رغم اقتلاعه "نصف أشجار مصر".. لماذا شارك السيسي بقمة المناخ العالمية؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

عاد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي خالي الوفاض بعد سفره إلى المملكة المتحدة لحضور قمة المناخ العالمية أملا في لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن، بعدما رفض الأخير محاولاته لعقد لقاء أو مصافحة.

بحسب دبلوماسي مصري سابق تحدث لـ"الاستقلال" لم تستجب الولايات المتحدة لطلب السيسي لقاء بايدن، ما مثل إحراجا له، وتراجع لنفس السبب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن السفر إلى غلاسكو الأسكتلندية حيث يعقد المؤتمر.

تغيب ابن سلمان عن حضور قمة المناخ لأنه علم بأن بايدن سيرفض مقابلته أو مصافحته، وهو نفس السبب لتغيب السيسي عن حضور اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك سبتمبر/ أيلول 2021، بحسب المصدر الدبلوماسي الذي طلب عدم الكشف عن هويته.

أسباب سفره

وتابع المصدر: "لولا دعوة السيسي من قبل رئيس الوزراء البريطاني (بوريس جونسون)، الذي تتولى بلاده الرئاسة الحالية للقمة، والإعلان أن مصر إحدى الدول المرشحة لاستضافة قمة المناخ المقبلة عام 2022، ما ذهب الأخير".

رفض بايدن مقابلة أو مصافحة السيسي رغم وجودهما في نفس القاعة لإلقاء كلمات، يأتي في ظل تنفيذ إدارته "شروطا حقوقية" على مصر، خلافا لما كان عليه الحال في زمن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

لا تزال تغريدة جو بايدن، قبل انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، حاضرة على حسابه الشخصي، عندما وصف السيسي بـ"دكتاتور ترامب المفضل"، ووجهت له انتقادات بالتراجع عن تعهداته، الأمر الذي دفع إدارته لتشديد تعاملها مع مصر.

ووقع 40 لاجئا سياسيا مصريا في بريطانيا على عريضة تطالب لندن بعدم استقبال السيسي، كما خرجت مظاهرات معارضة أمام مقر إقامته ترفع شعار "السفاح" وتهتف ضد حكم العسكر، ما جعل موقف رئيس النظام المصري أكثر حرجا.

وتحظى مصر بسمعة سيئة تجاه البيئة حيث تعمد إلى تقطيع الأشجار لحساب البنيان، ما جعل مصريين يسخرون من مشاركته في قمة للحفاظ على المناخ الذي يفسده، رغم إعلانه إطلاق إستراتيجية للمناخ عام 2050.

وقال الناشط أحمد بدوي ساخرا: "يابني قمة مناخ ايه اللي (التي) أنت رايحها (ذاهب إليها)، ده أنت قاطع نص الشجر اللي في البلد (مصر)".

بعث بايدن برسالة واضحة للسيسي وابن سلمان في 21 أكتوبر/ تشرين أول 2021 أنه سيرفض لقاءهما، دون ذكر أسماء، خلال لقاء بثته شبكة سي إن إن الأميركية بقوله إن "أشخاصا" من الشرق الأوسط يرغبون في التحدث معي لكني "لن أفعل".

لذا ظل الموقف الرسمي من حضور السيسي القمة يكتنفه الغموض حتى الساعات الأخيرة، ولم يعلن المتحدث الرسمي باسم الرئاسة بسام راضي، مشاركته إلا في نفس يوم سفره وافتتاح القمة.

حاول "المتحدث" تبرير حضوره بأنه "يأتي تلبية لدعوة بوريس جونسون"، وتمسك بالأمل في لقاء بايدن له، بالقول إن برنامج السيسي سيتضمن عقد مباحثات مع "عدد من رؤساء الدول والحكومات".

حاولت صحيفة أخبار اليوم الحكومية 29 أكتوبر/تشرين الأول 2021 تبرير حضوره بأن "الحكومة البريطانية مهتمة بذلك"، وأن جونسون اتصل بالسيسي 14 من ذات الشهر للتأكيد على حضوره، وتساءل مصريون عن السبب؟

قبل هذا مهد السيسي للحضور بالإعلان رسميا 20 سبتمبر/أيلول 2021 "اهتمام مصر باستضافة قمة المناخ المقبلة للأمم المتحدة المقرر عقدها في 2022".

دلالات الحضور

في 14 أكتوبر/ تشرين أول 2021 أكد مصدر حكومي مصري أن القاهرة تُعوّل على أول زيارة خارجية لوفد «الحوار الدولي» برئاسة أنور السادات ومشيرة خطاب إلى واشنطن، كي تشجع إدارة بايدن على عقد لقاء مع عبد الفتاح السيسي.

قال لموقع «مدى مصر» إن "السيسي يريد لقاء نظيره الأميركي جو بايدن خلال قمة المناخ في غلاسكو الأسكتلندية لكن الأمر لم يُحدد حتى الآن".

المصدر، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، أوضح أن السيسي سيشارك لإعلان استضافة مصر قمة المناخ المقبلة، لكن حال تعذر ترتيب لقاء له مع بايدن هناك قد يوفد رئيس الوزراء (مصطفى مدبولي) ويكتفي بتوجيه كلمة عبر الفيديو كونفرانس.

وفي 28 أكتوبر/ تشرين أول 2021 نقلت صحيفة "العربي الجديد" عن مصادر دبلوماسية مصرية وجود "مساعٍ حثيثة" من جانب السيسي لعقد لقاء مع بايدن، مشيرة إلى رفض مراكز صناعة القرار في واشنطن ذلك بسبب ملف مصر الحقوقي.

لكن المصدر الدبلوماسي السابق، الذي تحدث لـ "الاستقلال" مفضلا عدم ذكر اسمه، قال إن السيسي أصر على الحضور متمنيا أن يحظى بلقطة مصافحة لبايدن، ولو بروتوكوليا، مكافأة لدوره الذي يخدم مصالح واشنطن في المنطقة.

اعتبر أن حرص السيسي على المصافحة هدفه رفع الحرج عنه واكتساب شرعية دولية خاصة أن بايدن يرفض لقاءه منذ دخوله البيت الأبيض، رغم الحديث معه هاتفيا مرتين لاستثمار دوره في غزة وليبيا.

شدد على أن رفض إدارة بايدن لقاء أو مصافحة السيسي "رسالة رفض" لسلوكه في مجال حقوق الإنسان، وإدراك أن "ما يفعله تحايل وبروباغندا" وأنه لا يوجد تحسن حقيقي في حقوق الإنسان.

اعتبر هذا عودة من جانب بايدن لتعهداته قبل انتخابه بشأن حقوق الإنسان، التي هاجمته الصحف الأميركية بسبب نكوصه عنها.

وهو ما قد يجبر السيسي على التراجع نسبيا وإطلاق معتقلين، أو الذهاب أكثر لأحضان موسكو، نكاية بأميركا، يقول المصدر.

حاولت الصحف المصرية الإيحاء بأن المصافحة ستتم بنشر أخبار عن أن "السيسي وبايدن وجونسون سيلقون كلمات بالشق رفيع المستوى من قمة غلاسكو في الأول من نوفمبر/تشرين ثان 2021، لكن الرئيس الأميركي ظل بعيدا.

ولحفظ ماء الوجه، روجت لجان السيسي الإلكترونية أنه هو الذي رفض لقاء بايدن، وأبلغه أنه "مشغول بلقاءات أخرى".

مصريون شجعوا بايدن على رفض المصافحة، وبعثوا برسالة موحدة إليه عبر مواقع التواصل يحذرونه من الخطوة. 

قالوا: "عزيزي الرئيس بايدن، السيسي سافر من مصر إلى أوروبا على أمل مقابلتك في رحلتك لأنه يعتقد أنه يستطيع إضفاء الشرعية على حكمه الوحشي والفاسد إذا أمكن تصويره وهو يصافح زعيم العالم الحر. لا تفعل".

كما أكد ناشطون قيامهم بعمل جماعي عبر كتابة "رسالة مشتركة" لبايدن وتوزيعها على معارضي السيسي للقيام بإرسال نسخة منها لصفحة بايدن والبيت الأبيض على مواقع التواصل.

سبق للرئيس الأميركي جو بايدن، دعوة 40 من قادة العالم للمشاركة في قمة للمناخ عبر الاتصال المرئي بسبب قيود كورونا، يومي 22 و23 أبريل/نيسان 2021 لبحث قضية تغير المناخ، لكنه تجاهل السيسي.

دعا 4 ممثلين عن منطقة الشرق الأوسط هم: الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، ورئيس الإمارات خليفة بن زايد، ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو.

بريطانيا تزعجه

تبدو رحلات بريطانيا دائما مقلقة ومزعجة لنظام السيسي، ففي كل مرة يزورها يتعرض للإحراج، وسعى محامون لتوقيفه هو أو بعض فريق العمل له، بتهم قتل معارضين وارتكاب مجازر.

في رحلات سابقة تعرض السيسي للإحراج بسبب مطالبة محامين، نيابة عن أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، بتوقيفه ومحاسبته على مجازره.

حين سافر السيسي للندن نوفمبر/ تشرين ثان 2015 طالب محامون وحدة جرائم "سكوتلاند يارد" باعتقاله هو ومرافقين له بتهمة ارتكاب جرائم قتل معتصمين ومتظاهرين، إلا أنهم تمسكوا بـ "حصانة دبلوماسية" لمنع ملاحقتهم أو محاكمتهم.

صحيفة "الغارديان" كشفت في الثاني من نوفمبر/تشرين ثان 2015، أن محامين حاولوا أيضا ملاحقة رئيس الأركان السابق الفريق محمود حجازي، خلال زيارته إلى لندن 15 سبتمبر/أيلول 2015 لكن الخارجية البريطانية قالت إن لديه "حصانة".

وكان السيسي نفسه هدفا لملاحقة محامين بريطانيين يمثلون المعارضة المصرية عام 2015، لكن السفير البريطاني لدى القاهرة جون كاسن نفي حينئذ إمكانية محاكمته أو اعتقاله لأن لديه "حصانة".

وللتغلب على هذه الملاحقات الخارجية، أقر البرلمان المصري بطلب من السيسي، قانونا يحصن "كبار ضباط الجيش" قضائيا ودبلوماسيا في 16 يوليو/ تموز 2018.

وفي العام 2020 هاجمته صحف بريطانية، خلال حضوره قمة الاستثمار البريطانية الإفريقية، ونشرت صحيفة "التايمز" في 17 يناير/ كانون ثان 2020، افتتاحية تقول: "زائر غير مرحب به يقود نظاما وحشيا، ويقتل شعبه".

ووجهت الصحيفة في عناوينها للسيسي عبارات: لا حللت أهلا.. ولا نزلت سهلا، زيارة غير مرحب بها "الرئيس المصري يقود نظاما وحشيا، ويقتل شعبه ويفلت من العقاب!!".

هذا العام، أبرزت صحف لندن رسالة اللاجئين السياسيين المصريين لرئيس الوزراء جونسون، بسحب دعوته للسيسي "التي تسهم في تلميع صورة الدكتاتور". 

قال موقع "ميدل إيست آي" البريطاني 30 أكتوبر/تشرين أول 2021 إن الرسالة شددت على نية السيسي استغلال دعوة جونسون له "لتبييض السجل المروع لانتهاكاته لحقوق الإنسان".

شارك ناشطون على مواقع التواصل في نقد دعوة رئيس وزراء بريطانيا "قاتل المصريين وعدو البيئة في مصر".

حاول نظام السيسي تعويض ذلك بحشد عدد ضئيل من مؤيديه خارج الفندق الذي نزل فيه في أدنبرة للهتاف له.

في المقابل، نظم معارضوه مظاهرة أمام مقر إقامته تنديدا بمشاركته في القمة وتذكيرا بجرائمه، تحت لافتات "عيب عليكم استضافة قاتل"، مع إحصاءات بعدد المعتقلين وضحايا مجزرة رابعة وعدد الإعدامات.