"تلميح وتلقيح".. لماذا يتحدث السيسي بصيغة الغائب عن يناير والأزهر والإخوان؟
.jpg)
على طريقة أهالي الحارة المصرية في رفض ذكر اسم أعدائهم ووصفهم بـ"إللي ما يتسموش" (من لا يستحق الاسم)، تحدث رئيس النظام عبدالفتاح السيسي عن "ثورة يناير"، وجماعة الإخوان المسلمين، والأزهر الشريف، في أحد مؤتمراته الإعلامية الأخيرة، بصيغة الغائب.
في مؤتمر للإعلان عما أسماه النظام "الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان" من العاصمة الإدارية الجديدة في 11 سبتمبر/ أيلول 2021، اتهم السيسي ثورة يناير/كانون الثاني 2011، بأنها كانت بمثابة "إعلان شهادة وفاة الدولة المصرية".
وفي ذات المؤتمر، اتهم جماعة الإخوان المسلمين بأنها "خلال 90 عاما تسببت فيما وصلت إليه مصر"، كما تحدث عن خلافه مع الأزهر في قضيتي "تجديد الخطاب الديني" و"الطلاق الشفهي"، مدعيا مخالفة المؤسسة الدينية توجهاته.
المثير أن حديث السيسي عن الكيانات الثلاثة جاء بصيغة الغائب والمبني للمجهول، فلم يذكر اسم ثورة يناير وقال: "أحداث 2011"، ولم ينطق اسم "الإخوان" رغم تعريضه بهم عدة مرات، كما تجاهل ذكر اسم الأزهر، رغم إشارته إليه أكثر من مرة.
شهادة وفاة
في معرض حديثه عن عدم تمكن الدولة المصرية من تحقيق الإنجازات خلال السنوات الماضية، قال السيسي: بعد "أحداث 2011، قلت لإعلاميين، إن الدولة أمامها تحديات كثيرة، اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية ودينية وإعلامية".
وأضاف: تلك الأحداث "كانت في تقديري أنا شهادة وفاة للدولة"، مؤكدا أن "2011 كانت إعلانا لشهادة وفاة الدولة المصرية"، دون أن يذكر اسم "ثورة يناير".
وطالما أبدى السيسي انتقادات لثورة يناير، محملا إياها أسباب الكثير من الأزمات في مواقف عديدة، بينها قوله في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2019: إنه "لما البلد كشفت ظهرها وعرت كتفها في 2011 حدثت أزمة سد النهضة الإثيوبي".
وبينما كان يترأس المخابرات الحربية بالجيش، وجد بين ثوار ميدان التحرير، الذي شهد جرائم قتل وقنص للثوار و"كشوف العذرية" لناشطات، وغيرها من جرائم ما سمي بـ"الطرف الثالث" والتي ظهر فيها اسم السيسي خلال (2011- 2012).
وفي رده على اتهام السيسي لثورة يناير بأنها كتبت "شهادة وفاة الدولة المصرية"، قال الحقوقي جمال عيد: "ثورة يناير لم تحدث في مواجهة نظام نيلسون مانديلا (رئيس جنوب إفريقيا الأسبق) أو خوسيه موخيكا (رئيس أوروغواي السابق)".
وأكد عيد، أن "ثورة يناير كانت ضد نظام فاسد مستبد"، في إشارة لنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.
ثورة يناير لم تحدث في مواجهة نظام نيلسون مانديلا او خوسيه موهيكا،
— Gamal Eid (@gamaleid) September 11, 2021
ثورة يناير كانت ضد نظام فاسد مستبد،
وكما قال الابنودي:
الثورة نور واللي طفاها خبيث
يجري ما بين شهدا ومحابيس.
عاشت طاقة النور الوحيدة في تاريخ مصر الحديث.
عاشت ثورة الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.
تعريض بالإخوان
وخلال حديثه، أشار السيسي إلى جماعة الإخوان المسلمين، قائلا: "كانت هناك تحديات أكبر مع وجود عنصر منذ 90 عاما ينخر في عظم وعقل ووعي الإنسان في مصر، 90 سنة بيعمل كدة (هكذا)".
وفي معرض حديثه عن حرية الاعتقاد والكفر، عاود السيسي الحديث عن الإخوان لافتا إلى أن "الدين قرر حرية الاعتقاد؛ ولكن هذا المجتمع على مدار 80 أو 90 سنة يتم صبغه بطريقة أو فكر محدد".
وتابع: "وبالمناسبة مش (لست) مختلفا مع دول (هؤلاء)، لكن بشرط أن يحترم مساري ولا يتقاطع معي ولا يستهدفني".
وواصل حديثه عن الجماعة قائلا: "فكره كدة (هكذا)، أقول إني أحترمه، ولكن سأقبل فكره هذا بشرط ألا يفرضه علي، ولا يضغط علي به، ولا يحول مسار فكره علي وعلى مصر وعلى المجتمع".
وأضاف: "التحديات السياسية كبيرة من قبل 1952 وحتى 2011"، متسائلا: "هل الدولة عملت استقرارا في مفهوم الاستقرار السياسي؟".
وأكد أن الدولة غيرت فكرها ثلاث مرات، في عهد الرئيسين جمال عبدالناصر ثم أنور السادات، "وطوال تلك الفترة كانت تلك الجماعات تنخر في المجتمع ولا تسكت وشكلت ثقافة التشكك وعدم الثقة".
وحذر من عودة الإخوان، قائلا: إن "نتائج التجربة أن هناك دولة خرج منها 16 مليون لاجئ"، في إشارة إلى سوريا.
وتساءل رئيس النظام: "من كان ينظر لهذه الدولة (مصر) في 2010 و2011؟، ويخطط لأن يكون الناتج هو تشكيل خلايا من الإرهابيين والمتطرفين لمدة 50 أو 60 سنة".
وتابع: "مقدرات دولة وأدواتها توضع لدعم فكر، لممارسات فكر متطرف في محيطها وداخلها؛ أمر خطير".
ورغم أن الرئيس الراحل محمد مرسي (2012- 2013) هو من عين السيسي بمنصب وزير الدفاع في 12 أغسطس/آب 2012، إلا أنه انقلب عليه في 3 يوليو/تموز 2013، ونكل به وبأعضاء حكومته ورموز وقيادات وأنصار جماعة الإخوان المسلمين، المنتمي إليها مرسي.
وطالما صدر السيسي للعالم أن انقلابه جاء ليحمي البلاد من "الإرهاب المحتمل"، محملا " الإخوان المسلمين" جميع أزمات وكوارث مصر منذ 90 عاما، فيما صنفها والكثير من أعضائها بأنها "إرهابية".
نشطاء قالوا: إن خلاصة خطاب السيسي الموجه للغرب هو أن "كل كوارث مصر في حقوق الإنسان سببها ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011"، وأنه لولا انقلابه عام 2013 على الرئيس المنتخب ديمقراطيا مرسي لكان "الإرهاب الإسلامي طال العالم كله".
خلاصة خطاب السيسى الموجه للغرب حيث ان الشعب المصرى لا يعنيه!!
— ضد الانقلاب (@smg2907) September 11, 2021
1-كل كوراث مصر فى حقوق الانسان سببها ثورة 25يناير
2-لا تنسوا انه لولا انقلابنا لكان الارهاب الاسلامى طال العالم كله
تجاهل الأزهر
وفي حديثه، أشار السيسي إلى الأزهر الشريف دون ذكره صراحة، قائلا: في موضوع تجديد "الخطاب الديني" وقضية توثيق الطلاق أو (الطلاق الشفهي): "لم أنشف دماغي (أتعنت) مع المؤسسة الدينية التي رفضت هذا".
وأضاف: "أنا تركت الموضوع يتفاعل مع المجتمع ومع تلك المؤسسة ولم أصطدم معها، ليس رفضا للصدام في حد ذاته، ولكن احتراما لمنطق الزمن وتغيير الناس"، دون ذكر اسم الأزهر أو شيخه.
وفي صراع السيسي مع الأزهر الشريف، حديث طويل، بدأ منذ مطلع يناير/كانون الثاني 2015، عندما طالب شيخ الأزهر أحمد الطيب بتجديد الخطاب الديني، وهو ما لم يستجب له الشيخ كما أراد السيسي، ما زاد رقعة الخلاف بينهما.
وتفرجت أزمة ثانية، بعدها بعامين وفي 24 يناير/كانون الثاني 2017، طالب السيسي شيخ الأزهر بعدم الاعتداد بـ"الطلاق الشفهي"، وإقرار الطلاق الموثق، وهو ما رفضه الأزهر بشكل قاطع.
وفي أزمة ثالثة، وفي أغسطس/آب 2020، رفض شيخ الأزهر "قانون دار الإفتاء" المثير للجدل، ووجه خطابا للبرلمان باعتراضاته على بنود القانون، أبرزها تغيير آلية ترشيح واختيار مفتي الديار، ما جعل الحكومة تسحب القانون.
وطالما أثير الحديث في مصر من أنصار النظام، وتعددت المطالب الإعلامية بإقالة شيخ الأزهر من منصبه؛ إلا أن الدستور يحصن المنصب ويمنع إقالة الشيخ أو تعيين بديل عنه إلا في حالة وفاته.
"تلميح وتلقيح"
أحد رموز "ثورة يناير"، المحامي الحقوقي عمرو عبدالهادي، أبدى تعجبه من تعامل السيسي مع الكيانات الثلاثة "الثورة والإخوان والأزهر" بصيغة المجهول والغائب.
وجزم عبدالهادي في حديث لـ"الاستقلال" بأن هذا "جبن منه، في إطار ما اعتاد عليه من التلميح والتلقيح"، مؤكدا أنها "أبدا ليست طريقة شخص مسؤول".
وقال: "خطاب السيسي ليس موجها للمصريين؛ بل لأميركا وبايدن تحديدا؛ لأنه يعلم أن قمة الرئيس الأميركي للديمقراطية في ديسمبر/كانون الأول 2021، والتي لم يدع لها وستكون ضد ممارساته".
ظهور تلك الإستراتيجية يأتي قبل "قمة الديمقراطية" التي دعا لها بايدن في ديسمبر/كانون الأول 2021، والتي لم يدع السيسي لها، ومن المتوقع أن توجه انتقادات لممارساته الحقوقية خلالها.
وقال السيسي باحتفالية إطلاق "الإستراتيجية" إن "الدولة ملتزمة باحترام وحماية الحق في السلامة الجسدية، والحرية الشخصية، والممارسة السياسية، وحرية التعبير، وتكوين الجمعيات الأهلية، والحق في التقاضي، معلنا أن 2022 "عام المجتمع المدني".
وزير الخارجية سامح شكري أكد أن الإستراتيجية "تشكل إضافة للبنية المؤسسية الداعمة لحقوق الإنسان، وتعكس الإرادة السياسية لترجمة الالتزامات الدستورية، وما ارتضته مصر من التزامات بالاتفاقيات الدولية، لواقع ملموس".
فيما زعم مندوب مصر لدى الأمم المتحدة السفير أحمد إيهاب، أن "الإستراتيجية تتضمن الحقوق المدنية والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمرأة والطفل وذوي الإعاقة والشباب وكبار السن، والتثقيف وبناء القدرات".
المعونة الأميركية
ويتخوف السيسي من فرض عقوبات على نظامه أو تقليص المعونات الأميركية للبلاد وللجيش، وهي المطالبات التي يتبناها عدد من أعضاء الكونغرس من "الديمقراطيين".
لا سيما أن إطلاق "الإستراتيجية" يأتي وسط انتقادات محلية ودولية للأوضاع الحقوقية بالبلاد، التي تعاني من انتهاك الحريات الأساسية، واعتقال أكثر من 60 ألف مواطن، وفق منظمات حقوقية.
فقبل 4 أيام من تدشينها، أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، بيانا، عن الحالة الحقوقية المصرية في 7 سبتمبر/ أيلول 2021.
المنظمة، دعت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إلى "إنشاء آلية دولية لرصد حالة حقوق الإنسان والتحقيق في الانتهاكات الجسيمة في مصر".
وطالبت أميركا وكندا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وشركاء مصر الدوليين لفرض عقوبات عليها، وتجميد أصولها، واستهداف المسؤولين المصريين والهيئات المسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان.
ودعت لتطبيق "برنامج عقوبات ماغنيتسكي" الأميركي، ونظام عقوبات حقوق الإنسان بالاتحاد الأوروبي، وفي المملكة المتحدة وكندا، على جهاز الأمن الوطني، ووزراء كبار وكبار مسؤولي النظام العدلي.
كما طالبت بتعليق جميع مبيعات الأسلحة وأدوات مكافحة الإرهاب، والمعدات ذات الصلة بالأمن وذات الاستخدام المزدوج مثل تكنولوجيا المراقبة، بالإضافة إلى التدريب الأمني أو المساعدة لمصر.
وتحصل مصر على مبلغ 2.1 مليار دولار، منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية.
لذا فإن السيسي، حسب عمرو عبدالهادي، "خرج متخبطا، تارة يحاول إثبات أن حربه طائفية، وتارة يخوف أميركا على الأقليات، وأخرى يحاول تحسين شروط العبودية ويطلق مشروعا للحقوق والحريات".
وأكد أن "السيسي جبان يخاف أن يظهر أمام جيشه أن أميركا رفعت دعمها له فينقلب عليه وزير الدفاع محمد زكي؛ لذلك يستجدي إسرائيل لتحسين علاقته مع بايدن حتى يستمر دعم الجيش له".
السياسي المصري يتوقع ألا تكون "الأيام القادمة كما سابقاتها؛ فالسيسي يعتقل 80 ألف مصري وهو مطالب بإخراجهم، وبعد 8 سنوات يريد فرصة جديدة لتصحيح جرائمه".
عبدالهادي، ختم حديثه بالقول: "ما انتهك باليد لا يمكن إصلاحه بالتصريحات والنوايا، وبات واضحا أن السيسي يعاني في بقائه".