ناظم الزهاوي.. عراقي فرّ من تهديدات صدام فأصبح وزيرا بريطانيا بارزا

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

من جديد، برز اسم السياسي البريطاني ناظم الزهاوي، بعد تعيينه في 15 سبتمبر/أيلول 2021 وزيرا للتعليم بالحكومة البريطانية، مشيرة إلى أنه أول شخص ينحدر من عشيرة كردية بغدادية عراقية يتمكن من دخول البرلمان عام 2010 عن حزب المحافظين.

صعوده للبرلمان البريطاني كان عن دائرة "ستراتفورد أون آيفون"، وهي منطقة الروائي الشهير وليام شكسبير ومسقط رأسه، ويعتبر الزهاوي (54 عاما) شخصية معروفة في أوساط البريطانيين، كونه رجل أعمال وناشطا بمجال جمع التبرعات للجمعيات الخيرية بالمملكة المتحدة.

مناصب متعاقبة

تسلمه وزارة التعليم لم يكن المنصب الأول في الحكومة البريطانية الحالية، فقد استحدثت المملكة المتحدة منصبا حكوميا جديدا ضمن إجراءاتها لمكافحة فيروس كورونا، وعينت العراقي الأصل الزهاوي، وزيرا للقاحات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.

وفي وقتها، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون: إن "النائب المحافظ الزهاوي سيشرف على أكبر برنامج لقاح في البلاد منذ عقود، وستكون الوزارة الجديدة مسؤولة عن توفير وتوزيع لقاحات كورونا حتى بداية فصل الصيف".

ويعتبر الزهاوي ذو الأصول العراقية المسؤول الأول عن أكبر عملية تلقيح في تاريخ المملكة المتحدة، ويحمل على أكتافه مسؤولية تحصين الأشخاص ما فوق سن 80 عاما مع بداية فبراير/شباط 2021، وهذه الفئة تشكل 88 بالمئة من وفيات كورونا في المملكة المتحدة.

وقال الزهاوي في حينها عن مهمة إنجاح أكبر عملية تلقيح في تاريخ البلاد: "إنها أكبر مهمة سأقدمها للبلاد التي منحتني كل شيء".

وبالتأمل في المسار السياسي للزهاوي، يظهر جليا أن الرجل كان دائما على موعد مع التاريخ باعتباره كان أول شخص منحدر من بلد عربي يصل للبرلمان سنة 2010، وبعدها أصبح أول وزير من أصول عربية يقود عملية حساسة ومعقدة، وهي توفير اللقاح للبريطانيين، مع بلوغ عدد الوفيات في البلاد أكثر من مئة ألف منذ ظهور فيروس كورونا قبل عام.

أشرف الزهاوي لما يقرب من 11 شهرا على إطلاق برنامج لقاح كورونا، وتمكن من الافتخار بقدر لا بأس به من النجاح، خاصة في وقت سابق من عام 2021 عندما تسابقت المملكة المتحدة على العديد من البلدان الأخرى.

وذكر موقع قناة "بي بي سي" البريطاني خلال تقرير نشرته في 15 سبتمبر/ أيلول 2021 أن الزهاوي يفكر في مهاراته الخاصة، ويقول: إنه "يحب التحدي التشغيلي"، وبصفته وزير التعليم الجديد في هذا البلد، يواجه تحديا غير مسبوق يتمثل في ضمان قدرة جيل كامل من الأطفال على اللحاق بالركب بعد أن فاتتهم شهور من الدراسة نتيجة الجائحة.

ونقلت "بي بي سي" عن الرئيس التنفيذي لاتحاد الكليات، ديفيد هيوز، قوله: إن الوزير الجديد "يعرف قطاع الكلية جيدا، وأتوقع تماما أنه سيحمل زمام الأمور ويواصل دعم الكليات ".

كما تم الترحيب بتعيين الزهاوي من قبل مصدر غير متوقع، حيث غردت النائبة العمالية المعارضة جيس فيليبس، قائلة: "لن يكون خياري بوضوح، لكنني أشعر حقا بالارتياح لأطفال برمنغهام بما في ذلك طفلي في هذا الموعد".

وفي تنقيب عن سلفه، أضافت النائبة العمالية: "ناظم مختص والعمل معه سهل".

"الزهاوي" شغل عام 2018، منصب وزير الدولة لشؤون الأطفال والأسر في بريطانيا، حينما كانت تيريزا ماي رئيسة للوزراء، وبقي حتى مع تسلم جونسون رئاسة الحكومة مكانها عام 2019، حيث أسندت إليه وزارة الأعمال بالنظر لخلفيته الاقتصادية.

طفولة مؤلمة

وفي تقرير "بي بي سي" قال الزهاوي عندما كان يتأمل طفولته: "يجب أن أكون أحد أكثر البشر حظا على وجه الأرض"، في إشارة إلى كونه ولد في العراق عام 1967، وكان من السهل إرساله للقتال في الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن العشرين.

وقال الزهاوي في حواره مع برنامج مركز "التفكير السياسي" عام 2021: "كنت سألتحق بالجيش العراقي، وأضطر للذهاب إلى خط المواجهة وربما أموت"، وبدلا من ذلك، أجبر هو ووالداه على الفرار من العراق ونشأ في بريطانيا.

كانت عائلته مؤثرة في البلاد، إذ كان جده محافظ البنك المركزي وظهر توقيعه على الأوراق النقدية للبلاد، ومع ذلك، عندما تولى الراحل صدام حسين السلطة أواخر السبعينيات، تعرضت عائلته للتهديد، بحسب "بي بي سي".

تلقى والد الزهاوي، حارث وهو رجل أعمال، بلاغا بأن السلطات قادمة من أجله وسرعان ما رتب للسفر. واستذكر ابنه قلقه من مشاهدة الطائرة وهي تستعد للإقلاع من مطار بغداد، فبعد أن صعد جميع الركاب إلى الطائرة، صعدت مركبة عسكرية إلى الطائرة.

كانت والدته تبكي عندما رأوا راكبا يخرج من الطائرة، لكن تبين أن الراكب ليس والده، ولكن الرجل الذي كان يجلس خلفه على متن الطائرة. ووصفها الزهاوي بأنها لحظة "طفولة" صادمة طبعها في ذاكرته.

وحين وصل إلى بريطانيا للالتحاق بالمدرسة وهو ابن التاسعة، خاطب والده أستاذ الإنجليزية، قائلا: "طفلكم لديه بعض المشاكل في التعامل مع اللغة الإنجليزية"، وتنقل صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية أن الزهاوي واجه في بداية أيامه الأولى مشاكل في نطق وتعلم اللغة الإنجليزية.

لكن هذا العائق سرعان ما جرى التغلب عليه، لينطلق الزهاوي في مسار دراسي وأكاديمي في مدارس وجامعات مهمة في العاصمة لندن، بداية من مدرسة "كينغز كولدج" في منطقة ويمبلدون، ثم تلقى تعلميه الجامعي في "يونفيرسيتي كولدج" التابعة لجامعة لندن.

وورث الزهاوي عن أسرته حب المبادرة والتجارة، رغم أنها دخلت في أزمة، مما اضطر أسرته للتخلي عن الكثير مما تملكه لتمويل دراسته وكان هو رهانها، وبالفعل كان رهانا رابحا، مباشرة سينتقل هذا الشاب العراقي الأصل للعمل في مشاريع شخصية، بعضها سيصبح اسمها أشهر من نار على العلم في بريطانيا والعالم.

رجل أعمال

قرر الشاب الزهاوي أنه يصبح سائق سيارة صغيرة من أجل مساعدة البيت، لكن والدته أصرت على ذهاب ابنها إلى الجامعة ورهنها لمجوهراتها حتى لا يضطر إلى القلق بشأن الأمور المالية.

بعد دراسة الهندسة الكيميائية في كلية لندن الجامعية، اتبع خطى والده الريادي وأنشأ شركة لبيع سلع "Teletubbies" - وهي شركة اجتذبت استثمارات من السياسي المحافظ آنذاك جيفري آرتشر-. 

في حديثه إلى برنامج "بروفايل - بي بي سي" تذكر اللورد آرتشر الشاب الزهاوي بأنه "منظم مولود، إذ قلت إنني بحاجة إلى ست سيارات أجرة وثلاث طائرات وحافلة ذات طابقين، كل ذلك في 30 دقيقة، ذهب وفعلها".

ويعتبر الزهاوي في الوقت الحالي من أكثر أعضاء حكومة جونسون غنى بفضل مشاريعه الناجحة في العديد من القطاعات، والتي اضطر للتخلي عن إدارتها لصالح زوجته، بسبب التزاماته السياسية.

ولعل درة تاج مشاريع الوزير البريطاني هي مشاركته في تأسيس موقع استطلاعات الرأي "YOU GOV" سنة 2000 رفقة البرلماني السابق عن حزب المحافظين ستيفان شكسبير، وبسرعة حقق الموقع نجاحا كبيرا، وجرى إدراجه في بورصة لندن خلال 5 سنوات من تأسيسه، وحاليا يعتبر الموقع هو الأكبر في مجال استطلاعات الرأي في بريطانيا وله تأثير عالمي.

وواصل الزهاوي مساره في مجال المال والأعمال رغم اقتحامه عالم السياسة سنة 2010، حيث شغل منصب رئيس الإستراتيجيات في شركة لاستخراج النفط والغاز، تعمل أساسا في إقليم كردستان العراق، وظل في المنصب منذ 2015 إلى 2017، أما مصدر ثروته الحالية فهو تأسيسه رفقة زوجته شركة متخصصة في العقار تقدر قيمتها بحوالي 41 مليون جنيه إسترليني.

وتذهب الكثير من التفسيرات إلى أن أحد أسباب تعيين الزهاوي وزيرا للقاحات هو خبرته في التعامل مع وسائل الإعلام، وما راكمه من تجربة في استقراء الرأي العام والتوجه الشعبي، خصوصا في هذه المرحلة حيث تسود حالة الشك وانتشار نظريات المؤامرة حول لقاح كورونا.

ونقلت الكثير من التقارير الإعلامية عن شخصيات عملت مع الزهاوي أنه "رجل أعمال بامتياز وجاد في عمله ولديه الكثير من الطاقة والقدرة على التحرك بسرعة وفعالية"، ولعلها المواصفات التي تحتاجها عملية تلقيح الملايين من البريطانيين.

ويستند ناظم الزهاوي أيضا على خبرته في عمليات توزيع السلع والمنتجات التي سبق أن عمل فيها من خلال الاشتغال مع واحدة من كبرى المجموعات التجارية في بريطانيا.