق أشمل، مع قوله بصعوبة ذلك الأمر في ظل هذا الكم من الخلاف والعداء بين الاتجاهات السياسية الواحدة على غرار انقسام تجمع المدنيين".