عملية استعراضية.. لماذا يزود حزب الله لبنان بوقود إيران عبر موانئ سوريا؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بخيط سميك، تمسك إيران بالمشهد اللبناني سياسيا عبر ذراعها العسكري "حزب الله" الذي تتحكم شبكاته المتعددة في تعميق أزمات البلاد الاقتصادية وعلى رأسها أزمة الوقود المستمرة، مما يجعله قادرا على تقديم نفسه كمفتاح للحل.

ويحاول "حزب الله" إعادة تلميع صورته عبر تدخله في تخفيف أزمة الطاقة الخانقة التي عصفت بلبنان منذ يونيو/حزيران 2021، عبر الترويج لإمكانية حلفائه وهما إيران والنظام السوري في مساعدة لبنان.

ومع بداية أزمة نقص الوقود المخصص لتوليد الطاقة في لبنان بسبب عدم توفر النقد الأجنبي الكافي لاستيراده، حاول أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، استغلال حاجة الشعب لإيهامهم بأن محوره (بشار الأسد – إيران) قادر على تأمين ما يعجز عنه الآخرون.

وبدأ نصر الله بشكل منفرد وبعيدا عن الجهات الرسمية بالدولة اللبنانية، التنسيق مع إيران؛ لإدخال المشتقات النفطية إلى البلاد عبر الناقلات الإيرانية.

ورغم أن نصر الله كان مدركا لحجم الضرر الذي سيجلبه إلى لبنان في هذا التوقيت الحساس الذي تبحث فيه بيروت عن رشفة وقود، بدا أن حزب الله يسعى لتحقيق أغراض سياسية أكثر من كونه يريد مد يد العون لانتشال لبنان من محنة الطاقة.

ويدلل أصحاب هذه الرؤية إلى أن حزب الله من الأساس هو يدير أضخم عمليات تهريب للمحروقات بين لبنان سوريا عبر معابر غير شرعية خاصة به، غير تلك الرسمية الموزعة على الشريط الحدودي الممتد على مسافة 375 كيلومترا والبالغ عددها خمسة، وهي "المصنع، الدبوسية، جوسية، تلكلخ، العريضة".

يد حزب الله

ويستخدم حزب الله تلك المعابر لتهريب المواد الغذائية والبضائع والوقود إلى الداخل السوري لمساندة النظام، مما خلق أزمات داخلية لبيروت ظهرت نتائجها الاقتصادية أواخر 2019، وأدت لانهيار مالي وارتفاع قياسي بمعدلات الفقر وصلت حد شح الوقود والأدوية والسلع الأساسية الأخرى، مما أدخل لبنان في أزمة اقتصادية عدت هي الأسوأ منذ الحرب الأهلية (1975 ـ 1990). 

ويمكن القول إن وجود 74 نقطة حدودية للجيش اللبناني على الحدود بين الأراضي المتداخلة بين سوريا ولبنان، لا يعني أن القرار السياسي لضبط الحدود بيد ذاك الجيش، لكون "حزب الله" يستغل تلك المعابر؛ لنقل الأسلحة والمقاتلين إلى سوريا لمساندة نظام الأسد، وكذلك لإدخال الدعم من طهران إلى مواقعه في لبنان.

وأظهرت أزمة الطاقة الحالية في لبنان وجود "معادلة مقلوبة" حول دور حزب الله في تعميق أزمات لبنان الاقتصادية، والانبراء لمعالجتها، إذ وجهت كثيرا من الاتهامات لحزب الله في تهريب الوقود من لبنان إلى سوريا؛ بسبب فارق الأسعار خلال العقد الأخير، في خرق صريح للعقوبات الدولية المفروضة على نظام الأسد.

وووفقا لتقرير نشره مركز "ألما" الإسرائيلي للبحوث في مايو/أيار 2021، فإن أكثر من 3 ملايين ليتر من الوقود المهرب يذهب بصورة غير شرعية من لبنان إلى سوريا يوميا.

وأكد التقرير أن معظم هذه العمليات تجري تحت سيطرة حزب الله، مما يكسبه الكثير من المال، مشيرا إلى أن هذا الاستيراد يوفر للنظام السوري 90 بالمئة من احتياجاته من الوقود من لبنان وحده.

ووفقا لتقرير صادر عن موقع "القوات اللبنانية" في 18 يونيو/حزيران 2021 فإن كلفة تهريب المحروقات إلى سوريا تبلغ نحو ملياري دولار سنويا، مؤكدا أن عمليات التهريب تتم بحماية من سماهم "قوى الأمر الواقع" (في إشارة إلى حزب الله).

لكن ما هو ملفت اليوم هو إعلان حزب الله بشكل رسمي أنه سيستخدم موانئ النظام السوري لتزويد لبنان بالوقود الإيراني، عبر إفراغ حمولة الناقلات فيها قبل نقله إلى لبنان برا.

وهذا ما جاء على لسان "نصر الله" في كلمة له بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول 2021، حينما أكد أن حزبه أجرى اتصالات عدة لأنه كان لديه خياران إما أن ترسو السفن على الشواطئ اللبنانية وتفرغ حمولتها، أو تذهب إلى سوريا والتفريغ في ميناء بانياس بمدينة طرطوس.

واستدرك نصر الله قائلا: "ولكي لا نسبب الحرج للدولة اللبنانية، قمنا بالذهاب إلى الخيار الآخر أي أن ترسو السفن في بانياس"، مشيرا إلى أن النظام السوري "سهل الحركة في المرفأ وقام بتأمين صهاريج لنقل المشتقات النفطية إلى لبنان".

وعلى وقع احتفالات شعبية من أنصار حزب الله، دخلت لبنان في 16 سبتمبر/أيلول 2021، 80 شاحنة ذات لوحات سورية محملة بزيت الوقود الإيراني.

وبلغ مجموع حمولة قافلة الشاحنات 4 ملايين لتر وأفرغت حمولتها في مخازن محطات الأمانة التابعة لحزب الله في مدينة بعلبك، والتي أدرجتها وزارة الخزانة الأميركية في فبراير/شباط 2020 على قوائم الإرهاب؛ لارتباطها بـ"مليشيات حزب الله".

وفور دخول الشحنة الإيرانية أكدت وزارة الخارجية الأميركية أن "استيراد النفط ‏من إيران والنشاطات المشابهة تعرض لبنان للخطر".‏

وقالت المتحدثة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأميركية جيرالدين غريفيث، خلال تصريحات صحفية في 19 سبتمبر/أيلول2021 إن بلادها "سعت لإيجاد حلول مستدامة لحل أزمة الطاقة ‏في لبنان"، وأردفت "استيراد المحروقات من دولة خاضعة للعقوبات لا يصب في مصلحة ‏لبنان".

وتبنت الولايات المتحدة في أغسطس/آب 2021، خطة إنقاذ لبنان من أزمة النقص الحادة في إمدادات الكهرباء لنقص وفرة الوقود اللازم لتوليد الطاقة، التي دخل بها منذ يونيو/حزيران 2021، بسبب عدم توافر النقد الأجنبي الكافي لاستيراده.

وقضت خطة واشنطن بإعادة نقل الغاز المصري عبر ما يسمى بـ"إحياء خط الغاز العربي"، الذي توقف عام 2011 ويمر من الأردن ثم سوريا قبل وصوله إلى لبنان، إذ أبدت واشنطن تساهلها بشأن الانفتاح مع النظام السوري في مسألة تزويد لبنان بالغاز.

وعقب ذلك، اتفق وزراء الطاقة في الأردن ولبنان ومصر وسوريا بالعاصمة عمان في 8 سبتمبر/أيلول 2021، على خارطة طريق لتزويد لبنان بالغاز الطبيعي.

عملية استعراضية

تهريب الوقود من لبنان إلى سوريا عبر شبكات حزب الله، كان ضمن سياسة التضييق على اللبنانيين التي اتبعها الحزب، بما يجعله المسبب والمنقذ في الوقت نفسه، لغايات كثيرة يراها مراقبون تصب في مصالحه وحلفائه.

ويحمل كثير من اللبنانيين حزب الله المرتبط بإيران ماليا وعقائديا، بالوقوف وراء تعميق الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بالبلد.

وغالبا ما ينظر الساسة اللبنانيون من الطرف المعادي لحزب الله، إلى أن سفن الدعم الإيرانية لا تحمل الوقود بل تحمل عقوبات جديدة على لبنان، الباحث أكثر عن مد يد العون له من المجتمع الدولي، لا إدخاله في متاهات تريدها طهران ليبقى "المشهد ساخنا".

وفي هذا السياق، رأى الكاتب والباحث السياسي اللبناني أسعد بشارة، أن خطوة استخدام حزب الله موانئ سوريا لإيصال المحروقات إلى لبنان "عبارة عن عملية استعراضية كبيرة هدفها القول إن حزب الله ليس هو سبب الأزمة، وأنه هو من يأتي بالحلول".

وأضاف بشارة لـ"الاستقلال"، أن هذه "العملية الاستعراضية على ما يبدو أنها مرت تحت أنظار الأميركيين والإسرائيليين، بعد دخول ناقلة النفط الإيرانية التي ستتلوها بواخر إلى ميناء بانياس بطرطوس ثم جرى تفريغ كمية معينة ثم بعد ذلك أدخلت إلى لبنان".

وزاد الباحث السياسي بالقول: إن "هذه العملية يحيط بها الكثير من الغموض، بمعنى أن هناك أسئلة حول طبيعة المحروقات، وهل كانت مخزنة داخل سوريا أو جزء منها فقط؟، وهل كل ما دخل هو أصله محروقات إيرانية؟ علما أن طهران لديها مشكلة كبيرة في تكرير النفط".

وذهب بشارة لاعتبار أن هدف نقل الوقود من موانئ سوريا هو "لتنفيس الاحتقان داخل بيئة حزب الله في لبنان وللتأكيد على أنه يأتي بالحلول".

ولفت المحلل اللبناني إلى أنه جرى "اعتماد مرافئ سوريا رغم كل ما يحصل في لبنان لكون لا أحد من الجهات الرسمية يمكنه السماح بإفراغ البواخر الإيرانية في الموانئ اللبنانية بسبب العقوبات التي يمكن أن تطال أي مرفأ يتلقى البترول الإيراني".

اختبار واشنطن

بحث حزب الله عن مكسب سياسي من أزمة الطاقة التي تجتاح لبنان، يعول عليه أيضا النظام السوري، وإن "كان صوريا أو استعراضيا"، لا سيما مع وجود تفاصيل تقنية جمة تعترض ناقلات النفط الإيرانية قبل وصولها إلى سوريا، بدءا من الالتفاف الطويل هربا من الرقابة الأميركية بسبب العقوبات، وصولا إلى إمكانية تعرضها للقصف من إسرائيل، والتي غالبا ما يسودها نوع من التكتم الإعلامي.

إضافة إلى عجز النظام السوري الكامل على تأمين الوقود اللازم لسد احتياجات مناطقه بالأساس، والذي يجتهد حاليا في البحث عن توافقات جديدة مع دول الجوار ربما تساعده في إحداث تغيير جذري بالبنية التحتية المتعلقة بقطاع الكهرباء والمحروقات.

ولعل هذا ما أشار إليه الباحث في مركز "عمران للدراسات الإستراتيجية"، محمد العبد الله، بقوله إنه "في ظل سيطرة إيران على ميناء اللاذقية السوري وما يرتبط بشحنات الوقود القادمة من إيران لصالح لبنان، فهو رسالة ذات مدلول سياسي تريد إيران من خلالها اختبار مدى استمرار تشدد الولايات المتحدة في تطبيق عقوباتها على نظام الأسد".

واعتبر الباحث في حديث مع "الاستقلال"، أن تمرير الوقود من سوريا إلى لبنان يمكن أن يصب في "إعادة تعويم نظام الأسد في ظل ما يمكن تسميته بغض الطرف الأميركي عن هذه الشحنات، وفي ظل الأزمة التي يعيشها لبنان وخوف واشنطن من انفجار الوضع بداخله وهذا ما تلمح إليه التصريحات الأميركية".

وأضاف العبد الله أن "هذا التحليل يتقاطع مع ما أعلن أخيرا عن اقتراح بإرسال الغاز إلى لبنان من مصر عبر الأردن وسوريا، مع ما يؤشر إلى إمكانية إعفاء نظام الأسد من العقوبات في هذه الحالة إذا ما تم تنفيذ هذا المقترح لمعالجة أزمة لبنان".

وختم حديثه قائلا: "نظام الأسد يحاول استثمار أزمة لبنان لفرض إعادة تعويمه وتخفيف العقوبات المفروضة ضده، ومستفيدا من حزب الله في تنفيذ هذا الهدف عبر خلق أزمة وقود داخل لبنان عبر تهريب هذه المادة إلى داخل مناطق النظام والعمل بذات الوقت في محاولة الحزب إظهار نفسه للرأي العام بأن حل أزمة الوقود ستتم بواسطته عبر شحنات وقود إيران".