تركيا تلحق بركب روسيا وأميركا في "التسليح بلا قيود".. ما القصة؟

إسماعيل يوسف | منذ ١٦ يومًا

12

طباعة

مشاركة

بموجب مرسوم رئاسي، قررت تركيا تعليق العمل بمعاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، التي انضمت إليها في عام 1992، بدءا من 8 أبريل/ نيسان 2024.

المعاهدة تم وضعها في السنوات الأخيرة من الحرب الباردة بهدف وضع قيود على نشر وتصنيع فئات رئيسة من المعدات العسكرية التقليدية في أوروبا، وألزمت بتدمير كميات الأسلحة الزائدة عن حدود المعاهدة.

وجاءت الحرب في أوكرانيا، وتصاعدت الحرب الباردة مجددا بين روسيا من جهة، وأميركا وحلف شمال الأطلسي "ناتو" من جهة ثانية لتضع أكثر من مسمار في نعش هذه المعاهدة.

حيث انسحبت منها روسيا، وعلقت أميركا وحلف الناتو العمل بها، ولم يعد هناك بالتالي مبرر لبقاء تركيا فيها.

خاصة أن هذه المعاهدة تضع قيودا عسكرية ورقابية على إنتاج تركيا من السلاح، في وقت تشهد فيه البلاد طفرة كبيرة في إنتاجها الدفاعي الخاص وتسعى لتوسيع تسويقه.

ما القصة؟

في بيان رسمي، أعلنت وزارة الخارجية التركية، "تعليق العمل" بمعاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، بداية من 8 أبريل/ 2024، مؤكدة أن "ال​​قرار قابل للعدول عنه".

وأوضحت أنه بعد انسحاب روسيا من المعاهدة في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، "لم تكن توجد إمكانية لمواصلة التنفيذ الهادف للاتفاقية".

وأشار إلى أنه في الوقت الحالي فإن أغلبية الدول الأطراف في المعاهدة علقت العمل بها، بينها الولايات المتحدة التي أعلنت أيضا عن قرار التعليق في 7 نوفمبر 2023.

وأبرمت المعاهدة في باريس عام 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1990 ووافق عليها مجلس الوزراء التركي في القرار رقم 92/3250 المؤرخ في 1 يوليو/تموز 1992.

بحسب تقارير تركية ودولية، علقت تركيا العمل بالمعاهدة، ولم تنسحب منها (لأنها مفيدة لأمنها) لسببين.

الأول أن غالبية أطراف المعاهدة انسحبوا منها بالفعل أو علقوا بالعمل بها، خاصة روسيا وأميركا وحلف الناتو الذي تعد تركيا عضوا فيه.

والثاني أن المعاهدة تقيد قدرة تركيا على إنتاج الأسلحة وكمياتها وتسمح بمراقبة أطراف دولية لإنتاجها.

وقبل قرار تركيا تعليق العمل بالاتفاقية، أعلنت روسيا وبيلاروسيا وواشنطن تعليق المشاركة في المعاهدة.

وعن ذلك، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" بالتزامن مع انسحاب واشنطن منها في 7 نوفمبر 2023 إن هذه الخطوة تمنح الولايات المتحدة مرونة أكبر في نشر قوات على جبهتي الناتو الشمالية والجنوبية، بما في ذلك رومانيا وبلغاريا القريبتان من أوكرانيا.

بينما ترى روسيا أن الدفع الأميركي باتجاه توسيع حلف الناتو أدى إلى قيام دول الحلف "بالتحايل علانية" على القيود التي تفرضها المعاهدة على الحلف.

وقالت وزارة الخارجية الروسية، عند انسحابها من الاتفاقية، إن قبول عضوية فنلندا في حلف شمال الأطلسي وطلب السويد الانضمام إلى الحلف يعني أن "المعاهدة ماتت".

وأضافت: حتى الحفاظ الرسمي على معاهدة القوات التقليدية في أوروبا أصبح غير مقبول من وجهة نظر المصالح الأمنية الأساسية لروسيا.

وعلق الناتو على انسحاب روسيا، بالقول إن "هذه الخطوة هي أحدث حلقة في سلسلة من الخطوات التي تقوض الأمن الأوروبي -الأطلسي بشكل منهجي".

معاهدة القوات المسلحة التقليدية

بدأ طرح هذه الاتفاقية في عام 1973، خلال محادثات خفض القوات المشتركة والمتوازنة (MBFR) في فيينا بين الناتو بما فيه الولايات المتحدة، وحلف وارسو، بما فيه الاتحاد السوفيتي.

كان الهدف من هذه المحادثات هو التوصل إلى اتفاق بشأن خفض القوات والأسلحة في أوروبا الوسطى، بحسب "مبادرة التهديد النووي"، وهي منظمة غير حكومية.

وفي 1986، دعا الاتحاد السوفيتي إلى تخفيضات على مستوى أوروبا، واقترح الناتو إنشاء منتدى تفاوضي جديد، يناقش التخفيضات الجديدة.

وفي 1989، اتفق الناتو وحلف وارسو على بدء مفاوضات جديدة بشأن القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، وفي 19 نوفمبر 1990، تم الاتفاق على "معاهدة القوات المسلحة التقليدية" في أوروبا في باريس.

كان الهدف الرئيس للمعاهدة هو تقليل احتمالية وقوع هجوم مسلح مفاجئ وبدء عمليات هجومية كبرى في أوروبا، من خلال منع أي من طرفي الحرب الباردة من حشد قوات لشن هجوم سريع ضد الطرف الآخر.

حيث تم وضع حدود شاملة على فئات رئيسة من المعدات العسكرية التقليدية في أوروبا (من المحيط الأطلسي إلى جبال الأورال) ومنذ ثم وضع إلزام على دول المعاهدة بتدمير كميات الأسلحة الزائدة عن حدود المعاهدة.

ونصت المعاهدة على "الحد من القوات التقليدية" لدول الحلفين العسكريين، وكذلك "الحد من نشر القوات على خط التماس" بين الحلفين، بهدف منع وقوع هجوم مفاجئ وشن هجمات واسعة النطاق في أوروبا.

وعقب زوال حلف وارسو، ثم الاتحاد السوفيتي، وتوسع حلف الناتو، بانضمام دول حلف وارسو السابقة وجمهوريات الاتحاد السوفيتي إليه على عدة مراحل، بدأت آليات المعاهدات المصممة للحفاظ على توازن القوى بين التحالفين العسكري والسياسي تفقد معناها.

حيث تجاوز تكتل الناتو بذلك المستويات التي حددتها له المعاهدة من حيث عدد الأسلحة والمعدات على حساب حصص دول الكتلة الشرقية السابقة وخاصة روسيا ومن بقي في معسكرها.

واستمر حلف الناتو في التوسع شرقا، وانضمت إليه بولندا والتشيك والمجر عام 1999، ثم بلغاريا ورومانيا ولاتفيا وليتوانيا وإستونيا وسلوفاكيا وسلوفينيا عام 2004، قبل أن تحصل كرواتيا وألبانيا على العضوية الكاملة فيه عام 2009.

لذا، تم توقيع نسخة مُعدلة من الاتفاقية في قمة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في إسطنبول عام 1999، تشمل تخفيضات في عدد الأسلحة التقليدية، وتتضمن بروتوكولات إضافية حول الإجراءات المتبعة لتخفيض الأسلحة.

وحددت الاتفاقية حدودا عددية لكل طرف تشمل 40 ألف دبابة قتالية، و60 ألف عربة قتال مدرعة، و40 ألف مدفع، و13 ألفا و600 طائرة حربية، و4 آلاف مروحية هجومية.

لكن المعاهدة المعدلة لم تدخل حيز التنفيذ حيث لم تصدق دول الناتو عليها، وواصلت الالتزام بأحكام نسخة 1990، التي تحدد معايير الأسلحة التقليدية على أساس الموازين السابقة بين الناتو وحلف وارسو!

وقدم الجانب الروسي طلبا لتعديل المعاهدة في الاجتماع الذي دعت له موسكو للدول الموقعة على المعاهدة في فيينا في يوليو عام 2007.

وبعد رفض الطلب الروسي عام 2007، علقت روسيا مشاركتها في معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا "حتى تصدق دول الناتو على اتفاقية التكيف، وتبدأ في تنفيذ هذه الوثيقة بحسن نية"، ثم أوقفت مشاركتها الفعالة فيها عام 2015.

حيث أعلنت روسيا وقف مشاركتها التامة في الاتفاقية في مارس/آذار 2015، مما أثار رد فعل سلبي من الناتو وأشار إلى بداية جديدة للتسلح.

وجاءت الحرب في أوكرانيا التي شكلت أسوأ أزمة في علاقات موسكو مع الغرب منذ الحرب الباردة، لتجهز على الاتفاقية عمليا.

الكلمات المفتاحية