تمتمات بين يدي "صفقة القرن"

مللنا من ترديد شعارات ما يسمى "صفقة القرن" التي صدع بها كوشنر وبعض أصدقائه من الساسة العرب رؤوسنا في العامين الأخيرين، والمحصلة أن تهيئة الظروف لمثل هذه "الصفقة" لا تزال تحاول أن تجري على قدم وساق، فتسير مرةً وتتعثر أخرى، وفي النهاية لا زال ذات السؤال يحاصر أصحاب هذه "الصفقة".. هل يمكن أن تتم وتفرض على شعوب المنطقة؟!
العنوان الأبرز الذي يمكن من خلاله تلخيص بنود هذه "الصفقة" ينحصر في تصفية القضية الفلسطينية من خلال تحويل الوضع المؤقت إلى وضع دائمٍ، وفرضِ مجموعة من الإملاءات الأمريكية النهائية على الجانب العربي والفلسطيني، وهو ما تتحدث به جميع التسريبات التي تجد طريقها أسبوعياً إلى وسائل الإعلام، ولم يخفها عدد من المسؤولين العرب على رأسهم العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين، الذي كان الأكثر وضوحاً في كشف وجود ضغوط يتحملها الأردن حالياً من قبل أطراف كثيرة للقبول بشروط تعني ببساطة تصفية القضية الفلسطينية بالكامل، وعلى رأسها موضوعا اللاجئين والقدس اللذان يهمان الأردن بالدرجة الأولى.
لكن يبدو أن الصحفي الإسرائيلي شلومو شامير له رأي آخر فيما يتعلق بجهود الأدارة الأمريكية الحالية لإقرار هذه "الصفقة"، إذ يرى هذا الصحفي –في مقال نشره في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية– أن المقصود بهذه "الصفقة" ليس إقرارها بقدر ما هو إيجاد موطئ قدم لمهندسها "جاريد كوشنر" –صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب– على حلبة السياسة الأمريكية والدولية بما يؤهله للترشح في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2024، وذلك من خلال إبرازه باعتباره سياسياً مرموقاً قادراً على التنافس على رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.
في رأيي الشخصي، أعتقد أن تحليل الصحفي شامير أقرب للمنطق والعقل، فكافة المؤشرات في المنطقة تدل بوضوح على أن هذه الخطة لن تستطيع تجاوز الورق الذي تكتب عليه، ولن تستطيع أن تخرج عن كونها خيالاً يداعب ذهن مهندسها صاحب الوجه الجامد الذي لا يعطي أي انطباعات ولا كاريزما. فقد حاول كثيرون قبل ترمب وصهرِه أن يحفروا أسماءهم في سجلات التاريخ الأممية من خلال التوصل لاتفاق سلام دائم في المنطقة.
حاول رؤساء كثر أن يكون لهم ذلك المجد التاريخي، ولكنهم فشلوا جميعاً، وفشلت جميع تلك الخطط: واي ريفر، خريطة الطريق، وغيرها من الأسماء الرنانة التي كانت تصدع رؤوسنا من حين لآخر.. كلها فشلت، فلماذا تنجح هذه الخطة؟!
قد يقول قائل إن هذه الخطة بالذات تتمتع بدعم غير مسبوق من دول عربية ثرية أعلنت بوضوح وقوفها مع الطرف الإسرائيلي والأمريكي، ولا أدل على ذلك من هجمات ما يسمى "الذباب الإلكتروني" المتكررة على كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ابتداءً من التصريح بالحق الصهيوني الكامل في القدس ولعن اللاجئين وشتيمة الفلسطينيين، وليس انتهاءً بشيطنة أية مقاومةٍ شعبيةٍ يبديها الشعب الفلسطيني تجاه آلة الحرب الإسرائيلية، كما حدث في بداية رمضان الحالي.
هذا الأمر كان قديماً يتم من خلال أسماء مجهولة في وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنه الآن أصبح علنياً ومكشوفاً ومفضوحاً من أسماء محددة من كتاب صحف ومعلقين وأكاديميين؛ عُرِف عنهم دائماً التكلم باسم أنظمتهم والتعبير عن ما يدور في خلد هؤلاء الساسة.
نعم قد يكون هذا صحيحاً، ولكن هذا لا يعني بحالٍ أن مساندة هذه الدول لهذه الخطة ستنجحها، فلا تزال هناك أوراق لم يستطع ترمب وصهره هزيمتها، فهناك الحاضنة الشعبية في الداخل والخارج الفلسطيني التي أثبتت غير مرة أنها ورقة "الجوكر" الرابحة التي عادةً ما لا يحسبون لها حساباً فتقلب عليهم الطاولة، وهناك أنظمة سياسية في المنطقة تعلم تماماً أن هذه الخطة تمس أمنها القومي في الصميم، ولا تستطيع أن تذهب إلى حافة الانتحار لإرضاء ترمب وصهرِه وبعضِ الساسة العرب المراهقين.
كما أن العالم لم يغير موقفه من القضية الفلسطينية في عمومه، واحتقار العالم بالطريقة التي يقوم بها السيد ترمب لا تأتي له بأكثر من ازدراء العالم له بالمقابل وزيادةِ عزلة بلاده عن العالم، فالقوي لا يبقى قوياً، والغني لا يبقى غنياً، والضعيف والفقير لا يبقى كذلك، وتلك سنة التاريخ التي لا تتغير. كما أن أمور السياسة والحكم لا تتم بأسلوب الصفقات العقارية. وإن ظهر نجاحها على المدى القصير فهو نجاح باهت كاذب لا يدوم ولا يلبث أن يتهاوى.
في المحصلة، ربما يُقدِم كوشنر بالفعل على إعلان "صفقته" بعد انتهاء شهر رمضان المبارك، وربما يضغط حموه ترمب بكل قوته لتنفيذ بنود هذه "الصفقة"، بل وربما يضغط بعض الساسة المراهقين العرب لتنفيذ بنودها كذلك سعياً للتخلص من عبء القضية الفلسطينية وعبء القدس وشبحِ الهزيمة الذي طاردهم منذ أن تسببوا بسقوط فلسطين تحت الاحتلال الصهيوني عام 1948، ولكن لا أرى أن هذه الخطة ستنفذ ببساطة! لأنها تغفل عنصر القوة الأكبر لدى الشعب الفلسطيني، ألا وهو نفسه.