رغم إنفاق الحكومة.. لماذا المغرب في المركز 120 عالميا بمؤشر التنمية البشرية؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

رغم كل المشاريع الاستثمارية الضخمة والمخصصات المالية الكبيرة للقطاعات الاجتماعية، إلا أن ترتيب المغرب في مؤشر التنمية البشرية ما يزال متأخرا، وسط انتقادات شعبية واسعة.

وبدأ التفاعل المجتمعي مع هذا المؤشر، إثر نشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريره السنوي عن التنمية البشرية 2023/2024، بعنوان: ''الخروج من المأزق– صورة للتعاون في عالم الاستقطاب"؟

وفي هذا التقرير، احتل المغرب المرتبة 120 في مؤشر التنمية البشرية، متقدما عن السنة الماضية بـ 3 درجات فقط.

ونشرت رئاسة الحكومة المغربية تدوينة عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، 15 مارس/آذار 2024، تشيد فيها بالترتيب الجديد للمغرب في مؤشر التنمية البشرية.

وقالت إنه لأول مرة، منذ أكثر من عشر سنوات، يحقق المغرب إنجازا من هذا القبيل، عبر "تحسين ترتيبه الإنمائي بثلاث رتب دفعة واحدة".

وذكرت أن هذا التقدم في الترتيب "جاء نظرا للمجهودات التي تبذلها المملكة في مجال التنمية البشرية، لا سيما في مجالات التعليم والصحة والتنمية الاقتصادية، على نحو يضمن الإدماج الاجتماعي وفرص الإنصاف لجميع المواطنات والمواطنين".

وجاء المغرب في ترتيب متواضع حيث حل في المرتبة 14 عربيا و120 عالميا.

وسبقه في الترتيب عالميا كل من الإمارات (المرتبة 17) ثم البحرين (34) ثم قطر والسعودية (40) والكويت (49) ثم سلطنة عمان (59) ثم ليبيا (92) ثم الجزائر (93) ثم الأردن (99) ثم تونس (101) ثم مصر (105) ثم لبنان (109) ثم فلسطين (111).

إشكالية سياسية

في قراءته لهذا الترتيب، قال الأستاذ الجامعي والبرلماني السابق عبد العزيز أفتاتي، إن المغرب ينقصه إرادة سياسية جازمة وحازمة تقطع التردد والتأرجح في حسم خيار العدالة الاجتماعية التي تعد غاية الغايات.

واسترسل أفتاتي لـ "الاستقلال"، "كما تنقصنا عدالة اجتماعية تضمن الكرامة والعيش اللائق والتعليم اللازم والصحة الضرورية والسكن اللائق والشغل المناسب".

والإرادة السياسية بحسب قوله هي "أن يحكم الشعب نفسه بنفسه في إطار مرجعيته الإسلامية ومقاصدها الكبرى في الحرية والكرامة والعدل والتضامن، ومناهضة الفساد والافتراس والريع والاحتكار وتركيز الثروة بين أيدي بضع عائلات".

وشدد أفتاتي أن هذا الإرادة السياسية تقوم أيضا على التضامن الواسع والمساواة ومنع الفوارق الفاحشة، وتؤمن بنفس التعليم والتكوين للجميع والصحة للعموم وليس تعليما حسب الدخل.

ودعا عضو لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب السابق إلى إنهاء إعادة تدوير البؤس كآلية للتحكم، وكذا باقي الآليات المعروفة التي تنتج الدوران في حلقة مفرغة من "الإصلاحات" المتحكم فيها.

ولذلك، أردف أفتاتي أن أصل ومركز ومحور المعالجة سياسي بالأساس، وأنه "متى توفرت الإرادة السياسية تيسرت سائر مجالات وقضايا الإصلاحات التربوية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الضرورية لتحقيق مؤشرات تنمية بشرية لائقة بالمغرب".

بدوره، قال الباحث الأكاديمي عبد الكريم الكعداوي، إن هذا المؤشر يبرز الاختلال المتواصل في العدالة بسبب الفجوة الكبيرة والمستمرة بين المدن.

واسترسل الكعداوي لـ "الاستقلال": "يطرح المؤشر مجموعة من التحديات المرتبطة بالمساواة في وصول جميع الفئات المجتمعية إلى الخدمات الأساسية، خاصة الصحة والتعليم والسكن، ومعالجة معدلات البطالة المرتفعة".

وأضاف المتحدث ذاته، كلها تحديات تواجه واقع إنتاج الثروة وتوزيعها، كما ورد في خطاب ملكي سابق، حيث إن التقدم الحاصل منذ سنوات لا ينعكس على المستوى المعيشي للمواطن ورفع دخله الفردي.

وموضوعيا، يقول الباحث الأكاديمي، إن مؤشر التنمية البشرية يعتمد على معايير عالمية قد لا تكون مناسبة لجميع البلدان، لا سيما ضمن السياقات الثقافية التي تولي اهتماما أكبر بالجماعة وليس بالفرد فقط.

وأضاف، "المؤشر يُنتقد لتركيزه على المتوسطات، مما قد يخفي الفجوة بين فئات المجتمع المختلفة، ويجعله سهل التلاعب من خلال تقديم الحكومات لمؤشرات تتجاهل مكامن النقص".

وتابع الكعداوي، إضافة إلى ذلك، فإن المؤشر لا يتكيف بشكل سريع مع المتغيرات العالمية، مثل تلك المتعلقة بالمناخ والصراعات والهجرة، مما قد يجعله غير دقيق في العديد من الحالات، ولا يراعي حسابات الاستدامة من حيث النظر إلى الإسقاطات المستقبلية للجهود العامة.

وأردف، فمثلا، وعلى الرغم من ارتفاع مستويات التنمية البشرية في سويسرا (الثالثة عالميا في 2024)، إلا أن معدلات الانتحار ما تزال جد مرتفعة (10.8)، وأعلى بكثير من المتوسط العالمي (7.4 لكل 100 ألف نسمة).

واسترسل، "الشيء نفسه يمكن أن ينطبق على مناطق الصراع والحروب، حيث تبرز مؤشرات مرتفعة نسبيا، لا تنعكس بالضرورة على المكون البشري للتنمية المستدامة، بوصفه وسيلتها وغايتها في نفس الوقت".

وفي المجمل، يقول الكعداوي، إن المقارنة بين الدول، وفق مؤشر التنمية البشرية بشكل منعزل، تبقى غير مثمرة، وهو ما دفع إلى محاولة تعزيز أو تعديل هذا المؤشر بمؤشرات أخرى (الفقر، السعادة.. الخ).

وخلص الباحث الأكاديمي إلى أنه، ورغم كل هذه الملاحظات، يمكن استثمار هذا المؤشر لمعالجة الاختلالات التي قد تعتري التدبير العمومي، وتسطير الأولويات والإستراتيجيات المناسبة بشأنها.

مؤشرات حاكمة

أكد الخبير الاقتصادي رشيد أوراز، أن تقدم المغرب بثلاث مراتب على مستوى التصنيف العالمي في مؤشر التنمية البشرية، "لا يعني أن المملكة قد حققت قفزة نوعية"، بل هي في مرتبة متأخرة.

ورأى أوراز في تصريحات صحفية محلية وتغريدات عبر حسابه على منصة إكس، أن مشكلة المغرب الأساسية، تتجلى في تأخره على مستوى تعميم التعليم ومحاربة التسرب المدرسي، بحيث إن متوسط سنوات الدراسة لدى الفرد المغربي تبقى ضعيفة جدا.

فضلا عن ذلك، يضيف المتحدث ذاته، أن التأخر على مستوى المؤشر المتعلق بالدخل الفردي للمواطن المغربي، يضاف إلى تأخر تعميم التعليم ومحاربة الهدر المدرسي.

وأشار أوراز إلى أن ما يجب فعله لتجاوز معضلة التأخر على مستوى التنمية البشرية، يرتبط أساسا بإصلاح التعليم، وباقي المؤسسات الأساسية وذلك بهدف إطلاق دينامية اقتصادية تحسن النمو على المدى القصير، والتنمية على المدى المتوسط والبعيد.

من جانبه، ذكر الخبير الاقتصادي، نجيب أقصبي، أن الدخل الفردي الضعيف من أبرز العوامل التي تجعل المغرب في هذه الرتبة غير المشرفة.

وأضاف أقصبي لموقع "آشكاين" المحلي، 18 مارس 2024، وفيما يتعلق بالتعليم، فإن "مستوى التمدرس بالمغرب جيد، إذا لم نأخذ في الحسبان الهدر المدرسي بعد الالتحاق".

وأردف: "إذا أخذنا نسبة التمدرس المعلنة في بداية كل سنة يمكن القول إن المغرب قد بلغ 98 بالمئة ولا مشكلة في هذه الناحية".

ولفت الانتباه إلى أن "المشكلة في الشق الثاني من مؤشر التعليم وهو الأمية، والتي مازالت أرقامها مرتفعة، حيث تتجاوز 30 بالمئة، وهو مستوى غير مقبول على جميع المعايير".

وخلص إلى أنه "عندما لا نقوم بالإصلاحات الضرورية ونتأخر فيها، فإن ثقل الإرث يستمر في إنزال البلد لأسفل مؤشر التنمية".

وتفاعل عدد من الباحثين والأكاديميين على وسائل التواصل الاجتماعي بالمغرب مع نتائج هذا المؤشر انتقدوا ضعف ترتيب بلدهم في التنمية البشرية.

وفي هذا الصدد، قال الصحفي المغربي بقناة الجزيرة محمد البقالي، "هناك حاجة لرؤية الحقيقة دون مساحيق ولا "فلترات". الرتبة 120 في سلم التنمية البشرية يجب أن تدفع إلى طرح السؤال بجدية: أين الخلل؟"

وأضاف البقالي في تدوينة عبر فيسبوك، 18 مارس 2024، "أما التشكيك في التقرير، واتهام الأمم المتحدة ومعديه وبقية العالم بالتآمر علينا، فهذا من قبيل دس الرأس في الرمل".

واسترسل، "ولنفترض أن هناك أخطاء في التقرير أو حتى تحاملا، فما هي الرتبة التي سنمنح أنفسنا في مجال التنمية البشرية ونحن نرى حال التعليم وحال الصحة وحال الدخل الفردي وحال الفوارق".

وتابع البقالي: "صحيح هناك جهود كبيرة بذلت على مستوى البنية التحتية واستقطاب الاستثمارات الخارجية، جعلت البلد من بين الأكثر تطورا عربيا وإفريقيا، لكن كما هو معلوم فالبنيان وحده لا يصنع الإنسان".

قراءات متعددة

وانتقد الكاتب الصحفي يونس مسكين، "التطبيل" الحكومي للتقدم بثلاث درجات في هذا المؤشر، قائلا إن البروباغندا الحكومية "هللت" دون حياء لهذا الأمر وكأنه إنجاز يستحق الذكر.

وقال مسكين في افتتاحية نشرها بموقع "صوت المغرب"، 18 مارس 2024، إنه رغم التشكيك الرسمي في هذه المؤشرات منذ بداية الألفية الجديدة، إلا أن خطاب الملك محمد السادس سنة 2014، والذي تساءل فيه "أين الثروة؟"، يثبت أن الدولة اقتنعت أن العطب داخلي.

وتوقف مسكين عند أبرز عناصر هذا المؤشر، ومنه أمل الحياة، مبرزا أنه يبلغ في المغرب 75، في حين يبلغ في الجزائر 77 سنة، مقابل 74 سنة لتونس و72 سنة لليبيا، مشيرا إلى أنه يفوق 80 سنة في 45 دولة، ضمنها إسبانيا وتركيا..

أما مؤشر معدل السنوات التي يقضيها كل مواطن في التعليم، يقول الكاتب، "فهو يجعلنا تلميذا كسولا مغاربيا، حيث بالكاد نتجاوز عتبة ست سنوات، مقابل سبع سنوات يقضيها الجزائري في فصول الدراسة، وحوالي 8 سنوات لكل من التونسي والليبي، بل تتفوق علينا حتى موريتانيا بتحقيقها معدلا يفوق 8 سنوات".

وأبرز أن الفرق سيصبح أكبر وأفدح في العنصر الثالث المتعلق بحصة الفرد من الناتج الداخلي الإجمالي، حيث لا يصل نصيب المواطن المغربي إلى 8 آلاف دولار سنويا، مقابل أكثر من 10 آلاف دولار لكل من الجزائري والتونسي، وقرابة 20 ألف بالنسبة للمواطن الليبي.

واسترسل مسكين، "وهكذا يصبح تخلفنا الإقليمي أوضح وأكثر منطقية"، منتقدا في هذا السياق غياب العدالة في توزيع ثمار النمو، وبقاء فئات كبيرة من المغاربة خارج المشهد التنموي بكل عناصره، خاصة في المناطق البعيدة والقروية والهامشية.

بدوره، قال الناشط السياسي أحمد مدياني، إن "الحقيقة موجعة، لكنها ضرورة للخروج من المأزق".

ودعا مدياني وفق موقع "تيل كيل عربي"، 19 مارس 2024، إلى عدم حصر النقاش في المقارنات بين دول المنطقة، مشددا أن هذا يدخل في الزاوية الخاطئة والضيقة، من حيث إنها جعلت هذه المقارنات جبهة من "جبهات المواجهة".

وشدد مدياني أنه باعتراف المؤسسات الرسمية للدولة، من أعلى سلطة فيها؛ وهي الملكية، وصولا إلى الحلقات الأصغر، ما يزال المغاربة يعانون من الفقر الظاهر منه والمقنع.

وما يزالون يقاتلون للاستفادة من رعاية صحية جيدة ورفاه ينخرهما زحف الاستثمار بجشع في القطاع.

وأضاف، "السواد الأعظم منهم فقد ثقته في التعليم العمومي، ونسبة كبيرة تجد صعوبة في الحصول على فرصة عمل، وإن وجدت، تكون، في الغالب، غير لائقة، وتحت رحمة سطوة رأس المال، بأبشع تجلياته".

ونبه الناشط السياسي إلى أن الاطلاع على تقارير بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط والمجلس الأعلى للحسابات، تكفي للوقوف على حجم التفاوت الاجتماعي والاقتصادي التي تزيد هوتها بالمملكة.

وشدد مدياني أن من أسباب هذا، أن جزءا كبيرا من الذين يتحملون المسؤولية داخل الدولة لا يعملون على تغيير الواقع الذي لا ينال الكذب أرقامه ومؤشراته ونتائج تنزيل سياسته وبرامجه، إن تم تطبيقها كما يجب أصلا، ووضعت إدارتها وتدبيرها وميزانياته.

واسترسل، وما يهم أكثر، هو إنهاء إعطاب التنمية ومحاسبة من تسببوا فيها وهم مستمرون في تكرار الجُرم، دون إعادة تمثيل جرائمهم أمام ضحاياهم.