مشروع قانون.. لهذا تمنع حكومة أخنوش الجمعيات من ملاحقة الفاسدين بالمغرب

a month ago

12

طباعة

مشاركة

وسط تفاعلات واسعة وانتقادات كبيرة في المغرب، صادقت حكومة رجل الأعمال عزيز أخنوش، على تعديل قانوني يحد من سلطة جمعيات المجتمع المدني في متابعة ناهبي المال العام قضائيا، مما يدفع للتساؤل حول أهدافها من حماية المفسدين.

وصادقت الحكومة، في 29 أغسطس/آب 2024، على مشروع قانون الإجراءات الجنائية، والذي يتضمن مادته الثالثة منع الجمعيات من ملاحقة ناهبي الأموال العمومية قضائيا.

وزارة العدل أفادت في بيان بأن المصادقة على التعديلات "هي خطوة مهمة نحو تعزيز العدالة الجنائية وتحديث المنظومة القانونية الوطنية".

وذكرت الوزارة التي أعدت التعديلات، أن هذا المشروع "يهدف إلى استكمال تطبيق بنود إصلاح منظومة العدالة التي دعا إليها الملك محمد السادس في عدة مناسبات".

وقالت إن مشروع القانون الجديد “يعد أحد أهم المشاريع التشريعية التي أطلقتها وزارة العدل، حيث يمثل المحرك الأساسي لمنظومة العدالة الجنائية”.

حماية المفسدين

وينص التعديل على المشروع بأنه "لا يمكن إجراء الأبحاث وإقامة الدعوى العمومية في شأن الجرائم الماسة بالمال العام، إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، بناء على إحالة من المجلس الأعلى للحسابات أو بناء على طلب مشفوع بتقرير من المفتشية العامة للمالية".

وأضاف: "أو من قبل المفتشية العامة للإدارة الترابية (المحلية) أو المفتشيات العامة للوزارات أو من الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها (حكومية)، أو أي هيئة يمنحها القانون صراحة ذلك".

وعلق المحامي وعضو لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب السابق رضا بوكمازي، بالقول إن "توجه وزير العدل عبد اللطيف وهبي لمنع جمعيات حماية المال العام من مقاضاة المنتخبين وموظفي الدولة في شأن شبهات اختلاس المال العام، سيحمي المفسدين".

وأوضح بوكمازي لـ"الاستقلال"، أن هذا الإجراء "سيمنع المواطنين من إمكانية تقديم الشكايات ضد المفسدين منعا كليا"، مشددا على أن "هذا إشكال كبير".

ولفت إلى أن "مقاربة الموضوع تقتضي المزج بين أمرين؛ أولهما حماية حق المدبر (للشأن العام)، وثانيهما حماية الحق في تقديم الشكايات".

ومن وجهة نظر بوكمازي، فإن "البحث في قضايا المال العام المرتبطة بتسيير الشأن العام لا يمكن أن يكون تلقائيا ومتاحا للجميع وخاصة من ذوي الشكاوى الكيدية أمام المحاكم والضابطة القضائية".

ولكن في المقابل، يستدرك البرلماني السابق، "لا يمكننا أن نمنع التقاضي فيما يتعلق بحماية المال العام"، مقترحا أن تكون في العملية “وسطية وتوازن”.

بحيث يكون تقديم الشكاوى من قبل جمعيات حماية المال العام متاحا، إما من خلال التوجه مباشرة للجهات المختصة كالمجالس الجهوية للحسابات والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة أو مفتشية وزارة الداخلية والمالية.

والتي بناء على أبحاثها وتقاريرها تحيل الأمر على المحاكم المختصة إذا اتضح وثبت لديها أن هناك ما يفيد وقوع اختلاس وتبديد للمال العام، وفق بوكمازي.

وتابع: "أو عبر إمكانية تقديم الجمعيات لشكاوى بناء على التقارير المنجزة من قبل الهيئات المذكورة في إطار الإحالة الذاتية وغيرها، وإحالة الأمر على القضاء الجنحي حتى نحفظ من جهة حماية المال العام ومن جهة ثانية أن نحفظ لذلك المدبر كرامته وحقه".

تضييق الخناق

من جانبه، استبعد رئيس فريق “الأصالة والمعاصرة” بالبرلمان (أغلبية)، أحمد التويزي، أن "تكون المسطرة (القانون) الجنائية تهدف إلى التضييق على حماة المال العام، نظرا لما ستأتي به من إجراءات للمساواة بين المواطنين".

وقال التويزي لموقع "آشكاين" المحلي، في 29 أغسطس 2024، إن الإجراءات المرتقبة بمثابة "ثورة فيما يخص المسطرة الجنائية"، مقدرا أنه "لا يمكن أن نلخص كل هذا في أن الغرض منه هو التضييق على حماة المال العام".

وحصر صفة "حماة المال العام في مؤسسات المجلس الأعلى للحسابات، والمفتشية العامة للمالية، وغيرها من المؤسسات الدستورية".

وأضاف التويزي أن “أي مواطن له الحق في أن يقاضي أي مسؤول يسيء للمال العام، ولكن من يقوم بالبحوث الأولى هي المؤسسات الدستورية التي أحدثتها الدولة لهذا الغرض، ومنها المجلس الأعلى للحسابات، التي ينظمها قانون تنظيمي وتضم قضاة يمكنهم جرد شكاوى المواطنين”.

وأردف: "ينفذ بعدها القضاة زيارة للإدارة أو البلدية المعنية بشكاية ما، وإذا وجدوا فيها إشكالية آنذاك لتحال على المحاكمة أو النيابة العامة أو الشرطة".

ونبه رئيس فريق “الأصالة والمعاصرة” إلى أنه "يمكن لشخص مثلا أسقطه منافسه في الانتخابات أن يقوم برفع دعوى كيدية ويجره للمحكمة وللشرطة وفي الأخير يكتشف أن المشتكى به بريء من التهم المنسوبة إليه".

ودعا إلى "البحث في خبايا جمعيات حماية المال العام، من هم وماذا يملكون من أموال، وكيف كانوا وكيف أصبحوا".

وشدد التويزي على أنه "لا يمكن لهذا المشروع بأكمله أن يأتي من أجل إحداث عراقيل لجمعيات؛ حتى لا تحمي المال العام".

وأفاد بأن “هذه الهيئات لديها مسارات لتؤدي دورها في إطار حقوق الإنسان، والحق للوصول للمعلومة، والمراقبة الشعبية على كل من يسير المال العام، وهذا أمر مستحسن، لكن يجب أن نسطرها حتى لا تتطور إلى نوع من الابتزاز، ولا يجب أن يبقى الباب مفتوحا على مصراعيه”، وفق تعبيره.

تفاعلات مجتمعية

وقال حساب "رصد المغربية" عبر "فيسبوك" في 30 أغسطس 2024، إن "المسطرة الجنائية الجديدة تمنع المجتمع المدني من وضع شكايات أمام القضاء بشأن نهب المال العام، وإن شئت فقل هي مسطرة لحماية سارقي المال العام وشرعنة الفساد وتحصين اللصوص.".

أما المحامي عبد الرحمان الباقوري، فقال إن المشروع "خطير جدا"، موضحا أنه "بعد أن حققت الشكايات التي تقدمها مجموعة من الجمعيات نتائج كبيرة، خاصة على مستوى اعتقال العديد من ناهبي ومختلسي المال العام، قام مشروع القانون الجنائي بتجريد الجمعيات من حق تقديم هذه الشكايات".

واسترسل الباقوري في تدوينة عبر "فيسبوك" في 29 أغسطس 2024، "الآن أصبحت الأبحاث في جرائم المال العام لا تجرى إلا بطلب من رئيس النيابة العامة بناء على الإحالة من مؤسسات حصرية".

وأضاف: “الأخطر والأفظع من ذلك، أن ”المشروع غلَّ يد النيابة العامة في إجراء البحث والمتابعة، بعد أن منع على النيابة العامة المتابعة إلا بعد التوصل بتقرير من المؤسسات المذكورة في المادة الثالثة المشار إليها".

أما القيادي بنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، هشام أيت ادرى، فرأى أن ما يقوم به وزير العدل وهبي "خطير جدا".

وشدد أيت ادرى في تدوينة عبر "فيسبوك" في 29 أغسطس، على أن “هذا التعديل إن تم تمريره سيتم القضاء على ما بقي من مجال -رغم قلته- لمحاربة الفساد ونهب المال العام”.

واسترسل: "الآن ورغم امتلاك الجمعيات لحق مقاضاة ناهبي المال العام، نرى عدد المسؤولين الذين هم متورطون في اختلاس المال العام، فما بالك إذا نزع هذا الحق".

وقال أيت ادرى إن "سكوت الأحزاب والنقابات والجمعيات والإعلام والمواطنين عن هذا الأمر خيانة للوطن"، وفق تعبيره، مضيفا، "خصوصا وأن حق اللجوء إلى القضاء هو حق دستوري لكل مواطن ولكل ذي مصلحة يرى إلحاق ضرر بمصلحته من طرف الغير".

وأردف القيادي النقابي: "المال العام هو حق لكل المواطنين، وبالتالي فالمس به والتلاعب به من طرف مدبري الشأن العام هو إلحاق للضرر بكل المواطنين، ويحق لهم عبر جمعيات المجتمع المدني وغيرها اللجوء إلى القضاء لحماية أموالهم العامة".

وبعد مصادقة البرلمان بغرفتيه على هذا القانون ينشر بالجريدة الرسمية ليدخل حيز التنفيذ.

نخبة متورطة

أما المحامي ورئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، فرأى أن “المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية تجعل رئيس النيابة العامة تحت سلطة جهات إدارية ومؤسسات للحكامة”.

وشدد الغلوسي في تدوينة نشرها عبر "فيسبوك" في 30 أغسطس، أن "المادة تشكل تعديا جسيما وتدخلا سافرا في السلطة القضائية، كما تسلب اختصاصا أصيلا للنيابة العامة، والتي ستصبح تحت سلطة ورقابة هذه الجهات".

وأضاف: "ترى ماذا ستفعل هذه الجهات إذا كانت هي نفسها المتورطة في أفعال الفساد واختلاس وتبديد المال العام؟ وماذا سيفعل رئيس النيابة العامة إذا تسترت هذه الإدارات والمؤسسات على أفعال تكتسي مخالفة للقانون الجنائي تورط فيها مسؤولوها الكبار، من قبيل اختلاس وتبديد أموال عمومية".

وشدد الغلوسي على أن "واضعي التعديل ينتمون إلى نخبة متورطة في الفساد والريع والإثراء غير المشروع"، مقدرا أنها "نخبة تعتدي على فصل السلط ودور السلطة القضائية، وتنتهك الدستور والتزامات المغرب الدولية".

وأكد أن "الغاية هي توفير الحماية لرموز الفساد ولصوص المال العام الذين ينتمون إليها، حيث إن جزءا من منتخبي هذه النخبة (برلمانيون، مستشارون جماعيون) متابعون بتهم مشينة تتعلق بجرائم المال العام، والتي تعد جرائم خطيرة".

وأعرب الغلوسي عن أمله "من كل المؤسسات والفاعلين والرأي العام وكل القوى الحية أن تنتبه لخطورة هذا التوجه، وأن تتصدى له، لأنه يشكل في عمقه تحصينا للفساد والريع وتعميقا له في الحياة العامة، وتقويضا لالتزامات المغرب الدولية والوطنية".

من جانبه، قال القيادي في حزب العدالة والتنمية، عبد العزيز أفتاتي، إن "هذه الحكومة المشبوهة لا يمكنها أن تفوت فرصة تشريع ما، وبخاصة مشروع المسطرة الجنائية، دون تحصين كائناتها وتفخيخ المشروع لكل غاية تحصينية في المستقبل".

وأضاف أفتاتي لموقع "العدالة والتنمية" في 29 أغسطس 2024، وذلك "لأنهم يعلمون ما ينتظرهم إذا تغيرت الأمور، وهي متغيرة لا محالة، لأن التدبير بالسلطوية والفساد لا مستقبل له وساقط دون شك".

ورأى أن هذه الحكومة "المشبوهة"، وفق تعبيره، "خادمة لأجندة السلطوية، وتسخير الرأسمال الكبير الريعي في الافتراس، وتركيز الثروات بين أيدي بضع عائلات تتقاسم مجال الأعمال والمال وتتشارك مع الرأسمال الكبير الأجنبي العابر للحدود...".