طرد الشركات الصينية من النيجر.. ابتزاز اقتصادي أم استعادة للسيادة؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

أثار طرد النيجر للمديرين التنفيذيين الصينيين في شركة البترول الوطنية الصينية، وإلغاء تراخيص تشغيل فندق مملوك للصين، جدلا واسعا في بكين.

وجاء ذلك بعد أن تعاونت شركة البترول الوطنية الصينية مع حكومة النيجر لأكثر من 20 عاما، وأسهمت بشكل كبير في تنمية الاقتصاد النيجري.

ووصف موقع "فينغهوانغ وانغ" الصيني قرار النيجر بأنه "طعنة في الظهر"، مشيرا إلى أن "عمليات الابتزاز والضغط التي تواجهها الشركات الصينية في إفريقيا باتت أمرا متكررا في السنوات الأخيرة، مقارنة بنظيرتها الغربية".

وفي هذا السياق، يستعرض أسباب طرد النيجر للشركة الصينية، كما يتناول واقع ومستقبل الشركات الصينية في إفريقيا، موضحا أهمية القارة السمراء لاقتصاد بكين.

اتهامات ملفقة

وشهدت النيجر، الدولة غير الساحلية في غرب إفريقيا، أزمة في قطاع الطاقة في 13 مارس/ آذار 2025؛ إذ وقّع قادة الحكومة في النيجر مرسوما طارئا يقضي بإلزام ثلاثة من كبار المسؤولين التنفيذيين الصينيين في شركة البترول الوطنية الصينية بمغادرة البلاد خلال 48 ساعة. 

وفي اليوم نفسه، ألغت وزارة السياحة في النيجر رخصة تشغيل فندق "صن شاين إنترناشيونال"، المملوك لاستثمارات صينية، متهمة إدارته بـ"ممارسات تشغيل تمييزية".

وبحسب الموقع "تعود جذور هذه الأزمة إلى مارس 2024، عندما وقّع المجلس العسكري الحاكم في النيجر اتفاقية مع شركة البترول الوطنية الصينية للحصول على قرض مسبق الدفع، على أن يُسدد من عائدات النفط، وهو إجراء معتاد في مثل هذه الحالات".

وتابع: "غير أن الحكومة النيجرية، التي تعرض اقتصادها للانهيار، في مارس 2025، عجزت عن سداد أصل الدين".

وأردف: “نتيجة لذلك، لجأت السلطات أولا إلى فرض ضرائب مفاجئة على مصفاة النفط المشتركة مع شركة البترول الوطنية الصينية”.

ثم طالبت الشركة بمنحها قرضا جديدا، وبعد رفض الطلب، تصاعدت الأزمة إلى سلسلة الإجراءات المذكورة.

ووفق الموقع، تبرر النيجر قراراتها ضد الشركات الصينية بادعاءات تتعلق بـ "عدم المساواة في الأجور" ووجود "ممارسات تشغيل تمييزية".

وأضاف: "حتى الآن، لا تزال هذه القضية بحاجة إلى مزيد من المتابعة، لكن بعيدا عن هذه الحادثة تحديدا، فإن مثل هذه الاتهامات ليست سوى تهم ملفقة مألوفة جدا بالنسبة للخبراء الذين لديهم خبرة طويلة في العمل داخل القارة الإفريقية".

واستطرد: "في النيجر، لم تكن شركة البترول الوطنية الصينية وافدة جديدة، بل تمتد شراكتها مع البلاد لأكثر من عشرين عاما".

فمنذ دخولها إلى النيجر عام 2003 لاستكشاف وتطوير موارد النفط والغاز، استثمرت الشركة ما بين 4.6 إلى 6 مليارات دولار؛ حيث أنجزت مشاريع رئيسة مثل حقل أغاديم النفطي ومصفاة زندر وخط أنابيب تصدير النفط الخام بين النيجر وبنين.

وأشار الموقع إلى أن "هذه المشاريع أسهمت في تحول النيجر من دولة مستوردة للنفط إلى أخرى مصدرة له، كما أن مصفاتها المحلية تغطي 90 بالمئة من احتياجات البلاد من المشتقات النفطية".

فيما يشكل قطاع النفط 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للنيجر، ويغطي ثُمن إيراداتها الضريبية، وهو "ما يجعل هذه المشاريع النفطية المشتركة حجر الأساس في الاقتصاد الوطني" للدولة الإفريقية.

استعادة السيادة

ورأى الموقع الصيني أن "التطورات السياسية التي شهدتها النيجر في الآونة الأخيرة، كان لها علاقة بقرار طرد الشركات الصينية من البلاد".

ففي يوليو/ تموز 2023، شهدت النيجر انقلابا عسكريا أسفر عن وصول المجلس العسكري إلى السلطة، الذي تبنى سياسة استعادة السيادة على الموارد، في محاولة لتعزيز سيطرتها على ثروات البلاد.

فلا تزال النيجر التي كانت مستعمرة سابقة لباريس، تعاني من هيمنة الشركات الفرنسية على شريانها الاقتصادي؛ إذ تستحوذ الشركات الفرنسية على معظم عائدات التعدين، خاصة اليورانيوم، الذي يُعد عنصرا أساسيا في دعم صناعات باريس بفضل تكلفته المنخفضة.

وأكمل: "بعد وصول المجلس العسكري إلى الحكم، اتخذ القادة الجدد خطوات حاسمة لطرد النفوذ الفرنسي؛ حيث استعانوا بمجموعة فاغنر الروسية لاستعادة السيطرة على مناجم اليورانيوم".

وأضاف: ثم سلكوا نهجا مشابها لموجات التأميم التي اجتاحت أميركا اللاتينية والشرق الأوسط في القرن العشرين، فعملوا على تأميم أصول الشركات الفرنسية تحت شعار "السيادة على الموارد"، ما وفر لهم أموالا قصيرة الأجل ساعدتهم في استقرار الأوضاع السياسية مؤقتا.

"إلا أن طرد النفوذ الفرنسي جر عليهم عقوبات دولية، وحين نفدت تلك الأموال، وجد النظام الجديد نفسه مجددا في أزمة مالية خانقة، ما دفعه للبحث عن مصادر تمويل بديلة".

 وهو ما يُرجح أن يكون أحد الأسباب الرئيسة وراء الأزمة التي تواجهها الشركات الصينية حاليا في النيجر. ومع ذلك، يعتقد الموقع أنه “قد يجرى التوصل في النهاية إلى حل مناسب للقضية”.

"فمن منظور العدالة في الإجراءات التجارية، لا تزال الشركات تمتلك العديد من السبل القانونية والعقدية، سواء من خلال المفاوضات مع الحكومة المحلية أو عبر اللجوء إلى القوانين الدولية، وهو ما قد يؤدي إلى اتفاق يرضي الطرفين ويضمن استمرار المشاريع".

وأوضح أن "دولا مثل النيجر، التي تعاني من ضعف البنية الاقتصادية، تفتقر بشدة إلى الخبرات في إدارة المؤسسات".

ولفت إلى أن "المصانع يمكن أن تكون آلة طباعة أموال في أيدي من يجيد إدارتها، بينما تصبح بلا قيمة في أيدي غير المؤهلين". 

ولذا، رأى الموقع أن "استيلاء الحكومة على الشركات بشكل تعسفي لن يؤدي إلا إلى تفاقم أزمتها المالية، وهي بلا شك تدرك ذلك".

ابتزاز إفريقي

وفتحت هذه القضية ملف الشركات الصينية في القارة السمراء؛ إذ لفت الموقع إلى أن هناك "واقعا أكثر مرارة في إفريقيا ينبغي مواجهته".

وأشار إلى أن "هذا سيناريو متكرر في إفريقيا نُفذ مرات لا تحصى؛ حيث يتم افتعال أزمة، ثم التهديد، فالتفاوض، فالرضوخ لبعض المطالب، ثم جني الفوائد، ثم العودة إلى افتعال أزمة جديدة".

ورأى أن "الشركات الصينية أكثر عرضة للابتزاز وأسهل استهدافا مقارنة بنظيراتها الغربية، دون أن يترتب على ذلك أي عواقب أو ردود فعل انتقامية".

وقال: "بالنسبة للغرب، الشركات ليست مجرد كيانات اقتصادية، بل هي جزء من منظومة متجذرة تشمل النفوذ السياسي والوجود العسكري والتغلغل الثقافي".

"لذا، ما لم تكن الدول الإفريقية مستعدة لتحمل تداعيات قطع العلاقات بالكامل والتعرض لعقوبات دولية قاسية، فإن الشركات والمصالح الغربية في إفريقيا تظل في مأمن نسبي من الاستهداف".

فهذه الدول لا تلجأ بسهولة إلى الابتزاز؛ لأن تكلفة هذه الأفعال تفوق منافعها بكثير"، كما أفاد الموقع.

في المقابل، يرى أن “الوضع مختلف تماما بالنسبة للشركات الصينية، فبكين تمتلك سمعة أكثر نظافة مقارنة بالدول الغربية في القارة الإفريقية”.

كما أنها لم تكن قوة استعمارية، ولا تفرض شروطا سياسية على استثماراتها الاقتصادية، وفق الموقع.

واستدرك: "لكن هذا أدى إلى واقع آخر، ففي كثير من الأحيان، تعمل الشركات الصينية في إفريقيا بصفة كيانات اقتصادية بحتة، دون دعم سياسي أو عسكري، ودون امتلاك أدوات فعالة لمواجهة الابتزاز المستمر".

وتابع: "مع أن لهذه الظاهرة أسبابا معقدة تتعلق بتاريخ الدول الإفريقية وسياساتها وأوضاعها الاقتصادية، إلا أن النتيجة بالنسبة للشركات الصينية تبقى واضحة: الضرر كبير، والخسائر تتكرر بلا حلول فعالة".

موارد حيوية

ورغم تأكيد الموقع على أن "هذا واقع مؤلم"، فقد شدد على "ضرورة بقاء الصين في إفريقيا، وعدم الانسحاب منها".

ودعا إلى "عدم الاستماع إلى القائلين بأن التعاون الصيني مع الدول الإفريقية غير المستقرة والمتخلفة اقتصاديا هو مجرد تبرع بالأموال مقابل سمعة دولية زائفة"، مشددا على أن "هذه الأفكار تعكس فهما قاصرا لطبيعة اقتصاد بكين".

وأقر بحاجة بكين للثروات الإفريقية، بالقول: "الصين هي أكبر دولة صناعية في العالم؛ حيث تستحوذ على نصف الإنتاج الصناعي العالمي، لكنها في الوقت نفسه تعتمد بشدة على استيراد المواد الخام الصناعية والطاقة".

ولفت إلى أن "النظام الصناعي بأكمله قد يتعطل بدون هذه الموارد المستوردة، حتى لو كان العجز في عنصر واحد فقط".

وبالنظر إلى أن "العديد من مصادر الطاقة والمعادن هذه لا تتوفر إلا في إفريقيا"، يشدد الموقع على "ضرورة استيراد الصين لهذه المواد من هناك، بغض النظر عن المخاطر الأمنية أو الأوضاع غير المستقرة".

وأردف: "صحيح أن الغرب قد يحاول خنق الصين تكنولوجيًّا، لكن الحلول التكنولوجية يمكن التوصل إليها بالاستثمار والبحث العلمي، بينما تظل الموارد الطبيعية غير قابلة للاستبدال، وإن انقطعت فقد تكون العواقب كارثية".

وضرب مثالا بالنيجر قائلا: "التعاون الصيني معها يركز على موارد النفط، وهو بالضبط أحد الموارد التي تعاني الصين من نقص حاد فيها؛ حيث تعتمد على الواردات لتلبية أكثر من 70 بالمئة من احتياجاتها السنوية النفطية".

واستطرد: "النفط ليس مجرد سلعة اقتصادية، بل شريان حياة لأي دولة، وأي مصدر إضافي له يعزز أمن الطاقة في الصين، كما يمنحها قدرة تفاوضية أقوى أمام الدول المنتجة التي قد ترفع الأسعار".

واسترسل: "وبالمثل، لا يمكن للصين الاستغناء عن الكونغو الديمقراطية، فهي تعد مصدرا رئيسا لموارد حيوية مثل النحاس والكوبالت والليثيوم، التي تحتل احتياطياتها مواقع متقدمة عالميا".

"إذ تمثل الكونغو وحدها 60 بالمئة من إنتاج الكوبالت العالمي، وإذا تخلت الصين عن هذا المصدر، فلن يكون هناك ما يكفي من الكوبالت عالميا حتى لو خُصص كل الإنتاج العالمي لتلبية احتياجات بكين فقط"، يقول الموقع.

فالكوبالت هو عنصر أساسي في بطاريات السيارات الكهربائية، وسيؤدي أي اضطراب في إمداداته إلى شلل كامل في هذه الصناعة.

علاوة على ذلك، أكد الموقع أن "التجارة المتكافئة والمتبادلة مع الدول الإفريقية تعود بالنفع على بكين؛ حيث توفر أرباحا ملموسة للشركات الصينية، سواء كانت حكومية أو خاصة، كما تسهم في خلق فرص عمل ضخمة، ما يجعلها مصدر رزق لآلاف الأسر".

وبالتالي، يرى أن "التعاون مع إفريقيا ليس مجرد خيار، بل ضرورة إستراتيجية واقتصادية، تتجاوز الحسابات السياسية قصيرة المدى".

وهو ما يُفسر، بحسب رأيه، "استمرار التعاون الاقتصادي الصيني-الإفريقي بقوة خلال العقود الثلاثة الماضية، رغم إدراك المخاطر".

وشدد على أن "هذا التعاون لم يكن مجرد إرادة سياسية، بل أيضا سلوك اقتصادي تلقائي لا يمكن لأي قوة أن تعيقه".

تعزيز الروابط 

ويرى الموقع الصيني أن "نمط التعاون والتطور بين بكين وإفريقيا بدأ يواجه مشكلات جديدة، فخلال العقود الماضية، اعتمدت الصين حصريا على الأدوات الاقتصادية في تعاملها مع القارة، متجنبة التدخل في القضايا السياسية أو العسكرية".

"وعندما تحدث تغيرات سياسية أو اضطرابات اجتماعية، أو حتى تندلع حروب، فإن الخيار الوحيد أمام الشركات الصينية يكون الانسحاب والقبول بالخسائر".

وأضاف: "في الماضي، كانت هذه الخسائر محدودة ويمكن تعويضها بفضل العوائد الضخمة للتعاون الاقتصادي، لكن مع تكرار هذه السيناريوهات وازدياد وتيرتها، أصبح من الواضح أن الاعتماد على سياسة تحمل المخاطر ذاتيا لم يعد كافيا".

وأردف: "استمرار الصين في التعامل مع إفريقيا وفق مبدأ التجارة فقط، لم يعد واقعيا في ظل الظروف الحالية؛ لأن التكلفة والمخاطر بدأت تفوق الفوائد".

"لذا، إذا أرادت الصين تحقيق مكاسب جديدة، فعليها توسيع نطاق إستراتيجياتها لتشمل أدوات أخرى غير اقتصادية، مثل تعزيز النفوذ السياسي وتوسيع التعاون الثقافي، وحتى دراسة تدابير لحماية مواطنيها ومصالحها في الخارج".

ويتابع أن "أكبر تحدي يواجه التعاون الصيني-الإفريقي اليوم هو مسألة الأمن، ومع أن الوصول إلى مستوى النفوذ الغربي في إفريقيا أمر لا يمكن تحقيقه بين ليلة وضحاها، فإن تجاهل هذا الجانب سيؤدي إلى مزيد من التحديات".

وأشار إلى أن "التعاون مع إفريقيا بصفته جزءا لا يتجزأ من الإستراتيجية الصينية، يفرض على بكين مواجهة المخاطر بشكل استباقي، ووضع سياسات أمنية تدريجية ومدروسة لحماية استثماراتها ومصالحها في القارة".

في هذا الإطار، يوصي الموقع الصين بـ "تعزيز  ارتباطها السياسي والثقافي مع الدول الإفريقية، وأن تتحمل المزيد من المسؤولية في مواجهة المخاطر الأمنية التي تواجهها شركاتها هناك".

ورأى أن “هناك العديد من الطرق لتعزيز الأمن، ولا يقتصر الأمر على التدخل العسكري أو نشر القوات”.

بل إن الوجود العسكري المحدود قد يكون غير فعال في كثير من الحالات؛ حيث قد يؤدي إلى تصعيد التوترات، مما يضعف الشرعية بدرجة أكبر من غياب القوات بالأساس، وفق الموقع.

ومن وجهة نظره، "يعتمد ضمان الأمن في جوهره على الفهم العميق للسياسات المحلية، والاندماج مع الأوضاع الاجتماعية للدول الإفريقية".

وتوقع الموقع ازدياد التحديات أمام الشركات الصينية في إفريقيا مع استمرار التقلبات السياسية العالمية.

لذلك، دعا إلى "الاستعداد المبكر والحذر واتخاذ تدابير وقائية شاملة؛ حيث إن الاستثمار منذ الآن في تعزيز الأمن وفهم السياسات والمجتمعات الإفريقية، يجعل بكين أكثر قدرة على تقليل الخسائر عند وقوع الأزمات".

وهو ما يضمن استقرار إمدادات الطاقة والمواد الخام للصين ويقلل من التهديدات التي قد تواجهها مستقبلا.